سيد عبد النبي
من هو؟
هو الأستاذ سيد عبد النبي من مواليد مركز الواسطى بمحافظة بني سويف في 25 أبريل 1926م.
يقول عن نفسه :
- "التحقت بدعوة الإخوان عام 1946م وكان الجو آن ذاك مشحونًا، فلم استطع تقديم البيعة مباشرة للشيخ حسن البنا رحمه الله، وكنت أدفع اشتراكًا شهريًّا قدره قرشين، وكانت الشعبة آنذاك في ملك "خريستو روجيبلو" بجوار مكتب البريد أيام الشيخ حسن البنا، وتمَّ تكوين شعبة أخرى في أيام الأستاذ حسن الهضيبي بجوار مركز الشرطة، وكان عملنا في البداية يقتصر على نشر الدعوة والنهج الإسلامي بين الناس"
محنته
تمَّ اعتقاله في محنة 1954م وحينها قام الأمن بتدمير مكتبته بالكامل بحثًا عن أي شيء يدينه، وبعد محاكمات لم ير الإخوان فيها غير التعذيب، صدرت أوامر بسجنه 5 سنوات مع الإخوان بالسجن الحربي، وبعد قضاء مدة العقوبة والإفراج عنه، تمَّ اعتقاله مرةً أخرى في عام 1965م، بعد أن أعاد عبد الناصر اعتقال جميع الإخوان مرةً أخرى عقب خطابه في "الكرملين" بالاتحاد السوفيتي، وبعد عدة شهور بالمعتقل خرج ليتم اعتقالي من جديد، ولكنها كانت هذه المرة لعدة أيام فقط.، وكان الضباط في كل مرة يقولون لهم "5 دقائق وترجع تاني"، ومن الإخوان من فُقد في السجن، ومنهم من مات، ومنهم من لم يخرج.
يتحدث الأستاذ سيد عن اعتقاله فيقول:
- " قابلت الأستاذ حسن الهضيبي أكثر من مرة، وكان أول لقاء به بالسجن الحربي في عام 1954م، وكانت السن قد تقدَّمت به، وكنت لا أزال شابًّا في سن الثلاثين، وعندما شاهد تعذيبي دعا لي وقال: الله معك يا بني، وبعد خروجنا من السجن قام بزيارتنا أكثر من مرة واستمرَّت العلاقة بعد ذلك.
- ومن أكثر ما أثَّر في رؤيتي له أن الأستاذ الهضيبي رحمه الله كان رجلاً ملهمًا وقد طلبوا منه أن يلقي بيانًا فيخرج بعده الإخوان من السجون، لكنه رفض وقال لي وهو يرتدي بدلة السجن: شد حيلك بالرغم من أنه كان عمره كبيرًا ولا يتحمل التعذيب وعمري آنذاك 30 عامًا.
- كما قضيت مع الدكتور يوسف القرضاوي عدة سنوات بالسجن الحربي منذ عام 1954م، ورأيت ثباته أمام حمزة البسيوني مدير إدارة السجن الحربي، وقد طلب من الدكتور القرضاوي أن يقول قصيدةً مهددًا بضربه 500 كرباج، خاصة بعد أن جاءت توصية مباشرة من عبد الناصر ضد الشيخ القرضاوي.
- وأذكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله حينما طلبوا منه داخل السجن بجبل الطور أن يقول "يحيا الملك " ويتركونه دون تعذيب، فكان رحمه الله يرفض ويقول "يسقط الملك"، وكان رحمه الله حريصًا جدًّا على الدعوة، وكان يقظًا وله حديث رطب على القلب ولا يزال كذلك.
- كما أذكر حسن المليحي والذي قضى جمال عبد الناصر فترةً من حياته في بيته بمركز الصف التابع لمحافظة حلوان حاليًّا؛ وذلك ليقوم بتدريب الإخوان الراغبين في الالتحاق بكتائب الفدائيين ضد الإنجليز أو المجاهدين بفلسطين، ولا أنسى بالطبع خلال اعتقالي من قابلتهم من الرعيل الأول مثل سعيد رمضان وعبد الحكيم عابدين والأستاذ عمر التلمساني والأستاذ سيد قطب رحمه الله"
وقال أيضا:
- " تكافل الإخوان داخل السجن تكافلا عظيمًا جدًّا، فكان الجميع يتسابق على فعل الخير، ولم يكن له مثيل فقد كان الإخوان أبطال... أبطال... أبطال، ولم يوجد شخص يأكل لقمة دون أخيه، بالرغم من الضرب والموت والتعذيب والكي بالنار "والكلاب شغالة بتنهش فينا"، بعد أن تمَّت محاكمتنا أمام محكمة الشعب وصدر ضدي حكم بالسجن 5 سنوات مع الإيقاف.
- ولم يكن إيقافًا بل كان سجنًا لأجل غير مسمى، وبالرغم من ذلك كانت مواقف الإخوان عظيمةً جدًّا، وكنَّا نأكل وكنَّا نقسم قطعة "الطوفي" كل 7 من الإخوة في زنزانة يقسَِّموا 3 قطع طوفي وأحيانًا نقسم "طعمية" واحدة، وقد حوَّلنا العنابر إلى زروع وورود، فكان الضباط يجلسون معنا داخل السجون بعد أن حوَّلناها إلى فنادق،وأصبحت مثل سجون أوروبا، ولكنها "سجون إسلامية".
- وبالرغم من ذلك كنَّا نقسِّم الملابس التي يتم تمزيقها من شدة التعذيب، وعندما رأينا أحد الإخوان وبدلته ممزقة ذات مرة أحضرنا له بجامةً جديدةً وكان مبسوطًا جدًّا بها بالرغم من علمه أنه سيتم تمزيقها من الضرب.
- وكان يتم توزيع الملابس في ظلمات الليل، وقمنا بعمل صندوق للتكافل، وقام كل الإخوان بدفع 4 قروش للفرد الواحد، وكنَّا نحصل على احتياجاتنا بطريقة عجيبة؛ حيث كنَّا نقطع مسافة 30 مترًا؛ للحصول على الطعام أو الشراب أو الاحتياجات وسط طوابير من العساكر يعذيبوننا، وكانت مساحة السجن الحربي من 5 - 6 أفدنة وبه سجن 3، سجن 4، والسجن الكبير وسجن "الشفخانة"
- وأذكر أننا كنا نصعد إلى المكاتب بالأسماء للتحقيق، و"الميكرفونات" تنشد أغنية أم كلثوم التي تمدح عبد الناصر أثناء ضربنا، وتشدو بأغنية "يا جمال يا مثال الوطنية"، وكنَّا نقف طابورًا للتعذيب ونمر بين صفَّين من العساكر.
- وقد ألهمني الله عزَّ وجلَّ أثناء بدء عملية الضرب من الأمام والخلف بالكرباج أن أقول "هقول الحق" عندما يقترب مني العسكري، فلا يقوم بضربي بالكرباج والشومة اللذين كانا بيده، وكان بجواري عبد الحليم أبو هيبة من الرعيل الأول.
- وكان العسكري معه سيخ تم وضعه في النار واسودَّ عندما تركه خارج النار قليلاً فغضب العسكري؛ لأن السيخ قد اسودَّ، فقام بوضعه مرةً أخرى في النار حتى يحمر، فقال له أبو هيبة مازحًا: "كان كفاية عليه الشمس حتى يحمر"، وقد رآني أحد إخواني بعد فترة فقال لي: لقد زاد وزنك داخل السجن.
- فقلت له: إنه زاد من شدة التعذيب؛ لأن جسمي منتفخ من شدة الضرب والتعذيب، وقد تُوفي أحد الإخوان داخل السجن، وكان يومًا مشهودًا بعد أن تم تعذيبنا بدون تهمة محددة، ولا نعرف السبب، فجمعونا وقاموا بتعذيبنا في طابور التعذيب، وقاموا بالتنبيه علينا بأنه مات أثناء نقله إلى المستشفى.
- ولم يقتصر التعذيب داخل سجون عبد الناصر على العساكر، وإنما كانوا يستخدمون معنا الحيوانات، فكان بالسجن الحربي كلب مشهور يسمى "لاكي"، وبعد أن قام العساكر بضربنا أحضروا الكلب "لاكي" وهو كلب مهول يشبه الحمار، وذات مرة قام بوضع رجليه على كتفاي وفتح فمه في وجهي فظننته حمارًا حتى تأكدت أنه كلب.
- وكان معنا شاب يدعى العجمي، وكان مدير عام الطب البيطري آنذاك، وكان يقوم بالكشف على الكلاب التي تعذبنا بأوامر من حمزة البسيوني مدير السجن آنذاك، فكان حمزة يأتي إلى الزنزانة، ويقول "فين الواد بتاع الكلاب"، وعندما مات الكلب "لاكي" ادَّعوا أننا قمنا بتسميمه، فقام العجمي الطبيب البيطري بالكشف عليه، وقال أنه مات بسبب الشيخوخة.
- فعذبونا وقالوا إننا "فرحنا فيه" كما ان عملية التعذيب داخل السجون لم تقتصر على فرد بعينه، ولكن لا ينسى أحد دخل السجن الحربي حمزة البسيوني الذي كان رجلاً فظًّا، فكان يدوس على المصاحف بقدمه ويتفوَّه بأقوال تقشعر لها أبداننا مثل: "فين ربنا بتاعكم عشان أحطه في الزنزانة"! و "مش عاوز أسمع سيرة الجدع ده"!!
- وكنا نستغفر من ذنبه وحسبنا الله ونعم الوكيل"، وفي عام 1955م حدث لي اختبار عظيم إذ كنت مكلَّفًا بحمل الطعام إلى 19 من الإخوان الذين ذبلت أجسادهم وتقطَّعت أجزاء منها من هول التعذيب، وكان كل منهم محني الظهر وغير قادر على الحركة خوفًا من إصابة الجرح، وكان ما فعله حمزة البسيوني أكثر ما أثَّر في، وكان ابتلاءً عظيمًا، وشكوته إلى ربي وقلت في نفسي لو خرجت من السجن سوف أذهب إلى السودان، وزعقت زعقةً كبيرةً جدًّا تنفيسًا عن غضبي؛
- ولكن بعدها تغيَّر قلبي وازداد إيماني عندما تحققت دعوتي ورأيت ما حدث لمن عذبونا داخل السجون، ولا يوجد أحد ممن عذبونا إلا ورأيناه ذليلاً، فكانت العساكر يبصقون في وجه حمزة البسيوني وأخذوا منه الأشرطة من على كتفه، وضربوه ألف كرباج، وعندما قابلناه في عام 65 عامله الإخوان بالحسنى.
- وكان أحد الإخوان ويدعى معروف الحضري وله صلة قرابة بحمزة البسيوني يقول له: "يا حمزة أنت مش هتوب ده أنت الكرسي اللي قاعد عليه مش هتعرف عدد رجليه كام، وما زلت أعاتب ربي في حمزة البسيوني حتى انتقم الله منه، وقال: إنه لو مرَّ يومًا دون تعذيبنا كنَّا نشعر بشيء ناقص، وكان العسكري يسأل كل واحدًا منَّا "أنت بتشتغل إيه ياله؟".
- وكان هناك جميع التخصصات حتى وصل إلى أحد الإخوان، فقال له تلميذ، فقال له وماذا تفعل مع هؤلاء "الصايعين"؟، وآخر كان يعمل دكتور مهندس فردَّ عليه العسكري "أنت شغال شغلنتين ليه يابن كذا وكذا"، وكان معنا شاب عمره 12 سنةً ظلَّ يبكي طوال الليل عندما علم أنه سيخرج من السجن ويتركنا.
- كما كنا نثبِّت بعضنا البعض ونتخلل الأوقات بالدعابة والمرح، وقد ابتكر الإخوان داخل السجون وسيلةً جديدةً لعمل الشاي من خلال "كوز" تمَّ توصيله بسلك كهرباء؛ ليقوموا بعمل الشاي داخل الزنزانة، وقام بهذا الاختراع المرحوم حسن سعد من الرعيل الأول، وهو متزوج من ابنة الشيخ عمر عبد الرحمن المسجون حاليًّا في أمريكا.
- كما حكى لنا محمود زينهم مسئول الأشبال أنه كان يذهب معهم وهم تلاميذ مدارس إلى الجمعية، ويخرج بهم إلى الغيطان "ليمصوا قصب"، فقامت الشرطة بضرب الأشبال، فقالوا لهم "إحنا نحسبها "جمعية مص قصب".
- كما انه كان لا يسمح بزيارتنا مطلقًا، ولكن كان يسمح بزيارات المشايخ لنا داخل السجن، وكانوا يخرجوننا جماعات عددها 300، ونذهب إلى سجن القلعة، ونجلس هناك 15 يومًا، وكانوا يعطوننا محاضرات، وكان المشايخ ينبهرون بعلم الإخوان.
- فكان الشيخ محمد يقول: "إني مبسوط منكم يا جماعة"، وكان يحترمنا جدًّا ويقول لنا: "إن فيكم من هم أحسن مني وأجدر مني، وقبل خروجي قال لي أحد الإخوان أثناء السجن في المرة الأولى في عام 1954م ماذا تملك؟ فقلت له: عندي فرن، فقال سيكونون 3 أفران، فخرجت لأجدهم 3 أفران فعلاً، وقبل عودتي في عام 1965م تفاجأ من عذبونا في عام 54 بالعز الذي صرنا إليه في عام 1965.
المصدر
سيد عبد النبيموقع إخوان أون لاين
للمزيد عن الإخوان في بني سويف
ملفات وأبحاث متعلقة
. |
الموقع الرسمي لإخوان بني سويف
|
بني سويف وثورة 25 يناير
|