أسطورة «أمن إسرائيل» تتحكم في أنابوليس

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أسطورة «أمن إسرائيل» تتحكم في أنابوليس
علم فلسطين.jpg


بقلم : مرسى عطا الله

ونحن على بعد خطوات قليلة من الموعد المقترح لانعقاد المؤتمر الدولي للسلام في مدينة أنابوليس الأميركية قبل نهاية نوفمبر الجاري تفرض علينا معطيات المشهد الراهن أن نضع في اعتبارنا أيضاً معطيات أخرى تربط بين معطيات الحاضر ودروس الماضي وآفاق المستقبل لأننا إزاء صراع يمتزج فيه صدام الوجود مع تصادم الإرادات وما يحمله هذا الامتزاج من قيم وأفكار ومصالح وقوى مادية، وهو ما جعل من سلسلة الحروب العربية - الإسرائيلية على مدى أكثر من نصف قرن مجرد مظهر محدود من مـظاهر الصراع الشرس.

وربما يكون ضرورياً ومفيداً أن أنبه إلى حقيقة تاريخية جرى الدوس عليها واستبدالها في إطار لعبة خلط الأوراق، وأعني بذلك القول إن رؤية الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش لإقامة دولتين هي أول اعتراف أميركي بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم لأن ذلك يتجاهل الدور الكبير الذي لعبته أميركا لتمرير قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين العربية، والذي نص على إقامة دولتين واحدة عربية، والثانية يهودية على مساحة 56% من مساحة فلسطين التاريخية، ثم إن أميركا بدعمها ل"إسرائيل" هي التي ساعدت المنظمات اليهودية الإرهابية المسلحة، والجيش الإسرائيلي على الارتفاع بالمساحة المخصصة ل"إسرائيل" في قرار التقسيم إلى ما يوازي 78% من مساحة فلسطين كأحد استحقاقات حرب عام 1948، وبالتجاوز الصريح للخطوط التي حددتها اتفاقيات الهدنة عام 1949 .

أريد أن أقول بوضوح إنه يتحتم على الذاهبين من الأطراف العربية إلى مؤتمر أنابوليس أن يعرفوا موضع أقدامهم، وأن يسترجعوا وقائع ووثائق أسلوب المراوغات التفاوضية الذي تجيده "إسرائيل" بأشكال عديدة ومسميات متنوعة.

وهنا أستطيع أن أقول إنه برغم كل ما يقال عن عقبات وعراقيل جهزتها "إسرائيل" لكي تفلت من سداد أية مستحقات واجبة في مؤتمر السلام فإن الورقة الأهم التي ستواصل "إسرائيل" اللعب بها هي ورقة الأمن التي تبتز بها الجميع حتى تبرر محاولاتها المستمرة للإفلات من تحدي السلام واستحقاقاته المشروعة.

ثم إنه يتوجب على الذاهبين إلى هذا المؤتمر أن يتذكروا جيداً أنه منذ أن بدأت محاولات البحث عن سلام بين العرب و"إسرائيل" ظلت جهود التسوية، وعمليات التفاوض محلك سر بل إنه كلما اقتربت من تحقيق تقدم تفاوضى سرعان ما عادت إلى نقطة الصفر، وليس لهذا الفشل المتكرر لمفاوضات التسوية من تفسير سوى استمرار المراوغة والتعنت الإسرائيلي، ومحاولة "إسرائيل" الدائمة فرض أجندة أولويات للتفاوض والتسوية تتفق وأطماعها التوسعية وهواجسها الأمنية التي جعلت مسألة أمن "إسرائيل" أهم القضايا وقمة الأولويات وجعلتها باستمرار هي السبب، والتي باسمها يتم إجهاض كل محاولات التفاهم أو التقدم في المفاوضات.

وأعتقد أنه لا يمكن أن يغيب عن ذهن أحد من العرب الذاهبين إلى أنابوليس أنه لو لم تكن "إسرائيل" تتلقى دعماً وتفهماً لمواقفهما بشأن قضية الأمن من جانب أميركا بالذات لما استطاع تصورها الخاطئ عن الأمن أن يلقى تجاوباً يساعدها على عرقلة المفاوضات والتهرب من الوفاء بالالتزامات والاستحقاقات الضرورية التي تتطلبها مساعي البحث عن السلام والتوصل إلى تفاهمات وتسويات حقيقية فالمفروض من حيث المبدأ أن تحقيق أمن جميع الأطراف مرتبط بقدرتهم على تسوية جميع المشكلات السياسية التي تفجر بؤر التوتر والصراع، وحين يتم حل هذه المشكلات السياسية يمكن نزع فتيل الصدامات المسلحة أو المواجهات العسكرية، وبالتالي فإن توفير الأمن هو نتيجة تالية أو مترتبة على الوصول إلى اتفاقيات سلام تحدد حقوق وحدود كل طرف، وتنهي حالة المواجهة العسكرية.

ومن حيث المبدأ أيضاً.. لابد أن يكون مفهوماً أن الطريق إلى بلوغ الأمن يبدأ بإزالة الاحتلال الذي يولد مشاعر الغضب والرغبة في المقاومة أي أن الوصول إلى هدف تحقيق الأمن يتطلب معالجة أسباب وجذور المشكلة المسببة لأعمال المقاومة كنقطة بداية وليس العكس!

وليكن معلوماً وواضحاً أننا ذاهبون إلى مواجهة لا تقتصر على موائد التفاوض، وإنما نحن أمام آلة إعلامية دولية رهيبة دأبت على تصوير "إسرائيل" كدولة ديمقراطية عصرية تمثل الحضارة الغربية الحديثة في محيط عربي متعصب، ويدعون بأن العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون لا يريدون ل"إسرائيل" أن تحيا في سلام بل يتعمدون إثارة المشكلات لها وتهديد أمنها الداخلي أو التهديد الإقليمي لأراضيها من جانب دول محيطة لا تريد الاعتراف بوجودها.

وبرغم أن العرب قد أقروا عملياً بوجود "إسرائيل" منذ أن قبلوا القرار رقم 242 الذي يدعو في إحدى فقراته إلى أن أي حل أو تسوية للصراع يجب أن تضمن أن تعيش جميع الدول المنخرطة في الصراع داخل حدود آمنة إلا أن "إسرائيل" استمرت في التشكيك في نوايا العرب واستمرت في التهرب من موجبات إحلال السلام بحجة أنها قد تضر بأمن "إسرائيل"!

لابد بالفعل أن يضع الذاهبون إلى المؤتمر في اعتبارهم أن "إسرائيلط تصور نفسها وكأن أمنها في حالة تهديد وخطر دائم برغم أن هناك ضمانة له من أكبر قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية في العالم وهي أميركا ومعها الغرب، حيث يضمنان وجود "إسرائيل" وحماية بقائها.

ثم لماذا لا يثر الذاهبون العرب إلى أنابوليس هذه الازدواجية المفضوحة حيث يجري تحت الزعم الكاذب باستحقاقات الأمن الإسرائيلي السماح للدولة العبرية بما لم يسمح لأي دولة أخرى في منطقة الشرق الأوسط، وهو امتلاكها للسلاح النووي، وبرغم أن اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية تمنع على أية دولة من خارج النادي الذري الخماسي أي أميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا حق امتلاك السلاح النووي.. وإذا ما استثنينا ظروف امتلاك الهند وباكستان للقنبلة النووية فإن "إسرائيل" هي الدولة الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي ولا توجد مطالبة دولية جادة من القوى الدولية الكبرى لها بنزع سلاحها النووي تحت ذريعة عدم إلحاح بحث هذه المسألة قبل إحلال السلام، وتسوية الصراع بين العرب و"إسرائيل"، واطمئنان "إسرائيل" على أمنها ووجودها.

وفى حقيقة الأمر فإننا أمام وضع غريب ف"إسرائيل" التي تملأ العالم ضجيجاً وعويلاً ودعايات مكذوبة حول أمنها الذي يتعرض للتهديد هي التي تمارس احتلالاً فاشياً بشعاً ضد الشعب الفلسطيني ينعدم في ظله أي أمن للإنسان الفلسطيني، وبرغم ذلك نجد كل هذه الضجة حول ضرورات حماية أمن "إسرائيل| لتصبح هي أولوية الأولويات في أي مساع سلمية أو اتصالات دبلوماسية..

ولو أن الأمور تسير وفق أحكام العقل والمنطق لأصبح محور أي مفاوضات أو اتصالات دولية خاصة بالتسوية أو السلام في المنطقة، هو: كيف يمكن تأمين حماية الأطراف العربية خصوصاً الشعب الفلسطيني من النزعة العدوانية والممارسات الهمجية ل"إسرائيل" التي تحتل أراضي الدول العربية، وتصادر حقوق الشعب الفلسطيني ثم تدعي أمام العالم بأن أمنها مهدد؟

ومعنى ذلك أن سياسة التشدد باسم استحقاقات توفير الأمن ل"إسرائيل" قد أصبحت بمثابة وضع للعربة أمام الحصان، وقلب للحقائق، واستسلام للمنطق المعكوس فالرؤية العقلانية تعنى الإقرار بأن توفير الأمن هو نتيجة مباشرة للتوصل إلى اتفاقيات أو تفاهمات سياسية تضع حلولا لجذور الصراع وتنصف الشعب الفلسطيني، وهو ما لا يتأتى إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية مما يفتح المجال للشعب الفلسطيني للتطلع إلى المستقبل والشعور بالحرية والتخلص من الاحتلال، لكن الفريق المهيمن على المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية لا يزال يعتقد بإمكان فرض الأمن بالقوة عبر الاستمرار في قمع الشعب الفلسطيني والإبقاء على الاحتلال للأراضي الفلسطينية والحيلولة دون بلوغ الشعب الفلسطيني أمانيه في الاستقلال وإقامة الدولة مستندين في ذلك إلى الدعم الأميركي المطلق ل"إسرائيل" حيث تضع واشنطن في ظل إدارة بوش أمن "إسرائيل" فوق كل اعتبار.

ومعنى ذلك أنه إذا ما ظلت هذه الأفكار هي النزعة السائدة والمشتركة لدى صناع القرار في تل أبيب وواشنطن فإن كل مساعي التسوية في مؤتمر السلام سوف تتحطم على صخرة ما يسمى بأمن "إسرائيل".. ذلك الأمن المراوغ بالمفهوم المطاط الذي تستغله "إسرائيل" للتهرب من أية استحقاقات تفرضها أية عملية سلام ترتكز إلى مقررات الشرعية الدولية.

بوضوح شديد أقول إنه إذا نجحت "إسرائيل" بدعم أميركي في أن تجعل أولوية الحديث في مؤتمر أنابوليس تدور في فلك واحد هو كيفية البحث عن تحقيق أمن "إسرائيل" فإنه لا يمكن توقع نهاية قريبة للصراع العربي ـ الإسرائيلي أو إمكانية حقيقية لإقامة سلام قابل للحياة بين العرب وإسرائيل لأن أمن "إسرائيل" المزعوم سيظل الذريعة الجاهزة لتل أبيب لتمزيق أية اتفاقيات أو معاهدات، وبالتالي تظل أجواء الصراع والحروب مخيمة على المنطقة كلها!


المصدر