مطبعون... ومقاومون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مطبعون... ومقاومون
علم فلسطين.jpg

بقلم : عبد العال الباقوري

منذ حوالي عام، بدأت دعوة إلى إحياء أو إعادة تنشيط منظمات ولجان مقاومة التطبيع مع العدو الإسرائيلي، فقد لوحظ أن هذه المقاومة فترت، وأن نشاطها تراجع، وأن عملها لم يعد مؤثراً.

وكان للفتور أسباب موضوعية معروفة، بالإضافة إلى أسباب ذاتية. وبدا هذا ملحوظاً بشكل خاص منذ العام 2003.

وكان تأثير هذا الفتور أو التراجع والوهن في حركة مقاومة التطبيع تأثيراً مضاعفاً، لأنه حدث في وقت بدأت أنشطة التطبيع ومظاهره تتزايد، ولم يعد هناك بلد عربي واحد يخلو من مظهرٍ أو آخر من مظاهر التطبيع العلني أو غير العلني، المباشر أو غير المباشر...

ولعل هذا التراجع كان شبه متوقع، وكان مؤتمر عربي مضاد للتطبيع، عقد في مدينة دبي في دولة الإمارات العربية قد شدد على أهمية تحويل النشاط المضاد للتطبيع إلى عمل مؤسسي، يعتمد على النشاط الشعبي، ويبتعد عن الدوران في فلك أي نظام عربي.

وما لم يقل علناً في جلسات ذلك المؤتمر قيل في جلسات مغلقة، عبرت عن الخشية من أن يكون هذا المؤتمر آخر مؤتمر عربي يقف علناً ضد التطبيع، ويبدو أن هذا ما حدث في الواقع، بعده تزايد التطبيع، واخترق مجالات كان يغلب على الظن أنها حصينة ضد المطبعين...

إلى أن وصلنا إلى مرحلة تكاد تتهاوى فيها آخر القلاع التي ظلت صامدة، ولعل هذا ما قد يحدث في اللقاء الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش، والذي من المتوقع أن يعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. أغلب الظن أنه مؤتمر تطبيع، وليس لقاء تسوية.

وليست مصادفة بأية حال أن جرت في الأيام الأخيرة اجتماعات بشأن ما يسمى «ممر السلام» بين الأردن والسلطة الفلسطينية والعدو الصهيوني، وبتمويل اليابان....

وهذا الممر يصب بشكل مباشر ليس في مجرى التطبيع فقط، بل فيما يسمى «مشروع الشرق الأوسط» الذي طرحه منذ سنوات شمعون بيريس الذي أصبح رئيساً للكيان الصهيوني، والذي أخذ على عاتقه إجراء مباحثات ـ سرية وعلنية ـ مع قيادات فلسطينية، بشان اقتراحات التسوية، وما يسمى بـ «إطار المبادئ» المنتظر إعلانه في المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس الأميركي، وهو إعلان يقال إنه تعقد بشأنه اجتماعات ولجان سرية!!

والغريب إلى أقصى حدود الغرابة، أن المد التطبيعي العربي مع العدو الصهيوني يحدث بالتعارض على ما يجري في أكثر من بلد غير عربي، اتخذت فيه مؤسسات وهيئات قرارات بمقاطعة مؤسسات في الكيان الصهيوني.

ولعل النموذج الأبرز هنا هو المقاطعة الأكاديمية للجامعات الصهيونية التي أعلنها اتحاد الأساتذة الجامعيين البريطانيين، إلى جانب المقاطعة التي أعلنتها واحدة من أهم الكنائس الأميركية، إذ تشهد أميركا خلال العامين الأخيرين مظاهر يقظة شعبية ضد الموالاة الكاملة للإسرائيليين على حساب الحقوق الفلسطينية..

وبدلاً من أن تتكامل أنشطة مقاومة التطبيع العربية مع هذه الأنشطة الدولية المختلفة والمتنوعة تراخت قبضة المقاومين العرب وتزايد تأثير ونفوذ المطبعين العرب من أرامل «إسرائيل» والصهيونية.

ولعل أخطر مظهر لذلك هو محاولات صهيونية دؤوبة لامتلاك أراض وبالذات في شبه جزيرة سيناء، هذه ناحية والناحية الأخرى هي محاولات إسرائيلية وصهيونية لتحقيق اختراق إعلامي وثقافي وبالذات في الميدان الصحفي، حيث يستغل الصهاينة أغطية مؤسسات دولية وشبه دولية تجمع في عضويتها واجتماعاتها بين العرب والإسرائيليين، مثل اجتماعات صحفيي البحر الأبيض المتوسط، التي تجمع بين الحابل والنابل، فضلاً عن مؤسسات وهيئات أوروبية مختلفة تقر من على مؤسسات وصحف مختلفة مشروعات لتطويرها، وبين شروط العرض إجراء تدريبات أو اجتماعات مع صحفيين إسرائيليين.

ومما لا شك فيه أن مؤسسات صهيونية وإسرائيلية متعددة ترصد وتتابع ما يجري في الساحة الصحفية العربية بعامة, وما نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في العاشر من آب (أغسطس) الحالي بعنوان: «صحفيون مصريون يلمحون إلى إلغاء مقاطعة إسرائيل» وتحدثت فيه عما يجري من استعدادات لانتخاب مجلس جديد ونقيب جديد للصحفيين، وبعيداً عن التفصيلات فإن الصحيفة الإسرائيلية أشارت في مقدمة خبرها إلى أنه من «النادر» أن يجري صحفيون مصريون مقابلات مع شخصيات إسرائيلية ـ أو يكون لهم اتصال بصحفيين إسرائيليين.

وأضافت أن آخرين يفعلون هذا في الخفاء، لتخوفهم من أن يطلع زملاؤهم في نقابة الصحفيين على ما يعتبرونه أداء لواجبهم المهني إذ تحظر النقابة على أعضائها «تطبيع» العلاقات مع «إسرائيل» بل وتهددهم ـ حسب قولها ـ بالعقوبات وتساءلت «هآرتس»: <هل يوشك هذا الوضع على التغيير؟» وقالت إن هنالك احتمالاً بذلك، وبنت توقعها هذا على مقال ربما لم يقرأه أحد، وعلى مظهر أو حدث آخر لم يكتمل بعد.

خبر الصحيفة الإسرائيلية يعبر عن رغبة دفينة من اختراق الوسط الصحفي العربي بعامة والمصري بخاصة، لأنه منذ 1980 حين قررت نقابة الصحفيين المصريين منع أي مظهر للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، وكانت النقابة المهنية الرائدة في ذلك (تنازعها نقابة الأطباء وتقول إنها كانت صاحبة الخطوة الأولى، ولا ضرر من التسابق الحميد في الخبرات) لم يخرج على القرار سوى عدد محدود من الأعضاء، وقد أحيلوا إلى لجان تحقيق كانت من الحنكة والحكمة أنها عالجت الأمور بشكل نقابي ومهني رفيع، وتقبلت في أغلبيتها اعتذار من اعتذر، وتعاملت مع آخرين بأساليب مختلفة، منها مثلاً النظر في أن أحد المطبعين لم تعد الصحافة عمله الأساسي إذ يعمل أستاذاً بالجامعة...

ودون الخوض في التفصيلات، فإن النبأ الذي نشرته «هآرتس» يوحي بأن هناك هجمة تطبيعية جديدة، أو بمعنى أدق مسعى إسرائيلياً لتحقيق ذلك. ومن هنا تأتي أهمية ما سبقت الإشارة إليه من إعادة إحياء وتنشيط لجان مقاومة التطبيع، وخاصة في الميدان الصحفي ـ ولعل اتحاد الصحفيين العرب يعمل ـ من خلال النقابات المنتمية إليه ـ لتطبيق قراره الخاص بعدم ذهاب صحفيين عرب إلى الأراضي المحتلة وإلى داخل الكيان الصهيوني، والاعتماد في ذلك على الصحفيين الفلسطينيين المقيمين في أراضيهم...

هذه ثغرة يجب أن تسد، قبل أن تصبح وسيلة للتطبيع وعلة يستند إليها المطبعون.

وليت مقاومي التطبيع يتنبهون إلى هذا اليوم قبل الغد...

المصدر