ماذا لو حققت يوليو الهدف السادس؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ماذا لو حققت يوليو الهدف السادس؟
23-07-2007

بقلم: د. عصام العريان

سال حبرٌ كثيرٌ في ذكرى هزيمة يونيو الأربعين، لم أشارك فيها؛ لأنها كانت أشبه بمندبة ومحزنة لا تهدف إلى استخلاص العبر والدروس بقدر ما شابها من جَلْدٍ للذات، وإشاعةٍ لروح الانهزام والانكسار في الأمة المصرية والعربية، وكأننا خُلقنا للهزيمة فقط وليس لنا حظٌّ في الانتصارات!!

ولكنني في حلول الذكرى الـ55 لحركة الجيش المباركة التي تحوَّلت إلى ثورة يوليو أجد نفسي مشدودًا إلى الحديث عنها من زاوية أساسية، وهي الهدف السادس الذي حفظناه معًا في دروس التربية الوطنية والمجتمع، وعشْنا نحلم به، وما لنا نحلم به، وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة.

يقول عبد الحكيم عامر رحمه الله، حسب رواية عبد الصمد محمد عبد الصمد- أحد رجاله والنائب السابق عن بني مزار بالمنيا في مجلس الأمة لفترات متتالية في كتابه (العشاء الأخير للمشير)، الذي تنشره جريدة (القاهرة) الأسبوعية الصادرة عن وزارة الثقافة على حلقات-: إن المشير قال لهم إننا مجلس قيادة الثورة قُمنا بتحقيق الأهداف الخمسة الأولى، وتركنا الهدف السادس.. الديمقراطية.. لعبد الناصر، وإنهم نجحوا في تحقيق تلك الأهداف الخمسة بدرجات معقولة وجيدة، إلا أن عبد الناصر فشِل تمامًا في تحقيق ذلك الهدف الذي تكفَّل هو بتحقيقه من دونهم، ورفضَ كلَّ محاولاتهم لإقناعه وإلزامه بالديمقراطية أو كما قال.

وتنقل القاهرة أيضًا مَحاضِر اجتماعات الرئيس جمال عبد الناصر واللجنة المركزية مع الوزراء الجدد، الذين تولَّوا مسئولياتِهم في وزارة 1968.. تلك المحاضر التي حرَّرها ونشرها عبد المجيد فريد، ويتبيَّن منها أمور عديدة؛ حيث فتح الوزراء ورجال الاتحاد الاشتراكي، التنظيم السياسي الأوحد وقتها، قضايا مثل الرغبة العارمة في الإصلاح والتغيير، والشكوى من عدم قدرة التنظم السياسي (الاتحاد الاشتراكي) على الأداء السياسي الجماهيري، وتدخلهم في عمل الجهاز التنفيذي؛ مما يفسد الوزارات والهيئات والشركات.

ويتبيَّن منها أيضًا الإقرار الغالب من الأغلبية بفشل الاتحاد الاشتراكي، وفشل سياسة التنظيم الواحد الذي ليس له منافس؛ مما دفع عبد الناصر لاقتراح أن يكون هناك تنظيمان سياسيان، أي يتحوَّل الاتحاد الاشتراكي إلى جناحَين أحدهما في الحكم والثاني يعارضه، وهنا حدثت مفارقة- كما ينقل فريد- وهي اعتراضُ القوم على ذلك الاقتراح؛ مما أدى إلى جمود الأوضاع وبقائها كما هي حتى ورثها السادات، فحدثت الأحداث التي جعلت الرئيس في جانب وأهم الوزراء وقيادة الاتحاد الاشتراكي في جانب آخر عمليًّا، فانتصر الجانب الرئاسي في مايو 1971 (التي سماها السادات ثورة التصحيح وسمَّاها الفريق الآخر الانقلاب على يوليو)، وهو الجدل الذي لم يتم حسمه حتى اليوم مع وجود رجاله أحياءً.

وبعد ذلك بسنوات قام السادات بتنفيذ الفكرة التي نُسبت إلى عبد الناصر، فأعلن قيام 3 منابر داخل الاتحاد الاشتراكي، ثم سرعان ما حوَّلها إلى 3 أحزاب، هي: حزب مصر العربي الاشتراكي، وحزب الأحرار الاشتراكيين، وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي: يمين، ووسط، ويسار.

ولأن التجربة غير حقيقية وليست جادَّة بل هي مجرد ديكور ديمقراطي فإن السادات أقدَمَ على إنشاء حزب جديد هرْوَلَ إليه كلُّ رجال حزب مصر؛ باستثناء بضْعة رجال، على رأسهم عبد العظيم أبو العطا، الذي دفع حياته ثمنًا لذلك الموقف؛ بسبب إهمال الرعاية الصحية في سجن ملحق مزرعة طرة، رحمه الله!! ما زال هذا الحزب قائمًا يحكم نظريًّا، وهو الحزب الوطني الديمقراطي، بينما هو في الحقيقة أداةٌ من أدوات النخبة الحاكمة التي سمَّاها المرحوم إحسان عبد القدوس "الجمعية السرية التي تحكم مصر"، ودفع ثمنًا لمقاله 4 أشهر في السجن!!

لم يبذل عبد الناصر جهدًا يُذكر في تحقيق هذا الهدف السادس.. الديمقراطية.. واعتمد نوعًا بديلاً سمَّاه مريدوه "ديمقراطية الموافقة" وسمَّاه آخرون "الديمقراطية الاجتماعية" كبديل آخر للديمقراطية المعروفة، في محاولةٍ يائسةٍ لتجميل وجه يوليو في هذا الصدد.

الديمقراطية معروفة، ولسنا في حاجةٍ إلى إعادة تعريفها، ولا إعادة اختراعها، وهذا حديثي للجميع، بما فيهم التيار الإسلامي، وهي تقوم على أسس ثابتة، يخدمها الإسلام ويتوافق معها تمامًا، مثل: احترام التعددية في الأفكار والعقائد والآراء، والحق في التعبير الحرّ مهما يصل مداه، والحق في التنظيم المستقل، والانتخابات الحرة النزيهة الدورية، وتداول السلطة في إطار دستور مكتوب، يحدِّد السلطات، ويعمل على تحقيق التوازن بينها، ومؤسسات دستورية مستقلة ومتعاضدة، تقوم بأدوارها المعروفة في سَنِّ القوانين وصياغتها، وتحقيق احترام الدستور، وإصدار الأحكام القضائية عبر سلطة قضائية مستقلة محصَّنة واحدة، وسطلة تنفيذية تعمل على خدمة الشعب وتنفيذ القوانين واحترام أحكام القضاء.

الإسلام كرسالةِ الله الخاتمة للبشر، وكشريعةٍ صالحة لكل زمان ومكان، وكحضارةٍ تتفاعل مع حضارات الشعوب والأمم وتستفيد من منجزاتها الحضارية، وكعقيدةٍ ثابتةٍ تؤمن بوحدانية الله المطلقة، وكفقهٍ يتغيَّر بتغير الزمان والمكان والأشخاص.. الإسلام بأسسه ومبادئه وقواعده ومنهجه يتفق مع كل ما سبق من ركائز الديمقراطية، ويعمل على بناء نظام شورى حقيقي، يصل إلى أبعد مما تصل إليه الديمقراطية في طبعتها الغربية الأوروبية الأمريكية، وقادرٌ على إنجاز طبعته الإسلامية المستقلة بعد التطبيق الحقيقي في أكثر من بلد مسلم؛ ليُحقق تقدمًا حضاريًّا يُعيد إلى الأمة مكانتها في مقابل الحكومة، وإلى الحق والعدل والشورى مكانتَها في وجه الظلم والفساد والاستبداد، وإلى الشعوب والجماهير حقَّها في الاختيار والتغيير عبر وسائل وأدوات سلمية لم تختبرها من قبل في تاريخ الأمم الإسلامية والدول التي عرفتها.

الأجدر بنا جميعًا كمُلاَّكٍ لثورة يوليو أن نعترف بالفشل في تحقيق هذا الهدف بالذات، فورثنا الاستبداد الذي يعيش المصريون في ظله بعد مرحلةٍ ليبراليةٍ محدودة تحت الاحتلال الذي منع تحقيقها التام واكتمال نموِّها الطبيعي، كما قطع في بدايته التطورَ الطبيعيَّ لحركة الإصلاح التي قادها محمد علي باشا وحفيده إسماعيل، في ظلِّ مجتمعٍ محافظٍ إسلاميِّ النزعة والوجهة.

كان في إمكان عبد الناصر أن يحقق الهدف السادس، فيتحقق في ظل بقية الأهداف، ويشترك الشعب كله في تحقيقها، وبناء دولة المؤسسات، وإنجاز خطط التنمية، ويشعر أن المكاسب التي يحققها هي مكاسبه نتيجة جهده وجهاده، وليست منحًا متتالية من الحاكم، فيقوم حاكم آخر بسلبها منه، فلا يقوم للدفاع عنها؛ لأنها ليست نتيجة كفاح، حتى وصل الأمر إلى بيع الأصول والممتلكات الشعبية الأصلية، ولا يقوم بالدفاع عن أصول مصر إلا نخبة ضيقة، لا يهتم بها النظام الحاكم، ويعلم أن الشعب في وادٍ وهي في وادٍ آخر، وأن القوى الحية القادرة على تحريك الشعب في السجون وأمام المحاكم العسكرية ومفروضٌ عليها الحصار بقرار دولي- إقليمي- محلي، ومحظورة ليست من مجرد الحصول على رخصة حزب، أو التعبير عن نفسها في جريدة أو مجلة مستقلة، بل من مجرد الحلم بتحقيق إصلاح جادٍّ وتدوير السلطة دون رضا أمريكي- صهيوني، وهو من قبيل المستحيلات في هذا العصر.

تبخرت معظم المكاسب الاجتماعية والاقتصادية بسبب غياب الديمقراطية التي ليست مجرد انتخابات دورية يتصورها البعض أو حتى مجرد انتخابات في نظر البعض الآخر.

أمس الأحد 22/7 هناك امتحان للتيار الإسلامي التركي ذي الطبيعة الخاصة، والذي نشأ في ظل ديكتاتورية علمانية أتاتوركية وظروف بالغة القسوة، ومع ذلك وفي وجود ديمقراطية خاصة في ظلال حراب عسكر تركيا، حماة العلمانية.. استطاع أن يثبت جدارته من وجهتين:

الأولى: احترامه التامّ لقواعد العملية الديمقراطية، والثانية: جدارته لاكتساب احترام الأتراك الذين تم فصلهم بقوة السلاح والحكومة والإعلام والثقافة والصحافة عن جذورهم الإسلامية، ففشلت كل تلك الخطط، وأعطى ثقته لحزب العدالة والتنمية آخر طبْعات التيار الإسلامي التركي منذ نشأته كحزب النظام الوطني، ثم السلامة الوطني ثم الرفاه ثم العدالة والتنمية.

انظروا ما فعلت الديمقراطية المقيَّدة المشوَّهة حتى ولو كانت في ظل الحراب العسكرية ولكنها تستوفي الحد الأدنى من الشروط الديمقراطية، فعلى الأقل هناك انتخاباتٌ حرةٌ دون تزوير، وهناك تعددية حزبية حقيقية، تمثل كافة التيارات، وهناك قضاءٌ له قدرٌ كبيرٌ من الاستقلالية، رغم علمانيته المفرطة، وهناك شعب حي حر يريد تحقيق أحلامه عبر جهده وجهاده وليس عبر الآخرين.

هامش..

طلب مني مدير مكتب جريدة (العرب) الدولية التي تصدر في لندن منذ سنوات مقالاً بصفة دورية، وعندما حانت ذكرى ثورة يوليو كتبت مقالاً بعنوان "ماذا لو لم يحدث الصدام بين عبد الناصر والإخوان؟!" وكان خاتمة المطاف، فلم يُنشر!! وانقطعت الصلة وعاتبني مدير المكتب قائلاً: ألا تعرف طبيعة الجريدة والنظام الذي تكسب ودَّه (ليبيا)؟! فقلت له: وأنت إذا كنت تعرف فلماذا أرسلت المقال؟!

المهم نُشر المقال وقتَها في مجلة (المجتمع) الكويتية، وهو يناسب الذكرى ولا يزال.

المصدر