المولد النبوي الشريف وفلسطين
أيها المسلمون.. ستحتفلون قريبًا بذكرى المولد النبوي الشريف، وما أحراكم أن تذكروا فيه فيما تذكرون من حوادث جسام، ابتُلي بها العالم الإسلامي، الحالة الدامية في فلسطين الشهيدة وما آلت إليه بعد جهاد استمر عشرين عامًا، وكيف أنها باتت على شفا التهويد، بعد أن أعمل فيها الاستعمار المسلح النار والحديد.
ستذكرون شهداء فيها علِّقوا بالعشرات على أعواد المشانق، وبينهم الشيخ الذي جاوز الثمانين. ستذكرون حرمات الدين المقدسة التي انتُهكت شر انتهاك.
ستذكرون المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقد احتلَّه جند الاستعمار، يحُول فيه بين العبد وربه، ويقطع على المصلي تضرُّعه ودعاءه، ويختلط فيه صوت المؤذن بصلصلة السلاح.
ستذكرون قضاة الشرع الشريف يُؤخذون من دور القضاء، ويُعتقلون وهم في مجالس الحكم، ثم يُرسَلون إلى السجون كالمجرمين.
ستذكرون المئات من المعتقلين مكبَّلين بالحديد يستعذبون رنين القيود.
ستذكرون المئات من المجاهدين الذين هجروا بيوتهم وعائلاتهم، وهبُّوا خفافًا وثقالاً يذودون عن شرف الإسلام الرفيع بالدم النجيع (هو دم الجوف [أساس البلاغة، مادة (نجع))، ويدفعون عن الدين والوطن الدنايا بأكرم المنايا، ويحرسون المسجد الأقصى المبارك والأماكن الإسلامية المقدسة بدمائهم وأرواحهم التي بذلوها رخيصةً في سبيل المحافظة على بقائها إسلامية عربية.
ستذكرون النساء يعتدي عليهن الجند في خدورهن، ويسلب حليهن من أعناقهن ومعاصمهن، ويقود عددًا منهن إلى ظلمات السجون.
ستذكرون هذا في يوم المولد النبوي الشريف، وأكثر من ذلك مما ابتليت به فلسطين المقدسة من أفانين العذاب.
ولكن ما فائدة الذكرى إذا لم يعقبها عمل نافع يصد الأذى ويوقف المعتدي عند حده؟!
وما قيمة الأنَّات التي يصعِّدها المسلمون بكرة وعشيًّا على الحالة في فلسطين إذا لم يتفاهموا فيما بينهم على طريقة يتبعونها لتخفيف الويلات عن البلاد المقدسة، وشدّ أزر سكانها المسلمين، وحماتها المجاهدين.
إذن فالواجب على المسلمين كافةً أن يجعلوا من يوم المولد النبوي الشريف يومًا لفلسطين يقدمون فيه الاحتجاجات على السياسة الظالمة فيها، ويُقيمون صلاة الغائب على شهدائهم في المساجد، ويعقدون الاجتماعات لنصرتهم، ويجمعون الإعانات لتخفيف الويلات عن الألوف من منكوبيهم.
وهذا بعض ما يجب على المسلمين نحو فلسطين في مثل هذا اليوم الذي ترتبط ذكرياته الخالدة بتاريخ البلاد المقدسة وأمجادها.
هذه صرخة من أعماق القلوب يوجِّهها المركز العام لجمعية الإخوان المسلمين في القطر المصري إلى كل مسلم ومسلمة في العالم، بل إلى كل رجل ذي وجدان حي وضمير شريف؛ ليساهم قدر طاقته في يوم المولد النبوي الشريف في إنقاذ فلسطين مما يحيق بها من أذى وبلاء.
وعسى أن يثبت المسلمون في هذا اليوم أنهم بنيانٌ ذو أساس متين، وكتلةٌ واحدةٌ لا يتطرق الوهن إلى صفوفها، فيؤكدون للعالم بأسره أن قضية فلسطين هي قضية المسلمين عامة، وأنهم لا يفرِّطون بمثقال ذرة من حقوقها ﴿إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (ق: 37).
المصدر
- مجلة الفتح، العدد (600)، السنة (12)، 5 ربيع الأول 1357ه= 5 مايو 1938م، ص(5)