حوار خاص مع قيادة معركة الفرقان "المجلس العسكري"
القسام ـ خاص :
ـ خاضت كتائب القسام معارك ضارية مع قوات الاحتلال التي توغلت على أطراف قطاع غزة تحت غطاء جوي وقصف مدفعي مكثف، حدثنا كيف استطعتم الصمود في هذه المعركة؟
حقيقةً أن الذي حصل لم يكن توغلاً على أطراف القطاع، وإنما كانت حرب مفتوحة على شعبنا وعلى المجاهدين بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولا نبالغ إن قلنا أن هذه الحرب هي الأشرس والأكثر إجراماً التي تمر بها قضيتنا الإسلامية منذ نشوء الكيان الغاصب على أرض فلسطين منذ ستين عاماً، أما عن استعداداتنا لهذه الحرب، فإننا في كتائب القسام كنا نعلم منذ مدة طويلة أن العدو يبيت النية لضرب قطاع غزة منذ أكثر من عام، خاصة بعد أن أصبح قطاعنا الحبيب شوكة في حلق الاحتلال إذ أصبحت المقاومة فيه تسير بخطى حثيثة وبوتيرة متصاعدة، ولذلك فإننا واصلنا الليل بالنهار من أجل ترتيب أوراقنا في مسرح العمليات من أجل الصمود والثبات، وصد هذا العدوان المتوقع، وأتصور أن التكتيكات القتالية المتنوعة التي ووجه العدو بها في هذه الحرب المجرمة خير دليل على مستوى الاستعداد الذي كان من قبلنا، فقد شهد العدو وكذلك الإعلام المحلي والعالمي على ضراوة المقاومة ، فمن قدرة صاروخية لم تتوقف ولو للحظة، إلى اختراق خطوط العدو والقيام بعمليات خلف خطوطه امتداداً إلى محاولات أسر جنود صهاينة، مروراً بعمليات القنص التي أذهلت جيش الاحتلال، وصولاً إلى مواجهة موجعة في الميدان، في مواجهة الحرب البرية والآليات الصهيونية الأكثر تطوراً في العالم، ونحن هنا لسنا بصدد سرد خطتنا التي واجهنا بها العدو ولكننا نؤكد أن الذي حصل في الميدان سار وفق السيناريو الذي أعده وخطط له مجاهدونا الأطهار على مدار الساعة ولفترات طويلة من الزمن على طول القطاع وعرضه.
ـ ما ردكم على من اتهم المقاومة بأنها كانت السبب في هذا العدوان عبر رفضها تجديد التهدئة، وما الأسباب التي دفعتكم لعدم تجديدها؟
هنا لا بد لنا أن نذكر أن هناك أطراف موتورة، دوماً تحاول التشكيك والاصطياد في الماء العكر، فهي التي تتهمنا حين التوصل إلى تهدئة بأننا ابتعدنا عن المقاومة وبدأنا نفكر في الكراسي والمناصب، وتتهم الحركة والحكومة وكتائب القسام حينها بأنهم يمنعون مطلقي الصواريخ الأبطال، أما في حال مقاومتنا للمحتل والدفاع عن شعبنا وصد العدوان تتهمنا نفس الأطراف وتتهم فصائل المقاومة بأننا نضيع الفرص ونخلق الذرائع ونثقل على شعبنا بمزيد من الدمار والآلام، ولذلك نحن في كتائب القسام لا نأبه لهؤلاء المرتزقة، فكل تفاهاتهم وتراهاتهم لا اعتبار لها عندنا.
ولا بد لنا من التوضيح لشعبنا ولأهلنا الصامدين حول رفضنا تجديد التهدئة، فإننا نذكر الجميع أن حركتنا وكافة حركات المقاومة الفلسطينية مجتمعة رفضت التجديد لهذه التهدئة المذلة، بل وحتى المواطن العادي كان أكثر رفضاً وتشدداً من فصائل المقاومة في رفض تجديد التهدئة، على اعتبار أنه كان مطلوب منّا كشعب فلسطيني وفصائل مقاومة أن نقبل بتلك التهدئة المذلة، بينما يبقى الحصار كما هو، ويضرب أطنابه في كل شارع وحارة وبيت فلسطيني، ثم إن العدو انتهك التهدئة من خلال عشرات الخروقات، وكان أبرزها في شهر نوفمبر حيث ارتقى أكثر من 20 شهيداً من أبنائنا ومن فصائل المقاومة الأخرى، وكان معظم هؤلاء الشهداء قد ارتقوا داخل القطاع وعلى مسافات تزيد عن عدة كيلو مترات عن خط التهدئة .
أما من الناحية السياسية فإن حركتنا وفصائل المقاومة جميعها قد توصلت مع الأطراف الوسيطة في ملف التهدئة من أجل الحديث عن الموضوع، ولكن للأسف كان واضحاً أن هذه الأطراف تبنت موقف العدو الصهيوني، فكان المطلوب من فصائل المقاومة التجديد التلقائي للتهدئة وعدم الحديث عن الحصار القاتل الذي يخنق شعبنا، بل وحتى ميدانياً هناك وقائع على الأرض كرسها العدو ويريد لها أن تمتد في كل تهدئة، ابتداءًا بعمل منطقة عازلة لمسافة 300م من خط التهدئة واعتبارها منقطة أمنية محرمة على الفلسطينيين، وانتهاءً بضرب من تشاء دولة الكيان من أبناء المقاومة تحت أي حجة أو ذريعة، هذا ما كان معروضاً علينا وعلى فصائل المقاومة ، وبالطبع فإن هذا الموقف وهذه العروض جعلتنا نرفض موحدين هذه المبادرات الفاسدة والمقيتة التي تسلب شعبنا الفلسطيني حقه، وهنا نقول بشكل واضح إننا عندما نعطي تهدئة فإننا ننطلق من مصلحة شعبنا، وكذلك عندما نصعد مقاومتنا فإننا نصعدها من أجله ومن أجل الدفاع عنه لنيل حقوقنا المشروعة العادلة، ولهذا فلا داعي لأن يزايد علينا أي حاقد أومشكك فنحن وفصائل المقاومة من يدفع ضريبة العزة من أجل انتزاع حقوقنا، وهذه الطريق نعبدها بالدم والعرق والجهد والآلام، ورب العزّة يقول:"أولئك أعظم درجة عند الله".
ـ كيف استطاعت كتائب القسام المحافظة على إدارة المعركة في ظل الحرب الشرسة التي دارت، وما هي الصعوبات التي واجهها المجاهدون في المعركة وكيف تعاملتم مع تقسيم القطاع إلى مناطق؟
لا بد من التذكير أن الإعداد المسبق للمعركة هو أمر في غاية الأهمية لحسن إدارة المعركة والتحكم في الميدان، ونحن نقول بأن تشكيلاتنا القتالية كانت بحمد الله جميعها تعي المهام المناطة بها وقد قامت كافة تشكيلاتنا في الميدان بأداء دورها والمهمات المناط بها بكفاءة لا تقل عن 80% لما هو مخطط له وهنا نرسل بأعطر التحيات لأولئك الرجال الذين صمدوا في الميدان وكانوا كالجبال الرواسي أمام هذه الآلة الحربية المدمرة التي فاقت في إجرامها وبشاعتها النازية والفاشية، وكذلك نقف إجلالاً وإكباراً لشهداءنا الأبرار وجرحانا البواسل الذين ثبتوا في ساعة العسرة، وضحوا من أجل دينهم ووطنهم بأغلى ما يملكون وأذاقوا المحتل مر الكأس في ساعة النزال وسطروا بأحرف من نور صفحات مضيئة لهذا الشعب وهذه الأمة.
أما عن الصعوبات التي واجهها مجاهدونا في المعركة، فلا شك أن الحرب ليست نزهة وليست كلمة تقال على اللسان، فما بالنا إن كانت المعركة بين طرفين غير متكافئين، ونزيد على ذلك أن عدونا استخدم الأسلحة المحرمة دولياً، وكذلك استخدم ما يقارب من نصف قوته العسكرية المجرمة التي تعتبر رابع أقوى قوّة في العالم، وبالطبع كانت لحظة بدء الحرب الغادرة من العدو بضرب المواقع الأمنية والشرطية في لحظة واحدة (خلال أقل من أربع دقائق) وارتقى خلالها المئات من الشهداء في مواقعهم الشرطية وأصيب أكثر من 1000، وهي ضربة كان يهدف منها العدو إلى حسم المعركة والدفع باتجاه استسلام حركتنا ومجاهدينا، لكن وبحمد الله وبالرغم من هذه اللحظات الصعبة وهذه الآلة الحربية المجرمة التي ضربت الحجر والشجر والصغير والكبير والبيوت الآهلة بالسكان ومساجد الله سبحانه وتعالى، إلاّ أن ثبات المجاهدين والإعداد المسبق لقواتنا في الميدان جعلنا نمتص هذه الضربات، وبدأنا بعدها في توسيع بقعة الزيت اللاهب فبدأت صواريخنا ولأول مرة في تاريخ الكيان الصهيوني تضرب عمق مدن كبرى مثل "بئر السبع" و "أسدود" وغيرها من المدن، هذا إلى جانب تصدي مقاتلينا مع بدء الحرب البرية للقوات الغازية والنيل منها، وتنفيذهم عشرات الهجمات على حشودات العدو والضرب خلف خطوطه، مما جعله يفقد صوابه ويقف عاجزاً عن تحقيق أهدافه التي من أجلها شن حملته العسكرية، وتحديداً البرية منها وهذا من فضل الله علينا ومنته، ونقسم برب العزّة أن ملائكة الرحمن كانت تقاتل مع مجاهدينا في الميدان وهذا بإذن الله ما سيسمعه ويراه أبناء شعبنا وأمتنا في المرحلة القادمة من خلال ما سيبث في الفضائيات.
أما كيف تعاملنا مع تقسيم القطاع إلى مناطق فهنا نقول أن هذا الأمر عايشناه خلال انتفاضة الأقصى وحتى عام 2005 حين كان الاحتلال جاثماً بجنوده ومستوطنيه داخل قطاعنا الحبيب ولهذا فإن الدرس كان حاضراً ومستوعباً، فقواتنا في كل لواء تعمل حسب السيناريو المعد وإمكاناتها البشرية والمادية المتوفرة لديها، ولهذا فإن ذلك لم يؤثر علينا لأننا نستخدم أسلوب المركزية واللامركزية في العمل.
ـ القسام اتبع بعض التكتيكات العسكرية في إدارة المعركة وهذا قلل من الخسائر في صفوف المجاهدين ، ما هي الخطوات التي اتبعها القسام ؟
حتى لا يصبح كلاماً مكرراً حول أوراقنا في المعركة وكذلك حتى لا نكشف كل الأوراق التي بين أيدينا، إذ إن المعركة والصراع مع عدونا لم ينتهي، نقول باختصار بأننا استخدما أسلوبين.. الأول: الاقتصاد بالقوى سواء البشرية أو المادية في إدارة الحرب، والثاني: لم نسمح للعدو بأن يستدرجنا حيث يريد وفي النقاط التي يحبذها وهذا الأمر قلما كان يواجهه في معارك سابقة، وهذا بأسلوب فرضناه عليه في المعركة، فشكل له هاجساً كبيراً وخوفاً ورعباً كان واضحاً في صفوف جنوده حين كان يحاول التقدم عشرات الأمتار، وهذا الأمر الذي يفسر ضربه الجبان لأبناء شعبنا العزل والآمنين وارتكاب العشرات من المجازر في هذه الحرب، لأنه كان يحسب ألف حساب لكل ما هو آدمي أو شجر أو حجر أو حتى حيوان أكرمكم الله، ولهذا فإن حوالي 50% من شهداء هذه الحرب هم من الأطفال والنساء.
ـ تحدثت كتائب القسام عن مفاجآت تم استخدام بعضها في المعركة، حدثنا عن تلك المفاجآت والأسلحة التي تم استخدامها؟
كتائب القسام عندما وعدت شعبها بمفاجآت في المعركة كانت صادقة وقد أوفينا بوعدنا، وحتى ننصف مجاهدينا فإننا نقول بأن المفاجأة الكبرى في المعركة كانت النموذج البشري الجهادي الذي كان في الصفوف الأولى في أرض المعركة، وضربوا أمثلة رائعة قلّ نظيرها وذكرتنا بالصحابة الأوائل في الثبات والتضحية، ولم تنل هذه الآلة الحربية الضخمة من عزيمتهم فكانوا للحق سيوفاً الحق فمنهم من مضى شهيداً إلى ربه ومنهم الكثير الذي عاد إلى إخوانه وأهله تحفهم رعاية الرحمن وهم أكثر ثقة بالله عز وجل وأكثر عزماً وإصراراً على مواصلة طريق ذات الشوكة، وهؤلاء هم من فاجأ أعداء الله أكثر مما تم استخدامه من عدة وعتاد في أرض المعركة.
أما إن تحدثنا عن مفاجآت الأدوات القتالية والعتاد، فبداية على صعيد القدرة الصاروخية فاجأنا عدونا بأننا استخدما الصواريخ ذات بعد ما بين 40 إلى 45 كم وتم ضرب مدنه الكبرى من حيث تعداد السكان فبئر السبع هي الرابعة وأسدود هي السادسة من حيث عدد السكان.
أما على صعيد مضاد الدروع فقد تم استهداف الآليات بأسلحة متطورة تخترق التحصينات ودبابات الميركافاة المطورة تستخدم لأول مرة في قطاع غزة ونقصد هنا "التاندوم".
كذلك كان من المفاجآت للعدو أسر جنوده الجبناء وفعلاً حصلت محاولتان للمجاهدين حيث أسروا جنوداً في منطقة جبل الريس وفي منطقة عزبة عبد ربه، ولكن العدو قام بتصفية جنوده المأسورين مع مجاهدينا الأبطال مفضلاً قتلهم على أسرهم، والجميع حتى الآن في داخل الكيان يتلاوم حول هذا القرار الذي تمثل في تفضيل قتل الأسرى من الجنود على أسرهم.
ـ برأيكم ما الذي جعل العدو يهزم أمام فصائل المقاومة، ويعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد؟
بسالة رجال المقاومة هي من أرغم العدو على وقف إطلاق النار من طرف واحد، وهذا يدخلنا في تفاصيل ذلك القرار، فلقد بدأ العدو حربه علينا ووضع العديد من الأهداف العسكرية والسياسية التي يريد تحقيقها، وكان على رأس أهدافه وقف إطلاق صواريخ وكسر شوكة المقاومة واستسلامها ووقف تهريب السلاح وكذلك تخليص جنديه الأسير جلعاد، ولكن وبعد مضي 22 يوماً من حربه التي مارس فيها كل أشكال القتل والتدمير، قاصداً إعادة الهيبة لجيشه المهزوم في لبنان 2006 , فإنه قد حقق فقط المزيد من المذابح ضد المدنيين الآمنين ودمر البيوت والمؤسسات والمساجد بشكل غير مسبوق في صراعنا معه.
لقد وصل العدو إلى قناعة بأنه لن يستطيع وقف إطلاق الصواريخ، إذ كانت تتساقط يومياً على مدنه وقراه الجاثمة على أرضنا المحتلة، بل إن دائرة النار قد توسعت خلال هذه الحرب، فقد كانت عسقلان نهاية المطاف فيما سبق، أما اليوم وفي ظل حربه المسعورة فقد دخلت مدن أكبر إلى مدى الصواريخ، أما على صعيد كسر شوكة المقاومة فهي بحمد الله لم ترفع الراية البيضاء وقد شاهد العدو بأم عينه مقاومة وملحمة بطولية قل نظيرها، وكذلك كان الحال بعد أن دك الأنفاق في جنوب القطاع بقنابله الارتجاجية الذكية ولم يوقف ذلك عملها، ولقد ذكرهم قائد جهاز مخابراتهم ديسكن في اليوم الثاني بعد قرار وقف إطلاق النار بأن الأنفاق لم يتم ضربها بالكامل وهناك أنفاق ما زالت تعمل، وادعى بأن 70 -80% من الأنفاق فقط تم تدميرها، أما جنديه الأسير جلعاد شاليط فإنه من خلال حربه وعمله الاستخباري المكثف لم يتقدم ولو قيد أنملة في هذا الملف، طبعا ًهو ادعى أنه حقق أهدافه من العملية العسكرية ولهذا أوقف إطلاق النار من طرف واحد، والذي يريد أن يزداد معرفة في مستوى إخفاق حملته العسكرية، فليتابع الدعاية الانتخابية والمزايدات بين أحزابهم ليرى مدى التلاوم والاتهام عن مستوى التقصير وعدم تحقيق الأهداف في حربهم، ويكفي ما قاله رئيس أركان حربهم السابق (موشيه يعلون) بأن الحملة كانت تراوح مكانها.
ـ قامت كتائب القسام بعدد من العمليات الناجحة خلال المعركة، حدثنا عن بعض العمليات التي نفذتها الكتائب؟
بفضل الله سبحانه وتعالى هناك العديد من العمليات النوعية التي شاهدها أبناء الأمة من أرض المعركة من خلال تصوير العمليات البطولية من عمليات قنص واقتحام منازل بداخلها قوات خاصة وتفجير عبوات بقوات وآليات العدو ولكن هذا لا يمنع من ذكر بعض العمليات البطولية المميزة للمجاهدين وهي كثيرة بإذن الله، ونحن الآن في مرحلة توثيقها حتى يطلع أبناء شعبنا وأمتنا العربية والإسلامية على جزء كبير منها.
ففي يوم الاثنين 05/01/2009 م قام ثلاثة من مجاهدينا بعمل كمين للقوات الخاصة في أحد منازل عزبة عبد ربه شرق بلدة جباليا وعندما مرت مجموعة من القوات الخاصة من أمام المنزل فجر المجاهدون بهم عبوة تلفزيونية مضادة للأفراد، وأجهزوا عليهم بالقنابل اليدوية وكان الجنود يصرخون ويولولون وحينها قام المجاهدون بسحب أحد الجنود المصابين والتحصن به داخل المنزل ثم قامت القوات الخاصة باعتلاء بعض البيوت المجاورة وقاموا بالنداء على المجاهدين لتسليم أنفسهم وطبعاً رفض مجاهدونا ذلك بل قاموا بالاشتباك معهم بالأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية، بعد ذلك قامت القوات الصهيونية بإرسال أحد المواطنين لمساومتهم على تسليم أنفسهم لكنهم قالوا له أن يقول للجنود "إن كنتم رجالاً فاصعدوا إلى المنزل" وبعد ذلك أرسلوا كلباً بوليسياً إلى المنزل فقام المجاهدون بقتله، بعد ذلك استدعوا المروحيات فأطلقت ثلاثة صواريخ على المنزل وبعد ذلك أرسلوا المواطن مرة أخرى لرؤيتهم ومعرفة مصيرهم ومساومتهم إن بقوا أحياء، فحينها قالوا له "أننا جئنا هنا للشهادة ولن نرجع إلاّ شهداء"، وفي صباح اليوم التالي قامت الطائرات الحربية بقصف وتدمير المنزل بشكل كامل فاستشهد المجاهدين الثلاثة وهم "محمد فريد عبد الله" و "إياد حسين عبيد" و "محمد عبد الله عبيد"، وطبعاً قتل الجندي المصاب مع مجاهدينا الأطهار.
يوم الأربعاء 14/01/2009 م نفذ مجاهدونا كميناً في منزل المواطن أبو عطا السلطان مقابل حي الإسراء غرب جباليا، حيث قامت قوة صهيونية بالتسلل للمنزل، فباغتهم مجاهدونا بإطلاق النار والقنابل اليدوية، فأوقعوا منهم إصابات وقتلى، فجنّ جنود العدو وقاموا بإطلاق القنابل على المجاهدين فاستشهد المجاهد "يوسف دكة"، وجرح المجاهد الآخر الذي انسحب من المكان بجروح طفيفة ولكن بقي في المنزل مجاهدنا الثالث لوحده وقد أكد مقتل أربعة جنود وكان حينها في الطابق الأرضي ومن ثم صعد للطابق الأول، وكمن فيه فتقدم إليه جندي صهيوني فأطلق عليه مجاهدنا الرصاص في رقبته وصدره وبقي ينزف في حمّام المنزل، وحينها أرسل جنود العدو كلباً في رقبته كاميرا فقام مجاهدنا بقتله، وحينها تم إطلاق قنابل صوت وقنابل دخانية على المنزل حتى يقوموا بسحب قتلاهم وجرحاهم وهنا أنهك التعب مجاهدنا، ولكنه استغل هذه الأجواء وحاول الانسحاب فلم يستطع بسبب حصار المنزل والآليات والمشاة، فقام باستغلال الفرصة والصعود للطابق الثالث من المنزل وتحصن فيه وقام العدو بإخلاء قتلاهم وجرحاهم من الطابق الأول وقاموا بتفخيخ المنزل وقد حصل هذا الاشتباك الساعة الرابعة فجراً، وبقي مجاهدنا حتى الساعة الرابعة عصراً في مكانه وكان يدعو الله أن يرزقه الشهادة أو ينجيه من كيد العدو، وما إن سلم التسليمة اليمنى من صلاة العصر وإذا به يشعر بالدوار، فتم تفجير المنزل وهوى به إلى الأرض وأصبح تحت الركام، وهنا بقي ساعتان تحت الركام ولكنه تحامل على نفسه وتذكر هجرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين خرج من بين أيدي المشركين وهو يردد "وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون"، وقام من مكانه بالرغم من خطورة المنطقة وسار على قدميه حوالي كيلو متر حيث أخذه المجاهدون إلى مستشفى العودة وتم فحصه وإذا به فقط بعض الرضوض وقد غادر المستشفى في نفس الليلة تحفه رعاية الرحمن.
بتاريخ 17/01/2009 م وفي هذه المرة كانت في منطقة المغراقة حيث كان يكمن المجاهد ومعه بطارية عبوة يرابط عليها وإذا بدبابة العدو تقدمت منه حتى أنه همّ أن يغادر حفرته وينتقل إلى مكان آخر خوفاً من أن تدوسه الدبابة دون أن يحقق ما يريد نظراً لقرب الدبابة منه، وفي هذه الأثناء سمع منادياً يقول له ثلاث مرات "اثبت ثبتك الله" فما كان منه إلاّ أن شعر بقوة عظيمة، وهنا توقفت إحدى الدبابات مباشرة فوق عبوته الأرضية وتزن 70 كيلو غراماً ومباشرة قام مجاهدنا بتفجير العبوة وإذا بالدبابة تتحول إلى حطام ويعترف العدو بإصابة طاقمها الخمس بجروح خطيرة، علماً بأن المجاهدين قد وجدوا خمس ميداليات تعود لطاقم الدبابة في محررة نتساريم بعد انسحاب العدو منها.
ـ ما هو تقييمكم لهذه الحرب؟
حقيقة أن هذه الحرب هي الأقسى من نوعها ومن حيث شراستها التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في تاريخه الحديث، ولا شك بأنها فرضت علينا ولم يكن أمامنا من خيار سوى الصمود والثبات، ولقد تواطأت عدة أطراف عربية ودولية مع العدو الصهيوني لتركيع المقاومة في فلسطين ، لهذا فإن الحرب شبيهة كثيراً بمعركة الأحزاب سواء في بدايتها وحجم المناوئين فيها أو في نهاية تلك المعركة، ونحن على يقين بأن هذه الحرب بالرغم من حصيلة شهداءها وجرحاها والتدمير غير المسبوق إلاّ أنها أعطتنا بارقة أمل كبيرة في أن وعد الآخرة قريب إذ إن هذا العدو استخدم نصف قوته ضد منطقة لا تتعدى 350 كيلو متر مربع ولكنه لم يستطع أن يحقق أهدافه بحمد الله، هذه الحرب زادتنا قوة وخرجنا منها أكثر يقيناً بالله تعالى.
ـ أعلنت كتائب القسام الانتصار، فما المؤشرات التي استندتم إليها؟
المؤشرات التي استندنا إليها ما ذكرناه في أجوبة سابقة، وأهمها عدم تحقيق العدو لأهدافه السياسية والعسكرية والاستخباراتية في هذه الحملة، وخروج المقاومة من هذه الحرب أكثر صموداً وثباتاً ويقيناً، وكنا منذ اللحظة الأولى للحرب قد رفعنا فيما بيننا شعار أن معركتنا هي معركة الثبات والصمود وحقيقة أن الله سبحانه وتعالى قد رد الذين كفروا بظلمهم لم ينالوا خيراً، ففي حال عدم تكافؤ القوى بين طرفي الحرب، فإن مقياس النصر لمن هو أقل عدّة وعتاداً هو الصمود والثبات، وهذا ما كان بفضل الله تعالى.
ـ أعلنتم عن استهداف بعض المناطق الحساسة داخل الكيان الصهيوني وفي الوقت ذاته رفض العدو الاعتراف بذلك، ماذا تقرؤون في هذا الإجراء؟
ما نقرأه من ذلك ذو مغزيين:
الأول: تكتم العدو على هذه المناطق الحساسة حتى لا يؤثر على نفسية شعبه وجنوده المهزومين لأنه على مدار تاريخ معاركه كان يجنب الجبهة الداخلية ويلات الحرب، ولهذا فإن ضرب الجبهة الداخلية أمر لا يستطيع الصهاينة احتماله ويعد انتكاسة في نظرية الأمن الصهيوني، ونحن نقول أن الأمر كان يتعلق بأماكن حساسة تشكل رمزية سيادية له سواء على الصعيد الأمني أو العسكري أو الاقتصادي.
ثانياً: لا يريد أن يرفع من نفسيات المجاهدين ويشعرهم بالنشوة وهم يضربون تلك المناطق المهمّة، وكذلك حتى لا يقدّم لهم هدية مجانية على صعيد الإحداثيات في حال توجيه ضربات صاروخية إلى تلك المناطق (وهنا الأمر أيضاً يتعلق بالشق الأمني).
ولكننا نقول لعدونا أن يتكتم ويكذب كيف يشاء فإن مجاهدينا أصبحوا يستهدفون تلك الأماكن وغيرها بشكل دقيق من خلال وسائل علمية وهندسية، ولديهم معرفة جيدة ومدروسة بالأهداف التي يريدون توجيه ضرباتهم الصاروخية إليها.
ـ ما هي الأسباب التي جعلت العدو يتخبط في مواقفه من الحرب على غزة ؟
أولاً: لأن تقرير فينو غراد لا يزال شاهداً أمام أعينهم إثر اخفاقهم في حرب لبنان عام 2006 .
ثانياً: العدو كان يريد نصراً سريعاً وبدون خسائر بشرية.
ثالثاً: واجه العدو في الميدان مقاومة باسلة صمدت وثبتت ونالت منهم.
رابعاً: لا شك بأن جرائمهم البشعة بحق المدنيين قد فضحتهم في أرجاء الدنيا وهذا شكل بعض الضغط عليهم.
خامسا: طول مدة الحرب جعلتهم أمام مفترق طرق لعدم المراوحة في مكانهم والوقت كان يفرض عليهم التقدم نحو مداخل أخرى في التوغل، وهذا الأمر كان يشكل لهم هاجساً كبيراً، لأن إمكانية سقوط أعداد كبيرة من جنودهم في هذه المرحلة تزداد على اعتبار أنهم كانوا على أطراف المدن والمناطق المفتوحة، وكانوا يجابهون بمقاومة باسلة، فماذا سيتوقعون لو أن الاشتباك كان أكثر قرباً وفي مناطق مأهولة بالسكّان؟، وإن نجاح عملية أسر واحدة لبعض جنودهم ستعمل على عكس المزاج الشعبي تجاه هذه الحملة في الداخل، وخاصة أنهم شعروا أن المقاومة وتحديداً كتائب القسام عازمة على تنفيذ عمليات أسر، حيث أنها أسرت في مناطق نائية ومفتوحة عدداً من الجنود ولكنهم قاموا بقصف المجموعات والجنود.
سادسا: هي المناكفات السياسية داخل مؤسستهم الحاكمة والمزايدات الانتخابية والتي جعلت هذه المؤسسة يتناوشها تحقيق مكاسب فردية وحزبية "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى".
ـ ما هي الدروس المستفادة من الحرب التي وقعت على غزة وفي حال قرر العدو اجتياح غزة مرة أخرى، هل هناك تكتيكات أخرى للقسام ووسائل جديدة؟
الاعتماد على الله سبحانه وتعالى يعتبر هو الذخر الأهم في ميدان القتال، ولا شك بأن خططنا بحمد الله كانت ناجعة إلى حد كبير في تكريس الصمود والثبات في أرض المعركة.
أما على صعيد الدراسة والمراجعة فإننا منذ اللحظة الأولى للحرب بدأنا بتغيير الكثير من التكتيكات والسيناريوهات المفترضة التي كنّا قد أعددناها، إذاً نحن نعكف على استخلاص الكثير من الدروس حول هذه الحرب الشرسة، صحيح أن الله ثبت أقدام المجاهدين ، ولكننا نعلم أن "الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها"، وهذا الحديث محفز لنا في عملنا وما نستطيع قوله هو أننا نطمئن شعبنا بأن المقاومة وكتائبنا بألف خير ولديها الكثير مما تستطيع أن تقدمه في الميدان لمواجهة عدونا الغاصب، وأفعالنا تسبق أقوالنا في الميدان، ودون الدخول في تفصيلات وتكتيكات ومفاجآت.
فهذا زمن الانتصارات للمقاومة، وغزة ستكون مقبرة للغزاة بإذنه تبارك وتعالى ونحن ننظر إلى هذا الجهد و الجهاد كحلقة في سلسلة من أجل تحرير كافة أرضنا ومقدساتنا من دنس اليهود.
ـ في ظل الحديث عن اتفاقيات أمنية لمنع تهريب السلاح إلى غزة كيف ستؤثر هذه الاتفاقيات على إدخال السلاح للمقاومين؟
هنا لا بد من الإشارة إلى أمر في غاية الأهمية وهو أن جهادنا ومقاومتنا كانت متدرجة ومنطقية من حجر إلى سكين إلى طلقة إلى رشاش إلى عبوة إلى صاروخ، وبحمد الله فإنّ ظاهرة كتائب القسّام وامتلاكها للوسائل القتالية كانت ظاهرة فريدة ومتميزة فلقد كان اعتمادنا في امتلاك السلاح والامكانات العسكرية على العقول القسامية المبدعة، فقنابلنا اليدوية من إنتاجنا وعبواتنا من إنتاجنا وصواريخنا وهاوناتنا من إنتاج مهندسينا، ومضاد الدروع "الياسين" صناعة قسامية خالصة.
وهناك الكثير من الإبداعات القسامية على صعيد الصناعات العسكرية، ولهذا نطمئن الجميع أنه لا خوف على سلاح المقاومة بإذنه تعالى مهما تحدث الغرب والعدو عن صفقاته لمنع تهريب السلاح، أما إذا تحدثنا عن امتلاك وسائل القوّة خارج صناعتنا العسكرية فهو حق مشروع لنا لمقاومة المحتل الذي يمتلك أقوى ترسانة سلاح في الشرق الأوسط، ونقول ذلك بلا خوف ولا خجل بأننا سعينا ونسعى لامتلاك وسائل قتالية لردع الاحتلال، هذا من جانب، أما الوجه الآخر بهذا الموضوع أي إدخال السلاح إلى المقاومة في غزة ، فكأن الأمر في السابق كان مسموحاً به، عدونا وغيره من قوى التآمر تسمح به وتسكت عنه! يجب أن يعلم الجميع أن هذا الأمر يعتبر عملاً في غاية التعقيد والصعوبة وقد ضحينا في سبيل هذه المهمة بالكثير من الشهداء من هؤلاء الجنود المجهولين الذين لا يعلمهم الناس ولكن الله يعلمهم، ولهذا فإن الحديث عن اتفاقيات أمنية لمنع إدخال السلاح للمقاومة في غزة ، هي فقط ارتفاع لوتيرة حرب الأدمغة بين المقاومة وبين عدونا، وأعداء الأمة وشعبنا الفلسطيني، ونحن على يقين أننا في كل مرحلة نتقدم على عدونا وعلى جلادينا لأننا أصحاب الحق ورب العزة سبحانه وتعالى ناصرنا ومؤيدنا.
ـ هل تؤكدون وجود تنسيق أمني بين سلطة دايتون والعدو الصهيوني وهل هناك معلومات حول هذا التعاون أثناء الحرب؟
ما نستطيع قوله في هذا المجال أننا لن نلقي التهم جزافاً، ولكننا نؤكد لشعبنا وأمتنا أنه بين أيدينا كمية مهمة من الوثائق على صعيد متابعة ومراقبة المقاومة من قبل سلطة رام الله، وفي الأيام القريبة القادمة سنطلع شعبنا ووسائل الإعلام حول هذه المعلومات التي ستذهل كل الشرفاء من هول هذه الخيانة غير المسبوقة وكافة التفاصيل ستوضح في حينه.
ـ رسالتكم إلى أهالي قطاع غزة في ظل صموده أمام أقوى ترسانة عسكرية ووقوفه بجانب المقاومة في غزة ودعمها وتأييدها؟
رسالتنا الأولى.. التي نوجهها لشعبنا، نذكره بأن هذه الحرب لو وجهت إلى جيوش جرارة لتم استئصالها وإبادتها ولكن صمودكم وثباتكم كان أقوى من هذه الآلة العاتية وهذه هي ديدنكم فإن الأمر ليس جديداً، ولا عليكم، فمن عشرات السنين وشعبنا في أرضه يرفض كل دعوات الهروب والتهجير.
الرسالة الثانية.. نقول بأن هذه المقاومة الباسلة خرجت من رحم هذا الشعب، فالمقاومة منه وإليه وشعبنا هو الحضن الدافئ لهذه المقاومة التي تدافع عنه وتذود عن حياضه، وهذا ليس مستغرباً حيث يرتقي الشهداء فنرى أن المقاوم يستشهد هو وأهله وجيرانه جميعاً.
رسالتنا الثالثة.. إن ما دفعه أبناء شعبنا الفلسطيني من ثمن، من شهداء وجرحى ورعب وخوف وتدمير للبيوت ما هو إلاّ ضريبة الثبات والصمود على هذه الأرض التي بارك الله فيها وجعلها أرضاً للرباط.
الرسالة الأخيرة.. إننا نعاهد شعبنا بأننا سنبقى على العهد مع الله سبحانه وتعالى وسنبقى الأوفياء لدماء الشهداء حتى دحر الاحتلال عن أرضنا الحبيبة لتعود البسمة للجميع، وفي هذا الإطار نحن نطمئنكم بأننا على يقين بأن كل ما هدم ودمر في هذه الأرض سيتم بناؤه كما كان وبشكل أفضل، يقول تعالى:"إن ينصركم الله فلا غالب لكم".
المصدر:كتائب الشهيد عز الدين القسام-المكتب الإعلامي