أنابوليس ... العرب وإسرائيل
بقلم : د. فوزي الأسمر
يحق للشعب العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، عدم الثقة في كل كلمة قالها أيهود أولمرت وكل كلمة قالها جورج بوش في لقاء "أنابوليس".
فالتجربة المريرة التي مر بها الشعب العربي منذ بدء الغزو الصهيوني ل فلسطين تشكل حجر الزاوية في عدم الثقة العربي بمصداقية إسرائيل وأمريكا وإلى حد كبيربكثير من الدول الأوروبية.
وعدوم الثقة ليس ظاهرة سلبية، كما يعتقد البعض، بل إنه ظاهرة واقعية مبنية على تجارب سابقة.
فإسرائيل لم تنفذ منذ قيامها أية إتفاقية دولية كانت أو ثنائية بينها وبين الفلسطينيين.
كما أنها لم تلتزم حتى بمعظم الوعود التي قطعتها على نفسها.
وعدم الثقة هذا لايقتصر على عامة الشعب العربي الذي يتابع بكل حواسه ووعيه تصرحيات وتصرفات إسرائيل، بل لدى معظم القياديين العرب حتى لو لم تكن لديهم الجرآة في الأفصاح عن ذلك .
ففي اللقاء الذى جرى بين الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، في واشنطن في أعقاب لقاء "أنابوليس" مع الصحفيين العرب، سُئل موسى مباشرة عما إذا كان يثق بما سمعه من قادة إسرائيل أثناء ذلك اللقاء.
فقال الأمين العام: "إذا أردتم جوابا الآن فإنه سلبي، ولكنني أريد أن أنتظر ثلاثة اشهر أي حتى اللقاء القادم في روسيا لكي أعطي جوابا نهائيا".
ورغم أن العرب الذين حضروا هذا اللقاء لا يوافقون على ما سأقول، إلا أن الأمور في لقاء أنابوليس سارت في الإتجاه الإسرائيلي.
فإذا ما أسقطنا الكلمات البراقة التي جاءت على لسان بوش و كوندوليزيا رايس وأولمرت وتسيبي ليفني، فإن كل ما حصل عليه العرب هو وعود. فالصورة الإيجابية التي تحدث فيها عمرو موسى مع الصحفيين كانت مبنية على كلمتين أساسيتين: "هل وإذا" بمعنى "هل سيقوم الإسرائيليون بتنفيذ ما طلب منهم"، وغيرها من الجمل التي تبدأ بـ "هل"، ومن ثم "إذا ما قام لإسرائيلييون بـتنفيذ كذا ...". وطبعا نفس الشيء ينطبق على مواقف الأمريكيين والأوروبيين.
لقد كان واضحا منذ البداية، وغذت ذلك التصرحات الأمريكية، أن هذا اللقاء لن يخرج بشيء عملي. فنجاحه، حسب ما قالت رايس، يؤختصر في قبول الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي البدء بالمحادثات، المبنية على أساس خارطة الطريق. أليس هذا ما أردته إسرائيل؟ إضافة إلى وضع جدول زمني غير ملزم.
من هذا المنطلق بني أولمرت خطابه: قال إنه مستعد لأن يتحدث عن كل الـــمــواضــيع القدس واللاجئين والمستعمرات اليهودية، وطلب من الدول العربية التحدث معه ولكن أولمرت وكل القيادة الصهيونية تعرف أن الحديث والحوار لم يبدأ من أنابوليس، فقد كانا قائمين قبل مدريد وقبل أنابولس.
ويخطئ من يعتقد، خصوصا العرب، أن إسرائيل قد وافقت على بدء مفاوضات ملزمة على الرغم من تحديد موعد إنتهائها قبل نهاية عام 2008، ورغم لجان المراقبة التي شكلت.
وإذا ما أمعنا النظر في حديث أولمرت، فإننا نستشف منه كيف أنه يتحدث عن الشروط المسبقة التي وضعتها إسرائيل كتحد للعرب: احتلال الأراضي العربية وضم القدس الشرقية وإقامة المستعمرات اليهودية وبناء الحائط العنصري.
وحتى قضية الاجئين (ولا يقول حق العودة) هي من الشروط الإسرائيلية المسبقة التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين وتريد أن تحاور عليها.
أليس من السخف عقد لقاء دولي كهذا، يحضره ممثلون عن أكثر من أربعين دولة ومنظمة دولية، ثم يخرج ببيان مشترك هزيل غير ملزم ولا يتطرق إلى أي من المواضيع الأساسية، وبموافقة الطرفين البدء في "الحوار"؟
وهل يمكن عقد لقاءات كهذه بفترات متقاربة؟ لا أعتقد ذلك.
لا الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة ولا الإتحاد الأوروبي تستطيع إجبار إسرائيل على القيام بخطوات لا تتماشى وأيدولوجيتها الصهيونية، وفي مقدمة ذلك الإعتراف علنا بأن ما تسميه بـ "أرض إسرائيل" ليست تابعة للشعب اليهودي فقط، لانه في مثل هذا الإعتراف تكون إسرائيل قد تنازلت عن أهم بند في أيديولوجيتها الصهيونية. هذا البند الذي كرس "قداسة الأرض" عند الإسرائيليين واليهود بشكل عام، وجاء ليرفض الجانب الآخر أي غير اليهودي.
إسرائيل في كل تحركاتها تراهن على أن العرب في نهاية المطاف لن يكون أمامهم سوى قبولها على علاتها، طالما أنها مستمرة برفضها لأي حل عادل، هذا الرفض الذي يعتمد على قوتها العسكرية، وفي مقدمة ذلك الأمن الذي تدعيه والذي تضع كل العراقيل والمعجزات لضمانه.
ويعود ذلك إلى ذهنية الأقلية التي يعيشها الشعب الإسرائيلي اليهودي رغم كل قدرات تلك الدولة العسكرية، ورغم الدعم السياسي والمالي الأمريكي والغربي. وهي ترى أيضا أن هناك إنهيارا في الموقف العربي والفلسطيني بشكل خاص وتعرف كيف تستغله.
لقد قال أكثر من مسؤول عربي أن الزخم العربي في أنابوليس جاء ليبرهن للعالم أن العرب يريدون السلام ولكن ليس بكل ثمن، ومن ناحية أخرى لإحراج إسرائيل أمام العالم ووضع مسؤوليات أكبر على كاهل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
ربما تكون النقطة الأولى معقولة، أما النقطتين اللأخيرتين فلا.
- كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.
المصدر
- مقال:أنابوليس ... العرب وإسرائيلالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات