عرائس الشمع.. هل تنفخ الحوادث فيها الروح؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عرائس الشمع.. هل تنفخ الحوادث فيها الروح؟!
د. الواعى.jpg

بقلم: أ. د. توفيق الواعي

الإنسان مجموعة من الأحاسيس والأفكار والتوجهات والقناعات, القابلة للتغير والتمحور والتبدل؛ ولهذا قد يتشكل الإنسان تبعًا لذلك, وقد ينقلب من النقيض إلى النقيض، ومن المعقولات إلى المضحكات, ومن الحقائق إلى الأكاذيب والخرافات التي تبتعد عن العقليات بُعْدَ الْمَشْرِقَيْن, ولهذا قد ينساق الإنسان إلى أشياء مخجلة ومقززة ومخالفة للحقائق والتصورات ومؤسِّسَة للعمايات والجاهليات الفاضحة, وقد تَأْلف ذلك قلة من الناس وتهيم به وتدافع عنه, يمثل هذا واقعَ الجاهليةِ قديمًا وحديثًا؛ ولهذا احتاج الناسُ لريادة العقول والتصوُّرات إلى شريعة حاكمة وفاصلة في كبريات الأمور وتصوراتها حتى تستقيم الحياة ويتعايش الناس.

فقد يتصور بعض من يعيشون الحياة أنهم يملكونها ويسيطرون على مقدَّرَاتها؛ وأنها ينبغي أن تكون طَوْعَ إرادتهم هي ومن عليها؛ وأن التفكير في غير هذا نوعٌ من التمرد والانحراف عن طاعتهم, وهذا جرم كبير يقتضي قَرْع الأجراس ودعوة البشرية إلى الحذر والانتباه؛ لأن هذا سيكون نذيرًا للعبودية ومقدمة حقيقية للتخلي عن الحريات الشخصية والاجتماعية التي فطر الله الناس عليها, وذلك محرَّمٌ إنسانيًّا, وممنوعٌ نظريًّا وعلميًّا وشرعيًّا.

ولهذا قال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص في واقعة التعدي على ابن قبطي: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟)، وسارت الدعوة الإسلامية تعدل السلوك الجاهلي إلى أن اعتدل التوجه واستقامت المسيرة جيلاً بعد جيل إلى العصر الحديث؛ حيث حملها دعاة الإسلام اليوم بقيادة البنا, ويمضي حسن البنا إلى جوار ربه على النحو الذي قدر الله له شهيدًا؛ فيَكُونُ قفزة جديدة في عملية البناء, عملية تعميق الأساس وتقوية الجدران, وما كانت ألفُ خطبة ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لِتُلهبَ الدعوة في نفوس الإخوان, كما ألهبتها قطرات الدم الذكي المراق.

يقول الشهيد سيد قطب: (إن كلماتنا تظل عرائسَ من الشمع؛ حتى إذا متنا في سبيلها، دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة...).

الطغيان لا يهدم العقائد

وحينما سلط الطغاة الأقزام الحديد والنار على الإخوان كان الوقتُ قد فات, كان البِنَاء الذي أسسه حسن البنا قد استطال على الهدم, وتعمَّق على الاجتثاث, كان قد استحال فكرة لا يهدمها الحديد ولا النار؛ فالحديد والنار لم يهدما فكرة في يوم من الأيام, واسْتَعْلَت عبقرية البناء على الطغاة الأقزام, فذهب الطغيانُ وبَقِيَ الإخوان.

ومرة بعد مرة نَزَتْ في نفوس بعض الرجال- من الإخوان- نزواتٌ, وفي كل مرة سقط أصحاب هذه النزوات, كما تسقط الورقة الجافة من الشجرة الضخمة, أو انزوت هذه النزوة ولم تستطع أن تحدث حدثًا في الصفوف.

ومرة بعد مرة استمسك أعداء الإخوان بفرع من تلك الشجرة, ويحسبونه عميقًا في كيانها فإذا جذبوه إليهم جذبوا الشجرة أو اقتلعوها, حتى إذا آن أوان الشد خرج ذلك الفرع في أيديهم جافًّا يابسًا كالحَطَبَة الناشفة, لا ماء فيه ولا ورق ولا ثمار.

واليوم يواجه بناء الإخوان خليطًا مما واجهه في الماضي؛ ولكنه اليوم أعمق أساسًا, وأكثر استطالة, وأشد قوامًا.. اليومَ، هو عقيدة في النفس, وماضٍ في التاريخ، وأملٌ في المستقبل ومذهب في الحياة.. ووراء ذلك كله إرادة الله التي لا تغلب ودم الشهيد الذي لا ينسى.

فمن كان يريد هذا البناء بسوء فليذكر أن طغيان فاروق- ومن خلفه إنجلترا وأمريكا- لم يهدم منه حجرًا واحدًا، ولم يترك فيه ثغرة, إذ المستقبل لهذه العقيدة التي يقوم عليها بناء الإخوان، وللنظام الاجتماعي الذي ينبثق من هذه العقيدة ديمومة متجذرة استطالت على الأعداء.

وفي كل أرض إسلامية اليوم نداء بالعودة إلى الراية الواحدة التي مزقها الاستعمار ذات يوم ليسهل عليه ازدرادَ الوطن الإسلامي قطعة قطعة.. وقد آن أن تتضامَّ هذه المُزَق, وتنتفض جسمًا حيًّا كاملاً يمزق الاستعمار.

إن طبائع الأشياء تقتضي انتصار هذه الفكرة، فلقد انتهت موجة التفكك والتمزق.. ولم تمت الفكرة الإسلامية في تلك الفترة المظلمة, فهيهات إذن أن تموت اليوم في موجة اليقظة والانتفاض والإحياء.

ولقد اختلطت الفكرة الإسلامية ببناء الإخوان المسلمين ؛ فلم يعد ممكنًا أن يَفْصِل بينهما التاريخ, ومن ثم لم يعد ممكنًا أن يفصل بينهما أحد في اليوم أو الغد.

وقد كان الاستعمار يستخدم أجهزة للتخدير يلبسها ثوب الدين, استخدم رجال الطُّرُق، واستخدم رجال الأزهر, كما استخدم طغيان "السراي".. أما اليوم فلم يعد ذلك ممكنًا, إن الفكرة الإسلامية اليوم يمثلها بناء الإخوان المسلمين تمثيلاً قويًّا, فلا سبيل إلى التمويه بأي جهاز.. والأزهر ذاته- وقد خضع للطغيان طويلاً, وخضع للاستعمار- ها هو ذا سيأخذ في الانتفاض والتحرر.. وهؤلاء طلابه وأساتذته ينضمون جماعات وأفراد إلى صفوف الإخوان المسلمين , المحضن الأول للفكرة الإسلامية كما ينبغي أن تكون, والهادم الأوحد لتصورات الطغاة التي يحكيها القرآن ويرد عليها في آية واحدة من آياته ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14)﴾ (إبراهيم) صدق الله العظيم, وبلَّغ رسوله الكريم، ونحن على ذلك سنكون من الشاهدين إن شاء الله.

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى