تعديل المادة 77 من الدستور أمل شعبي وخط أحمر رئاسي
هل هناك أحد من الشعب كان يأمل في أن تتناول التعديلات المقترحة تعديل المادة 77 من الدستور حتى تصبح فترة رئاسة الجمهورية لمدتين فقط ، طبعاً الكل يطمح في ذلك ويريده ويتمناه ولكن ليس كل ما يتمناه الناس يدركونه ، الكل يعلم أن تداول السلطة هو حجر الزاوية في النظام الديمقراطي والنظام الجمهوري وبدونه فلا ديمقراطية ولا جمهورية بل ملكية مستبدة طاغية ، أسو شيء أن يظل الحاكم على كرسي الحكم مدى الحياة حيث لا يشعر أنه في يوم من الأيام سيترك كرسي الحكم وينزل إلى الشارع يسير مع الناس ويتعامل معهم كفرد عادي يبيع ويشتري ويتعرض للمشاكل والمضايقات ويسمع رأي الناس فيه رأياً حقيقياً .... فيما كان يفعله وهو رئيس جمهورية وما يفعله بعد ترك المنصب .
عندما أطالع صور رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية ورؤساء وزارات إنجلترا وفرنسا وألمانيا وبقية دول العالم الحر السابقين وأشاهدهم وهم يمارسون حياتهم بين الناس أطمع في أن أرى هذا في بلدي مصر ، حقاً أن حب السلطة لا يقاوم والخروج منها صعب وأنا لا أنسى قول الرئيس الأمريكي السابق كلينتون في شهره الأخير في مدة ولايته الثانية عندما سئل عن أمنياته في هذا الوقت قال أتمنى مدة رئاسة ثالثة وهذا الأمر طبيعي وشعور إنساني يوجد لدى كل الناس ، فحب السلطة غريزة جبلت عليها النفس البشرية ولكن مصلحة الوطن تستدعي الوقوف ضد هذه الغريزة السيئة التي ينعكس أثرها على الوطن ومصالحه التي يجب أن تعلو على كل اعتبار .
من يدافعون عن عدم تعديل المادة 77 من الدستور التي تطلق مدة رئاسة الجمهورية ينطلقون من حجة أن بقاء الرئيس مكسب للشعب لا يجب التفريط فيه وأن إيجاد البديل صعب ولا يجب وضع إنسان في أعلى مكان في السلطة لا نعرف عنه شيئاً ويمكن أن يعرض مصالح الناس والوطن للخطر ، وتلك – ويعلم الله – حجج ساقطة ، فلو سلمنا أن الرئيس حسني مبارك لديه من المقدرة والكفاءة ما يمكنه من التوازن والمحافظة على مصالح الشعب فإن القول بأنه وحده الذي يتميز بذلك دون باقي الثلاث وسبعين مليوناً إهانة للشعب كله بأنه لا يوجد فيهم حكيم قادر على قيادة مصر الغنية بالكفاءات والعقول والشخصيات التي يمكن أن تحكم إمبراطوريات لو أتيحت لها الفرصة وحتى إذا كان الرئيس حسني مبارك يتميز بهذه الصفات وحده دون غيره ، فمن أدرانا بمن يأتي من بعده ألا يكون أحمقاً يورد البلاد مورد التهلكة دون إمكان التخلص منه .
إن الدساتير أيها السادة لا توضع لرجل واحد ولا لمدة محددة بل لأجيال وأجيال لأن تعديل الدستور ليس سهلاً مثل تعديل القانون ولذلك فإننا عندما نضع الدستور يجب أن نستشرف المستقبل البعيد ولا ننظر تحت أقدامنا ، الحقيقة أن مصر قد جرت منذ عهد الثورة على ألا يسمح الرئيس لأحد غيره بالظهور والاختلاط بالناس حتى لا يتعلقون به ويمكن أن يتجه نظره إلى الترشيح للرئاسة ، منذ عهد الرئيس عبد الناصر ونحن نقول لو أن عبد الناصر ذهب فمن يمكن أن يملأ الفراغ الذي سيتركه ، ومات عبد الناصر وجاء الرئيس السادات وحقق حلم مصر في الخلاص من الاستعمار الصهيوني وقلنا أيضاً لو أن الرئيس السادات رحل فمن يمكن أن يحل محله ، وتمكن الرئيس من استغلال هذا الإحساس وقام بتعديل المادة 77 من الدستور التي كان هو نفسه الذي طالب بوضعها لتحديد مدة الرئاسة بمدتين فقط ولكن قرب نهاية المدة الثانية لم يتصور أنه بعد شهور سيجد نفسه خارج السلطة وقام بتعديل الدستور ووضع في هذا التعديل فتح مدة الرئاسة مع محاولة التغطية على ذلك ليصرف أنظار الناس عن هذا التعديل عن طريق تعديل المادة 2 من الدستور لتنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وللأسف أن أنظار الناس قد اتجهت إلى تعديل المادة الثانية ولم تشعر بالخطر الكامن في تعديل المادة 77 وهي نظرية معروفة في علم النفس استغلها القائمون على السلطة في هذا الوقت ، وتم التعديل الخطير ولكن حكمة الله أكبر ولم يمهل القدر الرئيس في الاستفادة من هذا التعديل وتوفى قبل إكمال مدة رئاسته الثانية واستفاد بها الرئيس حسني مبارك الذي يصر على بقائها دون تعديل تحت ضغط أعوانه الذين يشعرون أن في بقاءه في مكانه بقاء لهم وفي ذهابه ضياع لمناصبهم التي لابد أن تضيع يوماً لأن سبحان من له الدوام .
يا سيادة الرئيس قلت لك في مقال سابق أن رفض تعديل المادتين 76 ، 77 من الدستور إساءة إليك شخصياً وها أنا أكرر ما قلت لأنه يظهرك بمظهر من يعض على السلطة ولا يريد تركها وهذا مظهر لا يجب أن يظهر به رئيس الجمهورية القدوة لكل مصري .
الدستور تعبير عن إرادة شعبية ، وإن كانت كل القوانين لابد أن تعبر عن إرادة الشعب لأن الذي يصنعها هم نوابه المعبرون عن إرادته ، ولكن الدستور بالذات يضعه ويوافق عليه الشعب ذاته مباشرة عن طريق الاستفتاء ولذلك كان هو أسمى القوانين وفوقها وإذا كان الشعب هو الذي يضعه مباشرة فإن لازم ذلك أن تكون لديه القوة لكي يحافظ عليه ويحميه من الخروج عليه وإذا لم تكن لدى الشعب القدرة على حمايته فإنه يكون غير جدير به وبلا أدنى شك أن محاولة تعديل الدستور بما ينقص من حقوق وحريات الشعب وتقوية سلطات الحاكم يعتبر تعدياً على الدستور يجب اعتبارها خيانة عظمى للشعب والوطن .
لقد كان إعدام صدام حسين يوم عيد الأضحى وتصوير هذا الإعدام على الملأ وإحاطته في وقت إعدامه بالأعداء يحاولون استفزازه في لحظاته الأخيرة ، رسالة إلى كل طاغية يظن أن الدنيا قد دانت له ، لقد كان صدام حسين طاغية يستحق ما جرى له ولكن بيد شعبه لا بيد الأجنبي ولو أن صدام حسين كان له غطاء شعبي لما استطاعت أمريكا أن تفعل به ما فعلت ولقام الشعب بحمايته من غطرسة أمريكا وطغيانها ولكنه للأسف الشديد كان مجرداً من أي حماية من شعبه فدخلت إلى عقر داره ببساطه واضطر إلى الاختباء في حفرة كما تختبئ الجرذان ، ونال من العقاب في الدنيا ما يجب أن يتعظ منه كل حاكم ليبحث عن الحماية خارج وطنه ويعتمد على البشر وليس الله الواحد القهار .. هل يصدق أحد أن أمريكا بكل جبروتها لم تستطع حتى الآن أن تصل إلى بن لادن الذي يعيش خارج وطنه رغم رصد المكافآت السخية لذلك وعثرت على صدام حسين الذي كان يعيش في وطنه وبين أهله بسهولة ، أيها الحكام العرب اعتمدوا على الله ثم على شعوبكم تنالوا رضا الله وحمايته وحب الشعب والتفافه حولكم ولتتذكروا أن أمريكا هي التي صنعت صدام ثم حطمته بعد انتهاء الغرض الذي صنعته من أجله وهي ستفعل معكم نفس الشيء عندما تستنفذون المهمة التي تحافظ عليكم من أجلها .
الوقت لم يضع يا سيادة الرئيس ويمكنك طلب تعديل المادة 77 من الدستور الآن أو حتى الموافقة عليه إذا قدم من أعضاء مجلس الشعب طبقاً للدستور لأن الكل يعلم أنه ما لم توافق أنت على ذلك فلن يجرؤ مجلس الشعب على الموافقة عليه ، وأنا أقول أن هذا التعديل لو تم سيكون عملاً يحسب لك ، وأن التاريخ لا يرحم وهو يذكر أن الرئيس السادات هو أول من وضع مبدأ تحديد مدة الرئاسة وهو الذي عدل عنه ولم يستفد من هذا العدول وهذه من العظات التي يجب على الإنسان دائماً أن يضعها أمامه وهو يتصرف لأن حكم القدر ليس بأيدينا نتصرف فيه كيف نشاء بل هو في يد الواحد القهار وسبحان من له الدوام .