القضاء على نادي القضاة أمل حكومي مستحيل التحقيق
بقلم:القاضي محمود الخضيري
نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي القضاة بالإسكندرية
منذ أن وقف القضاة من الانتخابات الأخيرة هذا الموقف الذي كشف سوءات النظام ، ووضع التقارير المتعددة عن الاستفتاء على المادة 76 من الدستور والانتخابات الرئاسية ثم الانتخابات التشريعية وقاوم هذه المقاومة الشرسة لعملية تزييف إرادة الشعب في اختيار نوابه والحكومة تتربص بالنادي لكي تقضي على دوره في حياة القضاة وحياة الشعب بصفة عامة ، لمسنا ذلك جلياً عندما رفضت الحكومة رفضاً قاطعاً وضع مادة في تعديل قانون السلطة القضائية تنص على أن ( يكون للقضاة والنيابة العامة العاملين والمتقاعدين نادٍ خاص بهم يقوم على توثيق رابطة الإخاء والتضامن فيما بينهم ودعم استقلالهم ورعاية مصالحهم وسائر شئونهم العلمية والثقافية والاجتماعية ...... وتضع الجمعية العامة للنادي ... لائحة بنظامه الأساسي تبين فيه شروط العضوية ومقدار الاشتراكات ونظام الجمعية العامة ومجلس الإدارة واختصاصاتهما وسائر الأحكام المنظمة للنادي وفروعه وفقاً لأحكام هذا القانون ( المقصود قانون السلطة القضائية ) دون التقيد بالأحكام المنصوص عليها في القوانين المنظمة للنوادي والجمعيات والمؤسسات الخاصة ..... ويخضع نادي القضاة لجمعيته العامة دون غيرها ) .
رفضت الحكومة واستماتت في الرفض في أن يرد في قانون السلطة القضائية هذا النص وكان لهذا الرفض والإصرار عليه من المغزى ما لا يخفى على أحد وقد سايرتها في ذلك السلطة التشريعية بمجلسيها الشورى والشعب رغم إفصاح الكثير من أعضائهما من مختلف الاتجاهات في الحزب الحاكم عن أن وضع نادي القضاة الطبيعي هو النص عليه في قانون السلطة القضائية ، وهذا ما يجعلنا نتعجب من غضب رئيس مجلس الشعب وبعض نوابه من وصف الكاتب الكبير فهمي هويدي والشاعر المحبوب فاروق جويدة للمجلس بأنه ( كومبارس ) ، فإذا لم يكن بالله عليكم هكذا فماذا يمكن أن يكون أطلب من السادة الغاضبون لهذا الوصف وضع الوصف الذي يرونه للمجلسين مع تنبيهي لهما بأن الشعب المصري شعب ذكي ولماح ترى في عينيه وتصرفاته ما قد يعجز اللسان عن النطق به ، وما قد تحجر الأجهزة الأمنية مجرد التفكير فيه .
رفضت الحكومة إدراج هذا النص في مشروع تعديل قانون السلطة القضائية بدون إبداء مبرر مقبول وكان هذا إرهاصاً بأن هناك أمراً يراد للنادي الذي علا صوته وارتفع ووصفه بعض قادة الرأي والحرية في مصر بأنه أصبح بيت الأمة ونظر إليه الناس كقلعة يمكن الاعتصام بها في حالة الشدة لصد طغيان الحكومة ، ومن يومها والقضاة في حالة تربص وانتظار ولم يطل بهم هذا الانتظار كثيراً حتى بدأت الحرب باختيار وزير للعدل معروف منذ زمن بعدائه التقليدي للنادي ، رغم تردده عليه واستفادته من خدماته وإنكاره ذلك في الفترة الأخيرة ، إلا أنه من وجهة نظره عبارة عن مكان لتناول المشروبات والمأكولات وقضاء وقت للراحة والترفيه عن النفس ، لا شيء غير ذلك ، وكانت سياسته واضحة منذ اليوم الأول لجلوسه على كرسي الوزارة من مقاطعة النادي ومحاولة فض القضاة من حوله حتى ينفرد به وينفذ سياسة الحكومة التي جاء من أجلها إلى الوزارة وهي إفراغ النادي من مضمونه والقضاء عليه .
واليوم يكتمل هذا المسلسل بما طلعت علينا جريد الوفد في عددها الصادر يوم الأربعاء الموافق 31 / 1 / 2007 من خبر في الصفحة الأولى بالخط الأحمر بأن ( وزارة التضامن تهدد بحل نادي القضاة ) وكذلك جريد نهضة مصر ، وهو خبر - رغم عدم تأكيده - على قسوته وشدته لم يكن مفاجأة بالنسبة لنا لأن من يقوم بمثل ما يقوم به نادي القضاة في ظل الأوضاع الحالية للدولة التي تسيطر فيه الحكومة على كل شيء في مصر لابد أن يتوقع كل شيء ، بل وأشد من ذلك ، وأعلم أن هناك حملة ستبدأ بعد هذا التصريح مفادها أن القضاة شأنهم في ناديهم شأن جميع النوادي لابد أن تخضع لوزارة التضامن وتقوم بتوفيق أوضاعه إعمالاً للقانون الذي ينظم هذه النوادي ، ونحن لا نقول أبداً إننا فوق القانون ، ولكن أحكام محكمة النقض والإدارية العليا والدستورية العليا قد حسمت هذا الأمر واستقر رأيها على أن نوادي القضاة جميعاً شأن من شئون القضاة لا يخضع لغير جمعيته العمومية والقول بغير ذلك فيه تدخل في شئون القضاة من السلطة التنفيذية التي تستطيع حل النادي لمجرد عدم رضاء الحكومة عن تصرفاته كما حدث في الفترة الماضية .
نادي القضاة ليس مكاناً لتناول الطعام والشراب والترفيه كما يحلو للبعض أن يصوره كأي نادي اجتماعي ورياضي ، إنه يقوم بهذا الدور حقيقة ولكنه مع ذلك وقبل كل ذلك يدعم استقلال القضاء ويرعاه ويرعى مصالح القضاة وسائر شئونهم العلمية والثقافية والاجتماعية ، ونادي مهمته الأساسية هي دعم استقلال القضاء لا يمكن أن يخضع للسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة التضامن ، وهي من يكافح القضاة من أجل الاستقلال عنها والخروج من هيمنتها ، إن خضوع النادي للحكومة هو أكبر تدخل في شئون السلطة القضائية حيث أن النادي هو المُعبر الأول عن إرادة القضاة والمُدافع الأول عن استقلالهم وتاريخ نادي القضاة منذ إنشائه يقول ذلك ، وهذا الدفا ع لم يكن موجهاً إلى السلطة التشريعية التي تعاني مثل السلطة القضائية من هيمنة السلطة التنفيذية ومحاولة استيعابها والقضاء على دورها لكي تكون هي اللاعب الوحيد في ملعب السلطة والنفوذ .
من المتصور لو أن نادي القضاة وفق أوضاعه له خضوعاً لرغبة وزارة التضامن كما تطلب ، أن تعترض الوزارة على عقد أي جمعية عمومية غير عادية يعقدها القضاة لمناقشة أمر يهمهم ويهم الشعب كما حدث في الفترة الماضية كما أنه من المتصور أن تعترض حتى على مجرد ترشيح قضاة بعينهم في الانتخابات لا ترضى عنهم السلطة التنفيذية ، وللشعب أن يتصور نادي للقضاة هذا شأنه ، نادٍ ليس له مهمة سوى تقديم المأكولات والمشروبات والترفية عن أعضائه وإذا رؤى له أن يقوم بأي نشاط آخر فليكن هذا النشاط هو التأييد وتقديم أسمى آيات الشكر والعرفان بالجميل للحكومة ولسيادة الرئيس على رعايته القضاة وإمدادهم بالمال اللازم لمزيد من الترفيه وقضاء وقت سعيد !! .
هل يتصور من يتابع نشاط النادي في الفترة الماضية أن يصبح هذا شأن النادي في الفترة القادمة ، إن القاضي القوي الذي لا يخاف من أي إنسان مهما كان شأنه هو الضمانة الكبيرة لحريات الناس وأعراضهم ومستقبلهم وهو ما يعمل النادي جاهداً على أن يتوفر في القضاة ، والحكومة لا تريد ذلك لأن القاضي القوي هو الذي يقوى على التصدي لمحاولة الحكومة فرض سيطرتها على الناس وقهرهم .
لم يعلو صوت نادي القضاة في أي فترة منذ إنشائه كما علا هذه الأيام ولم يلتف الناس حوله إلتفافهم في الفترة الأخيرة ، ولذلك فإن محاولة القضاء عليه تطلبت من الحكومة التفكير والتدبير وإطلاق بالونات الاختبار قبل الإقدام ، ظنوا أن مقاطعة الوزارة له قد تجدي في إسكات صوته وفض القضاة من حوله ، وباءت المحاولة بالفشل وارتفع الصوت أكثر ، فكروا في الجهاز المركزي للمحاسبات على أساس أننا سنرفض ويوجد المبرر للتدخل ، وباءت المحاولة أيضاً بالفشل ورحبنا بالجهاز وإن شاء الله ستكون تقاريره وسام على صدورنا وصفعة على وجه من أراد بالقضاة شراً ، وتطاول وزير العدل على القضاة ووصفهم بما ليس فيهم فكان الرد قاسياً ، وحالياً تحاول الحكومة محاولتها التي لن تكون الأخيرة بإخضاع النادي لها والتي ستبوء إن شاء الله بالفشل .
هل تتصور الحكومة عندما تقدم على حل النادي لعدم توفيق أوضاعه خضوعاً لإرادتها أن القضاة سيستسلمون لإرادتها وأن الشعب سيقابل ذلك بالخضوع و الاستسلام ، لا أعتقد ذلك بل إننا سندافع عن بيتنا بيت الأمة بأرواحنا قبل أجسامنا وهنا أعتقد أن عقد الجمعيات العامة وإصدار البيانات سيكون عملاً باهتاً تجاه هذا العدوان الصارخ على حرية وكرامة بيت الأمة نادي القضاة ، أعلم أن الحكومة قد لا تقيم وزناً لذلك على أساس أن قوى الأمن جاهزة لفض أي تجمع واعتقال المشاركين فيه مهما كانت هويتهم ، وهنا سيكون الوضع في السجون والمعتقلات أهون على نفوسنا من الرضاء والاستسلام لقرارات من هذا النوع الذي يقضي على حرية وكرامة وعزة القضاة والشعب الذي يقف معهم ، ولتتحمل الحكومة في النهاية مغبة ما يمكن أن يحدث من وراء ذلك سواء أمام الشعب كله أو أمام العالم الذي يضع قضاءه في مكانة عالية لا تدانيها مكانة ، ولا أعرف ساعتها هل يستطيع أن يواجه السيد رئيس الجمهورية شعوب العالم بما يفاخرون به الآن من استقلال القضاء .