المحطة الخامسة ( الجار الكفيف )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المحطة الخامسة ( الجار الكفيف )

·كنت أسكن مع آخرين في سكن الطلاب في جامعة كراتشي. وكان لي جار من كشمير كفيف البصر اسمه "محمد نور"، وكان يدرس الماجستير في الآداب.

كنت على علاقة طيبة وكريمة معه، وكان يظهر لي قدرا كبيرا من الاحترام، ربما بسبب تعاطفي معه، ثم التوافق في كثير من الآراء والطروحات خاصة الدينية منها.

لذلك كان يخصني باسم "حضرة"، ويبدو أن هذه الكلمة لا تصرف عندهم إلا لمن يريدون تكريمه واحترامه.

·هذا الشاب "محمد نور" يتحرك بمساعدة الآخرين، و باستعمال العصا المعتاد، وعند انشغالنا بالامتحانات كان لا يجد من يقرأ لـه إذ هذه القراءة هي الطريقة الرئيسية، التي كان يعتمدها للمذاكرة، بجانب سماعه محاضرة الأستاذ.

·وذات مرة تطوعت إحدى الطالبات للقراءة لـه، وكانت تسكن في سكن للبنات تابع للجامعة، يبعد عن سكن الذكور حوالي 2 كم. كان لابد أن يذهب لها يومياً لمدة ساعة على الأقل، فعرف الطريق، وكنت أراه يسير فيها بسرعة أكثر من المبصرين، واستمر الأمر هكذا أكثر من شهرين.

·وذات يوم جاء إلى السكن مهشم الوجه، راعف الأنف، باكياً ...! فقدمنا لـه ما نستطيع من المساعدة والإسعافات الأولية، وحاولنا جاهدين أن نعرف السبب فلم يبح بشيء، ثم همس في أذني "سأخبرك لاحقا".

وبعد أن انفض السامر خلصت إليه، فقال لي : قد وقعت في حب البنت، التي تقرأ لي، وأصبحت لا أطيق فراقها، وقد أخذت عليَّ كل تفكيري ... فتساءلت عن علاقة ذلك بما حصل لـه ؟؟ فقال: كنت عائداً من درسها إلى غرفتي في الطريق المعتاد، وكنت أفكر بها طوال الوقت، فضللت الطريق وارتطمت بعامود الهاتف، فكان الذي ترى!! فواسيته وتعاطفت معه وقلت في نفسي: يا إلهي ... كان يمشي على نور بصيرته دون بصره فكان الأمر سوياً، ولما انشغل قلبه وتفكيره تعطلت بصيرته، فأصبح رهين ظلمتين فحصل ما حصل ... !!

·والأمر الآخر، كان وداعي لـه عند تخرجي وسفري للأردن في 1973م حارا وأخويا وخاصاً ودامعاً، ثم أنهى دراسته بعدي مباشرة، وسافر إلى بلده كشمير ... واشتغل هو هناك، واشتغلت أنا في الأردن، ولم يكن أحدنا يدري ماذا سيحصل مع الآخر.

·وقدر الله أن أعود بعد سنوات للدراسة في باكستان مرة أخرى (M.Phil). وفي أحد الأيام، رأيت في حرم الجامعة رجلاً أشبه ما يكون بصاحبنا "محمد نور"، فقلت في نفسي مؤكداً ليس هو .... ! فابتعدت وأنا أفكر به، ولم ألبث أن قررت العودة إليه، وكان يقف مع جماعة من الطلاب الذين لا أعرفهم، وعندما وصلت قريباً جداً منه، وقفت حائراً لدقائق .... ثم قررت أن أناديه، فإن كان هو رد، وتأكدت منه، وإن كان غير ذلك أذهب في سبيلي .... وناديت لمرة واحدة "محمد نور"، وإذا به ينتفض ويتوجه إليّ قائلا: أوه ( الله أكبر ) .. حضرة !! حضرة !! وكان عناقاً أخوياً حاراً·

·... فقلت في نفسي يا إلهي، أنا المبصر احترت وترددت، ولم أعرفه، وهو الكفيف يعرفني بمجرد سماع صوتي لمرة واحدة هامسة بعد سنين من الفراق!! وصدق الله تعالى:"إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" !!

المصدر