العقيل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مصطفى مشهور

المستشار عبد الله العقيل

المرشد الخامس للإخوان المسلمين
(1341 ـ 1422هـ = 1921 ـ 2002م)

مولده ونشأته:

ولد يرحمه الله يوم 15/9/1921م في قرية السعديين من أعمال منيا القمح (محافظة الشرقية) من عائلة عريقة في بيئة محافظة، وكان والده الحاج مشهور مشهور يحرص كل الحرص على تحفيظ ابنه مصطفى وإخوانه القرآن الكريم، وملازمة المسجد، وبعد أن أتم دراسته الابتدائية في مركز منيا القمح التحق بمدرسة الزقازيق الثانوية لمدة عامين، ثم انتقل إلى مدرسة العباسية الثانوية بالقاهرة.

وبعد إكمال المرحلة الثانوية التحق بكلية العلوم بجامعة القاهرة (فؤاد الأول سابقاً) وتخرج فيها بدرجة جيد جداً سنة 1943م، وتخصص في العلوم الفلكية، والتحق بمصلحة الأرصاد الجوية.

وفي سنة 1945م، تزوج من ابنة عمه، التي فاجأها بقوله:

«إن زوجتي الأولى هي (الدعوة) وأنت الزوجة الثانية، فلا تغاري منها إذا تأخرت أو شغلتُ بسببها عنك».

فكان جواب زوجته: «وأنا خادمتها».

وقد كان زواجاً مباركاً موفقاً، وعهداً موثقاً، ووفاء متصلاً حتى الممات.

تعرّفه إلى الإخوان المسلمين:

فيما كان يصلي في مسجد الحي الذي يقطنه بالقاهرة، رأى أحد المصلين يوزع مجلة (التعارف) وسمعه يدعو الناس إلى درس في الحي، فحضر ذلك الدرس، وسمع أحد الإخوان يتحدث عن الإسلام حديثاً أعجبه، وفي المسجد نفسه، أعلن المتحدث أن الأستاذ حسن البنا سيعطي دروساً كل يوم ثلاثاء في المركز العام للإخوان المسلمين في منطقة الحلمية، فذهب الشاب مصطفى مشهور، وحضر درس الثلاثاء للإمام البنا، فأعجب بحديثه أيما إعجاب، وحرص على المداومة على حضور الدرس كل أسبوع، وتعرّف إلى بعض الإخوان الذين ضمّوه إلى إحدى الأسر التنظيمية سنة 1936م، وبايع مسؤول الأسرة على الالتزام بدعوة الإخوان، والعمل في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام، وكان عمره آنذاك خمسة عشر عاماً.

وقد لازمتـه أثناء دراستـه فكرة الجهاد ضد الاستعمـار الإنجليزي الذي يجثم على أرض مصر، ويحتلها، ويذل أهلها، ويسخرهم لخدمته، ويستنزف خيـرات البلاد، ويعيـث في الأرض الفساد، فكان مشهـور يرى أن الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة بمصر، لمقاومة هذا المستعمر المحتل، لذا كانت دعوته لزملاء الـدراسة، إلى الانضمام لصفـوف الإخوان المسلمين، تبدأ من ضرورة مقاومة المستعمر المحتل البغيض. وكانت دعوتـه هذه تـجد آذاناً صاغية لدى الطلبة، لأن الأمـة كانت مشحـونـة لمقاومة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين المدعوم من الإنجليز الذين يحتلون مصر وفلسطين، ويسهِّلون هجرة اليهود من أنحاء العالم إلى فلسطين العربية الإسلامية.

رحلاته في السجون:

اعتقل سنة 1948م في حادثة السيارة الجيب وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وكانت هذه المحكومية وساماً على صدره وصدور إخوانه، كما جاء في حيثيات الحكم الذي أشاد بالإخوان المسلمين، وجهادهم في الدفاع عن قضايا الوطن، وبخاصة في فلسطين، حتى إن رئيس المحكمة المستشار أحمد كامل بك الذي حاكم الإخوان المسلمين تأثر بهم وبدعوتهم من خلال المحاكمة، ووقف على حقيقة أهدافهم، وصار فيما بعد واحداً منهم.

واعتقل مرة ثانية سنة 1954م، بعد حادثة المنشية المفتعلة، ثم أفرج عنه سنة 1964م بعد قضاء فترة السجن عشر سنوات، وبعد أقل من سنة أعيد اعتقاله مرة ثانية سنة 1965م، وأفرج عنه سنة 1971م.

يقول الأستاذ مصطفى مشهور: «في يونيو 1954م أُبعدت عن العمل المهني إلى (مرسى مطروح) ثم وقع حادث المنشية المفتعل، فاعتقلت بعد أسبوعين، وأُحضرت من (مرسى مطروح) إلى السجن الحربي، وكان التعذيب شديداً بمجرد الدخول من باب السجن. عُذبتُ كثيراً في السجن الحربي، وشكَّلوا محكمة لمحاكمتي لم تستغرق أكثر من ثلاث دقائق، وحكموا عليَّ بعشر سنوات أشغال شاقة. بعد الحكم نقلوني إلى (ليمان طرة) ثم أبعدوا عن الليمان عدداً من الإخوان وكنت منهم إلى سجن (الواحات) الخارجية، وكان السجن عبارة عن خيام محاطة بالحرس، وبسلك شائك، ومفتوحة طول الليل والنهار، وكان الجو صعباً، فتأقلمنا معه، وكان ذلك سنة 1955م.

وقبل انتهاء مدتي بستة أشهر، أخلوا السجن فرحلوني إلى «أسيوط» فقضيت بها المدة المتبقية وخرجت سنة 1964م.

وفي سنة 1965م افتعل عبدالناصر محنة سيد قطب ومحمد يوسف هواش وعبدالفتاح إسماعيل، وأصدر مرسوماً باعتقال كل من سبق اعتقاله وأذاعه من موسكو، حيث كان في زيارة لروسيا، وأقام المحاكم العسكرية، وحُكم بالإعدام على سيد قطب، ومحمد يوسف هواش، وعبدالفتاح إسماعيل، وعلى الآخرين بأحكام المؤبد والسنوات، وكنت ممن اعتُقلوا في يوليو سنة 1965م وبقيت في السجن إلى ما بعد موت عبدالناصر.

وفي سنة 1957م ونحن في السجن كان عبدالناصر يخطط لخلع الملك حسين، ولكن ضباط الإخوان في الأردن كشفوا هذا المخطط وأفشلوه، فاغتاظ منهم عبدالناصر، وأراد أن ينتقم منهم ومن الإخوان المسجونين في سجن طرة، حيث دخلت مجموعة من الجنود يحملون الرشاشات، والإخوان في الزنازين والعنابر، فصوَّبوا الرشاشات نحوهم بعشوائية وهمجية، فاستشهد منهم واحد وعشرون شهيداً، فضلاً عن الأعداد الكبيرة من المصابين والجرحى، وسميت هذه المذبحة بـ(مذبحة طرة).

كان مصطفى مشهور من أعضاء النظام الخاص، بل كان من قيادييه، وهذا النظام أنشأه الإمام حسن البنا للتصدي للإنجليز المحتلين لمصر، ولليهود الغاصبين لفلسطين، وقد أشاد به القادة العسكريون وغيرهم لما رأوا من جهاد أعضائه وبطولاتهم في فلسطين ضد اليهود، وفي مصر ضد الإنجليز، وتلك كانت مهمة النظام الخاص البطولية التي حاول تشويهها الاستعمار وأعوانه في الداخل والخارج، من الحكومات العميلة، وأبواق السلطة، وأذناب الاستعمار، في الوقت الذي كانت للملك فاروق منظمة الحرس الحديدي للاغتيالات، ولحزب الوفد منظمة القمصان الزرق لمحاربة خصوم الوفد، ولمصر الفتاة القمصان الخضر، وغيرها.

معرفتي به:

بداية معرفتي بالأستاذ مشهور يرحمه الله كانت حين زرته وإخوانه في السجن، برفقة الشيخ مناع القطان يرحمه الله سنة 1949م، وحين حضرت محاكمات قضية السيارة الجيب سنة 1951م بصحبة أستاذنا الشيخ أبي الحسن الندوي، حيث كنا نشاهده وإخوانه في قفص الاتهام، والمحامي الشاب سعيد رمضان يلقي مرافعته الرائعة عن المتهمين التي أبكت الحاضرين بقوة تأثيرها، وبلاغة عرضها، وصدق براهينها.

ثم كانت لقاءاتي المتكررة معه بمصر حين زرته بعد موت الطاغية عبدالناصر، وسعدت بزيارته في داره، وفي مكتب المرشد العام الأستاذ عمر التلمساني يرحمه الله بالتوفيقية، وفي بيت د.أحمد الملط يرحمه الله ومنزل الحاج حسني عبدالباقي، ومنزل الأستاذ عمر التلمساني يرحمه الله وفي مخيمات الشباب بالإسكندرية، وفي منزلنا بمصر الجديدة، ومنزل الحاجة زينب الغزالي ـ يرحمها الله ـ.

وبعد خروجه من مصر سنة 1981م تكررت اللقاءات به في الكويت والسعودية وألمانيا وفرنسا وسويسرا وتركيا والجزائر وغيرها، وكانت دروسه الدعوية في الأسر والكتائب والمخيمات من أعظم الدروس التربوية في الدعوة الفردية والجماعية التي استفدنا منها كثيراً في الثبات أمام التحديات، والعمل الدؤوب لخدمة الإسلام والمسلمين، والصبر على الأذى في سبيل الله، وتعميق معنى الأخوة الإيمانية في صفوف الجماعة.

نشاطه الدعوي:

بعد خروجه من السجن كثَّف جهوده الدعوية مع الشباب، وبخاصة طلاب الجامعات المصرية الذين أعطاهم جل وقته في الرعاية والتوجيه والترشيد والتسديد، حتى يفهموا الإسلام على حقيقته، ويلتزموا به وفق منهج الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة. كما كانت له زياراته إلى البلاد العربية والأجنبية، والالتقاء بالإخوان المسلمين والعاملين للإسلام في كل قطر، وبهذا وصل ما قُطع من اتصال بسبب السجون التي غيبت قادة الإخوان المسلمين بمصر عن إخوانهم في البلاد العربية والإسلامية وفي المهاجر.

وكان لجهود الأستاذ مصطفى مشهور وإخوانه الدعاة أمثال الدكتور أحمد الملط، والأستاذ كمال السنانيري، والأستاذ محمد مهدي عاكف، والدكتور علي جريشة، وغيرهم من الإخوة المصريين، الأثر الكبير في إثارة الهمم، وشحذ العزائم لدى الإخوان المسلمين في أنحاء العالم.

وكان لمجلة (الدعوة) التي أصدرها الأستاذ مشهور خارج مصر، أعظم الأثر في توحيد المفاهيم والمنطلقات، وجمع الإخوان على المنهج الأصيل لدعوة الحق والقوة والحرية.

وقبيل أحداث سبتمبر سنة 1981م التي اعتقل فيها السادات عدداً من قيادات القوى السياسية في مصر، ومنهم الإخوان المسلمون، كان الأستاذ مصطفى مشهور خارج مصر، حيث بقي خمس سنوات في أوروبا، وأسهم مع إخوانه من البلدان العربية في تأسيس التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذي اضطلع بدور التنسيق بين هذه التنظيمات الإخوانية، والحركات والجماعات والجمعيات والأحزاب الإسلامية في أنحاء العالم كله.

وفي سنة 1986م عاد الأستاذ مشهور إلى مصر، بعد أن تولى الأستاذ محمد حامد أبوالنصر يرحمه الله منصب المرشد العام للإخوان المسلمين، بعد الأستاذ عمر التلمساني، فاختير الأستاذ مصطفى مشهور نائباً للمرشد العام. وبعد وفاة الأستاذ المرشد محمد حامد أبو النصر، انتخب الأستاذ مصطفى مشهور مرشداً عاماً للإخوان المسلمين، فكان المرشد الخامس.

أفكاره ونشاطه العلمي:

إن من يقرأ كتب ومقالات فضيلة الأستاذ مصطفى مشهور، يتوقف أمام فكرة أساسية هي: المضي في طريق الدعوة مهما كانت العقبات، وامتزاج شخصه بها، وتغلغلها في أعماقه، حتى لقبه البعض بـ(الشارح الأول) لمبادئ دعوة الإخوان المسلمين، وقد احتلت فكرة ضبط الدعوة بأصولها، ووزنها بميزان مبادئها، حيزاً كبيراً في فكره وكتاباته، وكان أبرز ما شغله في حياته، التوازن بين الدعوة في حركتها العامة، وخاصة على صعيد العمل السياسي، وبين ميدانها الأصيل وهو ميدان العمل التربوي. كما احتلت فكرة الدولة الإسلامية مكاناً بارزاً في تفكيره وكتبه، بمعناها الحضاري الواسع، ورأى أن الدولة بناء ضخم يحتاج إلى أساس عريض وعميق ومتين، وبالتالي يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، على اعتبار أن الأساس أشق مراحل البناء، وكان دائماً يردد: لا نريد لبنائنا أن يقوم ثم ينهار.

ومن أهم أفكاره:

«إن بناء الذات الإنسانية المسلمة لرجل الدعوة، هي أهم وأصعب ميادين البناء، لأن بناء الرجال أشق من بناء المؤسسات».

لهذا اتجه في كثير من كتبه إلى تقوية هذه الذات، وتدعيمها، وإكسابها الصلابة، فكان كتاب «عقبات في الطريق» الذي تناول فيه المحن وما تتركه من إرباك للعاملين في الصف الإسلامي، ربما دفعهم للتشكك في صحة الطريق، أو رشد القيادة، ويرى «أن الإيمان أهم سلاح نتسلح به، يصبِّرنا ويثبتنا ويطمئننا أن المستقبل للإسلام، فعلينا أن نصبر ونثابر حتى يتحقق وعد الله بالنصر إن شاء الله فأين فرعون وهامان؟ وأين الاتحاد السوفييتي وغيره؟

و«إسرائيل» إلى زوال إن شاء الله، إذا واصلنا مسيرتنا على هذا الطريق. فالتربية، واستغلال الوقت، والمحن التي نتعرض لها، ليست ضربات معجزة أو معوقة، ولكنها سنة الله في الدعوات، في الصقل والتمحيص والتمييز بين الثابت والمنهار، لأن أهم مرحلة في الدولة المستقبلية هي أساسها، فإذا كان الأساس متيناً يعلو البناء ويرتفع، أما إذا كان ضعيفاً فسينهار، فهذه المحن للصقل والتمحيص وإعداد القيادة الصلبة التي يثبت عليها البناء.

ـ يجب على الإخوان ألا ينزعجوا من هذه المحن، بل يعتبرونها شرفاً، فالزمن لا يقاس بعمر الأفراد، بل بعمر الدعوات والأمم، وليس هذا بالكثير من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير.

ـ علينا أن نتواصى بالجيل الجديد، ونهتم به، ونورِّثه الدعوة، وندعوه لمواصلة المسيرة بالإيمان والدعاء والصبر والاحتساب والاستبشار بأن المستقبل لهـذا الدين، ونهتم بالتربية، وبالأشبـال، وبأبنـاء الإخوان، وهـذا معنى مهم جداً، فالأستاذ البنا قال: نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم الذي يرفض أن يستقر عليه غير الحكم الإسلامي. إن هذا الجيل من الأشبال، وأولاد الإخوان، ربما يتحقق على يديه النصر، فعلينا أن نهتم به.

ـ الصحوة في العالم الإسلامي قابلها انهيار الأخلاق في العالم الغربي، دخل كثيرون في الإسلام وانتشر الإسلام في أوروبا وأمريكا، فلابد لنا أن نستبشر ونشعر بالعزة: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون:8].

ـ الموت يأتي بغتة، فلابد من الاستعداد للقاء الله، ولحساب الآخرة، فنخلص النية في كل عمل نعمله ونجعله دعوة لله وعبادة له، لأننا لم نخلق إلا لعبادة الله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]، فهذه هي مهمتنا في هذه الدنيا فلنحرص على دعم هذه الصورة، ولنقوها بازدياد القاعدة، وبالالتحام بالشعب، فنكوّن رأياً عاماً إسلامياً، يساند هذه الدعوة، فهذا ما نحرص عليه، ونتوقع النصر بعد حين إن شاء الله.

أهم مؤلفاته:

طريق الدعوة.

زاد على الطريق.

تساؤلات على طريق الدعوة.

الحياة في محراب الصلاة.

الجهاد هو السبيل.

قضية الظلم في ضوء الكتاب والسنَّة.

القائد القدوة.

التيار الإسلامي ودوره في البناء.

القدوة على طريق الدعوة.

قضايا أساسية على طريق الدعوة.

من التيار الإسلامي إلى شعب مصر.

وحدة العمل الإسلامي.

طريق الدعوة بين الأصالة والانحراف.

مناجاة على طريق الدعوة.

بين الربانية والمادية.

مقومات رجل العقيدة.

الإيمان ومتطلباته.

الدعوة الفردية.

من فقه الدعوة (جزءان).

الإسلام هو الحل.

قالوا عنه:

يقول الشيخ محمد عبدالله الخطيب: «إن الحديث عن الأستاذ مصطفى مشهور، رحمه الله، حبيب إلى كل قلب، وإن بيان قدره ومنزلته كقائد من قادة الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، يحتاج إلى صفحات طوال، فهو المؤمن المجاهد، والصابر المحتسب، والمربي والداعية الذي مهَّد الأرض، وبذر الحب، وغرس الثمار، ثم تعهد النبتة فسقاها لفترة تزيد على ستين عاماً عاشها متجرداً لهذه الرسالة الخالدة.. الدعوة المباركة لإعلاء كلمة الله وحده، ولقد جاءت الثمار طيبة مباركة، وكان رحمه الله، يحمّل الأجيال التبعة، ويذكّر بالمسؤولية، فكان يقول:

«الدعوة إلى الله واجب كل مسلم ومسلمة، لتحقيق شهادتنا على الناس، إنها مهمة الأنبياء والرسل، صلوات الله وسلامه عليهم، فهي شرف عظيم، ومنزلة سامية، وثوابها عند الله عظيم، وهي في نفس الوقت مصدر وافر، وزاد عظيم.

إن كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله يدخل في الأمة الإسلامية، ويكون له كل الحقوق لأيّ مسلم في المجتمع، وواجبنا أن نعلمه ونربيه ونأخذ بيده».

وكان رحمه الله ينصح الشباب دائماً بالتأني وعدم العجلة، ويكره الاندفاع والتشدد.

جزى الله الأستاذ المرشد عنا خير الجزاء، وتقبّله في الصالحين مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً».

ويقول الشاعر الكبير الدكتور جابر قميحة:

في جمعة الأحزان ماذا أرى؟

سيلاً من البشر الطهور يمور

عجباً ولكن كيف كيف تجمعوا

عجباً!! وإن نشاطهم محظور

لا تعجبوا: فالله جمَّع جنده

والحظر محظور هنا مقهور

والظالم الباغي ضلال سعيه

وعليه دائرة البوار تدور

هذي الجحافل في الظلام منارة

عجباً!! أيحظر في الظلام النور

ورأيت منهم ألف ألف موحد

من جند طه قادهم مشهور

بالحب يا «مشهور» أنت تقودهم

وبذاك أنت على القلوب أمير

والحب في فن القيادة جامع

والحقد في كل الأمور يضير

الله غايتهم ونور قلوبهم

وهمو لشرعته فدى ونصير

تخذوا كتاب الله دستوراً فلا

يعلوه قانون ولا دستور

جعلوا الجهاد سبيلهم فتقدموا

ودماؤهم في النازلات مهور

عند المطامع لا تراهم إنما

عند الكوارث إنهم لكثير

مهما ذكرت محاسناً ومآثراً

فالشعر عجز شابه التقصير

يكفيك في التاريخ أنك مرشد

يكفيك أنك مصطفى مشهور

ويقول الشاعر الأستاذ شريف قاسم:

أيها الراحل الكريم رويداً

فحواليك للوداع رواء

عتب الأمة الجريحة أدمى

مقلتيها وللقلوب نداء

في يديكم لمجدها خير نهج

حاربته الجهالة الجهلاء

أنتم الخيرة التي لا تمارى

في علاها، وأنتم الغرباء

فيك تبكي جموعنا حسن البنا

ويبكي على الرجال الوفاء

والهضيبي والتلمساني وتنعى

لأولي الفضل موتك الأتقياء

وأبا الأعلى والفتى الندوي الحر

صيداً وكلهم أكفياء

والسباعي وسيداً والغزالي

وابن باز وتزدهي الأسماء

من كرام أئمة ونجوم

بكت الأرض فقدهم والسماء

غبت يا مصطفى ومصر تنادت

لعزاء، وفيك جل العزاء

ذاك يا مصطفى بيانك يروي

سفر ما بشرت به الأنبياء

موقف شخصي كريم:

شاء الله عز وجـل أن يبتليني بفقـد أخ كريم وصديـق عزيز خر صريعـاً في ديار الغربة برصاصات الغدر، وترك خلفه ثلاثة أطفال، أكبرهم عمره خمس سنوات، وقـد عاشوا بعد اغتيـاله ظروفـاً صعبة جداً، وانتظرنا طويـلاً من يتطـوع لرعايـة هذه الأسـرة، وكفالة الأيتـام، وطـال الانتظار، فكـانت إرادة الله أن أتقـدم لـزواج الأرمـلـة، وكفـالة أبناء أخـي في الله، وتمّ الأمـر بتـوفيـق الله.

وكانت المشكلة الكبرى هي الثورة العارمة من الزوجة الأولى التي أقامت الدنيا ولم تقعدها، ولم تنفع معها نصائح الوالد والعم، رحمهما الله، ولا نصائح كبار الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم المرشد العام الأستاذ عمر التلمساني، وحين زارنا الأستاذ مصطفى مشهور في شهر رمضان سنة 1404هـ بالكويت شرحت له ما أعانيه من ابنة عمي زوجتي الأولى التي لم أقصّر في حقها، لا قبل الزواج الثاني ولا بعده، فكانت مبادرة الأستاذ مشهور بكتابة هذا الخطاب الشخصي لها، مما هدأ شيئاً من ثورتها، وطامن قليلاً من غضبها، وبمرور الأيام عادت الأمور إلى نصابها والحمد لله رب العالمين.

وهذا هو نص رسالة الأستاذ مشهور بخط يده:

الأخت المؤمنة الفاضلة (أم مصطفى):

السلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعد:

فما جعلني أقدم على الكتابة إليكِ إلا من منطلق معرفتي بتقديرك لي، ومن منطلق اهتمامي وانشغالي بما تعيشينه هذه الأيام من ظروف ومشاعر، وأحب أن أؤكد لك ابتداء وأشهد الله على ذلك أنني في كتابتي هذا الخطاب لا أشعر بانحياز لأي منكما، ولكن من منطلق حب الخير لكما على السواء، لذلك أرجو أن تستقبلي كتابتي هذه في جو هادئ بعيد عن الانفعال وبعيداً عن أي تشكك أو ريبة أو ظنون.

أنا أعلم ابتداء ما يجيش في صدر أي امرأة في مثل ظروفك هذه من مشاعر وألم، ولا ننكر عليك ذلك، ولكن أحياناً ينتهز الشيطان الفرصة فيضخم القضية أكثر من حجمها بما يؤجج المشاعر بصورة شديدة يخشى منها أن تؤثر على الصحة أو أن تؤدي إلى إفساد العلاقة لا قدر الله فالذي أوصي وأؤكد عليه عدم الاسترسال في هذا الجو من توتر الأعصاب والأحاسيس، لما يترتب على ذلك من أضرار صحية أو غير ذلك، وسأعينك بعون الله على ذلك لو أحسنت استقبال كلامي، وإذا لم تهتز ثقتك بإنصافي وعدم انحيازي.

قد لا تستطيعين أن تضبطي مشاعرك بحيث تقرئين خطابي القراءة الأولى بهدوء واستيعاب، فأرجو أن تعيدي قراءته مرات أخرى في جو أهدأ، كما أرجو ألا يكون حظه الإهمال أو سلة المهملات.

سأذكر لك بعض النقاط أرجو أن تقفي مع كل نقطة منها وتحكّمي عقلك قبل عاطفتك وبالله التوفيق:

ـ أنبه أولاً إلى عدم المغالاة في التبرّم والشعور بالضيق كي لا يقترب بك ذلك إلى دائرة عدم الرضا بتشريع الله الذي أباح هذا التصرف، ففي ذلك خطر عظيم.

ـ لا شك أن معرفتك الطويلة والقريبة بزوجك أوجدت عندك ثقة كبيرة بدينه وخلقه وكذا تقديره لك، فلا يتصور أن تهتز هذه الثقة بنفسك بسبب تصرفه هذا، فليس معقولاً أن يتخلى عن قيمه ومثله وأسلوب معاملته هكذا فجأة.

ـ أرجو أن تكون نظرتك لتصرفه من خلال هذه الثقة القوية بدينه وخلقه وإعزازه، ولا تنساقي وراء الهواجس كي لا تقتربي أيضاً من دائرة من يكفرن العشير وينسين كل خير سابق بسبب موقف لاحق، نتيجة التأثر بالوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.

ـ تقديري أن ما تشعرين به من حزن أو قلق سببه ما لمسته في حياتكمـا الزوجية من حسن معاملة وجميل عشرة مما جعلك تتخوفين من تغير هذا المستوى من المعاملة، ولو أنه فرضاً كان سيئ العشرة ما تأثرت ولا حزنت على شيء لزواجه بأخرى، وما نحسبه هو أنه لن ينقص شيئاً من مسلكه وواجبه نحوك، فقد عرف بيننا بالوفاء والصدق والإخلاص.. نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً.

ـ رجائي أن تطردي الشيطان بل تطارديه ولا تستسلمي له، وألا تسلمي خواطرك وآذانك لوساوس الجن والإنس، وأقبلي على كتاب الله وسيرة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وعلى ذكر الله والدعاء في هذا الشهر الكريم لعل الله أن يشرح صدرك ويذهب عنك الهم والحزن.

ـ لا تنسي ولا تنكري فضل الله عليك بتوفيقه بزواجك به فهناك غيرك كثيرات يتعرضن إلى حياة زوجية بائسة لبعد أزواجهن عن تعاليم الإسلام وآداب الإسلام فلتحمدي الله على هذه النعمة.

ـ ما دام لم يقصر في حق من حقوقك، ولم يتغير في مستوى معاملته لك أو شعوره نحوك، فماذا يكون جديداً غير غيابه أياماً معدودة كل فترة؟ وقد تعودتم على هذا الغياب في أسفار له كثيرة.

ـ وما يعينك على تهدئة ما في نفسك والتغلب على هذه الخواطر المقلقة أن تتفكري في حالة زوجات غيرك لتقدري ما أنت فيه من خير رغم ما حدث.

ـ فمثلاً هناك زوجات غاب عنهن أزواجهن سنوات طوالاً بلغت أحياناً عشرين عاماً وتعرضن لكثير من العنت وقد صبرن حتى خرج لهن أزواجهنَّ فكان لهن أجر الصابرات «وما أم هاني عنك ببعيدة».

ـ وهناك زوجات يلقين عنتاً شديداً من سوء معاملة أزواجهن لهن، وما هم عليه من قسوة وغلظة.

ـ وهناك زوجات بائسات يعشن حياة لا طعم لها بل كلها عنت بسبب انحراف أزواجهن وفساد أخلاقهم وإهمالهم لهن.

ـ هل ترضين أن تكوني في مثل هذه الحالات ولو لم يتزوج عليك؟

ـ وهل يكون جزاء حسن معاملته وعدم انحرافه وإكرامه لك أن تحرِّمي عليه شيئاً أحلّه الله، وقد قصد به ثواب الله في إنقاذ هؤلاء اليتامى، وأمهم من التشرد والملاحقة؟ فلا تحرمي نفسك من المشاركة معه في ثواب الله بسبب سخطك وتبرمك بهذا الزواج.

ـ معذرة إذا قلت لك: تصوري نفسك فرضاً أنك تعرضت لنفس ظروفها، ومدّ أحد الإخوان يده لينقذك وأولادك من التشرد والعنت وأنت في أشد الحاجة إلى ذلك، ألا تشعرين أن ذلك عمل جليل يستحق التقدير والجزاء الحسن من الله؟

ـ كلي أمل ورجاء أن تهدأ نفسك وتطمئن وتشفى، فلن يرضى هو بأي انتقاص لشيء مما كنت تسعدين به من حقوق ومعاملة، ونحن لن نرضى لو فرض جدلاً وحدث شيء من ذلك، ولن يكون بإذن الله فكوني راضية مطمئنة، وأغلقي على الشيطان منافذه، ولا تحرمي نفسك أجر الصابرات.

ـ ليكن همنا جميعاً السعي إلى الآخرة بطاعة الله وبالرضا والصبر والدعاء أن يختم لنا بخير، وأن نكون ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، فلحظات الدنيا قصيرة وزائلة، فلتكن في طاعة ورضاً وشكر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

رمضان سنة 1404هـ 1984م

مصطفى مشهور

وفاته:

توفي فضيلة الأستاذ مصطفى مشهور المرشد الخامس للإخوان المسلمين يوم الخميس ليلة الجمعة 12 رمضان سنة 1423هـ الموافق 15/11/2002م بعد غيبوبة دامت ثمانية عشر يوماً، وصلى عليه ما يقرب من نصف مليون فرد بعد صلاة الجمعة.

تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين، والصديقين، والشهدا،ء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المصدر