الهجرة.. مواقف ودروس

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ا

لهجرة ... مواقف ودروس



بقلم: د. محيي حامد

الهجرة 2.gif

تعتبر الهجرة النبوية المباركة من مكة إلى المدينة أهم حدث في تاريخ الدعوة الإسلامية، إذا كانت نقطة تحول في تاريخ المسلمين من أمة دعوة يبلغون دعوة الله للناس دون أن يكون لهم كيان سياسي يحمي الدعاة، إلى دولة الدعوة التي أخذت على عاتقها نشر الإسلام، وتتكفل بالدفاع عنهم وحمايتهم من أي اعتداء. لقد كانت الهجرة النبوية خطوة مباركة في الطريق إلى النصر والعزة والسيادة، ومن أجل العقيدة والمبدأ، وفي سبيل الله هاجر الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله.

والهجرة هي التطبيق العملي لهذه الرسالة الخالدة يكشف عن معادن الرجال وعن الإيمان وما يضعه في النفوس حين يكتمل فيها ويستقر، ولقد تحول المسلمون المهاجرون إلى كتلة من الحب والوفاء لقائدهم والتضحية بكل شيء في سبيل عقيدتهم، والمبدأ الذي بايعوا عليه، ويظهر هذا الحب العميق الذي سيطر على قلب "أبي بكر الصديق" لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الهجرة فنرى مواقف عدة تعبر عن هذا الحب الرباني منها:

• ولما انتهيا إلى الغار قال أبوبكر: والله لا تدخله حتى أدخل قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك، فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدها به وبقي منها اثنان فألقمها رجليه ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: أدخل فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووضع رأسه في حجره ونام، فلُدغ أبو بكر في رجله من الجحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسقطت دموعه على وجه رسو الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: مالك يا أبا بكر؟ قال: لُدِغت فداك أمي وأبي، فتفلَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذهب ما يجده.

ونتعلم من هذا الموقف ذلك الحب النابع من القلب بإخلاص ولم يكن حب نفاق أو مصلحة أو رغبة في منفعة، هذا الحب الذي يدفع إلى الفداء والتضحية والحرص على راحة النبي- صلى الله عليه وسلم.

• وعندما جاء عبدالله بن أريقط بالراحلتين، وحينئذٍ قال أبو بكر للنبي- صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت يا رسول الله خذ إحدى راحلتي هاتين، وقرب إليه أفضلهما، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالثمن.

ونتعلم من هذا الموقف إيثار أبو بكر- رضي الله عنه- وعفة النبي- صلى الله عليه وسلم.

• وكان من دأب أبي بكر- رضي الله عنه- أنه كان ردفًا للنبي- صلى الله عليه وسلم- وكان شيخًا ونبي الله- صلى الله عليه وسلم- شابًا لا يُعرف، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: مَن هذا الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني الطريق، فيحسب السائل أنه يعني به الطريق، وإنما يعني سبيل الخير، ونتعلم من هذا الموقف هذا الأدب الجم والاحترام والتقدير للقيادة.

• ويظهر أثر التربية النبوية في جندية "أبي بكر الصديق"، فأبو بكر- رضي الله عنه- عندما أراد أن يهاجر إلى المدينة وقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبًا" لقد كان يدرك بثاقب بصره- رضي الله عنه- أن خطة الهجرة قد تأتي فجأة، فأعد عدته وأخذ أهبته وأعد كل أفراد أسرته ليكون لهم دور في هذه الخطة.. تلك هي الجندية الصادقة التي تحول الإشارة والتلميح إلى إعداد وتجهيز مع حسن الطاعة والالتزام. ولنعلم أن القيادة الراشدة هي التي تستطيع أن تقود الأرواح قبل كل شيء، وتستطيع أن تتعامل مع النفوس قبل غيرها، وعلى قدر إحسان القيادة يكون إحسان الجنود، وعلى قدر البذل من القيادة يكون الحب من الجنود؛ فقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- رحيمًا وشفيقًا بجنوده وأتباعه فهو لم يهاجر إلا بعد أن هاجر معظم أصحابه.

• إن الهجرة سنة من سنن الله مع أنبيائه ورسله منذ آدم عليه السلام وهي سنة ماضية لا تتخلف لمن طلب لدينه النصر، وقد ضُيق عليه ومُنع من تبليغ دعوته، وفتن هو ومن معه من المؤمنين.. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً* فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ (النساء:97-99).

والهجرة هي إيواء المؤمنين، ورعايتهم في جوار الله تعالى، يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (النساء:100) ويقول سبحانه ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾. (الأنفال: 26).


المصدر : إخوان أون لاين