الأدب الصهيوني ...

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأدب الصهيوني ...

أ.د/جابر قميحة

من حق كاتب هذا المقال ، وكثيرين غيره من النقاد والمبدعين أن يعتزوابــ " الأدب الإسلامي " ، وأن يرفعوا الصوت بالدعوة إليه ، متنزهين عن أدب المجانة والسقوط الذي يحتمي وراء دعوى حرية التعبير ، وهي ــ في الواقع ــ دعوة لحرية الهدم والتدمير .

وترى عتاة العلمانيين في ردهم على أمثالنا من " الظلاميين الرجعيين " يقولون إن الدعوة إلى الأدب الإسلامي قد تدفع أصحاب الديانات الأخرى إلى ابتداع أدب مسيحي ، وأدب يهودي...مما قد يدفع إلى العداوة والتعصب والتصادم . وأقول إن هذا الادعاء من " التنويرين " (!!!) يدل على نقص معرفي وثقافي : فعلى الساحة المصرية والعربية أدب قبطي أو مسيحي ، له سماته وملامحه الفارقة ، وقد كتب فيه بعض الأطروحات الجامعية . وهناك كذالك الأدب الصهيوني ، الذي عالج كل الأجناس والأنواع الأدبية شعرا ونثرا ، وعولج في كتب ودراسات متعددة، منها ـ على سبيل المثال : كتاب "الأدب الصهيوني الحديث بين الإرث والواقع" ل جودت السعد . وكتاب "الأدب الصهيوني بين حربي حزيران 1967،تشرين 1973" للدكتور إبراهيم البحراوي . ودراسة الدكتور محمود حميدة "الشخصية العربية في القصة العبرية القصيرة المعاصرة" .

وهو أدب يلتقي ويستجيب لسياسة الصهاينة في استغلال كل الآليات الممكنة انتصارا لادعاءاتهم ، وتكريسا لأباطيلهم ، وحرصا على هدم القيم الإنسانية العليا

وقد علا صوت هذا الأدب على أيدي كبار من شعراء الغرب وكتابه ، من أشهرهم الشاعر الإنجليزي " لورد بيرون " ( 1788 / 1824 ) . و" وليم ورد زورث " الذي نهج نهجا مشابها لبيرون في قصيدتيه : "أغنية لليهودي المتجول"و " أسرة يهودية " . ومن هؤلاء الشاعر " روبرت براوننج ". هذا...مع أن هؤلاء الشعراء لم يكونوا يهودا بل مسيحين .

ونشأت إسرائيل سنة 1948 على الأرض المغتصبة ... أرض فلسطين ، وتضخم الأدب الصهيوني ، وكان من أهم سماته الالتزام بالانتصار ل إسرائيل ، ولليهود، بصرف النظر عن القيم الخلقية والإنسانية . ومن أشهر قصائدهم قصيدة الشاعرة الإسرائيلية " أنا نجرينوا " . وفيها تقول :

" أوصتني أمي منذ الطفولة . ليكن عملك بتصميم وتعصب . لا تغفري لي ابنتي ، ولا للأغيار . فهم جهلة . قالت لي أمي إنني ابنة شعب لا يقبل الضياع . واجبي مواصلة الدرب ... درب أبي لمواجهة الأغيار الأعداء ولو كانوا كل العالم "

وهذه الروح العدوانية المتضخمة انعكست كذلك في ازدراء العربي الفلسطيني ، والتحقير من شأنه ، ووصفه بأحط الصفات ، فهم في أدبهم يصفون المجاهد الفلسطيني بأنه " إرهابي وجبان ومتوحش ومثير للرعب . ويقول "آحاد هاعام " : " إننا نعتقد أن العرب جميعا متوحشون ، يعيشون مثل الحيوانات ، ولا يفهمون ما يدور حولهم " .

ويقول " ج . كوهين " : " إن العربي مجرد مخلوق غريب ، يرتدي جلبابا ممزقا ، وغطاء قذرا للرأس ، وتلتف زوجته بثوب أبيض ، ويسير أطفاله حفاة .... إنه ليس قذرا فحسب ، بل هو أيضا لص وكذوب ، وكسول ، وعدواني " .

ويقول " عاموس عوز " في قصته " البدو الرحل والثعبان " : إنهم يسرقون ثمار الفاكهة غير الناضجة من البساتين ، ويسرقون حظائر الدجاج ، وينتفون ريش الطيور .

ويصف " س يزهار " العرب في قصته " خربة جزعة " . فيقول : ... العرب القذرون المتسللون لإحياء نفوسهم القاحلة في قراهم المهجورة ... أي دخل لنا ولشبابنا ، وأيامنا الغابرة بقراهم المقملة ، والمبققة ، والقفرة الخانقة ؟ (والمقملة والمبققة : كثيرة القمل والبق ) .

وفي مقابل ذلك يصور الأدب الصهيوني شخصية الإسرائيلي صورة البطل المغوار الذي يحقق النصر . وارتفع مؤشر معنويات المستوطنين اليهود بعد رحلت السادات إلى القدس ، وعبروا عن ذلك بالرقص في شوارع تل أبيب و القدس وحيفا وغيرها . أما الأدب الذي شارك المستوطنين اغتباطهم ، فقد كان أكثر تعبيرا عن حالة الانتصار التى حصلوا عليه دون ضحايا . فلما اقرت " كامب ديفيد " انطلق الشاعر الصهيوني " ديدي منوس " في قصيدته " الغيبوبة الساحرة " يبدي سعادته وسعادة قومه بما جنوه ويجنونه من هذه الاتفاقية ، ويسخر فيها من السادات ومن معه . ومنها :

جود جلالته ( رغبات الشعب ) . كقصة جميلة ، كقلعة راسخة . الوضع الأني في كامب ديفيد . كالقصة المذكورة . بلا ابتسام تكشف سترها الصور الأولية ، بلا تهديد ولا وعيد . ( هذا الهدوء يضاعف مجدنا ) دون أن نطلبه أعطينا إياه ... بكامب ديفيد تكمن الحياة . وهناك ( إذا لم تحكم الرغبة ) فسيفرض السلاح نفسه .

والنماذج من هذا الأدب الصهيوني كثيرة لا يتسع لها المقام ، وهي ـ في مجموعها ــ تبرز أهم سمات هذا الأدب وطوابعه :

1.فهو أدب أيديولوجي ملتزم ، وكثير منه ينطلق من مرتكزات توراتية دينية حادة .

2.وهو في تعامله مع المواضعات العالمية العامة ، ومعايشته للمواضعات السياسية والاجتماعية الوطنية تهيمن عليه مجموعة من العقد المتناقضة : كعقدة الضعة ، وعقدة الشعور بالاضطهاد ، وعقدة الاستعلاء التى تجسدت عند اليهودي أخيرا .

3.وهو أدب عنصري ، اتخذ من مقولة " معاداة الآخرين للسامية " منطلقا لمعاداتها للأخرين ، والدعوة إلى الانتقام منهم عسكريا ، واقتصاديا ، واجتماعيا ، وتمجيدا للصهاينة " كعنصر راق " ، له تميزه وتفرده عقليا ونفسيا .

وهي سمات تتفق مع الفلسفة الإسرائيلية العدوانية في كل توجهاتها وخصوصا نظم تعليمها . انطلاقا من مرتكزات أساسية واحدة ، وأذكر القاريء بما صدرت به مقالي الأخير . إذ قلت : يعتمد نظام التعليم في إسرائيل على غرس القيم العدوانية في مناهج التعليم ومقرراته في المراحل التعليمية المختلفة ، وكانت ــ وما زالت ــ حقيقة الحقائق في نظرهم أن الوجود الصهيوني وقيام إسرائيل في فلسطين إنما هو تصحيح لخطأ دام قرونا ، واسترداد لحق انتهبه غير أهله . أي أن الوجود الفلسطيني على هذه الأرض وجود انتهاب واغتصاب يجب تحجيمه ، ثم إلغاؤه تدريجيا بشتى الوسائل.

المصدر:رابطة أدباء الشام