وماذا إذا لم يتوقف الاستيطان؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وماذا إذا لم يتوقف الاستيطان؟!
الاقصى1.jpg

بقلم : معتصم حمادة

إن أهمية اشتراط عباس وقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات، هي أن يتحول الدفاع عن الأرض، والتصدي للاستيطان، إلى المعركة الرئيسية على جدول أعمال الحركة الوطنية في الضفة...

أعاد الرئيس محمود عباس التأكيد على موقفه «الجديد» بشأن المفاوضات حين أعلن، في حضور وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في 16/2/2009 في رام الله، أن شروطه للعودة إلى المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية القادمة هي «الوقف الكامل للاستيطان وإزالة الحواجز والعودة إلى خطوط 28/9/2000»، وأبدى قلقه من تشييد «الجدار» حول القدس الذي سيفصل المدينة عن الضفة الفلسطينية، ويحول الضفة نفسها إلى جزر، تفصل بينها المستوطنات والمواقع العسكرية والطرق الالتفافية الإسرائيلية.

من جانبه أكد صائب عريقات، رئيس دائرة المفاوضات في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على الموقف نفسه، مؤكدا أن لا عودة إلى المفاوضات في ظل الاستيطان، وأن شرط المفاوض الفلسطيني هو الوقف الكامل للاستيطان.

ومما لا شك فيه، أن موقف الرئيس عباس وعريقات يشكل خطوة مهمة إلى الأمام، تفتح الباب لتضييق شقة الخلاف داخل الساحة الفلسطينية، وتلتقي مع مواقف معظم الفصائل الفلسطينية داخل المنظمة، التي طالبت بوقف المفاوضات إلى أن يتوقف الاستيطان.

وكان سبق للرئيس عباس أن أعلن قناعته في مناسبة أخرى أن إسرائيل لا تريد السلام، بل تريد استغلال المفاوضات، واستغلال الوقت، كي تنفذ خططها الاستيطانية في الضفة الفلسطينية وفي القدس، لتفرض على الجانب الفلسطيني وقائع ميدانية يصعب بعدها تجاوزها، وبحيث تنجح إسرائيل، خارج طاولة المفاوضات، في فرض إرادتها على الجانب الفلسطيني، في عودة، غير مباشرة، وغير معلنة، إلى خطة الانكفاء والحل الأحادي في الضفة.

وكان واضحا للمراقبين أن تصريحات الرئيس عباس حول موقف إسرائيل السلبي من السلام، كان بتأثير العدوان الهمجي لجيش الاحتلال على القطاع، وما ارتكبه من مجازر بشعة بحق المواطنين، أطفالا ونساء وشيوخا.

أما تصريحه حول شروط التفاوض، بحضور لافروف، فواضح أنه متأثر، إلى حد كبير، بنتائج الانتخابات الإسرائيلية، التي أعطت لليمين الصهيوني أكثر مما أعطت إلى «الوسط»، ومتأثر، في الوقت نفسه بالمشاورات الإسرائيلية لتشكيل حكومة جديدة، أيا كان شكلها، فإنها لا بد أن تقف إلى يمين حكومة إيهود أولمرت الراحلة.

نقول إلى يمين حكومة أولمرت، ليس لأننا نترحم على هذه الحكومة، وليس لأنها أفضل، بالمعنى السياسي، من الحكومة القادمة.

فأولمرت هو الذي خرج من مؤتمر أنابوليس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، يعلن للشارع الإسرائيلي، ولحلفائه في الحكومة الإسرائيلية الهشة، أنه لم يلتزم أمام الرئيس الأميركي (السابق) بوش، وأمام الرئيس الفلسطيني عباس بشيء.

ونقل عنه الطاقم الصحفي الذي رافقه في طائرة العودة إلى إسرائيل توقعاته أن المفاوضات قد تمتد عقدا من الزمن، دون أن تصل إلى نتائج حاسمة ونهائية. ثم قوله، في السياق نفسه، أنه حتى ولو وصلت هذه المفاوضات إلى نتائج نهائية مع عباس، فإن التطبيق ـ لصالح الجانب الفلسطيني ـ سيبقى معلقا إلى أن يستعيد عباس سيطرته على قطاع غزة، دون أن يعني ذلك وقف الاستيطان في المناطق التي ستضم إلى إسرائيل.

وأكد، في السياق، تمسكه ب القدس «الموحدة» عاصمة أبدية لإسرائيل، وتمسكه بالمستوطنات كجزء من إسرائيل، وبجدار الفصل، باعتباره حدودها النهائية.

من جانبها اتخذت ليفني وزيرة خارجية أولمرت (وأحد المرشحين لرئاسة الحكومة القادمة) مواقف لا تقل تطرفا عن مواقف رئيس حكومتها.

إذ تمسكت بمبدأ «إسرائيل وطن قومي لليهود» وبمبدأ « فلسطين وطني قومي للفلسطينيين».

المبدأ الثاني لم يكن حبا بالفلسطينيين، وليس انحيازا لحقوقهم الوطنية المشروعة، وليس اعترافا بخطأ تاريخي ارتكبته إسرائيل، تكفر عنه ليفني حاليا.

التأكيد على أن الدولة الفلسطينية هي الوطن القومي للفلسطينيين، هدفه، كما أوضحت ليفني، مسألتان:

  • الأولى أن يتم حل قضية اللاجئين على قاعدة «العودة إلى الوطن القومي» أي إلى الدولة الفلسطينية في الضفة، والقطاع لكن على دفعات صغيرة، وعلى مدى زمني طويل وطويل جدا. المهم أن يتم التخلي، فلسطينيا، عن حق العودة إلى مناطق 48، وأن يتم التسليم بأن هذا الحق بات صعب التحقيق إن لم يكن مستحيلا.
  • الثانية أن «تتخلص» إسرائيل من الفلسطينيين فيها (حملة الجنسية الإسرائيلية) باعتبارهم حمولة زائدة آن الأوان للتخلص منها. وإذا كان صعبا، في ظل الفضائيات، وسهولة الاتصالات،

وطبيعة العلاقات الدولية القائمة، تكرار حملات الطرد الجماعي التي مارستها العصابات الصهيونية المسلحة ضد الفلسطينيين في الأربعينيات فإن «ترحيل» هؤلاء يمكن أن يتم بصورة «قانونية» وبالاتفاق مع المفاوض الفلسطيني، بحيث يتم تبادل الأراضي بين الدولة الفلسطينية والإسرائيلية، فتضم إسرائيل لها المستوطنات (والقدس طبعا) بما هي أراض خصبة غنية بالمياه، وذات موقع استراتيجي اقتصاديا وعسكريا، مقابل أن «تضم» الدولة الفلسطينية مدينة أم الفحم وبلدات المثلث، المكتظة بالسكان الفلسطينيين، فتتخلص إسرائيل عندئذ من أكثر من نصف مليون فلسطيني، كانت تنظر إليهم باعتبارهم قنبلة ديمغرافية موقوته مرشحة للانفجار عام 2020 (كما توقع خبراء إسرائيل في إحدى دورات مؤتمر هرتسليا).

والملاحظ أن ليفني تلتقي في موقفها هذا مع إفيغدور ليبرمان (الحزب الثالث حاليا في الكنيست) والموصوف بأنه يمثل اليمين المتطرف لأنه يدعو إلى طرد جماعي للفلسطينيين خارج إسرائيل، ولأنه يرى فيهم خطرا على «الدولة» أكبر من خطر «الإرهاب» نفسه ـ على حد قوله.

إذن أكثر من عام من المفاوضات، توغل فيها المتفاوضون في بعض الملفات (لكن بصمت وبعيدا عن الأعين) انتهت بالحرب العدوانية على القطاع.

وانتهت بقناعة، لدى الرئيس عباس، أن إسرائيل لا تريد السلام، وأن أية مفاوضات جديدة تستوجب بالضرورة وقف الاستيطان والعودة إلى حدود 28/9/2000 وإزالة الحواجز من حول المدن في الضفة.

لكن السؤال الذي لم يجب عليه عباس، أو عريقات هو: ما العمل إذا لم يتوقف الاستيطان، ولم تستأنف المفاوضات؟

هل نقف مكتوفي الأيدي «بانتظار » أن يتوقف الاستيطان؟

وهل الانتظار يشكل في حد ذاته سياسة، خاصة انتظار أن «تقتنع» إسرائيل بوقف هذا الاستيطان.

إذا كان رهان عباس وعريقات على دور ما للولايات المتحدة للضغط على إسرائيل لتوقف عمليات الاستيطان، فإنه رهان خاسر مسبقا، ولن ينتج عنه شيء إيجابي لصالح الموضوع الفلسطيني.

الولايات المتحدة لن تضغط بالدرجة التي ترغم إسرائيل على وقف الاستيطان وبالتالي فإن إسرائيل لن تستجيب وسيتواصل الاستيطان.

وإذا كان الرهان هو على دور ما لأوروبا أو لروسيا، فإن ضغط هذين الطرفين سيكون بالضرورة، أقل قدرة على الفعل من الضغط الأميركي... إذن سيتواصل الاستيطان.

وإذا كان الرهان على دور ما للأمم المتحدة، فإن تجربتنا مع الدور الأميركي في مجلس الأمن تجربة معروفة، ولن تسمح واشنطن لأحد أن يحول مجلس الأمن إلى محكمة لإسرائيل.

بتقديرنا أن الحل يكمن في يد الفلسطينيين أنفسهم أن يخوضوا معركة وقف الاستيطان وهي معركة جماهيرية، سياسية، دبلوماسية، إعلامية، وقانونية.

يجب أن يتم الاتفاق على أن الخطر الأكبر الداهم على مستقبل الحالة الفلسطينية من الجانب الإسرائيلي هو الاستيطان، وأن المعركة المحورية في هذا الجانب هي العمل على وقف الاستيطان.

وهذه المعركة هي معركة ميدانية يفترض أن تخوضها القوى السياسية والحركة الشعبية بالتصدي اليومي لعمليات الاستيطان، وإن أدى ذلك إلى صدامات مع جيش الاحتلال، ومع المستوطنين.

وهي معركة سياسية يفترض أن تخوضها م.ت.ف. والسلطة في المحافل الدولية كافة، خاصة الأمم المتحدة، كي تتسلح الحركة الشعبية بقرارات الشرعية الدولية وتشكل هذه القرارات غطاء سياسيا لها، كما هو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن جدار الفصل.

وهي معركة دبلوماسية يجب أن تخوضها م.ت.ف. والسلطة الفلسطينية أمام برلمانات العالم، وحكوماتها، وأحزابها على اختلاف اتجاهاتها لكسب التأييد الدولي، على غرار التأييد الدولي لشعب غزة في صموده ضد العدوان.

وهي معركة قانونية، تخوضها م.ت.ف. والسلطة الفلسطينية أمام محكمة العدل الدولية، وأية جهة قضائية عالمية، فمصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات عليها أعمال مخالفة للاتفاقات الدولية.

وهي معركة إعلامية، يفترض أن تغطيها الفضائيات العربية والأجنبية الصديقة كما غطت معارك الدفاع عن القطاع، ويمكن لأجهزة الإعلام أن تبتدع أساليب جذابة تحول قضية وقف الاستيطان والتصدي له إلى قضية مركزية في الاهتمام الفلسطيني والقومي العربي والدولي الإنساني.

وهي قضية «تنموية» ـ إذا جاز التعبير ـ تتطلب أن تتخذ السلطة الفلسطينية سلسلة من القوانين تعتبر المناطق المعرضة للمصادرة مناطق رعاية خاصة من قبل الوزارات المعنية، لها الأولوية في اهتمامات السلطة كي لا يجد الفلاح والمزارع الفلسطيني نفسيهما وحيدين في مواجهة جرافات العدو.

إن أهمية تصريحات عباس وعريقات أن تتحول إلى خطط مواجهة الاستيطان، والدفاع عن الأرض، وإلا فإنها لن تساوي الحبر الذي كتبت فيه


المصدر