جنة أوروبا "الملعونة" تفتك بالكثيرين!!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جنة أوروبا "الملعونة" تفتك بالكثيرين!!
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

هناك بلاد طاردة، وهناك بلاد جاذبة، أما البلاد الطاردة فغالبًا ما تكون ضمن العالم الثالث، والأسباب لهذا الطرد كثيرة ومتعددة ومتنوعة، ومنها: الفقر الذي يطبق على الناس ولا يجدون له دفعًا، والظلم الذي لا يرحم ولا يستحيي أو يستطاع ردُّه، أو الوقوف أمامه، ولعدم إتاحة الفرص وندرة الانطلاقات، ولليأس المخيَّم على النفوس المتوارث عن العادات الهابطة، ولضياع العزيمة واستمراء الكسل.

وسعادة الإنسان أو شقاوتُه أو قلقُه أو سكينتُه تنبع من نفسه وحدها؛ فهو الذي يعطي الحياة لونها البهيج أو الكئيب، كما يتلوَّن السائل بلون الإناء الذي يحتويه: "فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط" (رواه الترمذي).

عاد النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيًّا مريضًا يتلوَّى من شدة الألم، فقال له مواسيًا ومشجعًا: "طهور" فقال الأعرابي: بل هي حمى تفور على شيخ كبير، لتورده القبور، قال: "فنعم إذًا".

يعني أن هذا يرجع إلى نفس الإنسان وقوتها، فإن شئت جعلتها طهورًا ورضيت فيزيلها الله، وإن شئت جعلتها هلاكًا وسخطًا، وإنَّ أحدًا لا يستطيع إنكار ما للروح المعنوية من أثر باهر لدى الأفراد والجماعات، والرجل الذي تربو ثقته بنفسه لا يشلّ أقدامه عن الحياة الكريمة نقصٌ في بدنه، أو عنَتٌ في ظروفه، بل قد يكون ذلك مثار نشاطه وشدة شكيمته، كما قال الشاعر:

إذا لم يكن عظمي طويلاً فإنني له بالخصال الصالحات وصول

إذا كنتُ في القوم الطوال علوتهم بعارفة حتى يقال: طويل

والحق أن مركب النقص لا يكون خيرًا، ولا يأتي بنفع على صاحبه، وإنما يذم ويستنكر إذا تمكَّن من الإنسان، وهؤلاء وإن كانت أمامهم الظروف مريرة إلا أنها في المستقبل واعدة إن اجتهدوا أو صبروا وصابروا وكافحوا، وأما البلاد الجاذبة فهي البلاد الأوروبية، التي تزهو بحضارتها، وتفتن ببهرجها وتغري بشهواتها، وتجذب بحريتها ونعيمها، فيظن الكسالى أنها ستغدق عليهم سمناً وعسلاً ورخاءً، وستشبع شهواتهم ونهمهم جنسًا وفسقًا وفجورًا، ويحسب فقراء العقول والعلوم أن فرص العمل على قارعة الطريق، وأن هذه المجتمعات المتقدمة، تحتاج إلى هذا الصنف القميء لتزين به المصانع ودور العلم وتدفع به الحضارة، فإذا به يجد ما لا يتخيَّله من مهانة وتشرُّد ومطاردة، كمطاردة الذباب الذي يحوم حول الحلوى، أو البعوض الذي يريد أن يمتصَّ الدماء الزكية ويلوِّث الأجواء النقية..

ويعيش في شقاء لتفاهة عقله وقلة علمه، وضمور نفسه وطبيعة مجتمعه، إلى أن يستقر في السجون والمعتقلات أو تتلقَّفه عصابات المخدِّرات، أو يرتمي تحت أحذية العاهرات الساقطات، في مجتمع لا يرحم، وبيئة لا تعرف إلا الدينار والدرهم، وبينها وبين الإيمان ما بين السماء والأرض، وعندها من الأمراض النفسية ما يكفيها ويزيد..

أُسَر مهدَّمة، ونفوس محطَّمة، وسباق رهيب، في كل شيء، فهل تسبق العرجاء، بل الكسحاء؟! وما من أناس جذبوا من الشرق وأغراهم ما يسمعون ممن لا يعلمون، وضاعوا رغم ما تحمَّلوه من عناء وشقاء، وضاعت الأحلام، وتبدَّدت الأماني، وبين يدينا الآن رسالة وردت من أحد هؤلاء الذين ضلَّ سعيُهم وخابَ فألُهم.. يقول:

"قاسيت كثيرًا، وعانيت طويلاً، وأضعت من الأوقات والأموال ما لا يُحصَى حتى أنال مقصودي، وهو الوصول إلى فرنسا؛ لأستمتع بالحياة، وأجبي المال الوفير، من أجل مساعدة عائلتي الفقيرة وإتمام زواجي..

ولكني قد قادتني شهوتي وارتكبت الخطيئة، مارست الجنس الحرام، فانتقل إليَّ فيروس الإيدز، فلما شكَكتُ في ذلك ذهبت إلى الطبيب لإجراء الفحوصات، وهالني دخول الطبيب الغرفة عندي، ونظر إليَّ وهو يحمل نتيجة التحليل، وقال: آسف لا تجزع، أنت تحمل فيروس الإيدز، وهناك أدوية لذلك، فلما سمعت ذلك فقدت الوعي، وأفاقني الطبيب وأخذ يهوِّن عليَّ، وخرجت من العيادة حاملاً نتيجة التحليل وطويته سريعًا في جيبي حتى لا يشاهده أحد..

وعلمت أنني بذلك قد طويت مرحلةً من حياتي، ودخلت مرحلة سوداء بجميع المقاييس، وأعترف أن وصولي إلى هذا الوضع كان نتيجة خطيئتي، واقترافي الحرام، لقد كانت الهجرة إلى تلك البلاد حلمًا سعيدًا لي، وهو الوصول إلى "الجنة الأوروبية"، التي دفعت من أجلها الغالي والنفيس، غير أنها تحوَّلت اليوم- مع سريان الفيروس بداخلي- إلى كابوس مزعج ودائم لا أستطيع الفكاك منه.

لقد وقعت في فخِّ الشهوات والإغراءات وحرية "باريس" بكل مفاتنها، فكانت أن ضاعت جميع أحلامي هكذا؛ لأنني أغمضت عيناي عن أخطار هذه الحرية اللعينة، فقد ألغيت مشروع الزواج دون أن تعلم خطيبتي السبب الحقيقي، وأصبحت دائم التفكير بالموت، وعزائي في أحيان كثيرة بعض آيات من القرآن الكريم التي تتحدث عن الموت والقضاء والقدر.

وطبعًا لا أحد يعلم ولا حتى عائلتي بحالي، ولم أَبُحْ بذلك إلا لصديق حميم، أسررْتُ له بأمري، وأصبحت مجبرًا على ترك الزواج وعلى البقاء نهائيًّا في الغربة أقاسي الضياع؛ لأن عودتي إلى أصلي في الريف المغربي وسط البيئة الاجتماعية المحافظة سيكون فضيحةً لأهلي، هذا وقد ذهبت إلى إمام مسجد باريس وحاولت اللجوء إليه فخذلني ونظر إليَّ شذرًا، وقال لي: أنت تجني الآن نتيجة ما اقترفت يداك، وأنت الآن تتعرَّض لعقاب الله!! وهأنذا قد أموت من القهر وليس من المرض".

ونحن نرى في تلك الأيام من يدفعون المبالغ الطائلة ويقاسون الأهوال؛ كي يذهبوا إلى جنة أوروبا الملعونة، ويكون مصيرهم بعد ذلك جوف البحر، والغرق في المحيطات، ولا يجدون من ينصحهم أو يرشدهم أو يمنعهم من هذا المنزلق الخطير، وقد يكون طوق النجاة في هذه الأيام هو الإيمان بالله والاعتصام بتعاليمه، ولكن أين الدعاة والمربُّون؟! فقد أُودِعُوا غياهب السجون، ولم يبقَ إلا من على أيديهم يضيع الشباب وينحرف التائهون!!.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى