العرب.. والديمقراطية.. وأمريكا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢١:٥٧، ٢٨ يناير ٢٠١٢ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "العرب.. والديمقراطية.. وأمريكا" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العرب.. والديمقراطية.. وأمريكا
30-07-2003
جامعة الدول العربية

تعيش الأمة العربية اليوم هاجس الاستقلال من جديد، كما أنها تعيش أمل الديمقراطية، وفي خلفية المشهد كله تقف الولايات المتحدة الأمريكية، فهي التي ورثت مستعمرات الإمبراطورتين البريطانية والفرنسية، وهي التي جاءت بقضها وقضيضها، بعتادها وجنودها، بجيوشها ورجال أعمالها لتحتل قُطرًا عربيًا غاليًا على كل العرب، بل على كل المسلمين، بغداد عاصمة الرشيد وفخر الحضارة الإسلامية، ولتصنع منه كما تزعم وتدعي نموذجًا ديمقراطيًا.

وأمريكا أيضًا هي صاحبة المبادرة الشهيرة "الشراكة من أجل الديمقراطية" التي أطلقها السيد "كولن باول" وزير الخارجية قبل الحرب على العراق واحتلال أراضيه، وهي التي جعلت ضمن أهداف حملتها الاستعمارية الحالية تعزيز الديمقراطية في المنطقة العربية، وهي التي جعلت على لسان وزير دفاعها المتعجرف "رامسفيلد"، الهدف الوحيد الآن إعادة تغيير وتشكيل المنطقة.

عاد العرب إذن من جديد ليكتشفوا أنهم لم يحققوا- في الحقيقة- هدفًا خالصًا تمامًا طوال القرن الماضي الذي شهد نهضتهم الكبرى، بدءًا بثورتهم العربية الكبرى ومرورًا بإقامة بريطانية خالصة، انتهاءً بالنضال من أجل قضيتهم المركزية الأولى وهي تحرير فلسطين لمدة تزيد على نصف القرن الماضي، اكتشف العرب أنهم لم يعيشوا إلا وهْم الاستقلال، وعانوا فساد الحكم واستبداده، كما أنهم تراجعوا الدوام في الشأن الفلسطيني الذي أصبح على أيديهم الآن وبرعاية أمريكية شأنًا أمنيًا خالصًا، لا أمل فيه إلا في تحقيق الأمن للكيان الصهيوني برعاية فلسطينية، وتحقيق التفوق الاقتصادي لهذا الكيان على حساب أمة العربية في منتدى شرق أوسطي برعاية أمريكية- أوربية، كل ذلك في مقابل تحسين أحوال الفلسطينيين تحت الاحتلال، ومنع الاجتياحات وتقليص الاغتيالات..إلخ، إذن أهدافنا تحقق بعضها ولكن مشوب بالحسرة والكمد. هل معنى ذلك أننا- كعرب- لم نحقق شيئًا؟!

أعتقد أن القول بذلك هو اعتساف للحقيقة، وتجنٍّ على الواقع.

لقد حاولنا وجاهدنا وحققنا بعض ما نصْبوا إليه، ولكن مسيرتنا تعرقلت وتم إعاقتها.

والدليل أننا حققنا بعض ما نريد:

أولاً: عودة الاحتلال السافر من جديد، فلماذا يعود إلاَّ إذا شعر بأنه مصالحه مهددة وأن وكلاءه أو حراس مصالحه باتوا مهددين.

ثانيًا: أن مصير الكيان الصهيوني أصبح مهددًا بفعل انتفاضة الأقصى الباسلة، التي كبدته في ألف يوم "لاحظ أن "شارون" تعهد بالقضاء عليها في مائة يوم" أكثر مما كبدت الجيوش العربية مجتمعة في حروبها الخمسة، وأن العمليات الفلسطينية أصابت في العمق وأصبح مستقبل الدولة الصهيونية على المحك، اقتصاديًا وديموجرافيًا وسياسيًا، مما دعا "بوش" إلى التعهد ببقاء الدولة الصهيونية يهودية بكل ما يعنيه ذلك من دلالات.

ويُضاف إلى ذلك الشعور الشعبي الجارف الآن في الأمة العربية بأنه لابد من وقفه للمراجعة الأمينة لمسيرة العرب الثورية والاشتراكية والوحدوية والقومية خلال النصف القرن الماضي، حيث يشعر الجميع أن هناك من خدعهم طوال هذه المدة.

يأتي على رأس هؤلاء المخادعين الثوار المتحمسون، الذين قد يكونوا تحلوا بالإخلاص إلا أنهم قطعوا الطريق على نهضت حقيقية تبينها الشعوب بسواعدها، وأحموا التفكير والإبداع وحولوا الجماهير إلى قطعان من الشغيلة وفقط.

وينضم إلى الحكام طائفة المثقفين الذين برروا مصادرة حقوق الأمة، وحذروا الناس طوال فترات الحكم الثوري، واستوردوا نظريات من الشرق والغرب؛ لصرف الناس عن هويتهم الحقيقية، لاشك أن من بينهم مخلصين، لكنهم كانوا قلة وللأسف سايروا وساروا مع التيار العريض، وبعضهم اليوم يروج للوهم الأمريكي.

ومعهم للأسف الشديد علماء ومفكرون من كافة الاتجاهات، في الدين والجامعات وفي مجالات التصنيع والتجارة صمتوا عن الحق أو ساهموا في تغيب الوعي فكانت النتيجة هو ما نعيشه من حال التخلف في التنمية الإنسانية والبشرية التي جعلت الأمة العربية في تلك الحال التي ترصدها تقارير التنمية بأيدي عربية في برنامج "الإنماء التابع للأمم المتحدة" صدر العام الماضي 2002م" أو في آخر التقارير التي صدرت عن التنمية في العالم "2003م

وكلها للأسف ترصد مشاكل الأمة العربية، وتؤكد على أمور ثلاثة هي:

- افتقاد الأمة العربية إلى الحكم الصالح أو بالمفهوم الغربي: الديمقراطية.

- تراجع وضع المرأة العربية في ظل تدهور المجتمعات.

- حال التخلف العلمي والتقني وانتشار الأمية: أمية القراءة والكتابة فضلاً عن أمية الكبيوتر والـ HT.

ويواكب ذلك كله فساد اقتصادي رهيب أدى إلى تفسخ اجتماعي صعب يظهر في معدلات التنمية السالبة، ومعها زيادة سكانية متصاعدة، وديون داخلية وخارجية باهظة يُواكبها نزيف الثروات العربية والعقول إلى الخارج، وتدني معدلات الاستثمار أو التجارة البينية بين البلاد العربية.

والآن أصبحت الأمة العربية، ومعها الإسلامية، متهمة بإثارة القلاقل في العالم كله لهذه الأسباب السابقة، ولغيرها مما هو في نفس يعقوب وتظهره فلتات اللسان بين حين وآخر.

الأمة مهددة ومتهمة بسبب عقيدتها وثقافتها التي تُحيي روح الاستشهاد.

وهي الروح التي بعثت الحياة من جديد في القضايا التي ماتت ومنها القضية الفلسطينية، ولا ينسى الغرب وبالذات أمريكا أن هذه الروح هي التي جعلت 19 شابًا "إن صحت نسبتهم إلى العربية الإسلامية" يبثون الرعب في قلب أمريكا ويهزونها من الأعماق.

الأمة متهمة بأن الاستبداد والديكتاتورية التي حكمتها لنصف قرن أو يزيد والفساد جعلت معدلات الهجرة إلى أوروبا تتزايد، وقوارب المتسللين- رغم المخاطر- لا تنقطع وأصبحت هناك أحياء عشوائية على هوامش المدن الكبرى في إيطاليا وفرنسا وغيرها تبعث القلق في قادة الاتحاد الأوربي حول مستقبل هذا الاتحاد الوليد.

وهكذا أصبحت "الديمقراطية" هي الحل السحري لكل المشكلات، وهي المعجزة التي ينتظرها الجميع، وهي السبيل الوحيد للخروج من المأزق الراهن.

هذه الديمقراطية التي يُجاهد من أجل ترسيخها كل التيارات السياسية دون استثناء في العالم العربي، إسلامية- قومية- ويسارية- وليبرالية.

والتي تعارض كافة نظم الحكم الراسخة في بلادنا تطويرها وتنمينها ولو بالتدريج أو التقسيط المريح؛ لأنها في جوهرها تعني التداول السلمي على السلطة، ولذك ترفضها كافة النظم: ملكية لا تريد أن تتحول إلى ملكية دستورية يمارس الحكم فيها وزارات برلمانية، جمهورية ثورية تريد أن تتحول اليوم إلى جمهورية ملكية يتم توريث الحكم فيها لسلامة لا تجري في عروقها الدماء الزرقاء، ولا نظم عسكرية متجملة باللباس المدني.

وهنا يأتي التدخل الأمريكي لفرض الديمقراطية بالعصا الغليظة، وعبر إجراءات محددة وبالترغيب حينًا وبالترهيب أحيانًا.

والسؤال المحدد الملح: هل يمكننا أن نثق بوعود أمريكا؟!

والسؤال الأكثر إلحاحًا: ما هي مصالح أمريكا التي تريد حمايتها بغرض الديمقراطية؟!

وسؤال آخر افتراضي: إذا نجحت أمريكا في تغيير المنطقة وفرض الديمقراطية، فما هي ملامح تلك الديمقراطية الأمريكية.

وسؤال آخر بديل: إذا كنا نرفض فرض الديمقراطية الأمريكية؛ لأننا لا نثق بوعود أمريكا التي فاقت مواعيد عرقوب، ولأننا نشك في نوايا أمريكا، ونعرف أنها تُريد حماية مصالحه لا مصالحنا، وهي غالبًا متعارضة "المصالح"، ولإن ملامح تلك الديمقراطية الأمريكية واضحة تبدو من فلتات اللسان، هو البديل المتاح لنا؟ وهل نتخلى عن حلمنا بالديمقراطية أو الحكم الصالح؟!

أعتقد أن نقطة البداية السليمة هي تشخيص أمراضنا بدقة، ومعها تاريخ المرض ومعرفة الأسباب والمؤثرات حتى نضع العلاج الصحيح.

الظواهر كما سبق لا تخفى على أحد، وتاريخ المرض بما فيها من نوبات صحور انتكاسات شديدة واضحة للعيان، قد تختلف على الأسباب والمؤثرات.

في تقديري أهم الأسباب هي: فقدان الهوية الحضارية مما أدى إلى خصام نكد بين العروبة والإسلام، العروبة دعاء تملأه رسالة الإسلام، وإذا كان العرب أمة واحدة فإن التاريخ لم يعرف لهم رسالة إلا حمل لواء الإسلام إلى العالمين، وإذا كان هذا رصيدنا الحضاري فلماذا نستورد ما ترفضه الأمة من أفكار؟!

يلي ذلك في الأسباب: التجزئة والتفتيت الذي قد يصل اليوم على الأيادي الأمريكية إلى مزيد من التشرذم، والمثال واضح في العراق، وتجارب الوحدة الفاشلة مريرة ولم تؤد إلا إلى مزيد من الإصرار على تجاوز الواقع الأليم؛ لأن كل عربي يعلم أنه لا مستقبل للعرب في عالم لا يحترم الكيانات الكبيرة إلا بالوحدة، وهذه الوحدة تبدأ وطنية وتستمر عربية حتى تنتهي إسلامية، وحدة تحققها العقيدة تبعثها المصالح المشتركة، وحدة تبني بإرادة الشعوب الحرة، وليس تفرضها مصالح الطبقات الحاكمة أو أوهام الزعامة الضالة.

كما أن الظواهر الثلاثة المدمرة تصلح أيضًا أسبابًا لما نحن فيه، أعني بها:

الاستبداد- الفساد- التخلف، وهي متشابكة يغذي بعضها بعضًا، ويؤدي كل منها إلى البقية، فالاستبداد هو الذي يثمر الفساد، وينتج التخلف ويفرغ العنف والتطرف.

من أجل علاج الأسباب الكامنة والظواهر المرضية السابقة وتداعياتها الخطيرة تمثل الحرية بالنسبة إلى الأمة العربية الباب إلى الأمل الفسيح، وضمن إجراءات الحرية تأتي الديمقراطية كوسيلة للمشاركة في القرار، وتحمل جزء من مسئولية الحكم وآلية لتداول السلطة بشكل سلمي، من أجل بناء برلمان حر نزيه يُمارس سلطات الرقابة والتشريع، وإدارة نقاش مسئول عن كل الأوضاع ومحاسبة الحكومات وتنفيذ الدستور والقانون وإعلاء إرادة الأمة فوق إرادة الحكومة وإرضاء الحاجات الشعبية بديلاً عن إرضاء الحاكم الفرد.

هذه الديمقراطية في طبعتها العربية الإسلامية ستكون لها نكهة خاصة يمكننا بها الاقتراب من الشورى الإسلامية التي أمر الله بها بحيث تتحول إلى خلق وثقافة قبل أن تكون وسائل وأدوات تحميها وتحرسها نصوص الشريعة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها بدلاً من أن تلعب بها أهواء الحكام ورغبات النخب المثقفة، بحيث تتحول إلى ممارسة حقيقية وراشدة في البيت والمدرسة، في الديوان والمصنع، في المعهد والجامعة.. في كل مكان، فتسود قيم التسامح وحرية الرأي وقبول المخالف والسعي إلى الصلاح وتحترم التعددية التي هي من سنن الله في الاجتماع البشري بل في الخلق والتكوين.

تريد أمريكا إذن أن تفرض علينا ديمقراطيتها هي لا ما نرغب نحن فيه، ومع ذلك فإن تجد أكثر من 10% -إذا أجرينا استفتاءً حرًا- يثقون بوعود أمريكا، لسبب آخر يعترفون به الآن: أنها قد تكون نجحت في إزالة خطر نظم تهددها ولكنها وبجدارة شديدة فشلت في بناء أي نظام ديمقراطي كبديل، فضلاً عن تحقيق الاستقرار في أي بلد احتلته، وتشهد على ذلك افتتاحيات مجلة "النيوزويك" الأخيرة. وكما يقول الأستاذ هيكل: إن الإمبراطوريات الكبرى ليست جمعيات خيرية توزع الهبات والمنح والعطايا، كما هو معلوم فإن أمريكا تنفق الآن يوميًا في العراق ملايين أو مليارات الدولارات "هناك حوالي 200 ألف جندي ومدني أمريكي مرشحون للزيادة" فكيف يستقيم إرساء ديمقراطية مع الحاجة إلى استرداد تلك النفقات، فضلاً عن عائد استثمارها؟!

إذن نحن أمام عملية نهب منظم ومقنن يراد إقناعنا به.

وملامح الديمقراطية الأمريكية تتجلى في نموذجها "العراقي" المحتمل، فضلاً عن النموذج الدائم في دولة الكيان الصهيوني، هي ديمقراطية "الاقصاء والإبعاد".

فهي عنصرية بامتياز في فلسطين المحتلة 1948، ونازية بامتيار في المحتلة 1967م، وباعتراف "بوش" الأخير بيهودية الدول العنصرية يكون ذلك إقرارًا بشكل واحة الديمقراطية في المنطقة العربية كما يروج الصهاينة.

وهي في العراق تستبعد قريبًا جدًا القوى المعارضة سلميًا لهذا الاحتلال، لذلك هي تريد أن تبدأ بتغيير البيئة الثقافية، وأن تغير المناهج التعليمية، وأن تجدد الخطاب الديني، وأن تراقب خطب الجمعة في المساجد، وأن تعيد تشكيل العقيدة الإسلامية من جديد لأي هدف؟ يقال لنا.. بهدف قبول الآخر، أي آخر؟

الآخر الصهيوني كأمر يستمد وجوده من الحق التاريخي التلمودي والتوراتي، وليس كما يرضى العرب الرسميون اليوم كأمر واقع لابد من التعايش معه، والآخر الأمريكي العسكري، كاحتلال جديد يتذرع بحماية حقوق الإنسان أو القضاء على الإرهاب أو إرساء الديمقراطيات، ديمقراطية تطبق مبدأ "بوش" إما معنا أو ضدنا. فمن كان معهم فليتمتع بالفتات من خيرات البلاد، ومن كان ضدهم فالإقصاء والإبعاد ثم النفي والتشريد ثم معتقلات مثل "جوانتا نامو" ومحاكمات عسكرية أو اغتيالات يومية مثلما يحدث في فلسطين برعاية أمريكية.

إننا كما لا نثق بالوعود الأمريكية، فإن رفضنا للملامح الواضحة للديمقراطية الأمريكية أشد وأقوى.

فما هو البديل أمامنا؟

البديل أن نجاهد على كل الجبهات لإحداث اختراق ما يعين الأمة العربية على الخروج من المأزق الراهن.

البديل أن تتقارب القوى الحية في الأمة العربية والإسلامية من كل التيارات، وأن تتفاهم على برنامج عملي يقترب من تحقيق حلم هذه الأمة في الاستقلال والحرية، وفي الحكم الصالح القائم على الشورى والديمقراطية، وفي التنمية الإنسانية الشاملة التي تخرجها من حال التخلف والفساد وتقطع الطريق على العنف الأعمى والتطرف والغلو.

البديل أن نرفع شعار "الإصلاح الشامل" الذي تتضافر عليه قوى الأمة جميعًا، والذي يشارك في صنعه- من أجل المستقبل- كل المواطنين على قدم المساواة، مثقفون وعامة، عسكريون ومدنيون، مسلمون وغير مسلمين، عرب وغير عرب.

البديل أن نصرَّ على أن الحريات العامة يجب أن تنتزع لصالح الشعوب، وأن الانتخابات الحرة النزيهة لم تعد ترفًا يمكن تأجيله، وأن علاج عيوب الانتخابات يكون بمزيد من الشفافية والصلاحيات الحقيقية للبرلمانات حتى تستطيع الشعوب مراقبة هذه البرلمانات فتقدر على تغيير الوجوه، وتكتشف صلاحية البرامج بدلاً من تعليق الفشل- فقط- في رقبة الحكومات، فتختفي الوجوه التي احتكرت الساحة لعشرات السننين، ولعبت على كل الحبال، وينتهي زمن "رجال لكل العصور".

قد تساهم الضغوط الأمريكية اليومَ في إحداث الاختراق المطلوب في بعض الجبهات، خاصةً على جبهة الحريات العامة ونظافة الحكم.

وستتعارض هذه الضغوط مع الإصلاح الشامل الذي نريده، خاصةً على جبهة الهوية الحضارية والثقافية لهذه الأمة، وعلى جبهة الصراع ضد الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين، وعلى جبهة حماية الاستقلال الوطن وتحقيق الأمن القومي، وعلى جبهة الوحدة العربية والإسلامية، فضلاً عن جبهة حماية ثروات الأمة ومنع النهب المنظم لها.

نقطة البداية لنا الآن في اعتقادي بجانب دعم الانتفاضة في فلسطين هي دعم الشعب العراقي ومساندته ليتخذ قراراته بحرية من أجل تحقيق استقلال ووحدة التراب العراقي، من أجل حماية الثروات العراقية، والوقوف ضد مسخ الهوية العربية والإسلامية في العراق، من أجل الجهاد ضد الاختراقات المحتملة للصهيونية من بوابة التطبيع مع العدو الصهيوني.

إن المقاومة في العراق ليست قتالاً ضد المحتل فقط، وهو حق مشروع كفلته الشرائع السماوية والمواثيق الدولية والقوانين الوضعية، بل إن المقاومة اليوم في العراق هي أيضًا على كل الجبهات: الثقافية والحضارية، والشعب العراقي لا يحتاج إلى التهييج والإثارة، فهو مستثار بوجود الاحتلال، بل في حاجة ماسة إلى الوعي الشديد بأبعاد الخطط الأمريكية، وإن ما يراد بالعراق ليس قاصرًا عليه، بل هو نموذج كما يردد الأمريكيون، فإذا نجح النموذج- فإن نجاحه- يجعله قابلاً للتكرار، ومقياس النجاح يختلف من وجهة النظر العربية تمامًا عن وجهة النظر الأمريكية الصهيونية.

إننا في حاجة إلى حوار جاد مع الأمريكيين، وهذا الحوار بدأ الآن في العراق، والعراقيون- من كل التيارات- يمارسونه بحكم الضرورة وفي غيبة نظام حكم يحتكر الحوار ويدعى أنه يمثل مصالح الأمة.

وهذه التيارات السياسية في العراق هي صورة مصغرة للتيارات السياسية والفكرية في البلاد العربية، وبقدر نجاحها في إدارة الصراع والحوار مع الاحتلال الأمريكي السافر، وبقدر نجاحها في التصدي للمخططات التي يجب عليها أن تُدرك أبعادها- خارج حدود العراق، فإن نجاحنا نحن يصبح سهل المنال، وقريب من التحقيق.

على القوى الحية في الأمة أن تتناسى ولو إلى حين خلافاتها الفكرية وأن تتقارب لمواجهة الخطر الذي يهددنا جميعًا.

إن الفرز الحقيقي اليومَ هو كما قال "بوش" بحق: إما.. وإما، ونحن نريد أن نقول لأمريكا لا في مقاومة الضغونط الأمريكية، ومواجهة المصالح الصهيونية، وبناء جبهة عريضة لتحقيق مصالح الأمة الحقيقية، التي لا يمكن ولن يكون أبدًا أن تتطابق مع المصالح الصهيونية.

إن ورطة أمريكا في العراق تتزايد يومًا بعد يوم، وهزيمة المشروع الأمريكي يمكن أن تكون قريبة، والشعب العراقي هو الذي يدفع الثمن، والحلول المطروحة أمريكيًا تعني توريط الحلفاء والأصدقاء، ولتحمل مسئولية الفشل مشتركين وعلى مجلس الحكم الجديد في العراق أن يضع نصب عينيه أن يسعى أولاً، جنبًا إلى جنب مع إعادة الإعمال وتحقيق الاستقرار إلى إجلاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال.

المصدر