الانتخابات البرلمانية المغربية.. ظواهر ودلالات وخيارات
بقلم: د. عصام العريان
مقدمة
في إطار سعي الشعوب العربية والإسلامية إلى بناء نظام ديمقراطي سليم، واستعادة حريتها وقرارها السياسي، تأتي متابعة كل نشاط سياسي، خاصة فيما يتعلق بالانتخابات العامة، وتصبح أمرًا هامًّا.
وفي إطار سعي الحركات والأحزاب الإسلامية إلى الاندماج في البنية السياسية للنظم العربية تأتي أهمية متابعة تجارب الحركات والأحزاب الإسلامية في كل مكان.
وإذا كانت مصر دائمًا في الماضي رائدةً في نقل التجارب إلى بقية البلدان العربية؛ فإننا اليوم في موقع المستفيد من تجارب الآخرين.
وهذا المقال اليوم يأتي في هذا الإطار وقد كتبتُه متابعًا للشأن المغربي، الذي طالما اشتكى إخواننا هناك من عدم النظر في شأنهم ومتابعة أحوالهم، وهو ينظر في ملابسات ودلالات الانتخابات البرلمانية المغربية، والظواهر التي صاحبتها، وقد رأيت العودة إليه ونشره للاستفادة من تجربة المغرب الشقيق؛ فالهموم واحدة، والآمال متوحدة، والطريق هي نفسها مع اختلافات يسيرة.
وقد أصبح حزب العدالة والتنمية الإسلامي مع حزب الحركة الشعبية الأمازيغي (البربري) في جبهة المعارضة، بعد استبعادهم من الحكومة الجديدة التي شكَّلها حزب الاستقلال و3 أحزاب أخرى، أهمها الاتحاد الاشتراكي، وهذا ما توقَّعْتُه للحزب الإسلامي، ولعل ذلك الأفضل له في المرحلة الحالية.
فقد جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية بالمملكة المغربية التي تمت في 7/9 مخيبةً لآمال الحزب الإسلامي (العدالة والتنمية).
لقد قفز نصيب هذا الحزب قفزتين متتاليتين في انتخابات 1997 (14 مقعدًا) إلى (42) مقعدًا في 2002، وجاءت تصريحات قادته لتقفز بالتوقعات إلى 70- 80 مقعدًا في هذه الانتخابات (2007).
حصل الحزب على 46 مقعدًا فقط، وجاء الثاني في الترتيب العام بالنسبة للأحزاب الـ33 التي شاركت في الانتخابات، ولكنه يفتقد إلى أي تحالفات سياسية تسمح له بالمشاركة في الحكومة المقبلة، وغالب الظن أنه سيظل في مقاعد المعارضة لدورة أو عهدة برلمانية جديدة (2007- 2012)م بلهجة أهل المغرب.
عزا الحزب في مؤتمره الصحفي هذه النتيجة غير المتوقعة للمال السياسي الذي لم ينكر المراقبون وجوده وتأثيره في نتائج الانتخابات؛ نظرًا لبروز ظاهرة الفقر الشديد في الأرياف المغربية، ليس هذا هو السبب الوحيد، وقد كان على الحزب أن يخفض توقعاته وأن يدرس البيئة السياسية جيدًا، وكذلك البيئة القانونية التي تمت فيها الانتخابات.
يمكن إرجاع التقدم البسيط (4 مقاعد فقط) الذي حققه حزب العدالة والتنمية الإسلامي- الذي قفز إلى الموقع الثاني الآن- إلى عدة عوامل تشكِّل ظواهر مقلقة في الحياة السياسية المغربية، أدَّت في النهاية إلى عزوف الناخبين عن المشاركة الإيجابية، وهو ما يهدد أي عملية سياسية تهدف إلى النهضة العامة وانتشال البلاد من مشاكلها الخطيرة التي تعاني البطالة والفقر والفساد؛ الثالوث المدمر للمملكة المغربية.
أول تلك الظواهر: ضعف البرلمان المغربي بغرفتيه في مواجهة سلطات الملك الواسعة جدًّا؛ فهو الرئيس التنفيذي للدولة، ويملك وحده سلطة تعيين رئيس الوزراء، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، فهو قد يختار- كما فعل عقب الانتخابات السابقة- رئيسًا للوزراء (أو وزيرًا أول باللهجة المغاربية) من التكنوقراط، والملك هو القائد العسكري للجيش، وله عليه سلطات واسعة، لا يملك إزاءها الوزير الأول ولا وزير الدفاع سلطات مقابلة، وهو القائد الروحي بنص الدستور ولقبه الرسمي هو "أمير المؤمنين"، وهو سليل أسرة علَوية تنتهي في نسبها إلى المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وله حق تعيين 4 وزراء سياديِّين دون مشاورة الأحزاب.
ليس الأمر متعلقًا بضعف مؤسسة البرلمان فقط الذي لا يملك صلاحيات واسعة، مثل برلمانات الملكيات الدستورية التي يملك فيها الملوك فقط ولا يحكمون (أبرز الأمثلة المملكة المتحدة- بريطانيا- وهولندا)، ولكن أيضًا الحكومة التي يفرض عليها النظام الانتخابي أن تكون حكومة ائتلافية، وهنا يمكننا المقارنة مع الانتخابات التركية التي أعلن حزب العدالة والتنمية التركي أنه لن يقبل المشاركة في حكومة ائتلافية إذا لم يحصل على عدد من المقاعد يؤهله للحكم منفردًا.
الظاهرة الثانية: هي النظام الانتخابي والتشرذم الحزبي، فقد خاض الانتخابات الأخيرة 33 حزبًا تتوزع على 3 اتجاهات سياسية رئيسية، بجانب عدد من الأحزاب الصغيرة.
ويتم توزيع المقاعد وفق نظام التمثيل النسبي، وبهذه الطريقة لا يتمكَّن حزب واحد من الحصول على أغلبية مطلقة تمكنه من الحكم منفردًا، وهو نظام معقَّد يجعل المفاضلة بين الأحزاب في التنافس الانتخابي محدودًا جدًّا، ويتبقى للناخب المفاضلة بين الأشخاص المرشَّحين وقدراتهم على خدمة دوائرهم الانتخابية؛ مما يُحوِّل النائب البرلماني إلى نائب خدمات فقط، ويجعله أشبه بعضو المجالس البلدية والمحلية والقروية يهتم بالخدمات المحلية فقط، خاصةً في ظل ضعف دور البرلمان.
ومن هنا يتضاءل الأمل في وجود برلمان قوي أو حكومة قوية تستطيع موازنة سلطة الملك الواسعة.
الظاهرة الثالثة: الفقر الشديد والفساد المالي والتاريخ السلبي للانتخابات البرلمانية، التي هندس تزويرها باستمرار لعقود متتالية الراحل إدريس البصري وزير داخلية الملك الحسن الثاني رحمه الله؛ مما أدى إلى ظاهرة المال السياسي.
هذه الظواهر وغيرها مما يتعمَّق في تحليله ودراسته الخبراء في الشأن المغربي، خاصةً إخواننا من أهل المغرب، أدَّت في النهاية إلى نتيجة حتمية متوقعة، وهي "عزوف الناخبين عن المشاركة".
لقد تدنَّت نسبة المشاركة إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1984 التي وصلت نسبة المشاركة فيه إلى 67.4%، بينما جاءت هذا العام 2007 نصف هذه النسبة، أي أقل من 37% وهي الأقل في تاريخ المغرب، وكان ذلك متوقعًا لأن المشاركة عام 2002 كانت 51.6%.
إن أحد أهم دوافع المشاركة الإيجابية هي اقتناع الجمهور بقدرتهم على إحداث التغيير المطلوب من خلال صناديق الانتخابات، فإذا أدرك الناخبون عدم قدرتهم على المشاركة الإيجابية في صنع حاضرهم ورسم مستقبلهم باختيار مؤسسة برلمانية فاعلة قوية، وتعيين حكومة مؤثرة قادرة على تنفيذ برنامجها الانتخابي، فإن النتيجة المتوقعة هي العزوف عن المشاركة.
إذا قارنَّا تلك النتيجة بما حدث قبلها بشهر واحد في تركيا؛ حيث حقَّقت نسبة المشاركة أعلى نسبة لها فاقت الـ80%- أي ضعف تلك النسبة المغاربية- أدركنا حجم المفارقة بين نظامَين سياسيَّين، وعلمنا مدى قدرة أي نظام سياسي على تفعيل المشاركة الشعبية أو قتلها تمامًا.
كانت أبرز نتائج الانتخابات- رغم كل تلك الظواهر- هي:
1- تقدم حزب الاستقلال المحافظ الذي يُعدُّ أقدم الأحزاب المغربية، وهو ذو توجه إسلامي تقليدي، ومحافظته على أوليَّته؛ فهو الأول بعدد مقاعد 52 مقعدًا، وقد شكل الحكومة الائتلافية برئاسته.
2- تقدم طفيف لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، وهو الحزب الذي كانت تتوقع كل استطلاعات الرأي حصوله على ضعف ما حصل عليه من مقاعد، فلم تزد عدد مقاعده إلا بـ4 مقاعد فقط، وحصل على 46 مقعدًا، وحلَّ الثاني في الترتيب العام، وأصبح زعيم المعارضة.
3- تأخر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى المركز الخامس، وتراجع عدد مقاعده إلى 38 مقعدًا فقط بعد أن كان يحتل الموقع الثاني أو الأول في البرلمانات المغربية وشارك في الحكومة.
عزا قادة العدالة والتنمية عدم تحقيق طموحاتهم الكبيرة إلى سبب رئيسي، وهو "استعمال المال من قبل بعض المرشحين لشراء الذمم، وتلكؤ الإدارة في منح الناخبين بطائقهم الانتخابية؛ مما أدى إلى نسبة مشاركة ضعيفة" (تصريحات لحسن الداودي لجريدة الشرق الأوسط 9/9).
هناك أسباب أخرى على الحزب الناشئ أن يدرسها، سبقت الإشارة إلى أهمها، مثل النظام الانتخابي، والدستور المغربي، الذي يجب إعادة النظر فيه، وجعلها أولويةً إصلاحيةً قبل التفكير في أي تغيير جدي في البلاد.
أيضًا سبب لا يقل أهميةً، وهو مقاطعة كبرى الحركات الإسلامية "العدل والإحسان" للعملية السياسية كلها، وتأكيد رموزها على عدم المشاركة تصويتيًّا لصالح حزب العدالة والتنمية يُفقد الحزب أصواتًا ضخمةً يمكن أن تؤثر في النتائج النهائية.
يعزو البعض هذه النتيجة إلى بروز ومشاركة حزبَين إسلاميَّين جديدَين هما "البديل الحضاري" و"النهضة والفضيلة"، لكن حصول هذَين الحزبَين على أصوات ضعيفة وعدم حصولهم على أي مقاعد تُذكَر يجعل هذا السبب ضعيفًا جدًّا.
عدم التصدي لظاهرة المال السياسي وشراء الذمم من بداية الحملة الانتخابية بقوانين يصدرها البرلمان وحملة دعائية قوية وتوعية دينية وسياسية بخطورة تلك الظاهرة، يمكن أن يكون أحد أسباب فشل الحزب في تحقيق طموحاته الواسعة.
الخلافات الداخلية التي دبَّت في أوساط الحزب حول الترشيحات، كان لها دور في إظهار قادة الحزب بصورة سلبية أمام الناخبين.
خيارات حزب العدالة والتنمية
في ظل إصرار قادة الأحزاب الحاكمة على استبعاد أي مشاورات مع حزب العدالة والتنمية لضمِّه إلى الحكومة المقبلة فإن الخيار الوحيد المتاح أمامه- ولعله الأفضل- أن يبقى في المعارضة وهو ما حدث، والمطلوب الآن أن يسعى الحزب إلى بناء جبهة واسعة للمعارضة، وألا يكتفي بأنه الحزب المعارض القائد.
هذا يقتضي من الحزب وقيادته الدخول في حوارات مطولة شعبية وسياسية، فكرية ومنهجية، اجتماعية واقتصادية مع كل الطوائف السياسية والفكرية والإسلامية؛ لبناء جبهة عريضة تخرج المغرب من الجمود السياسي والفقر والبطالة، إلى فضاء أوسع يجعل الآمال تتجدد في أن يكون للعالم الإسلامي تجربةٌ ديمقراطيةٌ أخرى من المغرب، كما كانت التجربة الرائدة في تركيا في المشرق الإسلامي.
ولا زالت دروس الديمقراطية تتوالى على الشعوب العربية والإسلامية، يكفي المغرب أن تقارير المراقبين لم تصم الانتخابات بوصمة التزوير، بل أشادت بنزاهة الاقتراع، وهدوء العملية الانتخابية، وعدم وقوع صدامات دامية؛ فقد أعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن إشادتها بالمسلسل المتواصل للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي انخرط بها المغرب (الشرق الأوسط 11/9).
فهل يمكن القول بأن أمام حزب العدالة والتنمية فترة زمنية كافية لحصد ثمار تلك الإصلاحات، شريطةَ أن يستفيد من أخطائه، وأن يبني جسرًا للثقة مع النخب السياسية المغربية قبل أن ينعزل عنها، وأن يمد جسورًا أوسع للتواصل مع الشعب المغربي كله؟!!
المصدر
- مقال:الانتخابات البرلمانية المغربية.. ظواهر ودلالات وخياراتإخوان أون لاين
تصنيف:تصفح الويكيبيديا تصنيف:روابط عصام العريان