التزوير.. هل يأتي بالطوفان؟
بقلم: أ.د. توفيق يوسف الواعي
المستأسدون على الشعوب، والمستأثرون بعسيلتها، لا يتنازلون عن مغانمهم أو حتى بعضها لأي إنسان، وإنما يطلبون المزيد، ومَن يدور في فلكهم لا بد وأن يكون ثعلبًا منافقًا، أو كلبًا موافقًا، ومَن ظنَّ بغير ذلك يكون (أحمق من حالب التيس).
ولأنَّ هؤلاء أحرص من كلبٍ على جيفة، لا يتركون ورائهم بابًا لإصلاحٍ إلا أغلقوه، ولا فرصةً لعدلٍ أو إنصافٍ إلا هدموه، وفي الأمثال: زعموا أنَّ أسدًا وثعلبًا وذئبًا اصطحبوا، فخرجوا يتصيدون، فصادوا حمارًا وحشيًا، وظبيًا وأرنبًا، فقال الأسد للذئب: اقسم بيننا صيدنا، فقال الأمر أبين من ذلك، الحمار لك، والأرنب للثعلب، والظبي لي، فخبطه الأسد فأطاح برأسه، ثم أقبل على الثعلب، وقال: قاتله الله ما أجهله بالقسمة، هات أنت يا أبا الحصين، فقال الثعلب: يا أبا الحارث الأمر أوضح من ذلك؛ فالحمار لغدائك، والظبي لعشائك، والأرنب فيما بين ذلك، فقال له الأسد: قاتلك الله ما أقضاك، أي مَن علَّمك هذه القضية، قال: رأس الذئب الطائر عن جثته.
فالعجيب إذن مَن يتصور أنه ينتهب الحكمَ من حاكمٍ يملك كل شيء في الدولة، ويحكم نظامه العسكري قرابةَ نصف قرن، ويسيطر على الجيش والشرطة، والمخابرات وعلى الحزب الذي يملك الدولة ويتمتع بالفوز بنسبة 100% من المحليات ومجلس الشعب والشورى، وكل شيء من أول الخفير والعمدة، إلى الوزير والسلطة، كما يعين الأحزاب، ويوافق على المرشحين، يُصرِّح لمَن يشاء ويرفض مَن يشاء.
وإذا أردنا أن نستعمل عقلنا لبعض الوقت ونتصور الحقائق المجردة للنجاح والرسوب، والفوز والخسران في المعركة الرئاسية من ناحيتين، أولاً: الاستقراء التاريخي: نجد أنه ما من دكتاتورٍ استمر في حكم شعبه إلا أتى على بنيان أمته من القواعد، وورثها الذل والهوان، حتى جاء أجله إما بثورةٍ أو بعزرائيل، وكان يوم القضاء عليه يوما مجيدًا (يتخذه الشعب عيدًا ونصرًا مبينًا)، فهل يعقل من كان هذا شعور شعبه أن ينتخبه مرةً أخرى إلا على قاعدة (القرد قبيح لكنه مليح).
ثانيًا: مسح الأعمال أو الأفعال المرغبة أو المبغضة، التي يمكن للمراقب أن يتعرف على حجم الذين من المتوقع أن يدلوا بأصواتهم لصالحه في الانتخابات القادمة التي لن تكون صناديقها زجاجية فيما أحسب، واليك هذه الشرائح :
1- شرائح الصحفيين، الذين تُنتهك حرماتهم كل يوم، وتعرى النساء، ويضرب الرجال- حتى أمام نقاباتهم- من جلاوزة النظام وعصاباته والمسجلين الخطرين الذين يستعملون لضرب الأحرار والمفكرين، هؤلاء ينتخبون مَن؟!!
2- شرائح الوسط التي عادت للحياه على يد حركة كفاية، وانطلقت من الشارع في مواجهة النظام وليس معه تمثيل، فرق يسارية، وجماعات من المثقفين والصحفيين والمحامين، وجمهور من التيارات السياسية الفاعلة التي لم تنظم بعد ودفعها الظلام والظلم والقهر على التنظيم والفاعلية، كحركة القومية المصرية والوسط الإسلامي والاشتراكيين الثوريين واللبراليين الوطنيين، والعامة من الناس الذين هدَّهم الفقر والعوز يصوتون لمَن؟!!
3- شرائح الخريجين من الشباب العاطل عن العمل، هذا الجيش الجرار الذي لا يجد عملاً ويمثل زادًا لحركة الرفض والمعارضة، خاصةًَ وهو يرى الفساد المالي، ويرى الأموال تجري في يد المحاسيب، هذا الكم الهائل ممكن أن ينتخب مَن؟!!
4- شرائح المثقفين الذين أُهدرت كرامتهم والمحامون ورجال القانون وأساتذة الجامعات والقضاة الذين عايشوا الغش والظلم، ويفرض عليهم ويملي على أحكامهم وذممهم، والأطباء والمهندسون والعلميون والصيادلة وغيرهم الذين حوصرت أنديتهم ونقاباتهم ووضعت تحت الحراسة، واعتقل عدد من قادتهم، هؤلاء وأولئك ينتخبون مَن؟!!
5- شرائح العمال: الذين طُردوا من مصانعهم بفعل الخصخصة وتركوا منشأتهم بطريق المعاش المبكر الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.. هؤلاء ينتخبون مَن؟!!
6- الأحزاب الورقية التي أذلَّها الحزب الوطني ومنعها من مزاولة أدنى درجات النشاط وأعطاها فُتاتًا مقابل خضوعهم وبيع كرامتهم، حزب الوفد الذي يعبِّر عن مصالح كبار الملاك وأُريد له أن يُشطَب من الحياة السياسية وله مرشح: نعمان جمعة الرئيس الحالي للحزب، وأيمن نور الذي انشق عن حزب الوفد وأسس حزب الغد، ويمثلان اليمين، هل يعقل أن يصوتا لغير مرشحيهما؟ وحزب التجمع الذي اتخذ قرارًا بمقاطعة الانتخابات ترشيحًا وتصويتًا وفرق اليسار الأخرى التي تقف ضد السلطة، هل ستعطي صوتها، لا أظن والحالة على ما هي عليه من انسدادٍ حزبي وسياسي.
7- واليمين الديني الذي دخلت فصائل منه ذات تأثير في صدامٍ مسلحٍ مع نظام مبارك ودفعت الثمن باهظًا وما زالت السلطة تعتقل منهم أكثر من 20 ألفًا موزعين على سجون مصر، ونالهم من التعذيب ما نالهم ، فهل من الممكن أن يعطوا أصواتهم لمَن نكَّل بهم ولاحقهم بالقتل في كل مكان؟!!
8- وحركة الإخوان المسلمين بما لهم من ثقلٍ جماهيري وحشد للقوى الفاعلية في الأمة، وقدرة على المناورة السياسية النظيفة والمحترمة والعاقلة، وموقف النظام منهم واستخدامهم فزاعة يبيعها ويسوقها ويخيف بها هنا وهناك في الغرب مرورًا بأوروبا وأمريكا، وعاملهم على مدار عقود بالاستئصال والمنع والمحاكم العسكرية، ولم يخل منهم سجن أو معتقل في زمان أو مكان، رغم صبرهم واحتسابهم وحرصهم على استقرار بلدهم، هل ممكن أن يُصوِّتوا للظلم والبغي والبهتان، أبدًا، لا وألف لا، إذًا لم يبق غير التزوير، وساعاتها سيكون الطوفان الذي ستفر أمامه الجرزان، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: من الآية 227).
المصدر
- مقال:التزوير.. هل يأتي بالطوفان؟إخوان أون لاين