الانتخابات المصرية والتجربة الهندية
بقلم:د/على السلمى
بدأت الأنباء تتسرب في الأيام القليلة الماضية لتمهد الساحة السياسية المصرية لمفاجأة تقديم الحكومة مشروع قانون الانتخابات الجديد إلي مجلس الشعب قرب انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، والتي تنتهي في 30 يونيو المقبل، حتي يتم إقراره اعتماداً علي الأغلبية الميكانيكية للحزب الوطني في المجلس.
وتكتمل الرواية الشائعة بأن قراراً سوف يصدر بالدعوة إلي استفتاء شعبي لحل مجلس الشعب، ومن ثم تجري انتخابات تشريعية مبكرة قبل موعدها المحدد في 2010. والهدف من هذه المناورة السياسية علي ما يبدو أن يتحقق للحزب الوطني الديمقراطي عنصر المبادأة والمفاجأة ليتمكن من تحقيق فوز ساحق في الانتخابات حيث لن تستطيع أحزاب المعارضة والقوي السياسية التي تدخل الانتخابات عادة تحت راية المستقلين الاستعداد بشكل كافٍ لدخول تلك الانتخابات المبكرة، كما أن الحزب الوطني سيتمكن من حصد مقاعد المرأة التي سوف يستحدثها القانون الجديد حيث لا يتوفر للأحزاب المعارضة ولا للمستقلين عناصر كافية للتنافس علي تلك المقاعد.
وكعادة الحكومة في التعتيم علي مشروعات القوانين المهمة فإنه من غير المعلوم ما إذا كانت الانتخابات ستجري بنظام القوائم النسبية أو نظام الدوائر الفردية، وبذلك تكون القوي السياسية المختلفة في موقف لا يسمح لها بالاستعداد بالشكل الذي يتلاءم مع نظام الانتخابات الجديد. وكانت الأحزاب السياسية قد طالبت قبل انتخابات 2005 بإجراء الانتخابات بالقائمة النسبية غير المشروطة حتي يمكن أن تكون الانتخابات بين برامج سياسية وليست علاقات فردية أو قبلية أو انتخابات يتحكم فيها المال والنفوذ وهو ما رأته الأحزاب أحد العيوب الرئيسية في الانتخابات الفردية.
إلا أن الحكومة لم تلتفت إلي تلك المطالب وأجريت الانتخابات بالنظام الفردي وبذات الجداول الانتخابية المعيبة، ولم يتح لأحزاب المعارضة ذات الفرصة التي أتيحت للحزب الحاكم في وسائل الإعلام والتي سيطر عليها كاملة منذ أكثر من نصف قرن. ومن المعلوم أن النظام الانتخابي في مصر يعاني من عدم الاستقرار التشريعي، فقد أدخلت عدة تعديلات بقوانين علي نظام انتخاب مجلس الشعب، ففي عام 1983 تم إقرار نظام الانتخاب بالقائمة الحزبية والتمثيل النسبي. وفي عام 1986 صدر قانون بتعديل نظام الانتخاب علي أساس الجمع بين نظام القوائم الحزبية والنظام الفردي.
وفي المرتين صدرت أحكام من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية التعديلات التي أدخلت هذين النظامين وتم حل مجلس الشعب الذي تشكل في ظل نظام الانتخاب بالقائمة في عامي 1984 و1987. وتمت العودة إلي نظام الانتخاب الفردي في عام 1990. وحسب تقرير لبرنامج إدارة الحكم في الدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تعتبر الانتخابات النيابية التي جرت في عام 2000 أكثر الانتخابات المصرية نزاهة في العقد الماضي.
وكان التصويت قد تم علي ثلاث جولات في الفترة الواقعة بين منتصف أكتوبر ومنتصف نوفمبر.
وكانت هذه أول انتخابات نيابية في تاريخ مصر يشرف عليها القضاء، ولكن الإشراف القضائي علي الانتخابات ألغي بموجب التعديل الذي جري علي المادة 88 من دستور 1971 حسب التعديلات الدستورية التي أقرت في استفتاء عام في شهر مارس 2007 وبذلك انتهت قاعدة " قاض لكل صندوق" ونقلت المادة المعدلة الإشراف علي الانتخابات في أكثر من 34000 لجنة فرعية إلي "لجنة عليا" ، تضم أعضاء هيئات قضائية حاليين أو سابقين، وتشرف علي 333 لجنة انتخابية عامة فقط، فيما يشرف علي اللجان الفرعية موظفون حكوميون.
وتتركز مطالب القوي السياسية الوطنية بشأن تطوير نظام الانتخابات في الأخذ بنظام القائمة الحزبية النسبية غير المشروطة سواء كانت القوائم حزبية خالصة أو قوائم من المستقلين أو قوائم مشتركة من أكثر من حزب أو من حزب وعدد من المستقلين. وتطالب تلك القوي والأحزاب بتنقية الجداول الانتخابية ورفع سيطرة وزارة الداخلية عليها وربط الجداول ببطاقة الرقم القومي، والعودة إلي نظام الإشراف القضائي الكامل علي العملية الانتخابية، حيث يتولي قضاة المنصة فقط عملية الإشراف بدءاً من القيد في الجداول الانتخابية وحتي الفرز وإعلان النتائج .
كما تطالب القوي السياسية الوطنية بأن تتم الانتخابات بواسطة حكومة محايدة وليس حكومة الحزب الوطني، وان تعطي الفرصة لجميع الأحزاب في عرض برامجها بالإذاعة والتليفزيون والصحف القومية بشكل متساو وكف سيطرة الحزب الحاكم علي وسائل الإعلام القومية. وبالطبع فإن إلغاء حالة الطوارئ يمثل مطلباً متكرراً لأحزاب المعارضة والقوي السياسية قبل إجراء أي انتخابات عامة.
ورغم أن مصر والهند بدأتا المسيرة الاستقلالية في الوقت نفسه تقريباً، إلا أن التحول الديمقراطي استمر ونضج في الهند لتتكون أكبر ديمقراطية في العالم علي حد وصف الإذاعة البريطانية، بينما تعثرت المسيرة الديمقراطية في مصر.
وفي الوقت الذي تشهد فيه مصر تغييرات في النظام الانتخابي حكم علي بعضها بعدم الدستورية وتم حل مجلس الشعب مرتين نتيجة حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان الانتخابات، فقد استقر النظام الانتخابي في الهند وتجري الانتخابات التشريعية هناك في ظل حكم ديمقراطي يلتزم الشفافية طبقا للدستور الذي تم تطبيقه بداية من 26 يناير 1950 ويشهد العالم هذه الأيام دورة انتخابية جديدة تستمر شهراً كاملاً وتتم علي خمس مراحل بدأت يوم 16 إبريل الحالي وتستمر حتي بداية شهر مايو 2009 وتشرف عليها لجنة الانتخابات الهندية التي تم تأسيسها طبقا للدستور وهي لجنة مستقلة تماما يوكل لها مهمة الإشراف علي الانتخابات سواء العامة أو تلك التي يتم إجراؤها علي مستوي الولايات.
و يبلغ عدد جمهور الناخبين اللذين لهم حق التصويت في الهند حوالي 714 مليون ناخب تضمهم جداول الانتخاب التي يجري تنقيتها وتحديثها باستمرار وهي متاحة لجميع الأحزاب والمرشحين في صورة أقراص مضغوطة CD يمكن لأي مواطن الحصول علي نسخة منها.
وتتم عملية التصويت في 828804 مراكز اقتراع منتشرة علي مستوي البلاد تستخدم فيها ماكينات الاقتراع الآلية بما يضمن عدم حدوث أي تلاعب في الاقتراع، حيث لا يتمكن أي شخص من التصويت أكثر من مرة أو في مناطق مختلفة، بالإضافة إلي سهولة نقل هذه الماكينات في المناطق البعيدة التي يصعب الوصول إليها أو التي يصعب لسكانها الانتقال إلي مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، ويبلغ عدد الماكينات المقرر استخدامها في انتخابات هذا العام 1.37 مليون ماكينة.. كما قامت لجنة الانتخابات الهندية بإصدار بطاقات انتخاب مزودة بصورة للناخب بغرض التحقق من شخصية المتقدم للإدلاء بصوته الانتخابي. والمؤكد أن التجربة الديمقراطية في الهند هي التي هيأتها للانطلاق الاقتصادي والعلمي وترسيخ مكانتها السياسية في العالم، وهو ما نصبو إليه في مصر المحروسة.