الإخوان المسلمون فى كتاب الحركة السياسية فى مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون فى كتاب الحركة السياسية فى مصر

المستشار طارق البشرى

أولا : المقدمة

يعتقد الكثيرون أن شهادة الزور تقتصر على الشهادة الشفوية ، لكنها تمتد أيضا إلى ما يكتبه الإنسان خاصة إذا كان يكتب عن أحداث التاريخ، فينقل ما يؤيد فكره ويطمس من بين يديه ما يبرىء خصومه ، وينفى عنهم محاسنهم، ويتتبع مساوئهم .

وقد كثر الجدل وكذلك الكتابات ( كتبا وإعلاما ) حول الإخوان المسلمين فى الآونة الأخيرة ، وتباينت أراء الكتاب حول الإخوان تبعا لاتجاهاتهم الفكرية، وقد وضع كل كاتب بصمات فكره فى كلماته وتعبيراته .

وجند كل منهم أسلحته للهجوم على الإخوان، واستند فى كلامه إلى مصادر هى من وجهة نظره أدلة دامغة فى إدانة الإخوان؛ فيختار من النصوص ما يسوغ أفكاره ويجتث عبارات بعيدة عن السياق ويظن أنها قاصمة الظهر للإخوان، ولاغرو فإن الخصومة تحمل على سوء الرأى فى الرجال .

وقد تعرض الإخوان لمحن كثيرة من الهجوم الإعلامي بجانب الاعتقال والتعذيب والمصادرة للأموال، و كان من أبرزها فترة حكم جمال عبد الناصر التى استغل فيها الإعلام على الإخوان تمهيدا للهجوم عليهم والبطش فى 1954 و1965، فذكر مجرد لفظ ( الإخوان ) من الكبائر التى تستوجب لصاحبها العقوبات الرادعة .

ولما سقط فى أيدى خصوم الإخوان، وهم يرون نجاحاتهم فى جميع المواقع، واستعصائهم عن الاقتلاع، كان لابد من محاولة التأثير فى مراكز القوى للإخوان ألا وهى الجماهير التى تمثل قاعدة التأييد الشعبى للإخوان عن طريق المسلسلات والبرامج التى تهاجمهم .

ومن المصادر التى يعتمد عليها خصوم الإخوان كتاب ( الحركة السياسية فى مصر) للمستشار طارق البشرى.ولعل الكتابات التى كتبت عن الإخوان فى عهد عبد الناصر لم تخل من التحامل لأهداف فكرية وسياسية .

وقد كُتب كتاب المستشار البشرى فى أواخر الستينات غير أنه لم يصدر عن تعصب لخصومة سياسية وفكرية، وإنما صدر عن تأثر بالرأى العام عن الإخوان المسلمين الذى صاغه نظام جمال عبد الناصر والكُتًّاب الذين حملوا ذلك الفكر فى الوقت الذى اختفت فيه كل الكتابات التى تنصف الإخوان .

ونظرا لأن المستشار طارق البشرى لاينتمى لاتجاهات معينة ، ويسعى جاهد للتحرى فى الأدلة المتوفرة لديه فى كتاباته التاريخية ، فإنه يحظى بثقة واحترام الجميع.ولعلنا نتعرف عليه أكثر فى السطور التالية

ثانيا : المؤلف

المستشار طارق عبد الفتاح سليم البشري قاضي ومفكرمصري، شغل منصب النائب الأول السابق لرئيس مجلس الدولة المصري ورئيسا للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع عدة سنوات.ولد في الأول من نوفمبر 1933 في حي الحلمية في مدينة القاهرة في أسرة عريقة بالعلم والقانون ، فكان جده لأبيه سليم البشري، شيخ من شيوخ المالكية في مصر، وكان والده المستشار عبد الفتاح البشري رئيس محكمة الاستئناف حتى وفاته سنة 1951م،وعمه عبد العزيز البشري أديب.

تخرج طارق البشري من كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1953م، عين بعدها في مجلس الدولة واستمر في العمل به حتى تقاعده سنة 1998 من منصب نائب أول لمجلس الدولة ورئيسا للجمعية العمومية للفتوى والتشريع.

تم تعيينه من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في فبراير 2011 كرئيس للجنة معنية لتعديل الدستور المصري، وهو يكتب في القانون والتاريخ والفكر، بدأ تحوله إلى الفكر الإسلامي بعد هزيمة 1967م، وكانت مقالته "رحلة التجديد في التشريع الإسلامي" أول ما كتبه في هذا الاتجاه ،وله مؤلفات منها :

  1. الحركة السياسية في مصر 1945 - 1952، صدر سنة 1972.
  2. الديمقراطية والناصرية، صدر 1975.
  3. سعد زغلول يفاوض الاستعمار: دراسة في المفاوضات المصرية - البريطانية 20 - 1924م، صدر سنة 1977.
  4. المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية، صدر سنة 1981.
  5. الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952 - 1970، صدر سنة 1987.
  6. دراسات في الديمقراطية المصرية، صدر سنة 1987.
  7. بين الإسلام والعروبة - الجزء الأول، صدر سنة 1988.
  8. بين الإسلام والعروبة - الجزء الثاني، صدر سنة 1988.
  9. منهج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي، صدر سنة 1990.

ثالثا : الطبعة الأولى والتحامل على الإخوان

استغرق تأليف الكتاب في طبعته الأولى نحو ست سنوات ( 1964 ـ 1970) ،وقد تناول الكتاب التأريخ للإخوان فى الفترة من (1945 ـ 1952) وتطرق إلى نشأتهم والقضايا الفكرية المتعلقة بهم، ومن أبرزها :

غموض العلاقة بين الدين والسياسة فى فكر الإخوان

يقول عن التحول من الدين إلى السياسة : "اختارت الجماعة ظهورها السياسى السافر عام 1938 "." أعلن المرشد أن الإسلام دين ودولة ... مصحف وسيف .. فحق للجميع أن يتساءلوا لمن سيوجه السيف ، وما الهدف من وصول الجماعة للحكم ؟ ومن سيكون الحاكم وقتها ؟ ومن سيكون المحكوم ؟" ، " الغموض وغياب الأهداف السياسية العملية وطبيعة الدعوة ، هل هى دينية أم سياسية ؟"

ديكتاتورية حسن البنا

يعتمد الكتاب على مراجع بعيدة عن فهم دعوة الإخوان، مثل : كريستينا فيليبس هاريس : الاتجاهات السياسية والدينية فى مصر الحديثة .وينقل عنها رؤيتها وإن كانت لا تخلو من إعمال الخيال ، فتذكر أنه حدث نزاع داخل الجماعة بين البنا وبين بعض الأعضاء الذين كانوا يرون ضرورة اقتصار الجماعة على النشاط الدينى والبر فقط.

ثم تقول فى سنة 1939وجه جماعة من الإخوان إنذار إلى الشيخ البنا لقطع اتصالاته السياسية بعلى ماهر وفصل أحمد السكرى، فرفض البنا قبول الإنذار وهددهم بإبلاغ الشرطة عنهم إن هم أذاعوا أسرار الجماعة .وتضيف إنه فى هذا الوقت نما أكثر وأكثر الطابع الديكتاتورى لحسن البنا داخل الجماعة .

وفى موضع آخر يشير إلى "ديكتاتورية البنا فى إدارة الجماعة فهو غير معرض للنقد والمراجعة . " وفى آخر يقول : " ديكتاتورية البنا كانت تتطلب تفتيت قوى المعارضة وتوريط المعارضين فى الأخطاء ،وإظهار نفسه بمظهر العفو المتسامح مع المعتدلين ، ويبدو أنه كان يستميل العواطف بهذا المنظر"

موالاة الإخوان للحكومات

ـ وفى 1941 اشتهر أن الإخوان فى حماية الحكومة القائمة وفى حماية السعديين بصفة خاصة .

ـ حكومات الأقلية هى التى مولت جوالة الإخوان وسمحت لهم بأن يكون لهم هذا الجيش لمحاربة الوفد.وكانت اجتماعات الإخوان تعقد تحت حماية هذا الجيش المدرب دون اعتراض من السلطات .وهذه المظاهرات العسكرية التى زاد من روعتها أنها كانت تتم باسم الدين ...وكانت الحكومة تستعين بمرشد الإخوان وتعينه فى لجانها العليا (لجان التعليم ).

ـ كان وكيل الداخلية عبد الرحمن عمار كان يحضر احتفالات الإخوان وهو مدير للأمن العام وأن القسم السياسى بالشرطة كان يعد لمافات العاملين بالسياسة حول أدق التفصيلات ، أما بالنسبة للإخوان فحتى آخر دقيقة (قبل حل الجماعة لم يكن القلم السياسي يعرف من أمورهم شيئا) .

عدم تقديم برنامج لهم وإلقاء التهم على المخالفين

يكتب الشيخ شرحا لمبادىء الجماعة : نحن مسلمون وكفى .منهاجنا منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى ."ثم لا يزيد الأمر ايضاحا وتفصيلا إنما يتهم المتشكك فى الإخوان بأنه إما غير دارس للإسلام أومريض القلب ، لسيىء الظن غير سليم القلب ، فهو يطغى ويتجنى ويلتمس للبراء العيوب، وكلا الأمرين وبال على صاحبه .

" حقيقة لم يطرح الإخوان برنامجا محددا عن البناء السياسى أو الدستورى أو الاقتصادى ، ولعل أدبياتهم فى هذه الأمور تراوحت وتباينت ،ولكن فهم دعوتهم بحسبانها دعوة للاستقلال العقائدى والحضارى يثبت لها هدفا يمكن به تناولها بمثل ما تناول به حزب الوفد عندما وضع هدفه استقلال مصر وسكت فلم يحدد تصورا اقتصاديا أو اجتماعيا فى برنامجه . نحن نقول إن الوفد بهذا الهدف قد وضع لبلاده برنامجا عاما رآه كافيا لمواجهة ماتصوره قضية القضايا ."

احتكار الإخوان للدين

احتكار الجماعة للدين واعتبار نفسها تجسيدا للإسلام ومؤسسة مهيمنة عليه فمن لم يواليها خارج عن الإسلام .

مراوغة الحكومات والأحزاب

"مرواغة الحكومات والأحزاب والرأى العام بوجهى الدعوة ، وكان هذا الغموض يحل مشكلة أخرى للجماعة فهى تنظيم سياسي يسعى للحكم ثم كان هذا الغموض يعفى الجماعة من تحديد الأهداف الواضحة فيما يتعلق بالأمور السياسية الجوهرية ."

عدم اهتمامهم بالقضية الوطنية

"والحقيقة أن الجماعة كانت أقل التنظيمات السياسية تعرضا للاستعمار أو الهجوم عليه، وكانت أقل التنظيمات السياسية تعرضا للمسألة الوطنية وتحديد للمواقف إزاءها . وكان ذلك مثيرا للشكوك وملقيا فيضا من الغموض عليها...عملت على تشتيت التجمع الشعبى المعادى للاستعمار والاستبداد . "

هذا وغيره من الاتهامات التى ساقها المستشار البشرى فى ثنايا الكتاب وتحمل إدانة واضحه لفكر وتاريخ الإخوان.وقد احتلت تلك الآراء التى سطرها اهتمام خصوم الإخوان ووجدوا فيها صيدا ثمينا ودليلا دامغا لإدانة الإخوان تاريخا وفكرا لرجل فى مكانة المستشار البشرى .

رابعا : خصوم الإخوان يعتمدون على الطبعة الأولى من الكتاب

اعتمد كثير من خصوم الإخوان على الاستناد فى كتاباتهم وأحاديثهم عن كتاب الحركة السياسية فى مصر،ومنهم ـ على سبيل المثال ـ الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى الذى اعتمد فى مقالاته فى جريدة الأهرام يوم الأربعاء على كتاب الحركة السياسية فى مصر للمستشار طارق البشرى فى طبعته الأولى ،وأرشد القراء إلى الأخذ عنه فيما يتعلق بتاريخ الإخوان المسلمين ، ظنا منه أنه يساهم فى نشر ما يردده العلمانيون عن الإخوان بشهادة رجل له احترامه ومكانته العلمية مثل المستشار طارق البشرى .

يقول الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى " والإخوان المسلمون بعبارة واحدة لا يؤمنون بالنهضة المصرية الحديثة التي وصلتنا بالعالم المتقدم, وفصلتنا عن الخلافة العثمانية وعصور الانحطاط , وحققت لنا الاستقلال, ووضعتنا علي طريق الديمقراطية.

إذن فالإخوان المسلمون يعملون بطبيعة تكوينهم لإسقاط الشعارات التي رفعتها ثورة يناير2011... فإذا كان من القراء من لا يطمئن لحكمي علي الإخوان المسلمين ، لأني ليبرالي أو علماني, فسوف أحتكم معهم لرجل لا أظن أن أحدا يستطيع أن يتهمه بالتحامل علي الإخوان المسلمين, وهو المستشار طارق البشري الذي نعرف جميعا

ارتباطه بالإخوان وانحيازه لهم , ومع هذا فأنا أرضي شهادته التي قدمها عنهم في كتابه الحركة السياسية في مصر من سنة1945 الي سنة1952, صحيح أن هذا الكتاب صدر في السبعينيات الأولي من القرن الماضي, وكان البشري آنذاك أقرب للاتجاهات العقلانية والتيارات الإشتراكية, لكن هذا لا يطعن في شهادته التي قدمها وهو يعمل بالقضاء، ووثقها بمجموعة كبيرة من الصحف والمراجع العربية والأجنبية, فضلا عن شهادات المؤرخين والباحثين والزعماء السياسيين من أمثال أحمد حسين زعيم مصر الفتاة, وأنور السادات, وخالد محمد خالد, وسواهم.

وطارق البشري في الفصلين اللذين كتبهما عن الإخوان المسلمين في كتابه البالغ خمسمائة وثمانين صفحة من القطع الكبير يجيب علي أسئلة كثيرة أهمها ما يلي:

  1. في أي الظروف نشأت جماعة الإخوان المسلمين؟
  2. وما هو موقف الإخوان من السلطات والقوي السياسية التي عاشوا بينها؟
  3. وكيف تحول الإخوان من النشاط الديني الي النشاط السياسي؟ وما هي الأساليب التي اتبعوها في ممارسة نشاطهم؟
  4. وما هو موقف الإخوان من القضية الوطنية ومن الخلافة الإسلامية ومن الدستور ومن القانون الوضعي ومن الديمقراطية والمواطنة وحقوق الانسان وحرية التفكير والتعبير، ومن الحضارة الحديثة؟.

وفى موضع آخر يقول الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى:

"والإخوان المسلمون لم يكتفوا في ماضيهم علي الأقل بالتعبير عن موقفهم السلبي من الديمقراطية وعن معارضتهم لها بالطرق المشروعة, وإنما تجاوزوا هذه الطرق الي العنف والارهاب واغتيال الخصوم.. والمجال لا يسمح بذكر الحوادث وضرب الأمثلة, فمن أراد أن يتأكد فليعد إلي ماكتبه عنهم المستشار طارق البشري قبل أن ينخرط في تيارهم ـ في كتابه الحركة السياسية في مصر الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب...

وإذا كان الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى استند فى بيان رأيه عن الإخوان إلى المستشار طارق البشرى فى كتابه ( الحركة السياسية فى مصر ) الذى نشر فى السبعينات ، فإنه لم يكن أمينا فى نقله عن المستشار البشرى ، وهذا دأب كل من يكتب بروح الخصومة الفكرية ، فيعتمد على بتر النصوص ونقلها مشوهة من سياقها وعدم ذكر آراء الشخصيات كاملة ، بل مبتورة ، ويبنى رأيه على تلك النصوص والآراء ويخلص إلى استنتاجات خاطئه ، كأنها حقيقة لاشك فيها.

وهى محض خيال وأوهام فى ذهن الكاتب .ففى الطبعة الثانية عدل المستشار البشرى عما كتبه عن الإخوان فى مقدمة الطبعة الثانية للكتاب ، وكانت الأمانة تستدعى أن ينقل أيضا ما قاله فى مقدمة الطبعة الثانية، لكنه لم يفعل ، وكيف يفعل وهو يجتث النصوص ليهاجم بها الإخوان خارج سياقها ؟ كمن ينقل عن كتاب خالد محمد خالد ( من هنا نبدأ ) فى الحديث عن فصل الدين عن الدولة دون أن يشير إلى أنه نقد تلك الآراء فى كتابه الآخر( الدولة فى الإسلام ).

الخلط بين الدين والسياسة عند الإخوان

يقول الاستاذ أحمد عبد المعطى حجازى :

" لأن الإخوان المسلمين الذين أصبحوا ديمقراطيين علي كبر, لم يقدموا خلال تاريخهم الذي امتد أكثر من ثمانين عاما دليلا واحدا علي ديمقراطيتهم, وإنما جعلوا الدين سياسة, وجعلوا السياسة دينا لا مجال فيه للتعدد أو اختلاف الرأي, أو المعارضة, أو المناقشة, وإنما هي سمع وطاعة, وإذعان وتسليم.

وقد أيد الإخوان المسلمون أسوأ الحكومات التي عرفتها مصر وغازلوا الملك, وعابوا الدستور, وقاوموا الدولة الوطنية, وسعوا ولايزالون يسعون لاعادة نظام الخلافة الذي أسقطه الزمن.

وفي تاريخ الإخوان أدلة واضحة علي إعجابهم بالنازيين والفاشيين وحلفائهم اليابانيين الذين رأي الإخوان في أنظمتهم الدكتاتورية العسكرية دليلا علي تأثرهم بالإسلام وإعجابهم بثقافته التي تدعو للقوة والكرامة والفتوة والسيادة كما قال الشيخ حسن البنا.

يقول الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى :

" ونحن نجد في هذه السطور ما يجيب أيضا علي السؤال الثاني المتعلق بموقف الإخوان من القوي السياسية التي شهدت نشاطها, فالإخوان يقفون إلي جانب الملك وحكومة صدقي الاستبدادية, ويهاجمون زعماء المعارضة, ويدعون لتحطيم الحزبية, وكان الحديث عن الزعامة يحمل غمزا واضحا في الزعامة الوفدية ـ كما يقول البشري ـ باعتبارها الزعامة الجماهيرية الوحيدة وقتها.فكيف تحول الإخوان من جمعية دينية تحض علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلي جماعة سياسية أو حزب يخلط السياسة بالدين؟

لقد حدث هذا في الثلاثينيات الأخيرة من القرن الماضي. وكانت الظروف المحلية والعربية والدولية قد ساعدت كلها علي هذا التحول."

موالاة الإخوان الحكومات

يقول الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى :

"يقول طارق البشري : إن الإخوان وقفوا إلي جانب الملك, وحكومة صدقي, والرجعيين والسلفيين الذين ألغوا الدستور, وحاربوا التيارات العقلانية, المستنيرة, فزعيم الجماعة الذي كان يعمل مدرسا في الاسماعيلية لاينتمي لأي حزب معارض, وهو يمدح الملك في الموضوعات التي يمليها علي طلابه, ويدفع العمال لتحيته حين زار المدينة, من هنا غضت السلطات طرفها عن نشاط الجماعة كما يقول البشري, وزكتها دوائر البوليس واعتبرتها عاملا يساعد علي إقرار الأمن! ."

الإخوان يسيرون على منوال الفاشية والنازية

يقول الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى " وقد تحمس الشيخ حسن البنا للتجربة السعودية الوهابية وتبني شعاراتها, اسم الإخوان منقول عن الإخوان الوهابيين وشعار الإخوان ـ السيفان والمصحف ـ منقول عن العلم السعودي, والدعوة لتطبيق الشريعة وإقامة الحدود تستند كذلك لما حدث في السعودية, فإذا انتقلنا من مصر والعالم العربي إلي العالم الخارجي وجدنا ان الأحزاب العقائدية علي اختلافها قد نجحت في الوصول إلي السلطة, فالحزب الشيوعي في روسيا, والنازيون في ألمانيا, والفاشيون في إيطاليا وإسبانيا واليونان.

وهكذا بدا العالم وكأنه مستعد للتنازل عن الديمقراطية إذا كان الاستبداد سيحقق له أحلامه سواء أكانت مستقبلا ذهبيا يريد أن يبنيه أو ماضيا ذهبيا يريد أن يبعثه للحياة من جديد, ووجوه الشبه كثيرة متعددة بين النازيين والفاشيين من ناحية وبين الإخوان المسلمين من ناحية أخري."

خامسا : المستشار البشرى و تصحيح ما أورده عن الإخوان فى الطبعة الأولى

وفى الطبعة الثانية التي صدرت سنة 1981 عن دار الشروق .وقد قدم المستشار طارق البشرى لها بمقدمة استغرقت ما يقرب من سبعين صفحة تحت عنوان : (مقدمة الطبعة الثانية : تعقيب ومراجعة ).

تناول فيها كيفية الكتابة التاريخية بداية من تحديد الموضوع وطريقة جمع المادة وتفسيرات الحدث وشخصية الباحث والخلفية الفكرية والسياسية للباحث وأثرها في تناوله للأحداث وصبغها بشخصيته.

نقد المستشار البشرى لطبعة كتابه الأولى

تعرض المستشار طارق البشرى للطبعة الأولى من الكتاب ببيان العوامل التي أثرت في إخراج موضوعات الكتاب في أواخر الستينات ، وأشار إلى أنه يمثل مرحلة فى التأليف التاريخ فى ذلك العصر، وكذلك تعبيرا صادقا عن مرحلة التأليف فى ذلك العصر.

ومن ناحية أخرى ساعدت عوامل أخرى نحو إعادة رؤية بعض الأحداث التي تناولها الكتاب تاريخا ، وما ظهر من مراجع جديدة أضافت توضيحا لصورة الأحداث، وهى ما لم تتوفر فى الستينات مما جعله يعيد النظر فى تفسير الأحداث ، ثم نجده يتناول بالنقد ما سبق ذكره فى الطبعة الأولى من الكتاب .

" أنا هنا لا أعيد تأريخ الفترة موضوع هذا الكتاب ولكنى أعد مقدمة وأثبت فيها ما يتعين صناعته لو أعدت التأريخ لهذه الفترة وأكتفى هنا بضرب أمثلة من وقائع الحركة الإسلامية فيما يمكن إعادة تقويمه من هذه الوقائع وفقا لمعيار تساهم فى صنعه وبهذا يجرى التقويم فى نطاق بيان الخطأو الصواب من السياسيات العملية للحركة الإسلامية وفى نطاق إعادة توزيع المسئولية بينها وبين غيرها أتذكر أننى عندما كنت أعد الكتاب وأتناول فيه وقائع الإخوان كنت ألاحظ عداء الوفد للإخوان بوصفه خطا ثابتا لا محيد عنه لدى الطرفين ....

ووجدت الإخوان على خريطة الحركة الوطنيةالديمقراطية كالتيار الشارد بعيدا عن السياق العام لهذه الحركة، وهنا بدت الريبة والظنون فيهم، ريبة وظنون لم أنشئهما إنشاء، ولكنهم وردتا فى أدبيات السياسة وقتها على لسان كل من الفصائل الوطنية والديمقراطية ، فاعتمت ما اتفقت عليه تلك الفصائل إزاء الإخوان ."

المستشار البشرى يعترف بتحامله على الإخوان

وخلال الفترة بين الطبعة الأولى والثانية ظهرت كتب جديدة ووصلته تعليقات القراء على الكتاب ، وأخذ هو نفسه يراجع بعض آرائه محاولا إعادة تقييم الكتاب ونقده ، فيقول : " بعد تلك الملاحظات المنهجية حول التأريخ والكتاب ندخل فى موضوع هذه المقدمة ، وهو أوجه النقد الأساسية التى يتراءى لى الآن توجيهها إلى هذا العمل وهى تدور حول ثلاث جوانب وردت به : الحركة الشيوعية، والحزب الوطنى ، والإخوان المسلمون ."

وقام المستشار طارق البشرى بتصحيح ما أورده عن الإخوان فى الطبعة الأولى من الكتاب و نشره فى مقدمة الكتاب فى طبعته الثانية عند إعاده نشره سنة 1981م .، فيقول :" وبالنسبة للإخوان المسلمين فالأمر فيهم يختلف ...والأمر يتضمن تعديل موقف لا تكفى فيه الإشارة العابرة.إنما يتعين فيما جاء العدول ؟وما وجهه وسببه ؟ولزوم ذلك لا يرد من مدى الجدية المطلوبة فى الكتاب فقط ، إنما يرد من أن العدول يفيد تجربة فكرية وتاريخية يتعين طرحها على القارىء، ليوضح مسلكه الفكرى وتجربته ، وليقدم للقارىء أسبابه . لذلك أحاول هنا مراجعة هذه النقطة ، ومناقشة كتاب "الحركة السياسية فى مصر كما لو كان لغيرى"

إن الفصلين اللذين تضمنهما الكتاب عن الإخوان المسلمين ، قد حظيا من بعض المطالعين ـ فيما علمت ـ بقريظ قد لا يكون واتى الفصول الأخرى .ولعلى ألاحظ انزعاج المقرظين وهم يروننى أدفع اليوم بقلمى ما حسبوه مدعاة للحماسة .كما أن مطالعين آخرين قد يكونون تأثروا بما ورد فى الكتاب فى هذا الشأن . وإزاء هؤلاء يقع التزامى وتقوم مسئوليتى فى إعادة الطرح بما أحسبه الآن تصويبا لدور الإخوان ووظيفتهم فى مجتمعنا . "

ويعترف المستشار طارق البشرى بتحامله على الإخوان فى طبعة الكتاب الأولى ، يقول :" ونقطة أخرى فقد لاحظت فى سماعى التعقيبات على هذا الكتاب ، أن من كان ضد الوفد وصفنى بالوفدية ، ومن كان ضد مصر الفتاة وضعنى بينهم ، ومن كان ضد الشيوعيين صنفنى فيهم ....وعلى أى حال ، فإذا كان وصف معيارى التاريخى بهذه الأوصاف المتباينة فإن أحدَا لم يصفنى قط بأنى من الإخوان المسلمين ، ولهذا الأمر دلالة مهمة على أنى كنت إزاءهم مخاصما ."

المستشار البشرى : عدم فهم دعوة الإخوان وراء التحامل عليهم

وراجع المستشار البشرى أفكاره ثم خلص إلى رأيه :

" لقد صرت الآن أفهم ما لم يواتنى فهمه فى الستينيات واضحا،عندما أعددت هذا الكتاب .وهو أن ثمة أصلا عاما ومهما فى تحديد الخريطة الاجتماعية السياسية فى مصر، وتعيين السياق التاريخى لمصر . فحركة التاريخ المصرى وحركة المجتمع فى أى مرحلة ترد كذلك من الصراع العقائدى بين الوافد والموروث ."

ويوضح أن عدم فهم الإخوان وصميم الدعوة الإسلامية السياسية وراء التحامل على الإخوان والحديث عن علاقة الدين بالسياسة ، وهى الفكرة التى تلخص تحامل من يكتبون أو يتحدثون عن الإخوان ، فيقول :" فالإخوان تيار شعبى ، قد تكون شعبيته فاقت شعبية الكثيرين غيره ، بل إنها لكذلك ، وتلك نقطة تستوجب التأنى والمدوالة ، فليست الشعبية بالأمر الذى يمكن للبصير أن يتغافل عنها إن كان جادا ، وإنها لمما يستوجب أقصى درجات التأمل والمداولة.وإن النظر الخارجى للإخوان هو ما عاقنى عن التنقيب عن الدلالة والوطنية لشعبيتهم ....

ماذا أقصد بهذا النظر الخارجى ؟ أقول هو عدم فهم صميم الدعوة الإسلامية السياسية أى صلة الدين الإسلامى بالسياسة ونظام الحياة ....تلك فعلا هى المسألة لمن ينظر إلى حركة الإخوان لا من خارجها التنظيمى .ولكن من خارج إطارها الفكرى والعقيدى والحضارى ، فيصير أجنبيا عنها لا يستطيع أن يستصحب منطقها ."

الفصل بين الدين والسياسية فكرة علمانية

ويشيرأن نقطة الخلاف فى كتابة تاريخ الإخوان والتحامل عليهم ترجع فى أساسها إلى الاختلاف الفكرى، الذى يجعل من يكتب أو يتحدث عنها يظن خطأ أن هناك فصل بين الدين والسياسة، وأنهما لا يتفقان ، فيقول:

" الخلاف الحقيقى يغوص فى الأصول الفكرى التى تحدد مجال الرؤية مسارها وتتفرع عنها التفاريع ، وهو يقوم بين المنهج الإسلامى كما يراه الإخوان ، وبين المنهج العلمانى الذى وفد منطبعا به فكر الكثيرين من أبناء المؤسسات الحديثة فى بلدنا .

بالمنهج العلمانى يقول القائل لماذا تصل السياسة بالدين؟ إن كنت تريد بهذا تحرير الوطن فهناك من يطالب بالاستقلال ويكافح من أجله ويفصل بين الدين والسياسة ...وبهذا النظر المتكامل نظر العلمانى الوطنى على حركة الإخوان على أساس من غربته الفكرية عنها ، وتغذت هذه الغربة بسوء الظن فى ضوء تجربة تاريخية عاشها لعلاقة الملك بالمؤسسات الدينية الرسمية .

وفضلا عن هذا السبب التاريخى فثمة خلاف عميق بين كل من العلمانية والإخوان، وتصور كل منهما لنموذج النهضة التى يريد يبناؤها فى البلاد وللمواد الحضارية التى تستعمل فى هذا البناء مما يضرب بينهماحاجزا من الظلمة وعدم الفهم .وبهذا النظر يمكن قراءة الفصلين الواردين بهذا الكتاب عن الإخوان. "

ويبين أثرالمنهج الفكرى فى تناول التاريخ ، فيقول :" إن العلمانى الوطنى من أهل جيلنا الحاضر يرى تناقضا لا يستطيع حله بين وطنية الحزب الوطنى السياسة والاقتصادية وبين منهج الحزب ومنهج مفكريه المحافظ من قضايا المجتمع ...ويرى تناقضا آخر بين وطنية الحزب وبين رؤيته لدولة الخلافة كما أن هذا العلمانى الوطنى يرى تناقضا لايستطيع حله بين الرجعية السياسة والاقتصادية لحزب الأمة (والأحرار الدستوريين من بعده )وبين دعوته ودعوة مفكريه للتحديث بالمعنى الغربى للكلمة .

والواقع أن التناقض هنا لا يقوم ـ ولم يقم ـ فى مواقف تلك التيارات ، وإنما يكون فى موقف العلمانى الوطنى نفسه وفيما يتخيله من صلة غير منفكة بين علمانيته وبين وطنيته . وبهذا التصور يقيم معيارا غير واقعى وغير تاريخى ، ويختلط الواقع فى بصره عندما ينظر إلى الحقيقة التاريخية .

ولا يبدو لى أن هذا التناقض المقول به قد ظهر لدى المعايشين لفترة أوائل القرن العشرين على الصورة التى نحسها اليوم .إنما ظهر من بعد فى إداركنا للحقيقة التاريخية بسبب موقفنا نحن الآن ومعاييرنا الحالية فى قياس الأمور ، وإسقاط نحن رؤيتنا العلمانية على وقائع التاريخ ....

وأن الوطنية المصرية استمرت وقتها ذات طابع او صلة بالإسلامية السياسية .المهم أنه ليس من الصواب قط القول بأن الإسلامية السياسية كانت بعيدة أو شاردة أو غريبة عن نظم الحياة وقضايا السياسة حتى ذلك الوقت .

ويجيب المستشار طارق البشرى عن السؤال المعتاد سماعه باستمرار من كل من يتعرض بالحديث أو الكتابة عن الإخوان ، وهومتى تحول الإخوان من الدين إلى السياسة ؟ وما أسباب ذلك ؟ فيوضح أن السؤال عن تحول الإخوان من الدين إلى السياسة، إنما هى فى حقيقتها فكرة علمانية أساسها الفصل بين الدين والسياسة ، فيقول :

" ولكن ما يدعو للتأمل هو هذا (المشكل )الذى حاولت استجلاءه بالعودة إلى الماضى الأبعد من تاريخ الإخوان  : متى تحولت من الدين إلى السياسة ؟ هنا أثر المفاهيم الفكرية للباحث فى مادته التاريخية .

أساس المشكل أن الدين شىء والسياسة شىء آخر . فإذا رؤيت جمعية دينية تتخذ موقفا مما يعد سياسية، ثار (المشكل ): متى تحولت إلى السياسة ؟وكيف ؟هذا الحديث ذاته عن الإخوان يحمل وجهة النظر تلك، انفصال السياسة عن الدين وغرابة الجمع بينهما غرابة جعلت هذا الجمع مشكلا يبحث ....هذا المشكل المتصور غير موجود فى فكر الإخوان أصلا ، فالإسلام لديهم دين ونظام حياة ولا يثور فى ذهن باحث من الإخوان مثلا هذا السؤال : متى تحولت الجماعة إلى السياسة .

كما لو كان فى الأمر تعديل لمنهج أو كشف لمستور .إنما قام المشكل لدى المؤلف واقتضاه رجوعا إلى الماضى سبعة عشر عاما وذلك اتساقا مع المنهج العلمانى الذى انطبعت به الحياة السياسية منذ ثورة 1919 على الأخص وانعكس فى تلك المعالجة عدم تصور علاقة بين الدين والسياسة ."

ثم يؤكدها فى موضع آخر بقوله: " فى هذه النقطة صرت أفهم مايلى : غدا كان السؤال : متى توجه الإخوان إلى السياسة ؟يعكس لدى السائل توجها علمانيا ، كما سبق أن أوضحت ،فإن الحديث بعد ذلك عن غموض دعوة الإخوان يعكس الغفلة عن واحد من أهم جوانب الصراع الدائر فى بلادنا والذى يساهم مع غيره فى حركة التاريخ وهو الصراع العقائدى والحضارى بين الوافد والموروث ، وقد صرت أتصور أن أى باحث فى تاريخنا الحديث، وأى محلل للاحدث السياسية المعاصرة إنما يضل عن الصواب إن لم يدخل فى حسابه هذا النوع الأخير من الصراع، وصرت أتصور أن الأخذ بهذا الجانب فى الحساب تتوارى معه وتخفت مشكلة الغموض ونقص البرامج أى تأول إلى سياق يمكن فيه فهمها دون الانزلاق إلى هذه الدهشة المستريبة والتنكر المخاصم ."

الخلاف بين الإخوان وخصومهم اختلاف بين الأصيل والموروث

"المشكلة إذن ليست فى الإخوان ولا منهجهم ، إنما فى الفكر العلمانى نفسه الذى يظن نفسه الفكر الأصيل الذى ليس له مثيلا.

يقول المستشار طارق البشرى :

" صرت الآن أفهم مال يغفل عنه العلمانى الوطنى ، وهو وضع المسألة من الناحية التاريخية بالنسبة لمن الأصيل ومن الطارىء، فالعلمانى الوطنى يرى أن ابتعاد الدنيا عن الدين هو كبعد الأرض عن السماء ، ويرى منهجه هذا هو من طباع الأشياء، وهو فى صياغته للحقائق التاريخية لا يدرك أن نظرته تلك نبت وافد حديث .وأنها لم تفد قبل يومنا هذا بأكثرمن قرن من الزمان ،ولم تكن فى البيئة لفكرية الحضارية المصرية قبل مطلع القرن العشرين ، ولم تتمكن وتكسب شرعيتها الوطنية قبل ثورة عام1919."

الزعماء السياسيين ليسوا علمانيين

وانطلاقا من المنهج العلمانى فى الفصل بين الدين والسياسة اتجهوا إلى علمنة الزعماء السياسيين أمثال مصطفى كامل وسعد زغلول من خلال مفهومهم أن الرجل السياسى لا يمت إلى دينه بصله ولا ينطلق أبدا من خلاله ، فكما يريدون فصل الإسلام عن السياسية، يريدون فصل الزعماء السياسيين عن الإسلام ، وهذا ما يريده العلمانيون، والحقيقة خلاف ما يريدون  :

" لذلك نلحظ أن صحيفة اللواء والحزب الوطنى اللذين أنشأهما مصطفى كامل فى ذلك الوقت كانا ينزعان فى مقاومتهما للانجليز منزعا إسلاميا ، ويبدو ذلك جليا فى موقف هذا التيار من الجامعة الإسلامية وفى أسلوب تصديه لقضايا المجتمع ووجهته فى التحديث ."

البرنامج السياسى للإخوان فى كتاب الحركة السياسية

ويرد المستشار البشرى على ما آثاره من قبل حول غموض البرنامج السياسى للإخوان :" حقيقة لم يطرح الإخوان برنامجًا محددًا عن البناء السياسى أو الدستورى أو الاقتصادى ، ولعل أدبياتهم فى هذه الأمور تراوحت وتباينت ، ولكن فهم دعوتهم بحسبانها دعوة دعوة للاستقلال العقائدى والحضارى يثصبت لها هخدفا يمكن بها تناولها بمثل ما نتاول حزب الوفد عنجدما وضع هدفه استقلال مصر وسكطت فلم يحدد تصورا اقتصاديا واجتماعيا فى برنامجه .

نحن نقول إن الوفد بهذا الهدف قد وضع لبلاده برنامجا عاما رآه كافيا لمواجهة ما تصوره قضية القضايا ، وإذا كان هذا الهدف العام عند البعض غير كافٍ ، فهو لدى الجميع هدف له من الجدية والاعتبار ما لا يسمح لشاك أن يميل به إلى الظن والريبة مادام يظهر صدق الداعى فى دعوته إليه ."

تطبيق الشريعة الإسلامية عند الإخوان فى رأى البشرى

أما اللغط الكثير الذى يحاول العلمانيون إثارته بين الحين والآخر بهدف تشويه صورة الإخوان لدى الرأى العام حول كيفية تطبيق الشريعة الإسلامية، ولنقرأ بتمعن ما يقوله الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى عن الإخوان والشريعة الإسلامية:

"والذين يخلطون بين مالا يقبل غير الإيمان والتسليم ومايحتاج للتفكير ويتسع لتعدد الآراء واختلاف وجهات النظر. ومن هنا لا يحتكمون للعقل وإنما يسألون المرشد أو المفتي ويحتكمون للنصوص التي لا تسمح بمناقشة أو مراجعة ولا تقبل غير التسليم والتنفيذ ".

لذا نجد المستشار البشرى بعبارات بسيطة يوضح أن آليات تطبيق الشريعة لا تتصادم مع الحرية والديمقراطية ، لأنها فى تطبيقها تخضع للتشاور والحوار، وتتسع للاختلاف ، فيقول: "وبالمثل يمكن النظر إلى الدعوة الإسلامية بحسبانها ترنو إلى الاعتراف العام الشامل لتطبيق حكم الإسلام من حيث كونه انتماء سياسيا وامتثالا لما يقرر للحياة من نظم ثم بعد ذلك أو فى هذا الإطار يمكن أن يجرى الاتفاق أو الاختلاف فى طرائق تطبيق تلك الأحكام وفى تبين شعابها.

فليست عمومية الدعوة مما يشكل وجها للنقد فى هذه الحالة مادامت تتبنى مطلبا جادا، ويصدق سعيها بشأنها، وقد سبقت إلإشارة إلى أن الدعوة إلى مطلق الإسلام لم تثرعلى هذاالنحو العام إلا فى ظروف ما لقيت مجتمعاتنا من تحد حضارى وعقائدى عات. وبهذا يستقيم المعنى وتظهر فى ظنى الدلالة الحقة ."

"وأمر ثالث فيما يتعلق بمطالبة الحركة الإسلامية بتطبيق الشريعة الإسلامية .يواجهها البعض منا متساءلين : لماذا الشريعة ؟ أهذه معركتنا ؟ ... ويثير البعض الهواجس إزاء مطلب تطبيق الشريعة ...فنحن قلما نصرف الجهد فى تغيير الهياكل القائمة والعودة إلى الشريعة .

انعكس هذا المنطق على فصلى " الإخوان " بهذا الكتاب . وهو منطق يشيع بين العلمانيين الذين يقفون وقفة حياد، وعدم التفهم التفهم للصراع العقائدى بين الوافد والموروث ....وقد أسمينا حركة إقصاء الشريعة وإدخال التشريعات الفرنسية أسميناها " الإصلاح القضائى والتشريعى ".

كنا محتاجين للإصلاح حقا لكننا كشأننا فى كل المجالات لم نصلح ولم نحدث ، إنما هدمنا الهياكل والأبنية ،وأقمنا من الوافد الأجنبى ما اختير لنا وفرضناه على أنفسنا ثم مع الوقت ذهب فينا التغيير مذهب الأصل . فإذا دعا داع إلى الشريعة ، لم ندرك حجته ، لأن تغيير الأ؟صل لا يبرره إلا عدم مناسبته ، ولا جدوى من التغيير إلا بهذا المعيار. ..وكيف نقول إنناا طلاب وحدة سياسية ، ونحن نغفل عن النظام التشريعى الوحيد الذى يمكن أن يسهم فى بناء هذه الوحدة ؟ كيف نطلب الاستقلال والوحدة ونغفل عن موجباتهما ؟

فليختلف المختلفون فى تقدير كل هذه الأمور . ولكن لا وجه ولا مبرر لإغفال أن هذا الطرح لموضوع التشريع الإسلامى ...تلك هى الأسس العامة التى تلزم لفهم الحركة الإسلامية ولتناول وقائعها التاريخية و السياسية.

ومن شأن تصويب النظر فى هذه الأسس أن يختلف معيار التقويم اختلافا كبيرا وبهذا يمكن إعادة النظر فى وقائع الحركة وإعادة تقويم الأحداث والمواقف وبطبيعة الحال فإن تعديل الإطار لا يعنى بذاته موقفا تاريخيا معاكسا فى تقويم الأحداث التفصيلية للحركة ولوقائعها وغنما يعنى لزوم إعادة النظر فيها فى ضوء جديد لفهم كل حدث ووجهته .

فيلزم تقويم الوقائع فى ضوء معيار جديد يدخل أهداف الحركة الإسلامية ووظائفا التاريخية فى نسيجه ، وبهذا المعيار الجديد تقاس مواقف الحركة ومواقف غيرها أيضا من التنظيمات والتيارات المتحالفة أو المتخاصمة على حد سواء . "

اعتماد البشرى على مراجع الشيوعيين ضد الإخوان

" كنت أفهم بطبيعة الحال العداء بين الشيوعيين والإخوان بسبب التناقض العقائدى الواضح بينهم. وبرغم ذلك اعتمت بعض مراجع الشيوعيين ضد الإخوان ، وأصاغ لدى ذلك أنى حاولت ضبط ما صادفنى فى تلك المراجع بما كانت عليها مواقف غير الشيوعيين من القوة الوطنية وخاصة الوفد .

على أنى لم أكن فطنت وقتها إلى الأهمية الفائقة للهيمنة اليهودية الأجنبية فى التنظيمات الشيوعية أهميتها فى هذا الخصام اللدود بين الإخوان وبين الشيوعين وأهميتها فى توجيه حركة الصراع الشيوعى ضد الإخوان .....ومن جهة اعتمدت موقف الوفد من الإخوان لا من حيث أن الخصام بينهما يفيد لزوما نقد الإخوان ولكن من حيث أن الموقف الوفدى يستجيب عموما لما تقتضيه خريطة التحالفات الوطنية الديمقراطية ضد أعدائه ...

ومن جهة ثالثة استندت فى بعض تعرضى لوقائع الإخوان إلى ما عددته شهادة عليها من حزب مصر الفتاة وزعيمه أحمد حسين وأفصحت فى حاشية الكتاب( ص 116 )عن وجه الاستناد ودلالته، لأن أحمد حسين كان أبعد عن الوفد منه عن الإخوان وكان سعيه للتقارب منهم دؤبا وكان أفهم لهم من غيره من الوفديين أو الشيوعيين بطبيعة الحال وعرفت عنه محاولات للاندماج فيه ذكرها فى بعض كتبه، تلك كانت وسائلى فى تقويم وقائع الإخوان، وأقيسها بمعيار شكلته من مواقف واتجاهات التيارات الأخرى، ولكنى لم أدخل الإخوان فى تشكيله فأتى المعيار خارجيا عنهم يقيس ظواهرهم ويزن أحداثهم بغير استبصار بمنطق بمنطق دعوتهم وشواغلهم . ."

سادسا: تعقيب

يقول الأستاذ أحمد عبد المعطى حجازى: " نفسر ماحدث حين نميز بين الانتخابات والديمقراطية. الانتخابات تصويت. والديمقراطية حرية واختيار وشعور بالمسئولية وثقافة وتفكير قبل أن تكون تصويتا.. وقد صوتنا أكثر بكثير مما فكرنا ولهذا نجح أعداء الديمقراطية بفضل الديمقراطية!

فهل تصحح الديمقراطية خطأها أو تكمل جميلها فتساعدنا علي أن نراجع أنفسنا ونسترد وعينا ونصوت في الانتخابات القادمة لغير الإخوان والسلفيين من الرجال والنساء الأحرار الذين يؤمنون بالديمقراطية ويطالبون بها, ويدافعون عنها, ويعرفون لها حقها ويؤدونه؟

إن خصوم الإخوان عندما يتعرضون بالكتابة عن تاريخ الإخوان ينطلقون من فكرة مسبقة عن الإخوان تنطلق من تلك الخصومة، وهى آفة المؤرخ فيما يأخذ ويدع . وبالتالى فكتاباته تغيب عنها روح الإنصاف التى يفترض فى المؤرخ أنه ينحى فكره وخصومته جانبا مع الأحداث التاريخية ، ويتعامل بموضوعية ويحاول أن يقترب من عصر وفكر من يكتب عنهم ، ولا يسوق تفسيرا أو استنتاجا دون دليل .

حقيقة إن كتابات الليبراليين والعلمانيين واليساريين عن تاريخ الإخوان المسلمين لا تمت إلا التاريخ والكتابة العلمية بصلة، بل كتابات هواة أو كتابات صحفية تفيض بالخصومة الفكرية ، وتلك من أسباب تزييف التاريخ عامة ، وتشويه تاريخ الإخوان خاصة .

ويوجه المستشار طارق البشرى نداء الناصح الأمين إلى العلمانيين، فيقول :" وأنا على يقين بأن من عسى أن يكون تأثر بقول لى إنما تأثر به عن بصيرة لديه ، فليس لى من وهج المنابر والألقاب ما يجعل قارئا يدلس عليه منى أو ينصاع بغير مداولة ، مداولة القارىء مع ما يقرأ .وهذا التأثر البصير هو عينه ما أريد المراجعة معه .

وأنال أطرح من جديد على بصير القارىء وذكائه ما أجد لى فى هذا الشأن بالنسبة لتيار سياسى فى مصر ضرب عددا من المرات ضرب غرائب الإبل من الرجعيين والتقدميين على السواء ، ولعل هذين الفريقين لم يتفقا على شىء قط إلا على ضرب هذا التيار ...

وإن النذر مستبينة بأن هذا التيار تترقبه المحن وتقف له ، وعسانى هنا أستطيع أن أخاطب هذا القسم من الوطنيين الذين تزودوا من فكر الغرب، وهم كُثر ليعيدوا النظر فى المسار التاريخى لبلدهم وفى التحديات التى يواجهونها وليتعرفوا على إخوان لهم فى الوطن ، فيمدوا لهم الأيدى ، ويقفوا منهم مدافعين متحاورين، وألا يقفوا قط فى صفوف الضاربين أو الغافلين ."

وفى الوقت الذى يفرض فيه العلمانيون رؤيتهم التى يظنون أنهم الحق لا ريب فيها وما عداها باطل ، نجد المستشار البشرى يخلص إلى النتيجة :" ولاحق لوطنى علمانى أن يزعم لنفسه وجودا أو شرعية أكثر من غيره . "

وهكذا نجد الخصومة تدفع كل من يعادى الإخوان ليزيف الحقائق ، فيتعمد الأخذ عن طبعة الكتاب الأولى دون الالتفات إلى الطبعة الثانية وما بها من تصحيحات لما ورد فى الطبعة الأولى من أخطاء .

سابعا : المراجع

  1. الحركة السياسية ، دار الشروق القاهرة ، ط2 ،1981 .ص 113
  2. الحركة السياسية ط2 ص120
  3. 130
  4. ص 131
  5. ص117
  6. ص118
  7. ص 48
  8. ص119
  9. ص121
  10. ص 123
  11. أحمد عبد المعطي حجازي:وشهد شاهد من أهلها‏!‏، ‏الأهرام 9 2من جمادى الآخرة 1432هـ / 1من يونيو 2011، ص 12.
  12. أحمد عبد المعطي حجازي:الإخوان وديمقراطيتهم‏!‏،الأهرام 10 من صفر 1433هـ / 4من يناير2012م ص 12.
  13. أحمد عبد المعطي حجازي :الإخوان وديمقراطيتهم‏!‏،الأهرام 10 من صفر 1433هـ / 4من يناير 2012م ص 12.
  14. أحمد عبد المعطي حجازي:وشهد شاهد من أهلها‏!‏،‏الأهرام 9 2من جمادى الآخرة 1432هـ / 1من يونيو 2011، ص 12.
  15. أحمد عبد المعطي حجازي:وشهد شاهد من أهلها‏!‏،‏الأهرام 9 2من جمادى الآخرة 1432هـ / 1من يونيو 2011، ص 12.
  16. أحمد عبد المعطي حجازي:وشهد شاهد من أهلها‏!‏،‏الأهرام 9 2من جمادى الآخرة 1432هـ / 1من يونيو 2011، ص 12.
  17. ص 53 .
  18. طارق البشرى:الحركة السياسية فى مصر، دار الشروق القاهرة ، ط2 1981 ، ص 22.
  19. الحركة السياسية،ط2 ، ص 26 .
  20. الحركة السياسية،ط2 ص 28.
  21. الحركة السياسية،ط2،ص 46.
  22. الحركة السياسية، ط2 ص 29 ـ 30 .
  23. الحركة السياسية، ط2 ص 30
  24. الحركة السياسية، ط2 ص 40.
  25. الحركة السياسية، ط2 ص 30 ـ 31
  26. الحركة السياسية، ط2 ص48.
  27. الحركة السياسية، ط2 ص32.
  28. الحركة السياسية، ط2 ص 39ــ40.
  29. الحركة السياسية، ط2 ص 39ــ40.
  30. أحمد عبد المعطي حجازي: الإخوان وديمقراطيتهم‏!‏، الأهرام 10 من صفر 1433هـ / 4من يناير 2012م ص 12.
  31. الحركة السياسية، ط2 ،ص 50.
  32. ص53ـ 54 .
  33. ص53 ـ54
  34. أحمد عبد المعطي حجازي : الإخوان وديمقراطيتهم‏!‏ ، الأهرام 10 من صفر 1433هـ / 4من يناير 2012م ص 12.
  35. الحركة السياسية ، ط2 ص 27 ـ 28.
  36. الحركة السياسية،ط2 ص 43.