العلاج بالصدمة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العلاج بالصدمة


بقلم : محمد الجندي

الحل لدى الإدارة الأميركية لضحايا النيوليبرالية في البلدان، التي تدخل إليها وصفات إعادة التكييف الهيكلي، هو العلاج بالصدمة.

وليكون هذا الكلام مفهوماً: يجب أن نتذكر أن النيوليبرالية تعني إخضاع اقتصاد البلد للسوق الحرة وعملياً للسوق الدولية، وهذا له انعكاسات عديدة على البلد، وعلى سيادة البلد وعلى شعب البلد. ونتجاوز هنا التأثيرات العامة للتركيز على الأمر الخاص، الذي يهمنا.

التبعية الاقتصادية للسوق الدولية تعني من الجملة تحويل مختلف الثروات في البلد الصالح لاحتكارات الدولية، من جهة، ولصالح الرأسمالية المحلية، من جهة أخرى، وهذا ينتج عنه اغتناء متصاعد للطبقة الرأسمالية في البلد وإفقار أيضاً متصاعد لبقية فئات المجتمع، للعمال بمختلف قطاعاتهم (الانتجاية، الخدمية، الزراعية) وللفئات الوسطى، للمهمشين.

الغلاء يستعر، والمداخيل (الرواتب، الأجور، مداخيل الفئات الوسطى) تتراجع بقيمتها الشرائية.

أعداد متزايدة من الناس تنتقل من الكفاية إلى العوز، ومن العوز إلى الجوع.

الضحايا سرعان ما تصبح تمثل الأغلبية الساحقة من الشعب.

وفي البلدان الثالثية، حيث الفقر العام وفقر الناس موجودان أصلاً، يصبح وضع الضحايا مأساوياً.

هذا ما يلمسه المرء في كل العالم الثالث باستثناءات محدودة جداً.

والحل للوضع الإنساني المأساوي هو العلاج بالصدمة.

أي أن هذا الوضع الذي يصدم الناس، يعالجه كل فرد على طريقته.

وبما أنه ليست هناك طرق سحرية، وغير الرأسمالي أمامه طريقتان للعلاج، إما الجريمة، أو الانتحار البطيء أو الفوري.

والأمران يحصلان، فالفساد يتسع أكثر فأكثر، بما ينطوي عليه من اختلاسات، وانتهاكات للقوانين وخيانات سياسية، وأيضاً الدعارة تتسع، ويتحول جسد الإنسان إلى سلعة للبيع، وتنمو على أرضية الفساد والدعارة العصابات، التي تستغل من يبيعون أنفسهم معنوياً أو مادياً.

أما الانتحار، فإذا لم يكن مباشراً، حينئذ يتكفل به الجوع والمرض. يتسع الازدحام على النفايات من أجل الفضلات، التي قد تكون سامة، ومن أجل ما يسمى بالخردة (أوعية بلاستيكية، أو تنك، أو توافه مرمية من قبل أصحابها، الخ). مما يمكن بيعه، ليحصل المرء على ما يمكن أن يسد به رمقه.

وإذا كانت حتى أغلب الأجور والرواتب العالية في البلد الثالثي لا توفر الكفاية لأصحابها، فإن أغلب الناس يكونون مضطرين للانضمام إلى إحدى العائلتين: الجريمة أو الجوع.

ويبدو أن من جملة مهمات الأنظمة في البلدان الثالثية هي تحويل شعوبها إلى تلكما العائلتين، بدليل وجود الفساد والجريمة ووجود الجوع في كل بلدان العالم الثالث على الإطلاق.

المسؤولون الاقتصاديون والماليون في البلدان الثالثية، لا يدري المرء كيف يتم انتقاءهم، ولكن يشعر المرء أن مهمتهم لا تقتصر على كونهم يستغلون مجال صلاحياتهم لمنفعتهم الشخصية، وإنما أيضاً للتخريب ولنخر البلد. والشكوى بوجود الضحايا وبأن الأزمة الإنسانية تتفاقم لا تؤثر بشيء، لأن الأزمة هي بالنسبة لصانعيها تحصيل حاصل، ونتيجة طبيعية، وهي مثل الشكوى للجلاد بأن المشنوق سيموت..

العلاج بالصدمة يفترض الأزمة الإنسانية، وكل ما يفعله صانعوها هو التمويه: ويمكن ذلك، إما بإعلان أرقام صادقة أو كاذبة عن نمو ما اقتصادي، هو، إن كان حقيقياً، مؤشر على نمو مداخيل الرأسماليين، وإن كان كاذباً، يكون مؤشراً على انهيار كبير أو صغير لأوضاع البلد والناس معاً، كما يمكن ذلك بوعود متنوعة، كاذبة أو صادقة، بتعويض جزئي على الضرر، الذي يلحق بالناس بسبب الإجراءات، أو باستثناء الشرائح الفقيرة من الإجراءات، بينما الضرر يصيب الجميع، الشرائح الغنية نسبياً والفقيرة، والضرر هو بنيوي، وليس خاصاً فقط بهذه الفئة أو تلك، كما يمكن التمويه بالأدبيات السياسية، التي تختلف من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر، مثل الأدبيات التي تدعو للتقشف، أو التي تمجد التضحية، الخ. طبعاً كل ذلك هو ثرثرة فارغة، لأن الفقراء هم بطبيعة الحال متقشفون إلى درجة الحرمان، وليس لديهم ما يضحون به، الرغوة الاجتماعية هي التي يجب أن تتقشف، وأن تضحي إذا كان ثمة ما يدعو لذلك.

طبعاً مهما كان التمويه متقناً، فإنه لا يفيد لأن المعدة هي الحقيقة الموضوعية، التي لا ترحم. لذلك يتفاقم الفساد ويتفاقم الجوع في نفس الوقت، وحصة الإدارة الأميركية في ذلك، أو حصة الاستعمار بشكل عام هي أن البلد ينهار ويفقد السيادة ويصبح غير قادر على فعل شيء. تصبح إدارات البلدان الثالثية أغناماً تجر هي وبلدانها بشكل أو بآخر إلى الذبح.

هذه هي الحصة السياسية، أما الحصة الاقتصادية، فتتغير من بلد إلى آخر، قد يتعرض للنهب مثل البلدان البترولية، وقد تسخر إدارته بالأجرة (بمعونة، بدعم) لمهمة دولية أو إقليمية، وقد يحصل الأمران معاً، وقد يهدر دمه ببساطة كما حل بالعراق.

الشعب وحده هو الرصيد، الذي يمكن أن يعتمد عليه البلد في استقلاله، وفي استقلال رأيه، وفي استقلال موقفه، وعندما يدمر الشعب بالعلاج بالصدمة، تفقد الركيزة الأساسية لسلامة البلد، ولا سيما أن رغوة المجتمع تنتمي موضوعياً إلى مصالحها أي إلى الاحتكارات الدولية، أكثر من انتمائها لبلدها.

العلاج بالصدمة هو اختراع الإدارة الأميركية للبلدان، التي كانت تقدمية، أو للبلدان ذات البرامج الاجتماعية، التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

غير أنه، من دون ذلك الاختراع، تنطوي الليبرالية الجديدة ذاتها على ترك شرائح المجتمع الضعيفة الإمكانات والمتدنية الإمكانات والمهمشة لمصائرها الخاصة دون اهتمام لدى إدارة المجتمع بشؤونها.

تهتم إدارة المجتمع بشؤون الرأسماليين فقط. أما الباقون، فلا أهمية لهم، عاشوا أو ماتوا، جاعوا أو شبعوا، سكنوا أو تشردوا، مرضوا أو صحوا، تعرضوا لتسونامي، أو لإعصار كاترينا، أو لحرائق الغابات، أو رحمتهم الطبيعة ومجرموا البيئة.

في البلدان الثالثية المشردون بالمليارات ويملؤون مختلف الساحات الدولية: الجاليات الثالثية تملأ أوروبا والأميركيتين، وهي بالأصل مؤلفة من مشردين، سواء تحسنت أوضاع أفرادها، أم لا، وجاليات أميركا اللاتينية تملأ أوروبا وأميركا الشمالية، وفقراء القارة الإفريقية ينتحرون في القوارب الخطرة، وفي السجون التي تنتظرهم على شاطئ المتوسط الشمالي بوجه خاص.

ترصع هذا المنظر الإنساني العام البائس الحروب والمجازر، حروب الاحتلال ومجازره، والصراعات الطائفية والعرقية والقبلية، التي تحركها أيضاً الإدارة الأميركية لمصلحتها.

هل تستطيع القوى السياسية في العالم الثالث وفي غيره أن تعبئ نفسها للوقوف في وجه الاستعمار، لا باعتباره فقط عدوانياً تجاه البلدان والشعوب، وإنما أيضاً باعتباره مصدراً لليبرالية جديدة صانعة الفقر في العالم؟ نتمنى.

المصدر