في الذكرى (27) للمجزرة .. النسيان صعب يا حماة !
لم أستطع أن أتحمل أن يمر هذا اليوم بدون تدوينة عن ذكرى مجزرة حماة !
حاولت جاهدا أن أتجاوز الذكرى .. ولكنها أقوى من الذاكرة وأقوى من كل محاولات النسيان والتهميش !
إن رفض البعض تذكر المجزرة لدخولهم في دهاليز السياسة .. فنحن سوف نتذكرها لأن القتلة والمجرمين مازالوا فارين من وجه العدالة ! ومازال منفذوا المجزرة طلقاء يمارسون الحرية .. والمفروض أن يكونوا على أعواد المشانق !
كتبت تدوينة في الذكرى الماضية .. وأظنها مناسبة لهذه الذكرى أيضا .. لأن شيئا لم يتغير .. ومازالت حماة تنتظر العدالة والقصاص من القتلة !
حماة حماك الله أرضاً ومربعا
- وتاجاً على هام الليالي مرصعا
في مثل هذا اليوم قبل (27) سنة ، في 2 فبراير عام 1982 كانت المدينة السورية (حماة) على موعد مع أبشع مجزرة عرفهتا البشرية في القرن العشرين !
مجزرة راح ضحيتها في أقل تقدير (5000) شخص ، وفي أعلى تقدير (35000) شخص ، حسب إحصائيات من لجان حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية .
في مثل هذا اليوم تمت إزالة (حماة) من خارطة سورية ومن خارطة الوطن العربي .. لتتحول إلى ركام وأطلال بعد أن كانت ملأ السمع والبصر والقلب !
في ذلك اليوم بكت نواعير حماة بعد أن كانت قيثارة الحب والعشق والسلام ! بكت النواعير بعد أن تم ذبح أهلها من الوريد إلى الوريد !
وكانت نتيجة هذه المجزرة هو التالي :
1- العشرات من المجازر الجماعية ، وأشهرها مجزرة الملعب البلدي الذي راح ضحيتها (1500) شخص
2- التهجير الجماعي للأفراد والعوائل
3- التصفية الكاملة للعوائل بجميع أفرادها
4- الاعتداء على الأعراض والحرمات
5- هدم المساجد والكنائس
6- السجن والتعذيب لعشرات الألوف
7- تدمير أحياء كاملة في المدينة
حماة .. قبل (التطهير) .. وبعد (التطهير) !
يقول تقرير للجنة حقوق الإنسان السورية :
ما زال الذي حدث في مدينة حماة في شهر شباط من عام 1982 مأساة لم تُكشف معالمها الكاملة حتى اليوم، ولم يُعاقب الجناة الذين ارتكبوها بكل قسوة.
ويمكن تسجيل ملاحظتين على المجزرة:
أولاً: أنها لم تكن تستهدف تنظيماً سياسياً بعينه، وإنما طالت جميع فئات المجتمع في المدينة، دون تمييز بين إسلامي أو يساري أو يميني أو حتى أعضاء حزب البعث الحاكم. وينزع هذا صفة “الصراع السياسي” عن المجزرة، ويجعلها جريمة إبادة جماعية بحق المدنيين، ويؤكد هذا الحجم الكبير للضحايا الذين لا يمكن أن يكونوا كلهم منتمين إلى تيارات سياسية أو أحزاب.
ثانياً: أنها استهدفت كل من ينتمي إلى مدينة حماة، دون تفريق بين المسلم والمسيحي، ودون فرز حتى الذين كانوا متعاونين مع السلطات من أبناء المدينة، فقد قُتل الكثير ممن كانوا يعدون عملاء لأجهزة الأمن وساعدوها بالمعلومات خلال المجزرة. وحين احتدم الخلاف في أكثر من حادثة وموطن، تبين أن قادة الحملة العسكرية على المدينة كانوا ينظرون بعين واحدة إلى جميع سكانها، بمن فيهم كبار مسؤولي فرع حزب البعث الحاكم في حماة.
وبناء على المسألة الأخيرة، فإن المحامين ورجال القانون مدعوون إلى دراسة ما إذا كان ممكناً تصنيف مجزرة حماة في سياق أعمال إبادة الجنس البشري، وإلا فإنها على كل الأحوال تدخل في إطار الإبادة الجماعية المحرمة دولياً أيضاً.
لقد اتسمت المجزرة بالوحشية والقسوة التي تفوق التصور الإنساني، ولم تعبأ السلطات كثيراً بقتلاها من الجنود الذين زُج بعضهم في معركة لم يرغبوا فيها، وقُتل بعض الذين لم يتجاوبوا مع الأوامر بالشكل المطلوب. ناهيك عن الضحايا المدنيين الأبرياء الذين كانوا الهدف الأول للمجزرة.
إن تجاوز آثار مجزرة حماة، ومعالجة النتائج السلبية لما تعرض له سكانها الذين أُبيد قسم منهم إبادة كاملة، ما زال ينتظر تقصي حقائق ما حدث. ويجب أن يتوصل التحقيق الجاد والموضوعي إلى تحديد المسؤوليات في ما حدث، ومعرفة المستويات السياسية في الدولة التي تورطت في إصدار أوامر الإبادة الجماعية.
وبغير ذلك فإن ضحايا مجزرة حماة لن ينالوا حقهم في العدالة، الذي لا يسقط بتقادم الزمن.