الإخوان المسلمون وأسباب الصدام مع الأنظمة المتعاقبة (الثورة وما بعدها)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون وأسباب الصدام مع الأنظمة المتعاقبة (الثورة وما بعدها)


مقدمة

Ikhwan-logo1.jpg

تحدثنا في الحلقة السابقة عن طبيعة العلاقة بين الإخوان المسلمين والنظام الملكي، والأسباب التي أوجدت حالة الصدام بين الجماعة والنظام، وعرفنا أنها كانت نتيجة لسيطرة الإستعمار على البلاد، وعدم رغبته في وجود جماعة تعمل على زلزلة أركان دولته الاستعمارية في مصر، بالإضافة إلى وقوفهم في وجه المخطط الصهيوني الأمريكي البريطاني للسيطرة على فلسطين، وكيف أن حرب فلسطين كانت المسرح الأكبر الذي كشف عن قوة الإخوان المسلمين وخطرهم على الإنجليز والصهيونية، مما حدا بهم بمطالبة النقراشي باشا بحل جماعة الإخوان المسلمين فاستجاب لهم وأصدر قرارًا بحل الجماعة - بتجاوز اختصاصاته كحاكم عسكري- في ديسمبر 1948م، وكيف أن الجماعة دخلت في طور المحنة والاعتقال، وقتل المرشد العام في عهد إبراهيم عبد الهادي.


الإخوان المسلمون وعهد عبد الناصر والثورة

بعد أن أفرج عن الإخوان عادوا للمطالبة بأحقيتهم في العمل داخل إطار مشروعية الجماعة، وتحقق لهم ذلك بعد أن حكمت لهم المحكمة بذلك، فعادت الجماعة مرة أخرى وفتح المركز العام، كما فتحت الشعب، وعادت الجماعة كما كانت، لكنها تحت قيادة جديدة بعد اغتيال مؤسسها وقائدها الإمام حسن البنا، ففي 17/10/1951م اختير المستشار حسن الهضيبي ليكون مرشدًا عامًّا للإخوان المسلمين، فقاد الرجل –بالرغم من كبر سنه- مسيرة العمل غير أن شخصيته كانت تختلف عن شخصية الإمام البنا وكان من الطبيعي في ظل هذه التطورات والمتغيرات أن تحدث بعض الاختلافات في وجهات النظر داخل الجماعة بين بعض الأفراد والقيادات خاصة بين فكر المرشد العام وطبيعة النظام الخاص القديمة وقيادته، لكن بالرغم من ذلك كان الصف متلاحمًا على غاية واحدة وهي العمل لدعوة الله وإسقاط الملكية، وجاءت الفرصة عندما اشترك الإخوان المسلمون ومجموعة الضباط الأحرار في تحريك ثورة ضد النظام الملكي وزلزلة أركانه، يقول عبد اللطيف البغدادي في مذكراته الجزء الأول، طبعة المكتب المصري الحديث، ص (24): «قمنا بتدريب الإخوان المسلمين عسكريا وأمددناهم بالأسلحة والذخيرة التي كان قد أمكن لنا تهريبها من مخازن الجيش وعملنا على تشكيل كتائب فدائية منهم تحت قيادة ضباط بغرض القيام بغارات فدائية قبل ذهابهم لفلسطين عام 1947م خاصة بعد قرار التقسيم في نوفمبر 1947م» وقد تحركت هذه الثورة بعد القوة التي أبداها رجال النظام الخاص في حرب القنال عام 1952م وما ظهروا به من كفاءة حربية عالية كانت موضع اهتمام جمال عبد الناصر والذي دفعه للاستعانة بهم في تحريك الثورة وتأمينها، وفعلا تحركت هذه الثورة بالتعاون بين الضباط والإخوان وتحرك الضابط أبو المكارم عبد الحي لحصار قصر عابدين، كما توجه عبد المنعم عبد الرءوف إلى الإسكندرية لحصار قصر رأس التين، وظل محاصرًا له حتى تنازل الملك عن العرش وطرد في 26 يوليو 1952م.


طبيعة رجال الثورة

وبعد أن استقر الوضع للضباط الأحرار شكلوا مجلس قيادة الثورة لتحكم مصر من خلاله حتى تجرى الانتخابات، وتحكم مصر من خلال نظام ديمقراطي نيابي، غير أن الخلافات والمشاحنات شقت صفوف الضباط، وحدثت تكتلات بينهم وانعدمت الثقة فيما بينهم، فبرزت هذه المشاكل على السطح، وأصبح الوضع ينذر بخطر، خاصة أن بعض رجال مجلس قيادة الثورة كان لا يرضى عن محمد نجيب بسبب زيادة شعبيته، وخوفهم من أن يقصيهم عن الحياة السياسية، وهو المطلب الذي كان ينادي به محمد نجيب بعودة رجال الجيش إلى أماكنهم بين صفوف العسكريين، فكان هذا لا يرضي هؤلاء الضباط، فعملوا على تهميش نجيب، واحتدم الشقاق خاصة بين نجيب وعبد الناصر، فيذكر عبد اللطيف البغدادي في مذكراته ص(93) أن عبد الناصر اتصل بمستشار محمد نجيب الضابط إسماعيل فريد، وطلب منه أن يبلغ نجيب بعدم الذهاب إلى حفل ذكرى وفاة حسن البنا، وأنه يحذره من الذهاب، وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة عليه، ثم سب عبد الناصر ولعن محمد نجيب».

لم يكن لدى رجال الثورة رؤية واضحة في كيفية إدارة البلاد ومن ثم كانت الانشقاقات والمشاحنات بين صفوف الضباط كثيرة، وأصبحت مصر تعيش محنة العسكريين، فتارة يتحرك سلاح الفرسان، وأخرى يحرك جمال سالم سلاح الطيران ويهدد نجيب، كما يعلن عبد الحكيم عامر أنه سيدك سلاح الفرسان بالطيران، وأخذ كل فريق يسابق الفريق الآخر في السيطرة على مقاليد الأمور، وحاول كل فريق استرضاء القوى الأخرى لتكون فى صفه كالإخوان وغيرهم.

كما أن جمال أخذ يشيع الرهبة والرعب في قلوب الشعب عن طريق المظاهرات التي كان يحركها الضابط أحمد طعيمة وإبراهيم الطحاوي والانفجارات التي أحدثها عبد الناصر حتى يطلب الشعب أن يظل العسكريون في السلطة يحمون البلاد، وما كانت هذه التفجيرات إلا بمعرفة وإدارة عبد الناصر كما ذكر بغدادي ص(146) عندما قال: «لقد اعترف عبد الناصر لي ولكمال الدين حسين وحسن إبراهيم يوم الأحد 21/ 3/ 1954م بأن التفجيرات التي حدثت في مبنى محطة السكك الحديدية وحرم الجامعة ومحل جروبي هو التي قام بها بهدف إثارة البلبلة في نفوس الناس حتى يجعلها تشعر بعدم الأمن والطمأنينة».

لقد قيد الحكم العسكري البلاد منذ سيطرته على مقاليد الحكم، ففي 10/ 12/ 1952م أصدر مجلس قيادة الثورة (على ما به من خلافات) قرارًا بإلغاء دستور عام 1923م وإعلان الدستور المؤقت في 10/ 2/ 1953م.


الإخوان ومرحلة جديدة

لقد عاد الإخوان إلى الحياة السياسية بعد أن حكمت لهم المحكمة بذلك، واندمجوا في الحياة بقوة، واشتركوا في تأمين الثورة، كما أنهم ظهروا بمظهر القوة في حرب فلسطين وحرب القنال؛ مما كان سببا في خوف أي نظام من قوتهم.

وقد أدرك مجلس قيادة الثورة -ومن بعد عبد الناصر- هذه الحقيقة فتجنبوا إثارتهم وحاولوا كسب ودهم في هذه المرحلة التي تحتاج فيها الثورة لدعم شعبي متمثل في الإخوان المسلمين الذين كانوا يعدون قوة ضاربة في أكباد البلاد من شرقها لغربها، حتى إن مجلس قيادة الثورة عندما أقدم على حل الأحزاب استثنى جماعة الإخوان من ذلك الحل، يقول بغدادي: «بعد أن رأى مجلس قيادة الثورة تعنت الأحزاب في التطهير قام باعتقال بعض قادتها، وأصدر في 17/1/1953م قرارًا بحل الأحزاب والهيئات السياسية ومصادرة أموالها فيما عدا جمعية الإخوان المسلمين باعتبارها منظمة دينية خاصة».

وليس ذلك فحسب، بل قام مجلس قيادة الثورة في 11/10/1952م بإصدار عفو شامل عن قتلة الخازندار، كما أصدر القانون رقم (179) في 3/9/1952م والذي استند إلى كون الإخوان ليسوا حزبًا سياسيًا ولا ينطبق عليهم ما ينطبق على الأحزاب.

كانت هذه الفترة تتميز بالصدام بين كل الأطراف كل يحاول أن يكون الطرف الفائز في هذا الصراع وكانت جماعة الإخوان المسلمين في منأى عن تلك الصدامات، مما يدل أن الصدام ليس من طبيعة الإخوان بل هو طبيعي في أنظمة الحكم الفردي والشخصي ليحافظ على وضعه ومكاسبه الشخصية التي حققها، ولذا عندما أراد عبد الناصر أن يدمج الإخوان في هيئة التحرير ورفضهم ذلك لكونهم منظمة دعوية والهيئة لا تقوم على هذا الهدف بدأ الصدام، خاصة بعدما أقام طلاب الإخوان المسلمين بجامعة القاهرة حفلًا وكان سيتحدث فيه نواب صفوي زعيم فدائيان إسلام الإيراني، والذي كان يقف في وجه استبداد الملك رضا بهلوي، فقام الشباب التابعون لهيئة التحرير بمهاجمة الحفل ومحاولة إفشاله بالقوة، فما كان من طلبة الإخوان إلا أنهم تصدوا لهم وأوسعوهم ضربا فارتد شباب الهيئة مقهورين فحملها عبد الناصر، فيقول بغدادي ص(88: 91): «اجتمع مجلس قيادة الثورة في استراحة وزارة الأوقاف بمنطقة الأهرامات يوم 18/12/1953م وناقش بعض الموضوعات والتي من أهمها كيفية القضاء ومقاومة الإخوان المسلمين كما ناقشنا الطريقة المثلى لحل جمعيتهم، وأن نستفيد من الانشقاقات الموجودة داخل الإخوان بعضهم البعض ونغذيها لإضعافهم، كما ناقشنا أن حل جمعيتهم الآن سيزيد العطف عليهم وتمسك الشعب بهم، غير أن عبد الناصر بحكم أنه وزير الداخلية تعجل وأصدر قرارًا بحل الإخوان في 17/1/ 1954م واعتقال قادتهم، وذلك بسبب صدام طلبة الإخوان مع طلبة هيئة التحرير، كما قام بفصل طلبة الإخوان والضباط والموظفين المنتمين لهم».

منذ أن جاء المستشار الهضيبي وتولى منصب المرشد العام وهو ينظر للأسباب التي قد تؤدي لصدام الإخوان مع أي نظام فوجد أنها متمثله في النظام الخاص بشكله القديم فقام وأعلن أنه لا سرية في الدعوة وبدأ تشكيل النظام الخاص من جديد حيث دمج أعضاءه في العضوية العامة للجماعة فلقى هذا التغيير معارضة من قادة النظام القديم فاجتمعت الهيئة التأسيسية وناقشت هؤلاء الأخوة غير أنهم ظلوا مقتنعين بما يروا فقامت الهيئة بفصلهم في نوفمبر 1953م وكانوا «عبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ وأحمد زكي وأحمد عادل كمال» فزاد بذلك عنصر الشقاق داخل صف الدعوة بسبب عدم وضوح الرؤية للقاعدة من الإخوان فكانت فترة تضارب أحدثت هزة قوية استغلها عبد الناصر في معرفة كيف يوجه الضربة للإخوان لكسر شعبيتهم فكان يحادث كل طرف من الإخوان بشكل ولون غير أن رجال الدعوة لم ينخدعوا كثيرا بما كان يفعله عبد الناصر معهم فظل الصف متماسكا خاصة بعد فشل عبد الناصر في حمل الإخوان على فصل المستشار الهضيبي من مركزه وعدم قدرته في السيطرة الكاملة على الإخوان مما كان سببا في جزعه وخوفه المستمر منهم وزاد هذا الشعور بعدما قام الإخوان بمظاهرة عابدين في مارس 1954م ورأى عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة قوة الإخوان التي ظهرت فيها فقام بإصدار قرار بالإفراج عن جميع الإخوان وفي مقدمتهم المرشد العام في 26/ 3/ 1954م وذكرت صحيفة الأهرام في صفحتها السابعة خبر زيارة جمال عبد الناصر لمنزل المرشد العام لتهنئته بالإفراج، حتى إن محمد نجيب كما ذكر بغدادي تساءل في اجتماع 24/ 7/ 1954م عن سبب زيارة جمال للمستشار حسن الهضيبي وأن كل ذلك يتم بدون معرفة مجلس قيادة الثورة وهو خاصة.

لم يكن صدام عبد الناصر مع الإخوان في محنة 1954م صدام من قبل الإخوان كما يروج بعض الكتاب بقدر ما هو عملية ديناميكية كرد فعل على محاولة الإخوان التأثير في الشعب وازدياد شعبيتهم لديه، فاصطنع عبد الناصر هذا الحادث –كما ذكر حسن التهامي في جريدة الأحرار- ليرفع من شعبيته ويقضي على الإخوان وتم ذلك في حادث المنشية الذي تم في 26/10/1954م والتي لم يكن عبد الناصر قد انتهى من خطابه حتى زج بآلاف الشباب داخل المعتقلات وكانت كل القرائن تدل على أن هذا الحادث مصطنع وليس حقيقيا (وكل ذلك واضح في تتابع الأحداث والتي ذكرتها صحف الأهرام والجمهورية والأخبار لأيام 27 أكتوبر حتى 4 نوفمبر 1954م والتي يظهر من بين سطورها كذب وافتراء هذا الحادث).


صدام عبد الناصر مع كل الهيئات والقوى السياسية

لم تقصر الفترة على التخلص من الإخوان فحسب بل عمل عبد الناصر على التخلص من كل من ينادي بالحريات والحكم النيابي فعندما طالب الدكتور السنهوري رئيس مجلس الدولة بذلك حرك عبد الناصر بعض رجال هيئة التحرير واعتدوا عليه في مكتبه، ونددوا بالديمقراطية.

كما قام باعتقال الشيوعيين وقادة الأحزاب مما يدل أن الصدام طبيعة في شخصية عبد الناصر وليس في الغير بسبب سعيه للحكم الفردي السلطوي.

تقول الدكتور هالة مصطفي في كتابها "الدولة والحركات الإسلامية المعارضة بين المهادنة والمواجهة في عهدي السادات ومبارك "ص(111: 119): «انتهت أغلب الدراسات في مجال النظم السياسية المقارنة إلى إدراج النظام المصري في عهد جمال عبد الناصر ضمن النظم السلطوية – Authoitarian Regime- وأنه نظام يتسم بعدد من الخصائص أهمها:

1- إنه نظام لا ينهض على وجود أيديولوجية سياسية قوية متماسكة،
2- وجود حزب سياسي واحد يحتكر القوة السياسي،
3- لا يوجد تعبئة سياسية في النظام السياسي السلطوي إلا في بداية قيامه، أما بعد استقراره فإن النظام لا يعتمد إلى الاعتماد على التعبئة الجماهيرية،
4- يهتم النظام بالسيطرة على الجيش ويحتل القادة العسكريون وضعا متميزا في النظام السياسي حيث يتحولون إلى سياسيين.كما تميز هذا النظام بضعف الأيديولوجية الرسمية، والضعف المؤسسي».

وهذا ما قام عليه نظام عبد الناصر والسادات ومبارك حيث الانفراد بالسلطة وعدم إشراك الهيئات أو المؤسسات في إدارة دفة الحكم ومن ثم وجد الصدام مع كل طوائف الشعب غير أنه زاد مع الإخوان بسبب محاولتهم إصلاح هذا النظام وإرساء الحياة النيابية فتؤدي بطبيعة الحال إلى الصدام.

لقد وضح فكر الإخوان المعتدل وقت محنة التكفير والهجرة التي ظهرت في السجون بعد محنة 1965م حيث تصدوا لها وأخرج المستشار حسن الهضيبي كتاب «دعاة لا قضاة» وضح فيه منهجية الدعوة وأنه لا عنف داخل الدعوة، ومن أراد فعل ذلك فليبحث عن لافته أخرى غير الإخوان المسلمين ليعمل تحتها.


أسباب أخرى للصدام :

لقد اشتد الصدام مع الإخوان أيضا كما تقول الدكتور هالة بعد اعتراض الإخوان على قانون الإصلاح الزراعي على هذا الوضع الذي أراده مجلس قيادة الثورة وأنه بهذا الشكل يعد غير دستوري، وانتهاك للحريات، وأيضا عدم ارتياحهم لقرار إقالة رشاد مهنا، فضلا عن بعض التصريحات للمرشد العام التي لم تشعر رجال الثورة بارتياح وخوفهم من الإخوان كالتصريح الذي صرح به المرشد العام لوكالة الأسوشيتدبرس في 5/ 7/ 1953م، كما أقلق نشاط الإخوان داخل بعض النقابات العمالية والجامعات مجلس قيادة الثورة لخوفه المسيطر على بعضهم من قوة الإخوان، وذلك كما ذكر الدكتور عبد العظيم رمضان في كتابه "[[الصراع الاجتماعي والسياسي في مصر]] ص(149)".

كما زاد من هذا الصدام كما ذكر أحمد حمروش في كتابه"قصة ثورة يوليو" ص(184)، موقف الإخوان في أعقاب توقيع اتفاقية الجلاء بالأحرف الأولى في 27/ 7/ 1954م ورفض الإخوان لها بهذه الصورة وبسبب ما ورد فيها حول حق عودة القوات البريطانية إلى مصر في حالة وقوع هجوم مسلح على أي بلد يكون طرفا في معاهدة الدفاع المشترك من دول الجامعة العربية أو تركيا.

لقد عمل عبد الناصر منذ قيام الثورة على السيطرة على مقاليد الأمور فعمل على إزاحة كل من يعترض طريقة في تحقيق ما يرنوا له من السيطرة الفردية على الحكم واتضح ذلك من الصراع مع محمد نجيب –كما ذكرنا- ومحاولة إقصاءه لزملاءه في مجلس قيادة الثورة عن الحكم، فقد ذكر جمال سالم لزميله عبد اللطيف البغدادي قوله في ص(175)من مذكرات بغدادي عندما زاره في مكتبه في 6/4/1954: «من أن عبد الناصر يحاول أن يثبت أنه قوة ومركز ثقل في المجلس وأنه أصبح يتصرف في حالات كثيرة تمس السياسة منفردا».

كما طلب عبد الناصر في اجتماع مجلس قيادة الثورة في 12/4/1954م بحرمان كل من سبق دخوله الوزارة في الفترة من 1936م حتى 23/7/ 1952م من الوظائف العامة لمدة 5 سنوات وكان يقصد بذلك السنهوري باشا.

كما أنه أقصى صلاح سالم ثم جمال سالم ثم عبد اللطيف البغدادي الذي استقال في 25/3/1964م، ثم كمال الدين حسين بل اعتقله عام 1965م بعدما علم بما يلاقيه الإخوان في السجون من تعذيب رهيب فأرسل لعبد الناصر خطاب في 12/10/1965م يقول له فيه: "اتق الله" فما كان من عبد الناصر إلا أن اعتقله وأهله في استراحة الآثار بمنطقة الأهرام وحدد إقامته وفصل أقربائه من الوظائف وترك زوجته تعاني المرض بعد منعه الطبيب عنها حتى توفيت في 9/1/1966م.

كما أنه اعتقل أعوانه الذين قدموا له خدمات كبيرة في إذلال الشعب كحمزة البسيوني وشمس بدران وصلاح نصر، وكان سببا فى دفع صديقه الصدوق عبد الحكيم عامر للانتحار في 14/9/1967م، فإذا كان قد تخلص من أقرب أصدقاءه فكيف لا يعز عليه التخلص ممن يهددون سلطانه الفردي ولذا كان ذلك سببا لصدام عبد الناصر مع الإخوان.

ونخرج من ذلك كما ذكرت الدكتور هالة مصطفي:-

1- إن التعامل السياسي مع العامل الديني على المستوى الأيديولوجي أو مستوى السياسات قد تم بشكل انتقائي بما يخدم أهداف النظام، كما أنه نظام سعى للسيطرة على كل المؤسسات الدينية.
2- إن سياسة النظام اعتمدت على عدم السماح ببروز أية قوى سياسية إسلامية أو معارضة تنازع النظام وهو ما أدى لصدام 1954م، 1965م.


الإخوان والسادات وطبيعة المرحلة

توفي عبد الناصر في سبتمبر 1970م واختير محمد أنور السادات ليكون خليفة له، وحاولت مراكز القوي استغلاله وتسيره كما يروا وفقا لأهوائهم غير أنه أدرك مرامي خطتهم واستطاع أن يقضي عليهم في ثورة التصحيح في 15/5/ 1971م ليستقر له الحكم، ونظر من حوله فوجد أن الشيوعيين يسيطرون على كل مقاليد الحياة الإعلامية والثقافية والعسكرية، فأفرج عن المعتقلين السياسيين بمن فيهم الإخوان المسلمين وأفسح لهم المجال للعمل على العودة بالمجتمع إلى التمسك بتعاليم الإسلام وما جاء به، فأحسن الإخوان الدعوة وعملوا في هذه الفترة على تربية المجتمع تربية إسلامية فعاد التدين إلى المجال العام من جديد فأخذ عدة مظاهر فظهر الحجاب في الجامعات مرة أخرى وبدأ الشباب يرتادون المساجد.

كما أدخل السادات تعديلات دستورية جديدة حيث نصت المادة الثانية من دستور 1971م أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية وأضافت إلى النص القديم ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ثم عدلت إلى "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".

كما أفسح المجال أمام التعددية الحزبية المقيدة كشكل وديكور وليس كحقيقة تسمح بتداول السلطة، غير أن الحياة السياسية شهدت بعض المعارضات لسياسة السادات بسبب تمركز السلطات في يده واستئثار الحزب الوطني بالحياة السياسية كلها وهيمنة مؤسسة الرئاسة عليه في وجود بعض الأحزاب الضعيفة، ناهيك عن أن كوادر الحزب لم تأت من قواعده وإنما كان يتم تعينها، ومن ثم تمركزت السلطة في يد الرئيس.

ولقد أصدر النظام عدة قرارات لتقييد المشاركة السياسية مثل قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977م والمعدل بقانون 36 لسنة 1979م، وقانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي رقم 33 لسنة 1978م وهى القوانين التي تضمنت حرمان بعض القوى السياسية من ممارسة العمل الحزبي، كما صدر قانون رقم 105 لسنة 1980 بشأن إنشاء محاكم أمن الدولة والقانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن حرية الصحافة بالإضافة إلى الإبقاء على بعض القوانين المقيدة للحريات السياسية والتي ورثها النظام من الحقبة الناصرية (وذلك أيضا استمر في عهد حسني مبارك) كما ذكر الدكتور على الدين هلال في كتاب "المشكلة السياسية في مصر ص (15)".

كما كان الضعف المؤسسي هو سمت هذا العصر ومن ثم ضعف البرلمان مما كان دافعا لانتقاد الهيئات السياسية له.


ماهية العمل الإخواني

منذ أن خرج الإخوان من معتقلاتهم وهم قد عملوا جاهدين على ترتيب وتنظيم صفوفهم وإعادة هيكلهم من جديد بعد وفاة المستشار الهضيبي واختيار الأستاذ عمر التلمساني خليفة له، والذي عمل على عودة مجلة الدعوة مع باقي إخوانه، وقد سمح النظام لهم بذلك إلا أنه لم يسمح لهم بالعودة القانونية كهيئة إسلامية أو كحزب سياسي، وفي ذلك تقول الدكتور هالة مصطفي ص(203): «إن معارضة الإخوان لنظام السادات لم تأخذ شكلا عنيفا من قبل الإخوان أو التحدي السافر للسلطة بل كانت أقرب إلى ممارسة الضغط السياسي على النظام بهدف دفعة إلى تقديم تنازلات سياسية، ومن ثم حرص الإخوان على تميز أنفسهم عن الجماعات الإسلامية التي ظهرت في نفس الحقبة ولجأت إلى العنف كوسيلة للتغيير السريع».

غير أن الصدام بين الإخوان والسادات كانت بسبب مطالبة الإخوان بالشريعة الإسلامية وتطبيقها وهذا ما كان يصطدم مع شعار السادات "لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة"، وأيضا موقف الإخوان الواضح من قانون الأحوال الشخصية والرافض له مما جعلهم في صدام مع النظام.

هذا غير الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها النظام في رفع الدعم عن السلع الغذائية مما سبب أزمة في يناير 1977م والتي ندد بها الإخوان.

غير أن الصدام بلغ الذروة بعد زيارة السادات للقدس وعقد معاهدة وصلح مع اليهود حيث أخذ الإخوان عبر صحيفتهم مجلة الدعوة وعبر الطلبة إلى تجريم تصرف السادات ومضار هذه المعاهدة وأثارها السلبية على المدى القريب والبعيد على المجتمع المصري والعربي والإسلامي فكان ذلك بمثابة تحدي للنظام -كما تصور- وفي ذلك يقول الأستاذ عمر التلمساني: «نحن ننظر إلى الأمر من الناحية العقيدية التي تحرم على المسلم أن يرضى باقتطاع جزء من أرضه راضيا مختارا».

عمل النظام على الصدام مع الإخوان بسبب ما يسببونه له من حرج بسبب معارضتهم له في سياسته التي لم تكن في صالح البلاد أو الشعب مما دفعه لغلق مجلة الدعوة في سبتمبر 1981م، وأخذ السادات بعد ذلك في خطاباته يهاجم الإخوان ففي خطابه في 6/9/1981م قال: «الإخوان المسلمين جمعية غير موجودة رسميا وغير شرعية بمقتضى قرار مجلس قيادة الثورة»، وأيضا قام في لقاء الإسماعيلية الشهير في 27 رمضان 1399هـ بمهاجمة الأستاذ عمر التلمساني وقد رد الأستاذ عمر التلمساني عليه بقوله: -كما ذكر الدكتور عبد العظيم المطعني في كتابه (أدب الإسلام في السياسة والرياسة) ص(40) «لو أن غيرك اتهمني لكنت شكوته إليك إنما اليوم إلى من أشكو ..أشكو إلى الله .. أنا برئ من كل ما قلت –أنا طاهر من كل ما قلت أنا نظيف –أنا مسلم».

ومن أسباب الصدام أيضا مطالبة الإخوان بشرعية الجماعة يقول الأستاذ إسماعيل تركي في بحثه الوجود القانوني للإخوان المسلمين: «وقد قام الإخوان برفع الدعوى (133) لسنة 32 قضاء إداري، وكان رافعو الدعوة كلاًّ من الأستاذ «عمر التلمساني» والأستاذ «محمد حامد أبوالنصر» والأستاذ «توفيق الشاوي»، وطالبوا بإلغاء قرار مجلس قيادة الثورة بحلِّ الإخوان، واستمرت الدعوى في التداول حتى عام 1992م حين قضت محكمة القضاء الإداري في 6/2/1992م بعدم قبول الدعوى؛ لعدم وجود قرار إداري بحلِّ الإخوان، وقررت في حيثيات حكمها: أنه من حيث المستقر عليه فقهًا وقضاءً أنه يشترط لقبول دعوى الإلغاء أن يكون هناك ثمة قرار إداري سواء أكان هذا القرار إيجابيًّا أم سلبيًّا؛ فإذا انتفى مثل هذا القرار تعين الحكم بعدم قبول الدعوى، وإذا ثبت مما سلف ذكره أن ليس هناك قرار سلبي يمنع جماعة الإخوان من مباشرة نشاطها؛ فمن ثم يتعين والحالة هذه القضاء بعدم قبول هذا الطلب لانتفاء القرار الإداري».

وبناءً على ذلك الحكم؛ فإن القضاء الإداري يقر بأنه ليس هناك قرار يمنع الإخوان من ممارسة أنشطتهم، ورغم ذلك قام الإخوان برفع دعوى استئناف لذلك الحكم، ولم يحكم فيها إلى يومنا هذا، وهو حكم يحتاج إلى قرار سياسي أكثر منه إجراء قانوني.

ولم يكن صدام السادات بالإخوان فحسب بكل كان مع كل الطوائف حتى بلغت ذروة الصدام بين النظام والقوي السياسية والدينية في سبتمبر 1981م حينما قام السادات باعتقال رموز وبعض أعضاء هذه الهيئات الدينية السياسية بما فيهم الأستاذ عمر التلمساني والبابا شنودة والشيخ أحمد المحلاوي وغيره.

حتى أسفر هذا الصدام عن قرار جماعات العنف باغتيال السادات يوم 6/10/1981م وذلك بسبب سياسته في أخر عهده، ولذا:

1- فقد اصطدم النظام بالهيئات الإسلامية السلمية كالإخوان لسياستها المعارضة لسياسته.
2- أصطدم النظام بجماعات العنف لسياستها العنيفة نحو النظام وتعامل النظام معها بنفس الطريقة.
3- اصطدم النظام مع المؤسسات الرسمية كالأزهر بسبب مواقفه نحو بعض القوانين التي أقرها النظام بالرغم من مخالفتها الدستور والشريعة.
4- اصطدم النظام مع الأقباط بسبب حركة الاحتجاج المسيحي والتي تزعمتها الكنيسة القبطية بسبب المادة الثانية من الدستور.


الإخوان وعهد مبارك "فترة السياسة"

بعد اغتيال السادات في 6/10/1981م تولى محمد حسنى مبارك مقاليد الحكم خلفا له والذي عمل منذ اللحظة الأولى على كسب تأييد الشعب فأفرج عن كل المعتقلين السياسيين الذين اعتقلوا في سبتمبر 1981م وقام بمقابلة بعضهم، غير أنه لم يلتق بأي من قيادات الإخوان، وما حدث لباقي القوي حدث على الإخوان المسلمين حيث أفرج عنهم وتركهم يعملون خاصة أنهم جماعة مسالمة، وعمل مبارك منذ اللحظة الأولى على محاولة القضاء على جماعات العنف لكنه كان كثيرا ما يولى وزارة الداخلية لوزراء لا يتعاملون بحنكة مع مثل هذه الموضوعات مما كانت سببا في زيادة عنصر العنف مع هذه الجماعات، فقد تعامل زكي بدر ليس مع جماعات العنف فحسب بسياسته المعروفة بالشدة بل تعامل مع كل الطوائف بهذه السياسة بما فيهم الإخوان المسلمين، كما ظل نظام مبارك محتفظا بكثير من موروث النظم السابقة (الناصري والسادات) وهو النظام السلطوي حيث ظلت الأمور مقيدة في يد الحكومة ومؤسسة الرئاسة، كما أن كثيرا ممن حكموا البلاد في عهد مبارك تربوا على يد الحقبة الناصرية وحقبة السادات وتشربوا من معينها فكان دافعا لتمركز السلطة في يد الفرد ونبذ أي مشاركة سياسية من القوي الأخرى.

غير أن مبارك في الفترة من 19811987م عمل على إدماج بعض القوي السياسية المعارضة في العملية السياسية وتوسيع مجال حرية التعبير وحق التنظيم للأحزاب والجمعيات وتمثل ذلك في تحالف الإخوان مع حزب الوفد الجديد عام 1984م ثم تحالفهم مع حزب العمل والأحرار في انتخابات 1987م والتي أسفرت عن دخول 36 فردا منهم مجلس الشعب، كما استطاع الإخوان في ظل ذلك أن يحوزوا ثقة النقابات والاتحادات الطلابية والجمعيات الأهلية فضلا عن تزايد نشاطهم الاقتصادي والاجتماعي، وكان الإخوان بسبب حسن تخطيطهم وتعاملهم مع المجتمع وقضاياه وضعف الأحزاب والقوي الأخرى أن ساعدهم ذلك على تبوء مكانة عالية في الحياة السياسية.

ولقد شهدت الفترة الأولى من حكم مبارك تزايد القوي الإسلامية على حساب باقي الأحزاب كالوطني والوفد والتجمع خاصة بعد احتلالهم مكانة متقدمة في عدد مقاعد البرلمان، وظهور نشاطهم القوي داخل البرلمان وأدائهم الجيد فيه، غير أن الحزب الحاكم ظل مهيمنا على الحياة البرلمانية والسياسية.

وقد عمل النظام على تفتيت التحالفات السياسية وساعد على ذلك صدور أحكام من المحكمة الدستورية بعدم دستورية الانتخابات بنظام القوائم النسبية والذي حرم المستقلين الحق في الترشيح فعاد العمل بالنظام الفردي، بعدما أصدر رئيس الجمهورية قانون رقم 206 لسنة 1990م وينص على العودة للعمل بالنظام الفردي الذي كان متبعا قبل انتخابات 1984م.

الغخوان يعلنون رفضهم لحالة الطوارئ

وبدأ الإخوان ينافسون على النقابات والتي حققوا في بعضها نجاحا كبيرا كالأطباء والمحامين والمهندسين مما كان سببا في صدام النظام بهم حيث عمل على محاولة احتوائهم داخل النقابات لكنه فشل فلجأ في بداية التسعينات إلى استخدام الأداة القانونية في مواجهة الصعود المستمر للتيار الإسلامي والذي أفرز قانون رقم 100 لسنة 1993م بتنظيم الانتخابات داخل النقابات غير أن هذا القانون قوبل باعتراضات شديدة بسبب تجميد الانتخابات في معظم النقابات المهنية الهامة التي يسيطر على مجالس إدارتها الإخوان كالأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين ...إلخ، كما أنه عمل على تحجيم الحركة الطلابية الإسلامية داخل الجامعات خاصة بعد انتخابات الاتحاد عام 1982م.

وكان من عوامل صدام النظام بالمجتمع عامة هو العودة إلى العمل بقانون الطوارئ في 6/10/ 1981م واستمرت تتجدد سنويا حتى مايو 1988 ثم أصبحت بعد ذلك تتجدد لمدة ثلاث سنوات فجددت حتى عام 1991 ثم حتى عام 1994 ثم إلى سنة 1997 ثم حتى عام 2000 ثم إلى سنة 2003 وتنهى حالة الطوارئ الحالية سنة 2006 ثم جدد مرة أخرى حتى إقرار قانون الإرهاب.

والملاحظ عند استعراض أسباب إعلان حالة الطوارئ أنها حتى سنة 1952 لم تكن تعلن إلا بسبب دخول مصر فى حرب مع دولة أجنبية فيما عدا إعلانها إثر اندلاع حريق القاهرة سنة 1952 . إلا أنها منذ الثمانينات أعلنت واستمرت معلنة لأسباب تعزى إلى اعتبارات الأمن الداخلي وحدها واستمرار العمل به حتى هذه الأيام رغم آثاره السيئة على المجتمع عامة».


النظام والصدام مع الإخوان

ظل الإخوان المسلمون يعملون من خلال الأطر والقنوات الشرعية التي تخدم المجتمع كمجلس الشعب والنقابات والاتحادات الطلابية غير أن النظام لم يرض عن زيادة نفوذهم وانتشارهم وسط الشعب لحرصه على الحكم، ولذا كان الصدام ومحاولة تحجيم الإخوان بل القضاء عليها إن أمكن ثم التفرغ لباقي الجماعات الإسلامية.

لقد شهد الرئيس مبارك ببعد الإخوان عن العنف وأنهم جماعة يعملون من خلال مؤسسات الدولة وذلك في تصريحه الذي نشرته صحيفة الأهرام العدد 39046 السنة 118 ليوم 16 جماد الأولي 1414 هـ الموافق 1/11/1993م ص(1) حيث قال: «إن هناك حركة إسلامية في مصر تفضل النضال السياسي على العنف وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح فيها في انتخابات بعض النقابات المهنية مثل الأطباء والمهندسين المحامين»، كما صرح الوزير حسن الألفي تصريحا في هذا الموضوع في جريدة الجمهورية ص(4) ليوم 14/4/1994م، مما يدل على انتهاج الإخوان للقنوات الشرعية في العمل.

مثال لصدام النظام مع الإخوان في جامعة المنوفية

غير أن النظام لم يرض عن ذلك فبدأ الصدام مع الإخوان عن طريق الاعتقالات المستمرة بعد القضية الشهيرة بسلسبيل ثم تقديم رموز الجماعة للمحاكمات العسكرية المتتالية بدون تهمة كعسكرية 1995م و2001م وأخيرا عسكرية 2007م والتي يحاكم فيها 40 من قيادات الجماعة، أضف لذلك ما يقوم به النظام ضدهم داخل النقابات والانتخابات التشريعية وتزويرها المستمر وشطب الطلبة من انتخابات الاتحادات، وضرب شركاتهم الاقتصادية، أضف لذلك وقوفهم ضد مسألة توريث الحكم والذي منذ بدأت فكرة التوريث وأصبح النظام أكثر شراسة عليهم فحدث ما حدث من انتهاكات في انتخابات 1995م ثم انتخابات 2000م ثم انتخابات 2005م والتي شهدت نزاهة نسبية في المرحلة الأولى فقط، كما تم تزوير انتخابات مجلس الشورى وما حدث في المحليات لا يدل على أن الإخوان سبب في الصدام يوما ما فهم يعملون من خلال الأدوات القانونية والدستورية ويحوزون على ثقة الشعب.

ويوضح الدكتور عمرو الشوبكي ذلك في مقالة له بعنوان "وأين ذهبت انجازات السلام"فيقول: «ومن هنا فإن غياب مصر علي الساحة العربية والدولية يعكس هذا الفشل الداخلي المرير طوال ربع قرن، وهذا الانهيار المذهل الذي شهدته مؤسسات الدولة المصرية في الداخل بصورة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، فحين يقول اقتصادي مرموق وعميد سابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أحمد الغندور، إن مصر فقدت ألف مليار جنيه في ٢٤ عاما «بسبب فشل مبارك في إدارة البلد» سنكتشف حجم الكارثة الاقتصادية التي حلت علي مصر نتيجة عدم كفاءة النخبة الحاكمة، وفساد جزء كبير منها، خاصة أن تلك التصريحات جاءت من رجل ليبرالي لم يعرف عنه أي خصومة سياسية أو أيديولوجية مع النظام القائم .

أما علي الصعيد السياسي فنحن نتحدث عن نموذج لا يوجد فيه «مشروع» واحد يعمل بجدية إلا مشروع التوريث، فلا يوجد حزب حاكم، إنما شبكة من المصالح تتصارع فيما بينها علي مغانم صغيرة أو كبيرة بصورة أحيانا أكثر ضراوة من صراعها مع أحزاب المعارضة، ونظام احترف عدم احترام القانون والدستور، مبديا موهبة نادرة في كيفية وضع قوانين، لكي لا يحترمها، وحوصر المجتمع بين نخبة قديمة كرست الجمود والتكلس وأخري جديدة تتحرك في الظلام أكثر من النور من أجل هدف واحد هو توريث السلطة.

ونجح النظام في تدمير أحزاب المعارضة وفي حصار القوي السياسية الجادة من الإخوان المسلمين وحتى كفاية والوسط وحركة الكرامة، ودمر قيم الكفاءة والجدية والموهبة في أغلب مؤسسات الدولة، ويكرس ثقافة الفهلوة والفساد والنفاق، وصار من المستحيل علي أي مراقب لأوضاع مصر الداخلية في السياسة والاقتصاد والثقافة والإدارة أن يتوقع أي دور لها علي الساحة العربية والدولية».

ومن ثم فأسباب الصدام تعود إلى:-

1- عدم رغبة النظام في وجود شريك قوي له في الحياة السياسية مثل الإخوان خاصة في ظل ضعف الأحزاب السياسية.
2- عدم قبول النظام للآخر في الفكر أو العمل السلمي داخل مؤسسات الشعب.
3- طبيعة النظام كنظام سلطوي فردي لا يقبل المنافسة.
4- التعامل مع الطلبة بالعصا الأمنية وحرمانهم من المدن الجامعية وشطبهم من انتخابات الاتحادات.
5- الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية للنظام الحاكم وللهيئات السياسية.
6- احتكار السلطة لوسائل الإعلام وتسخيرها لأغراضه.


إقرأ الجزء الأول
الإخوان المسلمون وأسباب الصدام مع الأنظمة المتعاقبة (ما قبل الثورة)


للمزيد عن الإخوان وثورة 23 يوليو

وصلات داخلية

كتب متعلقة

.

ملفات وأبحاث متعلقة

.

مقالات متعلقة

تابع وثائق متعلقة

وصلات خارجية

مقالات خارجية

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو