الإيجابية
الإيجابية والحماسة للعمل والرغبة في الإنجاز تمنح الدعاة القوة والثقة والقدرة على العمل لساعات طويلة وبكفاءة عالية.
إن الإيجابية بالنسبة للداعية هي الطاقة التي تشحذ الهمة، وتذكي الطموح، وبالتالي تدفع إلى البذل والعمل، وانتهاز الفرص، واستثمار الواقع، وهي الحقيقة التي تجعل الدعوة محوراً للحياة، يتعلق بها القلب، وتتشوق إليها النفس، ولأجلها تحشد الطاقات، وفي سبيلها تسخر الإمكانيات.
إن الإيجابية عمل يمنع الكسل، وحيوية تقصي على السلبية، وانتشار لا يقبل الانحسار، إنها عطاء ليس له حدود، وارتقاء فوق كل السدود، ومبادرة لا تُكبلها القيود. الإيجابية دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يكتفي بتنفيذ التكليف بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، ويزيد على مجرد الأداء الإتقان فيه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحاً وحيوية تعطي للعمل تأثيره وفعاليته، دون أن يخالطه جفاف أو جفاء أو تبرم أو استثقال.
واللغة تسعفنا، إذ تعطينا معاجمها دلالة الإلزام والتحمل في معنى الإيجاب "أوجبه إيجاباً أي لزم وألزمه" [لسان العرب 1/793].
ومن هنا فالإيجابية تتضمن الإلزام والالتزام. ومعناها في المفهوم المعاصر يتسع ليكون دالاً على إيجاب المرء على نفسه ما ليس بواجب ابتداءً، لما عنده من همة عالية، ورغبة عارمة في البذل.
ويمكن أن نُعَّرف الإيجابية في حياة المسلم بأنها: الحركة الذاتية للعبد المؤمن الناشئة عن حياة القلب المؤمن لتغيير الواقع وإصلاحه بما يوافق شريعة الله عز وجل. [انظر: استراتيجية التطوير الإداري والإصلاح الشامل، إبراهيم الديب ص 81-83].
وقد تعرض القرآن الكريم للإيجابية في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:95)، فهو هنا سبحانه لم يساو بين الإيجابي بماله ونفسه ووقته وجهده وبين السلبي عن البذل والعمل.
ومن نماذج الإيجابية في السنة قوله صلى الله عليه وسلم " إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها " [رواه البزار].
فالمؤمن يعمل لنصرة الحق وإسعاد البشرية حتى وإن قانت الساعة. ومن ذلك أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: " بلغوا عني ولو آية "، فالإيجابية في العمل لنصرة دين الله حتى ولو بأقل القليل قدر المستطاع فلا عذر لأحد عن العمل بالحركة والبذل والسعي للإصلاح والتغيير.
أمثلة للإيجابية
1. قصة الهدهد في سورة النمل وإيجابيته في معرفة القوم الكافرين وسعيه إلى نبي الله سليمان ليسعى معه لتغيير هذا الواقع الأيم وينقلهم من الكفر إلى الإيمان.
2. قصة النملة في سورة النمل، والتي بإيجابيتها تحمي قومها من تحطيم سليمان وجنوده لها دون أن يعلموا.
3. قصة الرجل الذي جاء من أقصى المدينة في سورة يس يسعى ينادي قومه أن يتبعوا المرسلين
4. قصة مؤمن آل فرعون في سورة غافر.
5. قصة الغلام وأصحاب الأخدود.
عوامل إحياء الإيجابية في نفوس الدعاة العاملين
1. إحياء معاني الإيمان وزيادته بالطاعات وترك المعاصي وأثرها في قوة وسلامة العقل والجسم وسلامة والرأي ورشده كذلك الصحة النفسية العالية للأفراد.
2. الوجود في وسط وصحبة صالحة وأفراد مميزين مرتفعي الجودة أعوان على الخير.
3. فهم فردية التكليف والإحساس بها (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (لنجم:38) (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً) (الإسراء:13).
4. عدم استصغار العمل (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة:7). كما أن العبرة بالعمل والله تعالى لا يسألنا عن النتائج.
ركائز ودعائم الإيجابية
وللإيجابية - عند المسلم عموماً والداعية خصوصاً - ركائز تقوم عليها، ودعائم تستند إليها وهذه أهمها:
1. الرسالة والأمانة: فالمسلم حامل رسالة ومبلغ أمانة، لم يخلق عبثاً، ولم يترك هملاً، ولا يتصور من حامل رسالة نوم ولا كسل إن أدرك رسالته وعرف مهمته، وتأمل الخطاب الرباني القرآني للمصطفى - صلى الله عليه وسلم - في أوائل دعوته { يا أيها المدثر، قم فأنذر } أي " شمّر عن ساعد العزم وأنذر الناس " [تفسير ابن كثير 4/440]، " قم قيام عزم وتصميم " [الكشاف 4/156] " قم فاشتغل بالإنذار وإن آذاك الفجار " [تفسير النسفي 4/307].
2. المسئولية والمحاسبة: يمكن أن نعرف المسئولية بأنها" تحمّل المسلم التكليف الشرعي بشروطه وحدوده، وتحمّل تبعة تصرفه إزاء التكليف في الدنيا والآخرة"،والمسئولية يتسع مفهومها لتشمل التبعة والمحاسبة والجزاء، فالإنسان يتحمل تبعة أفعاله وأقواله، ويحاسب عليها ثم يجازى عليها؛ فإن أحسن فله المثوبة، وإن أساء فعليه العقوبة، وتقرير المسئولية باعث عظيم على أداء متطلباتها والقيام بأعبائها، وإن المحاسبة على المسئولية مزيد من القوة في القيام بالمهمة، وفيها شعور بمغبة التفريط، وتهيب من عاقبة التقصير.
3. الأجر والأثر: إن الداعية معلق القلب بالمثوبة، متطلع للأجر، يحب أن يبقى له أثر، وأن يمتد أجره بعد انقضاء عمره، وذلك كله لا يكون بالأمنيات ولا يتحقق بالشفاعات، وإنما ميدانه العمل{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، " إن الإسلام منهج حياة واقعية، لا تكفي فيه المشاعر والنوايا ما لم تتحول إلى حركة واقعية، وللنية الطيبة مكانها، ولكنها هي بذاتها ليست مناط الحكم والجزاء، إنما هي تحسب مع العمل، فتحدد قيمة العمل"[الظلال 3/1709]، وهذا قول الحق جل وعلا (ِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) (الصافات:61). فهل تريد الجنة بلا عمل ؟ وهل تطمح في الفردوس دون كد وبذل وتضحية ؟ إن هذا " النعيم الذي لا يدركه فوت، ولا يخشى عليه من نفاد، ولا يعقبه موت، ولا يهدده عذاب، لمثل هذا فليعمل العاملون"[الظلال5/2988].
فيا أخي المسلم..
كن إيجابياً واحذر أن تكون سلبياً، فالإيجابية بناء والسلبية هدم، والإيجابية جد، والسلبية هزل ولا مبالاة، وهذه الدعوة لا تقوم إلا برجال يأخذون الأوامر والنواهي بقوة لقوله تعالى: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة: من الآية63).
ولا تقوم إلا برجال لا يبتون إلا وهم يفكرون في أمر هذه الأمة، كيف تنهض، وتسعد وتتحرر من أعدائها (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(المجادلة: من الآية22).
المصدر : شبكة مساجدنا الدعويّة