فضائل البترول

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فضائل البترول


بقلم : محمد الجندي

البترول، المادة الحيوية للإنسان، المصدر الأساسي حتى اليوم للطاقة، العصب إلهام للصناعة، التي إذا ما نضبت تسقط البشرية في ظلام دامس، فلئن كان بالإمكان، نظرياً حتى الآن، الاستعاضة عن البترول بمصادر أخرى للطاقة، فلا يمكن الاستعاضة عنه كمصدر لعدد كبير من المواد الأولية.

البترول حول قفر الجزيرة العربية على جنات، وخيامها إلى قصور، والحياة البدائية فيها إلى آخر صرعات الحضارة.

لولا البترول، أفلست شركات وبنوك أوروبية وأميركية عديدة، وبقيت الصناعة الأوروبية والأميركية في المهد، وبقيت الجيوش الأوروبية والأميركية في تسليح القرن التاسع عشر، ولولاه، كانت الدول العربية غير البترولية جائعة.

صحيح أن أغلبية المواطنين العرب الساحقة، مثل أغلبية سكان العالم،فقراء، ولكنهم كانوا أفقر واشد جوعاً لولا البترول.

والبترول لم يستخرجه العرب لقد استخرجته الاحتكارات الأميركية والأوروبية واستفادت البلدان البترولية والعديد من البلدان غير البترولية من ذلك، ولكن بثمن باهظ جداً.

الثمن هو قبل كل شيء انتقاص سيادة البلدان والشعوب، ولكن هذا لا يهم (؟).

ما أهمية سيادة البلد بالنسبة لإدارة مرفهة ومدللة.

هل كان يبقى لها عن عزها لو كان ثمة سيادة لبلدها؟

إنها تشتري بتلك السيادة التي لا تطعم الخبز سلطتها ورفاهها.

المواطنون أيضاً وخصوصاً الوجهاء يستفيدون عموماً وبنسب متفاوتة من بيع السيادة لا على حد الترفيه وإنما على حد تمشية الحال.

غير أن الإدارة الأميركية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي اعتباراً من 1985، وبعد توهمها أنها أصبحت القوة العظمى الطاووسية الوحيدة في العالم، أصبحت قاسية على حلفائها الضعفاء، فتفرض عليهم خدمات إقليمية ودولية متناقضة، حتى مع المنطق البسيط للأمور تفرض عليهم أن يكونوا ضد ليبيا، وأن يحاربوا العراق معها، وأن يدفعوا مختلف أنواع الفواتير، وأن يقدموا القواعد ومختلف أنواع الدعم اللوجستي من أجل احتلال العراق، وأن يوفروا الشرعية للاحتلال، وأن يكونوا مع العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وأن يعملوا على تجميد وعلى حرف النضال الفلسطيني، وأن يكونوا ضد المقاومة اللبنانية للعدوان الإسرائيلي، وأن يعملوا على تشويه صورة هذه المقاومة، وأن يكونوا ضد سوريا، لا ضد ما تتناقض به الإدارة مع الشعب السوري، وإنما ضد ما تتناقض بعد الإدارة مع الإدارتين الأميركية والإسرائيلية، وأن يكونوا ضد إيران لا لسبب سوى أن إدارتها تتناقض إلى هذه الدرجة أو تلك مع مزاج الإدارتين الأميركية والإسرائيلية.

كل ذلك يمكن أن يكون للإدارات العربية مجرد خيارات سياسية يتفق معها المرء أولا يتفق، ولكن البترول له فعل أكبر من موضوع الخيارات البترول والأفيون سخرتهما الإدارة الأميركية في خلق العصابات الخطرة التي دمرت أفغانستان ويوغسلافيا والجزائر ومصر وتدمر مناطق عديدة أخرى.

التفجيرات في لبنان، التي قتلت الكثير حتى الآن، ما مدى مسؤولية البتروأفيون عنها؟

ما مدى مسؤولية البتروأفيون عن العصابات التي عاثت وتعيث في لبنان، وتملك أحدث الأسلحة الأميركية؟

ما مدى مسؤولية البتروأفيون في تخريب المجتمع المصري، التخريب الذي جعل القضاء المصري المحترم العريق الذي يصدر أحكاماً شاذة مثل إجبار زوجين على الطلاق، ومثل قبول دعوى بقطع أطراف إنسان، التخريب، الذي خلق توتراً يتصاعد فترة ويخف فترة بين المسيحيين والمسلمين الذين تعايشوا لقرون على أحسن ما يرام مذ وطئت قدم عمرو بن العاص أرض مصر؟

ما مدى مسؤولية البتروأفيون عن التخريب في المجتمع الباكستاني، مما يجعل الحياة جحيماً لا يطاق؟

ما مدى مسؤولية البتروأفيون عن التخريب في أغلب البلدان الإسلامية، أن يؤلف راحة نفسية لصاحبه، ويساعده على استيعاب الآخر واحترامه؟

فضائل البترول كانت رائعة بالنسبة للإنسان، وكان البترول نعمة للاحتكارات الأميركية والأوروبية، وأيضاً كان نعمة على مستوى أضعف بكثير للبلدان المنتجة للبترول وعلى مستوى أضعف لبلدان غير منتجة، غير أنه كان ينطوي على استعمار المناطق المنتجة، الاستعمار الذي انزاح سياسياً بالتدريج بعد الحرب العالمية الثانية وتحول إلى الاستعمار الحديث. هي في الحقيقة وكلاء للإدارات الاستعمارية، التي تهمشت شيئاً فشيئاً لصالح الإدارة الأميركية.

ويبدو أن الإدارة الأميركية لا تكتفي بنهب البترول وبهدره، وإنما توظفه في المخطط القذر ألا وهو خلق العنف الأصولي، العنف الذي استخدمته للتدمير في كل مكان، واتخذته ذريعة لإبادة الفلسطينيين بيد العسكرية الإسرائيلية ولاحتلال أفغانستان والعراق، وللعمل على احتلال لبنان، أيضاً بيد العسكرية الإسرائيلية.

العنف الأصولي أطلق ذراعي الهمجية الذراع الظلامي الذي يئد الناس في الحياة ويجندهم في الصراعات العبثية والمجازر، وفي تخريب المؤسسات الاجتماعية: القضاء، التشريع، الإدارة، الطب، العلم، الدين، الأحزاب ..الخ،

وذراع الإدارة الأميركية الذي هو أيضاً ظلامي، فهو ليس فقط عدوانياً بشكل همجي غير مسبوق، وإنما أيضاً تخريبي للمؤسسات الدولية التي كلف بناؤها الكثير من التضحيات الإنسانية، إن الإدارة الأميركية تقوم بزعزعة الدول وتخريب استقلالها، وبتعطيل المعاهدات والمواثيق والقرارات الدولية، وبتعطيل مؤسسات الأمم المتحدة وخصوصاُ مجلس الأمن لتجعلها مزرعة لها.

لقد أصبحت تلك المؤسسات أطوع من الكونغرس الأميركي لتلك الإدارة.

طبعاً المسؤولية لا تقع في ذلك على الإدارة الأميركية وحدها، وإنما بوجه خاص على أعضاء مجلس الأمن الدائمين الذين يؤلفون الركيزة الأساسية الشاذة لمجلس الأمن والأعضاء البارزين المؤثرين في مؤسسات الأمم المتحدة الأخرى.

الركيزة الأساسية شاذة لأنه ليس من المنطق أن يعتمد أمن العالم على اتفاق عدد محدد من أعضاء الأمم المتحدة، يرضون باحتلال العراق فلا يحرك بعدئذ أحد ساكناً، ذلك البلد المنكوب فريسة للإبادة وفوق ذلك يقررون تمديد بقاء القوات الدولية في العراق، وكأن مجلس الأمن هو الذي أرسل تلك القوات في مهمة سلمية فيضفون بذلك شرعية على الاحتلال.

وهذا مثال من أمثلة كثيرة، يتصرف فيها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن وكأنهم ملحق بالإدارة الأميركية.

الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن يمثلون دولاً متطورة وقوية ومحترمة، وباستطاعتهم وقف الإعصار الهمجي الذي تصنعه الإدارة الأميركية في العالم، ولكنهم لا يفعلون، لأسباب بعضها معروف وبعضها غير معروف.

البتروأفيون هو أداة بيد الإدارة الأميركية لصنع الهمجية، لصنع التفجيرات في لبنان وفي غير لبنان.

العالم الضعيف التطور من الصعب أن يستيقظ، ولو تمرد، وهو في طور التمرد، على الكابوس الأميركي، وينتظر المرء من العالم المتطور أن يستيقظ ويقف ضد هجمة الإدارة الأميركية القاتلة، ولكن متى؟

المصدر