اجتماع أنابوليس
بقلم : محمد الجندي
يجري النقاش في الأدبيات السياسية الشرق ـ أوسطية حول نجاح وفشل اجتماع أنابوليس القادم. النقاش ينسى، أو يتجاوز، نقطة انطلاق أساسية، هي أن الاجتماع المذكور هو اختراع أميركي ويدخل في إطار المشروع الأميركي ـ الشرق أوسطي.
بالنسبة لمن لم «يشتلق» بعد أن المشروع إياه هو إعادة الاستعمار القديم إلى المنطقة، نتمنى أن يتمعنوا في الأحداث الجارية: احتلال العراق، بذريعة أو من دون ذريعة، فرض شرعية الاحتلال على الإدارات العربية، من خلال اعترافها بحكومات بريمر، أي الحكومات، التي أنشأها الاحتلال في العراق، غير الوطنية بطبيعة الحال، والفاسدة فساداً مطلقاً، وتجلد ليل نهار الشعب العراقي، ثم «مكافحة الإرهاب» في فلسطين، التي تعني على الأرض إبادة الشعب الفلسطيني، ويضاف إلى ذلك تمزيق الفلسطينيين وإحداث المجازر بينهم؛
لا يظنن أحد أن الفلسطينيين هم المسؤولون عن مأساة تمزقهم، فالإدارة الأميركية و(الإسرائيلية) خلقت الانقسام إلى «معتدلين»، و«متطرفين» رجعيين، تزيد قياداتهم من مأساة ومعاناة الشعب الفلسطيني، أيضاً حرب تموز (يوليو) 2006 الإسرائيلية ضد لبنان بآثارها الوحشية على الشعب اللبناني، هدم البيوت والبنى التحتية وقتل الناس، المدنيين رجالاً ونساء وأطفالاً على نطاق واسع: لقد كانت إبادة للشعب اللبناني، وتلا ذلك الغرض الأميركي لليونيفيل المسلح، الأمر الذي هو بمثابة الاحتلال الجزئي للأرض اللبنانية كذلك مهزلة الملف النووي الإيراني، التي جعلت الإدارة الأميركية إدارات العالم كله تدور حوله، فليس هناك قضية في العالم سوى الملف إياه، الذي قد يستخدم ذريعة لضرب إيران.
السلام في الشرق الأوسط؟ من يريد السلام؟ هل الإدارة الأميركية تريد السلام؟ من الواضح أنها تبتدع الحروب، فهل يريد السلام من يبتدع الحروب؟ العسكرية الإسرائيلية هي في ذيل الإدارة الأميركية، ومضحك الاعتقاد، أنها تريد السلام.
هل الإدارات الأوروبية الأطلسية تريد السلام؟ هذه الإدارات، لا لأسباب إيديولوجية، تسير في ركب الإدارة الأميركية.
لها نفس الموقف في الأمم المتحدة، في جميع مؤسساتها وخصوصاً في مجلس الأمن، وكان لها نفس الموقف من حصار العراق، ومن احتلال أفغانستان، ومن احتلال العراق، ومن تمزيق يوغوسلافيا، ومن دارفور، ومن كوريا الشمالية، وأيضاً من «محاور الشر» الأميركية أياً كانوا، ضد ليبيا إذا كانت مصنفة تحت محور الشر، ومثل العسل مع ليبيا حالما يرفع التصنيف، ومع الإفراج عن المجرمات البلغاريات اللواتي حقن الأطفال بالإيدز، الإدارات الأطلسية هي مع نظام الباكستان العسكري، حينما تكون الإدارة الأميركية معه، وضد نفس النظام عندما تكون هذه ضده.
لماذا؟ لماذا لا تتحرك الإدارات الأوروبية دولياً خلف مصالحها؟
خلف بناء علاقات سليمة مع بلدان العالم الثالث، وخلف اتخاذ مواقف دولية متوازنة لصالح شعوبها، ولصالح شعوب العالم، وإنقاذها من الحروب والمجازر وضعف التطور المضر بكامل حياة الإنسان على الأرض؟
لماذا تعمل الإدارات الأطلسية سماسرة سياسيين، وتدفع الفواتير العسكرية والمالية لمشروعات الإدارة الأميركية الاستعمارية في العالم؟ ربما لذلك سببان كبيران، الأول هو أن الرأسماليات الأوروبية تجد، صح أو خطأ، مصلحتها لدى الرأسمالية الأميركية، وتقبل بالتبعية لها؛ والثاني هو أن الإدارات الأوروبية، ولو أرادت أن تبني علاقات بديلة مع إدارات العالم الثالث، فإنها مع الأسف لا تجد إلا القليل من التجاوب لأن هذه عموماً تابعة للإدارة الأميركية.
إن من يريد، مثلاً، الحصول على صفقات مربحة في البلدان البترولية، يجب أن يأتي إليها من بوابة الإدارة الأميركية. طبعاً يضاف إلى ذلك لعبة الفساد ولعبة المصالح الخاصة لتلك الإدارات.
إذن، الإدارات الأوروبية لا تريد السلام، لأن الإدارة الأميركية لا تريده.
هل الإدارات الشرق ـ أوسطية، تريد السلام؟ إنها قبل كل شيء تريد عموماً سلامها هي، أي بقاء أنظمتها، ولو بأي شروط. يقال، إن الخليفة العباسي المستعصم كان راضياً أن يحفظ له الغزو المغولي في أيامه بغداد، لكن الغزو لم يفعل.
الإدارات الشرق ـ أوسطية لم تفعل منذ 1948 وقبل ذلك، سوى القبول بالغزو والمساعدة عليه، باستثناء الإرهاصات الشعبية، التي كانت رغم الإدارات إياها، وضد الإدارات إياها. واليوم نرى الإدارات في المنطقة تقتل، أو تفتك، بمن تسول له نفسه الاعتداء على شيء أميركي أو أوروبي، طبعاً نحن لا نعتبر «الإرهاب» مقاومة، ولا نعتبر الاعتداءات الفردية العشوائية عملاً وطنياً بالضرورة، ولكن غياب المسؤوليات الوطنية، أي مسؤولية الدفاع عن الوطن، ومسؤولية الدفاع عن المنطقة، ومسؤولية النضال ضد الاستعمار، لدى تلك الإدارات، هو الذي يخلق ردود فعل متنوعة بعيدة عن النضال الوطني المنظم.
الإدارات الشرق ـ أوسطية هي مسالمة، ولكن لا تستطيع إرادة السلام، فهذه ليست في يدها، وإنما في يد الإدارة الأميركية.
هي تريد فقط من الإدارة الأميركية أن تحل المشكلة، وينتهي الأمر، ولو كان الحل هو في إبادة الفلسطينيين.
إنها تذهب إلى أنابوليس بأوامر، والكلام عن الشروط من أجل الذهاب هو ثرثرة فارغة.
هل هو صعب معرفة السلام، إذا كان فعلاً يراد له أن يقام؟
السلام هو قبل كل شيء الكف عن العدوان، عن القصف والتوغل والقتل والتدمير (هدم البيوت، تجريف الأرض)، عن الحصار، هو إلغاء الحواجز المذلة، هدم الجدار، هل يعتبر ذلك إفساح المجال لـ«الإرهاب» الفلسطيني؟ كذب.
حتى الفصائل الفلسطينية المتطرفة طالبت إسرائيل بهدنة.
والسلام هو الإفراج عن آلاف المعتقلين الفلسطينيين في همجية غير مسبوقة. هل يمكن الحديث عن السلام قبل الإفراج عنهم؟ والسلام هو العودة إلى حدود 1967، ربما مع تسوية تفاوضية لأوضاع المستوطنين، فقد يتحولون إلى مواطنين في الدولة الفلسطينية.
والسلام أخيراً هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، تتفاوض مع الإدارة الإسرائيلية بشكل سلمي على ما يتبقى من أمور . هل هناك أفق لسلام من هذا النوع؟
الأفق الموجود هو احتلال غزة وفرض الحصار على مواطني الخليل، والتوغل في نابلس، وارتكاب المزيد من المجازر والاعتقالات، هذا مع الربت على ظهر «المعتدلين» «الفلسطينيين».
هذا يعني أن اجتماع أنابوليس لا علاقة له بالسلام، لا من قريب، ولا من بعيد، لأنه لن يناقش أي شيء من ذلك، فكيف ينجح أو يفشل في صنع السلام، إذا كان الموضوع ليس من اختصاصه؟
لكن أنابوليس ينجح تماماً أميركياً، فالإدارات العربية بجلالة أقدارهم يأتون بموكب مهيب تتحدث عنه كل وسائل الإعلام لتقديم فروض الولاء للإدارتين الأميركية والإسرائيلية.
مع ذلك لن تسلم بغداد المستعصم، إلا إذا تصدت شعوب المنطقة بشكل جدي لهذا الغزو الاستعماري الهمجي للمنطقة، وتلك حقيقة بسيطة عرفتها الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية خصوصاً، ولكن يبدو أنها نسيتها إلى هذا الحد أو ذاك عبر غسل الأدمغة.
المصدر
- مقال:اجتماع أنابوليسالمركز الفلطسنيى للتوثيق والمعلومات