ليس لدينا كثير من الوقت!
بقلم : معتصم حمادة
أسفرت معركة الدفاع عن القطاع عن طرح العديد من الملفات التي تنتظر من المعنيين أجوبة على ما فيها من أسئلة.. ونعتقد أن الحالة الفلسطينية لا تملك الكثير من الوقت كي تجيب على ما في هذه الملفات من استحقاق. تشهد الحالة الفلسطينية ورشة حوارات واسعة، تنظمها العاصمة المصرية، القاهرة، التي احتفظت بدورها، في هذا المجال، رغم ما تعرضت له من تهجم، وما أطلق عليها من سهام.
والحوارات تطال عددا واسعا وضخما من الملفات من بينها تثبيت وقف إطلاق النار، والانتقال إلى التهدئة، ورسم شروط هذه التهدئة والتزاماتها على الطرفين، وفك الحصار، وفتح المعابر، بما في ذلك معبر رفح، وقضية تبادل الأسرى وعنوانها جلعاد شاليت (!) ومسألة إعادة الإعمار في القطاع، وإعادة الحياة إلى شرايينه في المجالات الاقتصادية والتربوية والصحية والاجتماعية وغيرها.. وأخيرا وليس آخرا (مع أنه يحتل الموقع الأول في الهم السياسي) استئناف الحوار الوطني وصولا لوضع حد للانقسام واستعادة الوحدة الداخلية.
يرافق هذه الحوارات سيل لا يتوقف من التصريحات والتصريحات المضادة، حتى أن البعض، وقد استمرأ مثل هذه الحرب الإعلامية بين الأطراف الفلسطينية. شرع في فبركة المزيد منها وعلى لسان «مصادر» تحولت، بقدرة قادر، إلى موضوعة رئيسية من موضوعات الحرب الإعلامية، التي لا يستفيد منها سوى الجانب الإسرائيلي... والجانب الإسرائيلي وحده.
لكن ما لفت نظرنا، في خضم هذه الحرب، ما جاء على لسان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يوم 27/1/2009، ونشرته «وفا» في نشرتها الالكترونية يوم 28/1/2009، حيث اعترف أن الجانب الإسرائيلي لا يريد السلام، وأنه يستغل المفاوضات مع الفريق الفلسطيني لكسب الوقت وتوسيع الاستيطان.
كما قال أيضا إن الضرورات الوطنية تملي الجلوس جميعا إلى طاولة الحوار الوطني، وإن جدول الأعمال يمكن اختصاره بنقطتين: الأولى تشكيل حكومة جديدة (وفاق وطني أم وحدة وطنية... لا فرق ـ قال عباس ـ ) تكون مهمتها تنظيم انتخابات متزامنة ورئاسية وتشريعية تشكل، في مضمونها، عودة إلى الشعب ليقول كلمته. وأضاف أنه على استعداد للالتزام بنتائج الانتخابات واحترامها، والفائز فيها له صلاحية تقرير السياسة التي يراها مناسبة وبالتالي يتحمل مسؤولياته أمام الرأي العام الفلسطيني.
وما قاله عباس (مختصرا) يلتقي مع رأي الكثيرين، في «الموالاة» وفي «المعارضة» معا ـ إذا جاز التعبير ـ فالقضايا المطروحة على جدول أعمال الحالة الفلسطينية كثيرة، والتباينات حولها واسعة، ونعتقد أن حوارا وطنيا، كفيلا بوضع حلول وتقديم أجوبة لكل القضايا، هو حوار سيمتد لفترة طويلة، وطويلة جدا، وليست هناك ضمانة في أنه قد يصل إلى مبتغاه فهناك العديد من الألغام التي قد تنفجر تحت أقدام المتحاورين وبين أيديهم، بل إن بإمكان البعض أن يزرع هذه الألغام في منتصف رحلة الحوار لينسف، ليس فقط المرحلة القادمة منه، بل وكذلك ما أسفرت عنه المرحلة الأولى من إيجابيات.
وتؤكد التجارب أن بإمكان من يريد أن ينسف الحوار، حتى قبل أن يبدأ، بحيث يضع اشتراطات «إستراتيجية» عشية بدء الحوار، ويشترط ضرورة الاستجابة لها وإلا فلا حوار.
ونعتقد أن الحالة الفلسطينية لا تستطيع أن تنتظر طويلا كي تتفق الأطراف المعنية على كل شيء، حتى يستعيد قطاع غزة حياته، وحتى تتقدم مسيرة القضية الوطنية.
فهناك أولا آلاف المشردين من منازلهم وقد فقدوا كل شيء، ويحتاجون، قبل المنزل إلى مصدر يومي لقوتهم، وهذا يعني أن القطاع بحاجة إلى إغاثة يومية لإطعام عشرات آلاف الأفواه الجائعة، وهذه قضية لا تستطيع أن تنتظر ولا ليوم واحد، وكل يوم تأخير هو يوم جوع وتجويع.
وهناك الدمار الذي عم القطاع من أقصاه إلى أقصاه، من بيوت ودور ومدارس ومستشفيات ومقرات، ومؤسسات اجتماعية وأهلية وسواها، وهي كلها تشكل مشكلة مترابطة تضخ الحياة في شرايين القطاع.
وإعمار هذا كله لا يستطيع أن ينتظر إلى أن يتوافق المعنيون على آلية إعادة الإعمار، وعلى خلفية سياسية محورها أن من يشرف على عملية الإعمار هو من يتمتع بالشرعية، ونعتقد أن المواطن، المشرد من منزله، لا يهمه كثيرا مع من تكون الشرعية الآن، يهمه أن تكون الشرعية في خدمته، لا أن تكون مأساته في خدمة شرعية هذا أو ذاك، لذلك يخطئ من يعتقد أن الشارع في القطاع على استعداد لأن ينتظر طويلا إلى أن يتفق المعنيون على آلية إعادة الإعمار، وهو يعاني البرد ليلا والحر نهارا، وعذابات التشرد، خاصة وأن واقع التهجير من شأنه أن يمزق النسيج الاجتماعي للجماعات، وان يضعف روحها المعنوية، وأن يقلص قدرتها على الصمود.
وعلى الجميع أن يتذكر أن من يطالب الحالة الشعبية بالصمود، يتوجب عليه أن يوفر لهذه الحالة عناصر الصمود وعوامله، فالصمود ليس مجرد إرادة بل حاجات إنسانية أيضا، يجب أن تتوفر للناس وإلا تحولت السياسة إلى جعجعة وغوغائية.
إلى جانب هذا كله هناك المستقبل.. المستقبل السياسي.
فإذا كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أقر (أخيرا) أن هذه المفاوضات لم تنتج شيئا، وأن الجانب الإسرائيلي لا يريد السلام، وأنه يستغل العملية التفاوضية، لتوسيع الاستيطان، فما هو السبيل أذن، للوصول إلى تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية؟.
وما دامت الفصائل الفلسطينية المقاومة (على اختلاف اتجاهاتها) تقر ويقر معها أيضا الرئيس عباس، أن الحرب مع إسرائيل لم تنته.. وتقر أن معركة القطاع (ربما تكون قد) انتهت، لكن احتمالات نشوب معارك جديدة ما زالت وستبقى قوية...
وما دامت التوقعات في معظمها تتحدث عن فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف في الانتخابات القادمة، وعن فوز نتنياهو برئاسة الحكومة (حتى ليفني رأت في ذلك خطرا على علاقة تل أبيب بواشنطن) وتتحدث كذلك عن «نكسة» ستصاب بها العملية التفاوضية، وعن سياسة متطرفة دموية سوف تتبعها حكومة نتنياهو.
ما دام هذا كله بات يفرض نفسه كواقع مستجد على الحالة الفلسطينية... يصبح السؤال الواجب طرحه، ما هي الإستراتيجية الفلسطينية الواجب إتباعها في المرحلة القادمة؟ ومن هو الطرف المعني بصياغة هذه الإستراتيجية؟
وهل يحق لكل طرف أن يقول إن إستراتيجيته هي الصحيحة، وهي الطريق إلى النصر، وأن على الجميع إتباعها، والتخلي عن برامجهم؟، ولو أن كل طرف سلك هذا السلوك، وحاول أن يفرض رأيه على الآخرين، إما بالقوة المسلحة، أو بقوة الأمر الواقع من خلال جر الحالة الفلسطينية إلى معارك غير مدروسة، فأي مصير ستلقى القضية الفلسطينية وأي وضع ستعيشه الحالة الفلسطينية.
لقد خاضت المقاومة (وفي المقدمة الشعب الأعزل) معركة القطاع دون غرفة عمليات مشتركة ودون قيادة سياسة موحدة، فهل هذا أمر طبيعي؟
وخاضت المقاومة معركة غزة دون الاتفاق على خطاب إعلامي موحد، ينطق باسمها، فتشتت الخطاب الإعلامي لفصائل المقاومة، وكاد البعض، بغوغائية خطابه أن يسيء (بغض النظر عن النوايا) إلى تضحيات المقاومة... فهل هذا أمر طبيعي؟
وخاضت المقاومة معركة غزة في ظل تشتت سياسي، فبدأ القتال، وبدت المقاومة، على لسان البعض وكأنها هدف بحد ذاته وليست وسيلة، من وسائل النضال ضد الاحتلال.
وبدت المقاومة على لسان آخرين، وكأنها السبيل الوحيد (الوحيد؟!) للنضال ضد الاحتلال، علما أن من كان يروج لهذا القول كان يشيد بالتحركات الشعبية (أليست المظاهرات أسلوبا نضاليا؟) وكان يطالب برفع دعاوى ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين (أليس هذا الميدان هو الآخر أسلوبا نضاليا؟) ونعتقد أن البلبلة السياسية (خاصة على لسان أطراف المقاومة بالذات) من شأنها أن تضعف روح الصمود لدى الشارع الفلسطيني ونعتقد أن صمود الشارع هو الضمانة الأقوى لصمود المقاومة، إذ ما هو جدوى مقاومة ينفض من حولها الشارع؟
لذلك نحن بحاجة لإستراتيجية كفاحية في الميادين كافة نلتقي حولها جميعا، وتشكل برنامجا وطنيا جامعا وملزما للحالة الفلسطينية بكل اتجاهاتها.
أي سبيل يمكن أن يقودنا إلى هذا كله سوى الحوار الوطني الشامل والجاد والجدي؟
وأي سبيل يمكن أن يقودنا إلى إعادة تجميع قوانا في الاتجاه الوحيد سوى الحوار الوطني الشامل؟
أما الذين بنوا إستراتيجيتهم على إدامة الانقسام، فإن مصلحتهم، والمصلحة الوطنية، تفترضان، أن عليهم أن يعيدوا النظر بخياراتهم هذه....!
المصدر
- مقال:ليس لدينا كثير من الوقت!المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات