واجبات الإخوان
بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف
مقدمة
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. وبعد
فلا شك فى قسوة الواقع ومرارته وشدة وطأته، ففى الداخل تعانى الشعوب عموما من فساد الأنظمة الحاكمة واستبدادها ويعانى الدعاة خصوصا شتى ألوان الحرب والكيد والقمع والبطش فتوجه إليهم الاتهامات الباطلة، وتنصب لهم المحاكمات الجائرة، وتنتهك حرماتهم ويروع أهلهم، وتقيد حركتهم وحريتهم . وتصادر ممتلكاتهم وأموالهم، وتعطل مصالحهم وأعمالهم .
وأما فى الخارج فتحاك المؤامرات، وترسم المخططات، وتصاغ المشروعات وتفرض الأجندات وذلك بقصد الهيمنة علينا واحتلال أرضنا وتدنيس مقدساتنا ونهب خيراتنا وتمزيق وحدتنا وتعويق نهضتنا وكسر إرادتنا كما نرى فىفلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والسودان ولبنان وغيرها من بلاد الإسلام .
وأمام هذه المشاهد القاتمة والأوضاع البائسة نهيب بالأمة عموما و بالإخوان خصوصا ألا ينساقوا مع الإحباط واليأس، وألا يركنوا إلى الهوان والعجز ولنذكر جميعا قول ربنا عز وجل : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)(آل عمران:139-140) وقول حبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم عند مواجهته الخصوم أو مقارعته الخطوب "يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين" وهذا ما نتزود به – والحمد لله – فى كل ركعة من ركعات الصلاة .
أيها الإخوان المسلمون وأيها الناس أجمعون خذوا لهذا الواقع أهبته وأعدوا له عدته بالأخذ بالأسباب التى يتطلبها وبالواجبات التى يفرضها ومنها :
قوة الصلة بالله :
فلا ملك إلا ملكه ولا أمر إلا أمره ولا حكم إلا حكمه ولا إله غيره ولا رب سواه ( مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا )(هود: من الآية56) (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(يّـس:82) وكل ما يصبو إليه عباده الصالحون المجاهدون مدخر فى خزائن كرمه وفضله، فالتوفيق منه وحده (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(هود: من الآية88) .
والعون منه وحده (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)(الانبياء:112) والتثبيت منه وحده (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً)(الاسراء:74) والنصرة منه وحده (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)(غافر:51)
فالتمسوا هذا كله وغيره وغيره مما ترجون وتحبون أيها الإخوان المسلمون من الله وحده بقوة الصلة به وحسن التوكل عليه واذكروا هنا توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة"، فلنتعرف إليه بإخلاص عبادته، ودوام طاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه وكثرة ذكره ومصاحبة كتابه ومكابدة الليالى وإنارة الأسحار بالركعات والسجدات والدعوات والدمعات، وما أشد وعى صلاح الدين – رحمه الله – وما أعرفه بسنن النصر والهزيمة حيث كان يتفقد خيام الجند فى ظلمة الليل ويوقظ النيام عن التهجد والمناجاة محذرا إياهم بقوله "من مثلكم نؤتى"
التسلح بالمعرفة :
فلابد لكل إنسان عاقل راشد من أن يتسلح بالمعرفة ويتزود بالثقافة حتى يكون تصوره للأحداث والقضايا صحيحا، وحكمه عليها صائبا وتصرفه حيالها مناسبا، ويقوى الإقبال على المعرفة أكثر فى حق الإنسان المسلم لأنه يعلم أن أول كلمة نزلت فى القرآن العظيم (إقرأ) ثم تلاها ما يرشد القراءة ويصوب وجهتها ليكون فيها للبشرية النفع والصلاح والبناء والعمران، وذلك فى قوله تعالى ( بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)(العلق: من الآية1) ثم ذكرت كلمات الوحى الأولى بعد القراءة – وسيلة التعلم والمعرفة الثانية وهى الكتابة، وذلك فى قوله تعالى (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)(العلق:3-5) ولأن المسلم يقرأ – أيضا – قوله تعالى (وقل رب زدنى علما).
ويقرأ دعاء النبى صلى الله عليه وسلم الذى ترجم هذا التوجيه الربانى "اللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما ..، ويفطن المسلم كذلك لمغزى نصيحته صلى الله عليه وسلم لأبى ذر "يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلى مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلى ألف ركعة" ومعرفة حكمة بعض أسلافنا الصالحين "رحم الله امرأ عرف زمانه فاستقامت طريقته".
فإذا كان هذا شأن أى مسلم مع المعرفة والثقافة فأنتم – أيها الإخوان – أولى بهذا وأنتم تواجهون كل يوم مختلف الأفكار والآراء والنظريات والفلسفات فى شتى النواحى والمجالات، فأكثروا أيها الإخوان من المطالعة فى الكتب والإصدارات والصحف والمجلات وأحسنوا المتابعة لما يبث فى القنوات الفضائية والشبكات والإذاعات لتواكبوا الأحداث والتطورات وتكونوا على مستوى ما تحملون من أمانات ورسالات .
المسئولية وعلو الهمة :
فلتمتلئ القلوب بالشعور المؤرق بالمسئولية عن ديننا ودعوتنا وأمتنا، هذا الشعور الذى رأيناه فى موقف الصديق رضى الله عنه حين امتنع بعض الأعراب عن دفع الزكاة فقال كلمته الرائعة "قد انقطع الوحى وتم الدين، أينقص الدين وأنا حى، أينقص الدين وأنا حى" والذى لمسناه كذلك فى حال صلاح الدين رحمه الله وهو من أشد الناس اتباعا للسنة ومع هذا ما كانت نفسه تطاوعه أن يبتسم فى أعقاب دعاء ركوب الدابة ولما سئل عن السبب قال كلمته الهائلة "كيف أضحك والأقصى أسير" فليسمع الهازلون المتبلدون .
وهذا الشعور القوى بالمسئولية هو الذى يفجر فى النفس الهمة العالية والعزيمة الماضية التى يهون أمامها كل صعب ويخف كل ثقيل ويقرب كل بعيد .
أرأيتم إلى حال الصحابة قبيل بدر حين أفلتت العير وكان النفير وسرى فى الخيال بريق السيوف وفى العين لون الدماء وفى الأنف رائحة الموت، لقد تحدث المقداد بن عمرو بلسان المهاجرين فكان من بين ما قال (والذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه) وتحدث سعد بن معاذ بلسان الأنصار فأقسم – أيضا – قائلا (والذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد"
لقد كانت هذه الهمم العالية الوقود الذى حرك الجيل الأول الفذ الفريد ليخوض المعركة تلو المعركة ويقطع المرحلة بعد المرحلة ويحقق الإنجاز بعد الإنجاز حتى تغير – فى أمد وجيز – حال الإسلام والمسلمين من الاستخفاء والوجل إلى المجاهدة والاعتزاز ومن الضعف والقلة إلى القوة والكثرة ومن المهانة والاستذلال إلى المهابة والتمكين، ولمثل هذا فليعمل العاملون وليشمر الجادون فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .
الإيجابية :
وهى التى تدفع صاحبها إلى المبادرة بجلب المصلحة لغيره (فردا كان أو جماعة) ودرء المفسدة عنه وإن لم يقع الأمر فى نطاق الواجب الشرعى، انظروا إلى الحباب بن المنذر رضى الله عنه وقد رأى أن الموقع الذى اختاره النبى صلى الله عليه وسلم متسائلا فى أدب وفى صراحة أيضا : يا رسول الله أمنزل أنزلكه الله عز وجل فليس لنا أن نتقدم عليه أو نتأخر أم هى الحرب والرأى والمكيدة فأجابه صلى الله عليه وسلم : بل هى الحرب والرأى والمكيدة فقال الحباب بلا مواربة : فليس هذا بالمنزل وإنما ننزل عند أدنى ماء من القوم فنبنى عليه حوضا ثم نغور سائر الآبار فنشرب ولا يشربون ونسقى ولا يسقون، فينزل النبى صلى الله عليه وسلم على هذا الرأى ويكون أحد أسباب النصر الحاسم فى تلك المعرة الفاصلة .
وانظروا إلى عمر رضى الله عنه وهو يقترح الإثخان فى أسرى بدر بلا هوادة حتى يكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه الاجتراء على هذا الدين أو مناوشة المسلمين فينزل الوحى ليسدد رأيه ويقر موقفه (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(لأنفال:67) وانظروا إليه وهو يقترح على الخليفة أبى بكر أن يجمع القرآن بعد أن استحر القتل فى قراء القرآن وحفظته فى اليمامة أثناء قتال مسيلمة الكذاب ومازال بالصديق حتى انشرح صدره للأمر وكان رأيا ميمونا تحقق به وعد الله بحفظ كتابه الخالد ووحيه الخاتم، فليحرص كل منكم أيها الإخوان أن ينسج على هذا المنوال وأن يكون على هذا الحال فبذلك يعز دينكم وتنتصر دعوتكم وتنهض أمتكم .
التواصل مع المجتمع :
ما أوسع الساحة التى يستهدفها الإسلام العظيم وما أبعد الأفق الذى يتطلع إليه إنه يستهدف الأرض كل الأرض ويخاطب الناس كل الناس اقرءوا قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(الانبياء:107) وقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً )(سـبأ: من الآية28).
وتدبروا قوله صلى الله عليه وسلم " بعثت لكل أحمر وأصفر" فلابد لكل من يتصدى لخدمة هذا الدين وحمل هذه الدعوة أن يجيد التواصل والتفاعل مع الآخرين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، ولكم فى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فقد كان معروفا محبوبا للقاصى والدانى من عشيرته وقومه، وكانوا يقرون بسداد رأيه وحسن خلقه فى المناسبات المختلفة فها هم يرتضوه حكما بينهم عند تنازعهم فى وضع الحجر الأسود بعد تجديد بناء الكعبة قائلين : هذا الصادق رضينا، ثم نزلوا على حكمه طائعين.
وها هم أيضا يؤكدون شهادتهم له بالصدق والأمانة فى أول لقاء حاشد معهم بعد أن أُمر بالجهر بالدعوة وذلك حسن سألهم : أرأيتم لو أنى أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى، فأجابوه من فورهم : نعم ما جربنا عليك كذبا قط، وهذه خديجة رضى الله عنها تقسم له بعد أن رأت ما كان به عند أول عهده بالوحى "والله لن يخزيك الله أبدا" ثم تبرر ذلك بما حباه الله تعالى من مؤهلات النجاة والسلامة فتقول "إنك لتصل الرحم وتقرى الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق" فليخرج كل منكم أيها الإخوان من حال التقوقع المشين، والسلبية البغيضة والخجل الذميم، وليعش كل منكم مع الناس متواصلا متفاعلا مؤثرا مغيرا، وخاصة فى هذه المرحلة حيث أقبل الناس عليكم فى الانتخابات المختلفة ومنحوكم ثقتهم ووضعوا الأمانة على كواهلكم وفوضوكم للتحدث بلسانهم والمطالبة بحقوقهم والدفاع عن مصالحهم فكونوا عند حسن الظن بكم وأنتم لذلك أهل نحسبكم كذلك والله حسيبكم ولا يزكى على الله أحد وهو حسبنا وولينا ونعم الوكيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..