جهود الإخوان نحو فلسطين (الحلقة الأولى)
بقلم / عبده مصطفى دسوقي ... باحث في شئون الإخوان المسلمين
فلسطين قطعة غالية في فلب كل مسلم خاصة وغير المسلم عامة لأنها تحوي بين جنباتها معالم الديانة الإسلامية والديانة المسيحية، فهي مسرى النبي محمد (صلى)، كما أن فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، وغيرها من المعالم الإسلامية التي تجعلها دائما في قلب كل مسلم، وإن كانت كل بلاد المسلمين لها مكانتها في قلوب المسلمين فإن اعتدى على بلاد إسلامية وجب على المسلمين الدفاع عنها ونصرتها.
وعندما أسس الإمام البنا جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م جعل قضية فلسطين من القضايا الهامة التي اعتنت بها الجماعة، وأولتها اهتمامها الخاص، وليس كما يدعي بعض الكتاب الذين لا يعرف لهم وطن أن الإخوان المسلمين لم يكن لهم دور يذكر نحو فلسطين ولا في حربها عام 1948م، إنما الذين قاموا بهذا الدور بعض الوطنيين، بالإضافة للجيوش العربية، أما الإخوان فلم يقوموا بأية شيء، وإن شاء الله سندحض هذه الشبهات بالحقائق الدامغة من خلال اعترافات غير الإخوان بما قام به الإخوان المسلمون.
وفي البداية لابد أن نتعرف على فكر مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الأستاذ الشهيد حسن البنا لنعرف ما كان يدور فى خاطره نحو هذا الوطن العزيز، لأنه إذا اقتنع أي مؤسس بفكرة معينه يسبغ بها أفراد جماعته بعد ذلك، ومن ثم لابد أن نتعرف على فكر الإمام حتى نستطيع أن نحكم على إستراتيجية الجماعة نحو هذه القضية.
لقد حظيت القضية الفلسطينية من الإمام الشهيد حسن البنا باهتمام بالغ، حتى لا تذكر فلسطين إلا ويذكر معها الإمام، ولقد عبر الإمام الشهيد عن ذلك بقوله:
"فلسطين تحتل من نفوسنا موضعًا روحيًّا وقدسيًّا فوق المعنى الوطني المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين، ومهد السيد المسيح عليه السلام، وفى كل ذلك ما ينعش النفوس ويغذى الأرواح".
لقد اعتنى الإمام البنا بقضية فلسطين اهتماما ماديا وإعلاميا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا، فلقد قضى الإمام البنا جزءًا كبيرًا من حياته مدافعا عن فلسطين بقلمه ولسانه وماله ونفسه حتى قضى شهيدًا، فهو -بحق- شهيد فلسطين وإن لم يمت على أرضها.
كما لم تتوقف جهود الإخوان على التنبيه للخطر الصهيوني، بل أيقظوا الأمة جمعاء، وحشدوا الجهود لمقاومة ذلك الخطر، وقدموا ولا زالوا يقدمون التضحيات تلو التضحيات للذود عن فلسطين، نبهوا الغافلين، وأيقظوا النائمين، وبذلوا المال، وقدموا الشهداء فداء لفلسطين؛ حتى يتم تحريرها من الصهاينة الغاصبين وتعود إلى أحضان الأمة الإسلامية.
لقد بدأ الإمام البنا اهتمامه بالقضية منذ عام 1931م عندما أرسل برسالة إلى مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني يثني على جهوده ومواقفه العظيمة تجاه القضية الفلسطينية، كما حث أعضاء المؤتمر الإسلامي الأول على العمل بجد لقضية فلسطين فيقول: « حضرة صاحب السماحة السيد محمد أمين الحسيني مفتى فلسطين الأكبر....
نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، ونصلى ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الله حق جهاده، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين.
وبعد.. فإن العالم الإسلامي كله يقدر لكم حسن جهادكم، وسديد رأيكم في الدعوة إلى هذا المؤتمر المبارك، وجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة والمحمودية وشبراخيت وبورسعيد والإسماعيلية بالديار المصرية تقدم لسيادتكم جزيل شكرها وجميل تقديرها، ونرجو التكرم بعرض هذا البيان على هيئة المؤتمر الموقرة.
حضرات السادة المحترمين أعضاء المؤتمر الإسلامي.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يجب أن تقدروا هذا تمام التقدير، ويجب أن تثبتوا للأمانة التي أخذتموها على عاتقكم، وهى النظر في خير المسلمين بحكمة وإخلاص، ويجب أن تتصل قلوبكم بقلوب المؤمنين التي تحوطكم، وبأرواحهم التي ترفرف على مؤتمركم، وبآمالهم التي تحوم حولكم، والله من وراء الجميع محيط، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
أيها السادة أعضاء المؤتمر:
إن الإخلاص أساس النجاح، وإن الله بيده الأمر كله، وإن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وذكاء نفوسهم، وإخلاص قلوبهم، وعملهم عن عقيدة واقتناع جعلوا كل شيء وقفًا عليهما حتى اختلطت نفوسهم بعقيدتهم، وعقيدتهم بنفوسهم، فكانوا هم الفكرة، وكانت الفكرة إياهم، فإن كنتم كذلك ففكروا والله يلهمكم الرشد والسداد، واعملوا والله يؤيدكم بالمقدرة والنجاح، وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي فأخرجوه من بينكم، فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق.
فابدأوا عملكم أيها السادة الكرام بتصحيح الإخلاص وتحقيق النية فى العمل يكن صرح عملكم مشيدًا وأثره خالدًا إن شاء الله تعالى، وإن جمعية الإخوان المسلمين تشارككم فيما تقررون، وتقاسمكم على البعد عبء ما تحملون، تبعث إليكم بتحيات أعضائها مشفوعة بالإجلال لأشخاصكم، والتقدير لعملكم، والإعجاب الكبير لفكرتكم».
ثم قدم الإمام البنا حلولا عملية نحو القضية فقال: « لقد علمنا أن الخطب والاحتجاجات لا تجدي ولا تسمع، وترى الجمعية أن من واجب المؤتمرين أن يعالجوا:
1-مسألة شراء الأرض بفلسطين: إن اليهود يحاربون الفكرة الإسلامية بذهبهم، وإذا تمكنوا من شراء أرض فلسطين صار لهم حق الملكية فقوى مركزهم وزاد عددهم، وبتوالي الأيام تأخذ المسألة شكلاً آخر، وقد نظم اليهود هذه الحركة وجعلوا لها صندوقًا خاصًا يجمعون فيه الاكتتابات لهذه الغاية.
فحبذا لو وفق المؤتمر إلى إيجاد نواة لصندوق مالي إسلامي، أو شركة لشراء أرض فلسطين المستغنى عنها، وتنظيم رأس المال وطريق جمع الاكتتابات وسهوم هذه الشركة..إلخ.
والجمعية تكتتب مبدئيًّا فى هذه الفكرة بخمسة جنيهات مصرية ترسلها إذا قرر المؤتمر ذلك على أن تتوالى بعدها الاكتتابات، ولا يضحك حضراتكم هذا التبرع الضئيل فالجمعية تقدر الفكرة، وتعلم أنها تحتاج إلى الآلاف من الجنيهات، ولكنها جرأت على ذلك إظهارًا لشدة الرغبة فى إبراز الفكرة من حيز القول إلى حيز العمل.
2-تأليف اللجان فى كل البلاد الإسلامية للدفاع عن المقدسات: كذلك تقترح الجمعية أن يعالج المؤتمر موضوع تأسيس لجان فرعية لجمعية رئيسية مركزها القدس أو مكة، وغايتها الدفاع عن المقدسات الإسلامية فى كل أنحاء الأرض، وتكون هذه اللجان الفرعية كلها مرتبطة تمام الارتباط بالمركز العام.
3- إنشاء جامعة فلسطين: على نحو كلية عليكرة بالهند تجمع بين العلوم العصرية، والعلوم الدينية.
4- نداء علماء المسلمين: أن يؤلفوا لجانًا فنية لتهذيب الكتب الإسلامية القديمة، وتصنيف كتب جديدة تفي بحالة العصر الجديد مع التفكير فى مناهج التعليم بأنواعه.
5-نداء أغنياء المسلمين للاكتتاب.
6- دعوة زعماء الشعوب الشرقية إلى طرح المطامع، وتقدير الموقف الدقيق الذي يحيط بهم فى هذه الأيام.
ثم ختم قائلا: « ولتثقوا أيها السادة بأن العالم الإسلامذي من ورائكم يجود بالنفس والمال فى سبيل إعادة مجد الإسلام، ووصول الأمم الإسلامية إلى حقوقها المنقوصة».
نداء
لم يكتف الأمر عند ذلك فحسب بل وجه مكتب إرشاد الإخوان المسلمين نداء إلى شعب الجماعة بالقطر المصري وإلى الشعوب الإسلامية عامة وإلى مواطنينا المسيحيين الأعزاء جاء فيه: « أيها الإخوان: هذا يوم من أيام الله يختبر الله به العزائم، ويبتلى به الهمم، ويمحص به الصادقين، ويظهر فيه قول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾[آل عمران: 142].
هؤلاء إخوانكم الفلسطينيون البواسل وقفوا صفًا واحدًا، وقلبًا واحدًا، وكلمة واحدة، وكتلة صامدة يعاهدون الله وإخوانهم ووطنهم ألا يضعوا راية الجهاد إلا مكللة بالنصر محفوفة بالفوز، أو يموتوا دون الغاية، وفداء للوطن ومقدساته.
أيها الإخوان: ثمانمائة ألف عربي ما بين مسلم ومسيحي وقفوا يذودون عن المقدسات العزيزة والتراث الخالد، وينوبون عن مسلمي الأرض ومسيحيي الأرض فى حفظ المسجد المقدس والدفاع عن فلسطين بلد الذكريات والأنبياء، ويدفعون عنها حيف اليهود وظلم الإنجليز، ويقاومون يد الاستعمار الباطشة الفاتكة، وهم فى هذا يقومون بالواجب عنكم، ويحتملون آلام الجهاد دونكم، وأنتم جميعًا آمنون وادعون.
أيها الإخوان: إن وطنكم لا تنتهى حدوده بحدود مصر، بل تمتد إلى كل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله، وإن قلوبكم التى تخفق لمصر وتحنو عليها وتعمل لها بحكم البر بالوطن يجب أن تخفق لفلسطين، وتحنو عليها، وتعمل لها بحكم الدين والجوار والإنسانية والوطن أيضًا.
لقد وقفتم بالأمس إلى جانب الحبشة موقفًا كريمًا، فقفوا اليوم بجانب فلسطين مثل ذلك الموقف أو أسمى، فإن فلسطين ألصق بكم جميعًا وأقرب إليكم جميعًا، وقد وقع عليها من الظلم ما لا يعلم مداه إلا الله.
أيها الإخوان: إخوانكم الفلسطينيون الآن فى الميدان يجوعون ويجهدون ويخرجون ويقتلون ويسجنون فى سبيل الله وفى سبيل البلد المقدس، وهم إلى الآن فى أشرف المواقف يقومون بأمجد الأعمال، ويبدون من ضروب البسالة ما هو فوق الاحتمال والطاقة، فهم قد أعذروا إلى الله وإلى التاريخ، فإذا ضعفت هذه الحركة أو وهنت فأنتم المسئولون عن هذا الضعف وهذا الوهن، وهى جريرة يؤاخذ بها الله أشد المؤاخذة، ويحصيها التاريخ فى أسود صحائفه، فانتهزوا الفرصة وقوموا بواجبكم إلى جانب إخوانكم، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
وإن مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين، وقد أقضت هذه الحوادث مضجعه فى الوقت الذي يهيب فيه بالشعوب العربية مسلمها ومسيحيها أن يمدوا يد المعونة لفلسطين المجاهدة الباسلة يقرر ما يأتى:
أولاً: تأليف لجنة مركزية من أعضائه لتلقى تبرعات الإخوان وإرسالها إلى اللجنة العربية العليا.
ثانيًا: تأليف لجان فى شعب الإخوان لتلقى التبرعات وإرسالها إلى اللجنة المركزية.
ثالثًا: شكر الشعب الفلسطيني الباسل على موقفه المشرف وتأييده فيه كل التأييد.
رابعًا: إرسال برقية احتجاج إلى المندوب السامي بفلسطين ووزير خارجية إنجلترا وسكرتارية عصبة الأمم.
خامسًا: دعوة سمو الأمير عمر طوسون والهيئات العاملة بمصر إلى العمل على مساعدة فلسطين.
سادسًا: رجاء لجنة مساعدة الحبشة فى أن تحول وجهها شطر فلسطين، وأن تمدها بما بقى عندها من أموال.
سابعًا: موالاة الكتابة تذكيرًا بالواجب نحو فلسطين، وحث التجار الذين يساعدون اليهود على التضامن مع العرب في مقاطعة المعتدين الغاصبين».
ووصل الحال بالإمام البنا أن ناشد الأمير عمر طوسون قال له فيه: « حضرة صاحب السمو الأمير الجليل عمر طوسون.
تألفت اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين من شباب جمعية الإخوان المسلمين الذين بايعوا الله على التقوى والإيمان والفناء فى سبيل إعزاز الدين، وقد تكونت من بينهم اللجان للخطابة فى المساجد، وجمع ما يجود به المسلمون، وبث الدعاية الواسعة لنجاح هذا المقصد الجليل. وقد توجهنا إلى سموكم بهذا راجين أن تجد فلسطين الجريحة من بركم وعطفكم -ما وجدته الحبشة- الآسي الرقيق، والبلسم الشافي.. ولنا رجاء آخر أن تتفضلوا بصفتكم أحد رئيسي لجنة مساعدة الحبشة بإرسال ما تبقى من الأموال التى جمعت لغرض مساعدة الأحباش إلى اللجنة العربية فى فلسطين، وسيجزيكم الله الجزاء الأوفى».
ولقد أصدر الإمام البنا بيانا إلى الأمة المسلمة بأن يجعلوا احتفالهم بالمولد النبوي احتفالا بيوم ذكرى لفلسطين وقد جاء فيه: « أيها المسلمون، ستحتفلون قريبا بذكرى المولد النبوى الشريف، وما أحراكم أن تذكروا فيه فيما تذكرون من حوادث جسام ابتلى بها العالم الإسلامى، الحالة الدامية فى فلسطين الشهيدة وما آلت إليه بعد جهاد استمر عشرين عامًا، وكيف أنها باتت على شفا التهويد، بعد أن أعمل فيها الاستعمار المسلح النار والحديد.
ستذكرون شهداء فيها علقوا بالعشرات على أعواد المشانق، وبينهم الشيخ الذى جاوز الثمانين. ستذكرون حرمات الدين المقدسة التى انتهكت شر انتهاك.
ستذكرون المسجد الأقصي المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقد احتله جند الاستعمار يحول فيه بين العبد وربه، ويقطع على المصلى تضرعه ودعاءه، ويختلط فيه صوت المؤذن بصلصلة السلاح.
ستذكرون قضاة الشرع الشريف يؤخذون من دور القضاء، ويعتقلون وهم فى مجالس الحكم، ثم يرسلون إلى السجون كالمجرمين.
ستذكرون المئات من المعتقلين مكبلين بالحديد يستعذبون رنين القيود.
ستذكرون المئات من المجاهدين الذين هجروا بيوتهم وعائلاتهم، وهبوا خفافًا وثقالاً يذودون عن شرف الإسلام الرفيع بالدم النجيع، ويدفعون عن الدين والوطن الدنايا بأكرم المنايا، ويحرسون المسجد الأقصي المبارك والأماكن الإسلامية المقدسة بدمائهم وأرواحهم التى بذلوها رخيصة فى سبيل المحافظة على بقائها إسلامية عربية.
ستذكرون النساء يعتدى عليهن الجند فى خدورهن، ويسلب حليهن من أعناقهن ومعاصمهن، ويقود عددًا منهن إلى ظلمات السجون.
ستذكرون هذا فى يوم المولد النبوى الشريف، وأكثر من ذلك مما ابتليت به فلسطين المقدسة من أفانين العذاب.
ولكن ما فائدة الذكرى إذا لم يعقبها عمل نافع يصد الأذى ويوقف المعتدى عند حده؟
وما قيمة الأنات التى يصعدها المسلمون بكرة وعشيًّا على الحالة فى فلسطين إذا لم يتفاهموا فيما بينهم على طريقة يتبعونها لتخفيف الويلات عن البلاد المقدسة، وشد أزر سكانها المسلمين، وحماتها المجاهدين.
إذن فالواجب على المسلمين كافة أن يجعلوا من يوم المولد النبوي الشريف يومًا لفلسطين يقدمون فيه الاحتجاجات على السياسة الظالمة فيها، ويقيمون صلاة الغائب على شهدائهم فى المساجد، ويعقدون الاجتماعات لنصرتهم، ويجمعون الإعانات لتخفيف الويلات عن الألوف من منكوبيهم. وهذا بعض ما يجب على المسلمين نحو فلسطين فى مثل هذا اليوم الذى ترتبط ذكرياته الخالدة بتاريخ البلاد المقدسة وأمجادها.
هذه صرخة من أعماق القلوب يوجهها المركز العام لجمعية الإخوان المسلمين فى القطر المصري إلى كل مسلم ومسلمة فى العالم، بل إلى كل رجل ذى وجدان حى وضمير شريف؛ ليساهم قدر طاقته فى يوم المولد النبوي الشريف فى إنقاذ فلسطين مما يحقيق بها من أذى وبلاء.
وعسى أن يثبت المسلمون فى هذا اليوم أنهم بنيان ذو أساس متين، وكتلة واحدة لا يتطرق الوهن إلى صفوفها، فيؤكدون للعالم بأسره أن قضية فلسطين هى قضية المسلمين عامة، وأنهم لا يفرطون بمثقال ذرة من حقوقها ﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾[ق: 37]».
كما أرسل الإمام النبا برسالة إلى سعادة علوبة باشا جاء فيها: « الإخوان المسلمون يؤيدون قرارات اللجنة البرلمانية لإنقاذ فلسطين، وينتظرون عملا جديا وموقفا حازما قويا، ويضعون دماءهم وأموالهم وأوقاتهم تحت تصرف اللجنة فى سبيل فلسطين العربية المجاهدة».
كان هذا بعض ما تضمنته أحاديث ومقالات الإمام الشهيد حسن البنا، ومن خلالها يظهر مدى سيطرة قضية فلسطين على خوالج وقلب الإمام الشهيد والتي دفعته للحديث عنها في كل أوقاته في الوقت التي تخلى زعماء الأمة وملوكها عن هذه القضية معتبرين أن ذلك شأن داخلي يقوم به أبناء فلسطين.
إن ما يحدث في فلسطين اليوم هو صورة طبق الأصل مما حدث معها بالأمس وقت أن هب الرجال تدافع عن أرض فلسطين لكن الحكام خذلوها، فضاعت عام 1948م، وستظل ضائعة حتى يخرج جيل يعرف الله ويعرف حق فلسطين في الحياة.
وفي الحلقة القادمة إن شاء الله نستعرض جهود الإخوان المسلمين العملية من خلال كتابات الإمام البنا، ثم نتبعها ببعض التفصيل لهذه الجهود، وموقفهم من ثورة 1936م والتي اندلعت في فلسطين تحت قيادة عز الدين القسام، واستمرت هذه الجهود حتى رأينا دورهم الذي لا يستطيع أن يغفله والشهداء الذين سطروا مواقف من نور بدمائهم أثناء حرب فلسطين.
- المصدر : سلسلة من تراث الإمام البنا - البصائر للبحوث والدراسات