منهج معاقبة الناجحين!!
بقلم: أ. سالم الفلاحات
فن التعطيل وكراهية الإنجاز الحقيقي، ومقاومة النجاح، وبخس الناس أشياءهم رجاءَ الفشل للآخرين، ووضع العصي في دواليب التقدم.. إستراتيجية لدى البعض يفخر بها وإن كان لا يُسميها باسمها الحقيقي، ولكنها حقيقة موجودة وقائمة ومؤلمة أشد الإيلام.
ومن البداهة بمكانٍ أن ينحني المجتمع والدولة إجلالاً وإكرامًا للمبدعين، بل اكتشافهم والبحث عنهم والأخذ بأيديهم وتذليل الصعوبات التي تعترضهم ثم الاعتزاز بهم، فهم ثروة الوطن وبناة المجتمع والرصيد الثابت له.
في مجتمعنا الأردني الكثير من هؤلاء أفرادًا ومؤسساتٍ ومجموعاتٍ وجمعياتٍ ينال إنجازها القاصي والداني، وتصل بخيرها ونفعها ما لم تصل إليها في بعض الأحيان المؤسسات مدفوعة الأجر التي تأكل من موازنة الدولة، وهذه المؤسسات الرائدة هي نتاج ثقافة إسلامية راقية، وخلق إنساني أردني متقدم حقًا، ودليل على وجود ثروات بشرية متفانية في خدمة الآخر في مجتمعنا دون رجاء الجزاء أو الشكر أو المنفعة الزائلة.
إلا أنَّ هذه المؤسسات لا تحظى بدعمٍ رسمي ويا ليتها مع فقدانها لهذا الدعم الذي تستحقه تسلم من الهدم والقضم والوعد والوعيد وتصيد الأخطاء بل وافتعالها أحيانًا.
إنَّ مؤسسة أردنية مثل النقابات المهنية يحس كل مواطن في الأردن أنه ينتمي إليها بصورة من الصور مهما كان توجهه السياسي ووصفه المهني، وإن كان لكل حزب سياسي لون خاص حسب توجهه ورؤاه مما يخالف به غيره من أحزاب أخرى، مع أنَّ أكثر أحزابنا السياسية الأردنية مختلفة وفي أيديولوجياتها وآرائها السياسية السابقة، إلا إنها تجتمع تحت مظلة الهمِّ الوطني الواحد الذي يعم الجميع، فتنسق بين بعضها تنسيقًا مقدرًا على مستوى عالمي: الإسلامي والقومي واليساري وغيرها.
والنقابات وهي مؤسسة وطنية ومهنية شاملة هي خادمة لمنتسبيها في مهنهم وفي أعمالهم، فهي بيوت خبرة فنية لمنتسبيها وهي بيت وطني أردني للجميع، وأي نشاط تقوم به يحس الأردني، بل والعربي إنه معني به إسلاميًّا كان أو قوميًّا أو يساريًا أو وطنيًا.
ف فلسطين و العراق والحريات، والاقتصاد الأردني، ومقاومة الاختراق الصهيوني الاقتصادي والثقافي والسياسي والاجتماعي، وسلامة صحة المواطن وطعامه وشرابه، وقوة بناء مسكنه، ونجاح زراعته وتسويق منتجاته وهكذا، فكلها مشتركة بين الجميع والعناية بها وإصلاحها وتطويرها يلامس اهتمام كل مواطن مهما كان منهجه الفكري والسياسي ووصفه الوظيفي والاجتماعي.
لمصلحة مَن تُعاقب النقابات بهذا الأسلوب، وكأنَّ شرًا مستطيرًا وخطرًا داهمًا وقع علينا بسبب "إجرام" هذه النقابات الوطنية التي تستحق الدعم وتكريم رجالها بدلاً من ضربهم وإيذائهم وهم من كرام أبناء هذا الوطن، فَلِم معاقبة الناجحين وتثبيط المبدعين الذين يجتمع حولهم في قضايا الوطن كلها ما لا يجتمع على أي مؤسسة أخرى منفردة، ومن قال إنَّ الفقه الوطني الأردني يُسامح أي مواطن فيه من القيام بواجبه تجاهه في جميع المجالات العامة التي نستنهض المواطن فيها ونستثير فيه انتماءه للأردن ومواطنته الحقيقية.
إنَّ هذا النهج مدمر قاتل لا محالة، وليست هذه النظرة مقتصرة على النقابات المهنية، بل تتعداها للجمعيات والمؤسسات التطوعية الأخرى والتي مضى على بعضها ما يزيد عن أربعين عامًا كجمعية المركز الإسلامي الخيرية الأردنية والتي يقوم على رئاستها أردنيون متطوعون ممَن يشهد لهم بالخيرية ونظافة اليد والحرص الدقيق على المصلحة العامة والإسهام في رفع بعض المعاناة عن أبناء الوطن الذين ضاقت بهم السبل.
أن تُنشئ مثل هذه الجمعية- جمعية المركز الإسلامي- عشرات المراكز الطبية المنتشرة في مدن الأردن وأريافه؛ حيث تقدم الخدمة شبه المجانية للمحتاجين وعشرات المراكز لرعاية الايتام والعناية بهم ورسم البسمة على وجوههم.
ومع ذلك يخضعون عملهم لرقابة صارمة ومحاسبة مستمرة أهمها الرقابة الذاتية ولم يتقاض رئيس الجمعية الأسبق الأستاذ محمد عبدالرحمن خليفة- حفظه الله- فلسًا واحدًا طيلة رئاسته للجمعية ولا المرحوم بإذن الله د. قنديل شاكر ولا رئيسها الحالي الأستاذ داود قوجق الذي آثر أن يخدم وطنه والمحتاجين من أبناء شعبه رغم مرضه ووضعه الصحي دون أن يأخذ شيئًا.
إنها إنجازات في مؤسسات أردنية تطوعية يحسدهم قصير النظر ويحاربها المغرضون، ويحيكون لها الدسائس، وإن كان كل عمل لا يخلو من النقص- والكمال لله وحده- فإنَّ علاج الخطأ إنْ حصلَ التصويب والنصيحة وليس الشطب والاستغناء.
إنَّ المرض الذي أشرنا إليه كاد أن يستشري ويستفحل، وإن بقي الأمر على هذا الحال فإنَّ مثلنا كمثل مَن يهدم بيته بنفسه، وينحر صدره بسيفه، ويحصر كل المنتمين لأمتهم ووطنهم في زاوية ضيقة فتموت المبادرات في الأمة ويتوارى فيها المبدعون المخلصون.
رفقًا بالنقابات المهنية فهي ليست جدار الفصل العنصري ولا شارون ولا الفساد المالي والإداري الذي يعلو الصراخ الرسمي منه، افسحوا لها المجال في الإعلام وادعموها ومكنوها من خدمة الأردن، وكذلك الجمعيات الناجحة والمؤسسات التطوعية الرائدة وكل مَن وهب نفسه لنفع الغير.
وعسى أن يحفظ الله كل إنجازٍ ويثيب كل بانٍ، يقبض على جمر الحق والوطن، وينتصر لكل مظلوم.
المصدر
- مقال:منهج معاقبة الناجحين!!إخوان اون لاين