الفلسطينيون وثقافة تدمير الذات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الفلسطينيون وثقافة تدمير الذات
علم فلسطين.jpg

بقلم : د. ناجي صادق شراب

كل شي في هذه الحياة يتوالد ذاتياً ليحافظ على نوعه وجنسه بدءاً من الإنسان وانتهاءً حتى بالأفكار المجردة، فالعنف يولد مزيداً من العنف، والكراهية تولد مزيداً من الكراهية، والحقد والثأر يولدان المزيد، والسلام يولد مزيداً من السلام، والأزمة تولد وتفرخ من داخلها مزيداً من الأزمات حتى يجد المرء نفسه أمام متوالية من الأزمات لا يعرف كيف يتعامل معها ومن أين يبدأ؟

وهذا هو الوضع الفلسطيني وتعقيداته.

فالفلسطينيون أدخلوا أنفسهم في متوالية من الأزمات باتوا غير قادرين على التحرر منها أو إيجاد الحلول لها، ويبدو أنهم يجيدون اختلاق المشكلات، ولكنهم لا يجيدون القدرة الذاتية على المبادرة وحلها، ولذلك هم لا يتعاملون مع السياسة من منظور القدرة على إدارة التناقضات بقدر ما يتعاملون معها من منظور الرفض المطلق للآخر وهذا ما يوصلهم إلى طريق مسدود.

يتعاملون مع قاعدة المباراة الصفرية إما فائز وإما خاسر.

تبدو تعقيدات الموقف الفلسطيني كثيرة، وتزداد يوماً بعد يوم في إطار صراعهم على السلطة، ذلك أن الفلسطينيين ابتعدوا عن بؤرة الأزمة الموحدة للفعل وهي بؤرة الاحتلال، وتحوّلوا إلى بؤرة الصراع الداخلي حول القوة والنفوذ ما أبعدهم عن مشروعهم الوطني، وهكذا يبدو المشهد الفلسطيني معقداً ومتداخلاً، حتى بتنا جميعا أمام أزمة مركبة بنيوية لا تجدي معها الحلول الجزئية أو السطحية، بل تحتاج إلى معالجة جذرية تستأصل جذور الخلاف الداخلية وترسي الأساس للحل الداخلي الذي يركز على عوامل التوحد والتعايش والشراكة الحقيقية في إطار من سيادة الحل الديمقراطي المستند إلى الإرادة والاختيار الشعبي.

ولعل الأمر غير المألوف فلسطينياً هذا الصراع الدامي الذي يخرج عن كل الأعراف الوطنية والدينية والشعبية.

فالصورة التى التصقت في أذهان الجميع أن يقتل الفلسطيني على يد الجيش “الإسرائيلي”، أما بواسطة يد فلسطينية فهذا غير مقبول على الإطلاق وشتان ما بين الحالتين.

سواء في الهدف أو في الغاية، في الأولى يكون استشهاد من أجل الأرض، وفي الثانية قتل من أجل الحكم والسلطة، والأمر الذي يبعث على الدهشة أن كل ذلك يتم وما زالت الأرض محتلة، ولذلك فالسؤال المشروع هنا هو كيف سيتم تحرير الأرض وبأي دم؟

حتى لا نبالغ في الصورة، فالفلسطينيون بشر مثل غيرهم من بقية شعوب العالم، فهم ليسوا بشراً من كوكب آخر، ولذلك أن نتوقع الخلاف والتنازع بينهم وحتى الصراع على السلطة فهذه سمة عامة ومشتركة، لكن ما يميز الفلسطينيين أنهم شعب محتل يعاني أبناؤه كل مظاهر الإذلال والقهر في معابر الدنيا ومنافذها.

إذاً، الفلسطينيون ليسوا محصنين من الاختلاف والصراع، لكن يفترض أن الاحتلال يوحد ويحمي، وفي هذه الحالة فالمنتصر الوحيد هو الاحتلال لأنه نجح في خلق حالة الاقتتال، وهذا من شأنه أن يطيل عمر الاحتلال.

والجديد في المأساة الفلسطينية، أن ما نشهده بات مألوفاً عربياً واعتادت عليه الفضائيات العربية، وهذا ما يفسر لنا لماذا هذا الصمت العربي الرسمي؟

وذلك من منطلق مقولة إذا كان أصحاب الشأن يريدون ذلك فما بالنا نحن الآخرين؟

والأخطر من ذلك أنها قد تكون فرصة للتخلص من كابوس القضية الفلسطينية في زمن تسوده روح القطرية والروح التنظيمية الضيقة.

وهكذا لم تعد القضية الفلسطينية تحتل أولوية على الأجندات السياسية للدول ولا حتى للشعوب المنهمكة بقضاياها الداخلية من فقر وبطالة وغياب للحقوق والحريات، فالكل مشغول في قضاياه الداخلية، كما هم الفلسطينيون.

وهكذا لم يكتف الفلسطينيون بأنهم محاصرون وغير مقبولين، بل إنهم يحاصرون أنفسهم بقيود من صعب التخلص منها، خصوصاً في ظل الثقافات الشاذه عن ثقافتنا الإسلامية والوطنية، ثقافة تغذية الكراهية والحقد والثأر والقتل للذات الفلسطينية والتي تسرع في نحر القضية الفلسطينية، ولنا في تجارب الآخرين العبر والدروس الكثيرة التى انغمست في دائرة العنف المركب، الذي يسري في عروق وجذور المجتمع، ولا شك أن المجتمع الذي يصل إلى هذه المرحلة صعب أن يخرج من عنق الزجاجة ولن يخرج منها إلا بمزيد من العنف.

إذا لم يدرك الفلسطينيون حجم الأزمات التي أوقعوا أنفسهم فيها، وحجم الأزمات من حولهم فسيجدون أنفسهم في دوامة من الأزمات تبتلع ما تبقّى من إنجازات هذا الشعب.

  • أستاذ العلوم السياسية/ غزة

المصدر