الوحدة.. أهم عوامل النهضة
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ، ورضي الله عن التابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد،،
فلكل أمةٍ أسس وأدوات لقيام نهضتها، خاصة إذا تربص بها الأعداء، ولئن كانت أمتنا الإسلامية في عصرنا محطَّ استهدافٍ لقوى الشر التي تتزعمها أمريكا فلا بدَّ من التترس بالقيم الربانية والتي تتصدرها الوحدة ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103).
ولتعلم أمتنا أن الله عز وجل قد وضع نصب عينيها دومًا وصيةً خالدةً تؤكد على ضرورة وحدتها وقرن ذلك بالعبادة مرة، وبالتقوى مرة أخرى ﴿إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء :92) ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ (المؤمنون: من الآية 52)، ولذا فطن الأعداء منذ القِدم إلى أن الوحدة لا بد من النيل منها، فراح شياطين الجن والإنس يتآمرون عليها ويوجهون سهامهم إليها.
وعلى مرِّ التاريخ توالت السهام ، خاصة كلما وهنت قوة الوحدة، تراها تارة تظهر في صورة قوة عسكرية باطشة، وتارة أخرى في شكل قوة ناعمة تستهدف الفكر والعقل والقلب والوجدان.
إن واقع أمتنا اليوم يؤكد أن ثمة خللاً في هذه الوحدة أغرى بها أعداؤها، إذْ راح بوش يقسم العالم إلى فرقٍ حسبما تسير مصالح دولته، ولئن كان عدوانه يسطر صفحات سوداء في تاريخ البشرية إلا أن المقاومة لا تنتصر إلا بقوى ثلاث (العقيدة والإيمان- الوحدة والارتباط- القدرة على الحركة والانطلاق)، ولقد قالها الصديق رضى الله عنه في وصيته لجيشه: "إنكم لا تنتصرون بعُدةٍ ولا عتاد، فإن تساوى معكم عدوكم فيه، وضيَّعتم إيمانكم وأخوتكم انهزمتم"، وها هي السهام الأمريكية تخرج من جرابٍ صهيوني.. لتوجه صوب أمتنا في جولات شرٍّ جديدة تستهدف تفكيك المنطقة وإعادة رسم خريطتها من جديد وفق المصالح الصهيو- أمريكية.
سهمٌ صوب لبنان وسوريا
ينطلق ليصيب قلب لبنان فيخترقه لتطال دماؤه قلب كل عربي ومسلم، ويسقط مع شظاياه الشهيد رفيق الحريري- مهندس عمليات وحدة لبنان، وإخماد نيران الفتن فيها، وإعادة إعمارها-، ولتظهر مع حادثة اغتياله الآثمة بوادر فتنة جديدة في لبنان الذي أرغمت المقاومة فيه العدو الصهيوني على الرحيل من جنوبه؛ بعد ما أعيته وحدة المقاومة، وأجبرت الصهاينة على الفرار.
وفي الوقت ذاته يخرج جورج بوش بدعاوى العدالة المختلة الميزان، ليطالب سوريا ولبنان، بما يعد تدخلاً فى شئونهما الداخلية، وإفسادا للعلاقات بينهما، ويجاريه وزير الخارجية البريطاني، حيث يؤكد في حديثٍ له ببروكسل "هناك شبهات كثيرة حول ضلوع سوريا في اغتيال الحريري" ؟؟
ولقد توالت في الآونة الأخيرة التصريحات المسمومة ضد سرويا وكان في مقدمتها ما أسموه (قانون محاسبة سوريا)، وغير ذلك الكثير من وسائل الضغط والتهديد والترهيب، والهدف النهائي واضح ومعروف وهو التدخل في شئون لبنان ونزع سلاح حزب الله وسلاح الفلسطينيين لصالح الكيان الصهيوني.
وسهمٌ صوب فلسطين
حيث السعي الحثيث لنزع المقاومة في وطن الرباط والمرابطين كما قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "هم في رباطٍ إلى يوم الدين"... ويسعى الصهاينة في شرم الشيخ لسلامٍ مزعوم يضمن لهم مزيدًا من السلب والنهب وسفك الدماء البريئة، وينكر حق الفلسطينيين فى القدس ، وحق اللاجئين الفلسطينيين في أراضيهم، ويقفز على جرائم الهدم والتشريد والاغتيالات، كما يلغي من قاموس الحق الفلسطيني كلمة احتلال تم تجاهلها من قبل؛ عندما سُطرَتْ اتفاقية أوسلو، وتم تأكيد تجاهلها في شرم الشيخ، كما ارتضى أن يقف المفاوض الفلسطينى مبتسمًا بجوار وزيرة الخارجية الأمريكية بينما راحت تفرض مطالبها بوقف المقاومة الفلسطينية، فيما لم تحمِّل الصهاينة أية مسئولية.
وعلى حد قول الكاتب (روبرت فيسك) في (الإندبندنت) البريطانية "وكأن الاحتلال والاستعمار اللذان مازالا قائمين على الأراضي الفلسطينية ليسا شكلاً من أشكال العنف"، ويضيف "وكأن الفلسطينيين يمارسون العنف بينما الصهاينة مطيعون يحترمون القانون"!!.
وهكذا تسعى القوى الصهيو- أمريكية إلى ضرب الوحدة الفلسطينية ليتحول المجاهد الفلسطيني إلى مطارَد، بينما يهنأ الصهيوني بسلامٍ على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة.
وسهمٌ غادر في العراق
رغم أسمى آيات الجهاد التي يسطرها المقاومون لديمقراطية بوش وحرية أمريكية الصنع تخطط مكوناتها بدماء الأبرياء ومطامع النفط وأنَّات المغتصبات، إلا أنَّ أمريكا تلعب ذات الدور البغيض لقلب الحقائق؛ ليتحول المقاوم الحر إلى متطرفٍ أعمى تحركه نوازع الكرْه للحياة، والحقد على البشرية، فيصدر بيانات تكفير مجهولة الهوية، تعقبها انفجارات آثمة تحصد غير العدو، وتحرق ما تبقى من أطلال الدمار الأمريكي!!.
كما يبلغ سهم الفتنة صفَّ العراق المختلط (سنيًا وشيعيًا وكرديًا وتركمانيًا)؛ سعيًا لضمان فوضى تكرث لمبدأ بقاء الاحتلال الذي يسعى للحيلولة دون حدوث وحدة.
وهكذا تتوالى السهام على أمتنا لتحيل أفغانستان إلى ساحة خربة تحيا حسب آخر تقرير للأمم المتحدة حالة تردٍ أمنية، وبطالة متزايدة، وضياع صحي وتعليمي، وفقر محدق، بينما حامد قرضاي يؤكد الدور الفاعل للاحتلال الأمريكي في التنمية.
ويشتد وقع السهام على الصف السوداني لتحمل أصابع صهيوأمريكية على سهامها جارانج إلى مقاعد السلطة الرسمية، وتستهدف أخرى إشعال الحرائق في دارفور، ومن ثم تحيل سهامَ السلام السوداني الوطن الواحد إلى دولة مجزأة بنظام الحصص من العاصمة، ثم الشمال ثم الجنوب التابع لجارانج، وآخر غير تابع له، وأخيرًا دارفور، ويصبح على السودان أن يتحول إلى دولة دون هوية، أو بهوية غير إسلامية، بل تقوم على أسس (جهوية- عرقية- وولائية)، ويكون الشعار ما قاله جارانج "العرب في السودان أقلية"، وما العرب إلا (جُلابة)!
فيا أيها المسلمون
إن الإخوان المسلمين يسوقون إليكم هذه السطور سعيًا إلى المكاشفة، ومحاولة لفضح مخططات الأعداء الذين يرفعون شعار (فرِّق تسد)، ويحملون راية الأحزاب الجدد هدفهم ظهورنا، وغايتهم إشعال أوطاننا فتنًا، ووسائلهم يفضحها التاريخ (حجر من فوق منزل يقتل محمدًا)، (وخنجر غادر يطعن عمرَ)، و(انقلاب مأجور يودي بحياة عثمانَ)، و(ثورة مصطنعة تغتال عليًا).. فتن ودسائس تؤلب أمراء أندلس ليخربوها، وأتاتورك جديد يأكل كل أثر للخلافة، وساعتها نبكي كما تبكي النساء على مُلكٍ لم نحفظه حفظ الرجال!!.
لكن الحق يسوق جنده ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 38)، وخطوهم مرعية بـ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
فيا قومنا في لبنان احذروا الفتنة، واعلموا أن عدوكم رأى في وحدتكم قوة دحرته من الجنوب فلا يعود على أشلاء فرقتكم.
ويا أيها المرابطون في فلسطين عهدُنا بكم المرابطة، فليكن لكل مقام جنده، ولكل جندي ثغره، فلا يؤتى صاحب ثغر المقاومة من قِبل صاحب ثغر المفاوضات، كما لا يتحول المقاوم إلى مفاوض.
ويا سواعد التحرير في العراق ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا﴾ (المائدة: من الآية 8)، اعدلوا بتنقية الصف ووحدته وحسن الإعداد ودقة تحديد العدو، ثم ارموا ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ (الأنفال: من الآية17)، وليكن لرميكم مرجعية ربانية وأصداء إسلامية حتى لا تختلط أوراقكم مع دعاوى الفتن والتكفير، فالمسلم من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ويا جموع الإخوان
واجبكم وحملكم ثقيل وطريقكم طويل فتزودوا ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ (البقرة: من الآية 197)، واجعلوا من ربانية نواياكم أبواق الوصول؛ قال رب العزة لإبراهيم عليه السلام أذِّن وعليَّ البلاغ، فأذنوا في الناس بالإسلام، وليكن محمد- صلى الله عليه وسلم- خيرَ قدوة ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ﴾ (المدثر: 1 ،2) و﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ (الحجر: من الآية 64)، واحملوا دروع الوحدة لتوزعوها على المسلمين، وأحسنوا إلى الجميع عارضين فصول المؤامرة وأصول المقاومة ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (محمد: من الآية 35).
ويا كل المنظمات والهيئات الإسلامية
على كاهلكم تقع تبعة توحيد الصفوف، لنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، واجعلوا من فعالياتكم بوتقة تنصهر فيها الخلافات وتتقدم فيها المصلحة العامة على ما دونها.
ويا حكامنا
يعلم الله أن رابطة الإسلام تجمعنا ووثائق الخيرية يشملنا ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ﴾ (آل عمران: من الآية 110) قلا تجعلوا شعوبكم سلعةً في مزاد البقاء، ولكن اتخذوا توحدكم معها درع الصمود.. وتذكروا أن استئساد العدو لا يضاهي نُصرة الرب ﴿ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ (الأنفال: 18) و ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ (الأنفال: من الآية25)، وأصل الوحدة قائم وما الأمر إلا إحياء روحه ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ (الأنفال: من الآية 63).
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21)
والله أكبر ولله الحمد