الأوهام المتبددة وضرورة مواصلة الصمود
مقدمة
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ، النبيِّ الأميِّ الأمينِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ والتابعين بإحسانٍ إلى يومِ الدين.. وبعد!!
اجتمعَ وزراءُ الخارجيةِ العربُ قبل أيامٍ في بيروت، ذلكَ الاجتماعُ الذي تأخَّر كثيرًا، وتمَّ في أجواءٍ مِن فقدانِ الثقةِ في النظامِ العربيِّ الرسميِّ الذي بدَا عاجزًا ومتواطئًا منذ بدايةِ العدوانِ على لبنان، فلم يؤمِّل فيه الكثيرون خيرًا، ولا شكَّ أن الاجتماعَ لم ينجح مطلقًا في ترميمِ الصورةِ المهترئةِ لذلك النظامِ، أو إحداثِ إصلاحٍ جوهريٍّ له، وأنَّ محْمَدَتَه الوحيدةَ هي تقديمُ شيءٍ من الدعمِ السياسيِّ والمعنويِّ للبنان في محنتِه، ذلك الوطنُ الحبيبُ الصامدُ في وجهِ آلةِ الحربِ الصهيونية الأمريكيةِ، والذي ظلَّ يتلفَّت- منذ شهر من المعاناةِ والألمِ- إلى نجدةِ إخوانِه في رابطةِ الدينِ وآصرةِ القُربى دون جدوى، وحين أتَوه بعد شهرٍ من الصمودِ متثاقلين (وبموافقةٍ ضمنيةٍ صهيونية تكفلُ سلامتَهم) كانوا في الحقيقةِ يعانون محنتَهم هم أكثرَ من محنةِ الوطنِ المقاوِم، بعدما أثبتت ملحمةُ المقاومةِ والصمودِ ضآلةَ هذا النظامِ العربيِّ الرسميِّ، وفضحَت تخاذلَه وعجزَه، وأسقطت ورقةَ التوتِ عن عوراتِه وبؤسِه، وبعد انعزالِه عن آمالِ أمتِه ورغباتِها.
وتمخَّضَ الجبلُ الصغيرُ عن فأرٍ أشدَّ صغرًا، فلم يقدم المجتمعون من وزراءِ العربِ بعد الدعمِ اللفظيِّ لموقفِ لبنان سِوَى الوعدِ ببحثِ اجتماعِ قمةٍ عربيةٍ بات مشكوكًا في انعقادِه وجدواه، وتم إيفادُ بعضِ هؤلاءِ الوزراءِ لحضورِ مداولاتِ مجلسِ الأمنِ عن لبنان، ذلك المجلسُ الذي يُديرُه البيتُ الأبيضُ، والذي أعلنَ عجزَه منذ أيامٍ عن إصدارِ مجرد إدانةٍ للمجزرةِ التي ارتكبَها الصهاينةُ في حقِّ أطفالِ قانا ونسائِها، كما أعلنَ عجزَه منذ أسابيعَ عن إدانةِ القصفِ الصهيونيِّ لمواقع قواتِ حفظِ السلامِ التابعةِ له في الجنوبِ اللبناني، والذي قتل فيه أربعةٌ من رجالِه.
ويبدو أن استمرارَ حصارِ لبنان بحرًا وبرًّا وجوًّا، وتدميرِ بنيتِه التحتيةِ، وقتْلِ المئاتِ من أطفالِه ونسائِه وشيوخِه، وتشريدِ عشراتِ الألوفِ من أبنائه، وهدمِ بيوته على رءوسِ ساكنِيها- حتى لا يستطيعَ أحدٌ نجدةَ مصابيهم ولا دفْنَ موتاهم- وتخريبِ اقتصادِ ذلك البلدِ العربيِّ، وحرقِ قُراه ومدنِه، على امتدادِ شهرٍ كاملٍ.. يبدو أن ذلك ليس كافيًا بعدُ لإثارةِ حميةِ حكامِنا، وتسخينِ الدماءِ الباردةِ في عروقِهم، ودفعِهم إلى التفكيرِ في مآلاتِ أوطانِهم ومصائرِ شعوبِهم.. كما أن بسالةَ المجاهدين الصامدين ودماءَ الشهداءِ الأوفياءِ وقصصَ البطولةِ في مواجهةِ العدوانِ وتساقطَ أساطيرِ القوةِ الصهيونيةِ- التي ضخَّمَها تخاذلُ الأنظمةِ العربيةِ- كلُّ ذلك لم يدفَع حكامَنا إلى الخروجِ من خنادق الخوف ومخابئ الذلّ والانكسارِ النفسيِّ التي ألِفُوها!!
تمحيص وابتلاء
والحقُّ أن العدوانَ الصهيوني على شعبِنا في العراق و فلسطين وذلكَ الصمودَ المُبهِرَ للمجاهدين هناك طوال هذه المدة- على نحوٍ لم يشهدْه تاريخُ هذا الصراعِ- لم يكن تمحيصًا وابتلاءً وكشفًا لسوءاتِ نظامِنا العربيِّ الرسميِّ فحسب، بل كان تمحيصًا لمجموعةٍ من الأساطيرِ التي ظلَّ ذلك النظامُ خاضعًا لها ومردِّدًا طوالَ عقودٍ من الزمن ليُقرَّها في وعْيِ شعوبِنا.
لقد تبدَّدت أسطورةُ الصديقِ الأمريكيِّ الراعي لمسيرةِ السلامِ الزائفِ مع العدوِّ الصهيون