هل لغة الاستشهاد هي الحل؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هل لغة الاستشهاد هي الحل؟
توفيق الواعي.jpg

بقلم : د. توفيق الواعي

أثمن شيء في حياة أي أمة محتلة هو صناعة الموت، فبالموت توهب الحياة، وتأتي العزة، وتستقر الكرامة لطلابها، والأمة التي لا تدفع ثمن استقلالها وكرامتها من دمها لا حياة لها ولا وزن ولا مجد، ولغة الاستشهاد اليوم هي اللغة الوحيدة التي ترهب اليهود ومن وراءهم.

وقضية فلسطين اليوم مع ما فيها من آلام ونكبات ومآسٍ هي في الوقت نفسه قد تكون منحة وخيراً في وسط الشر، أما أنها محنة فلأن أحط صنف من البشر، يدنسون أطهر وأشرف بقاع الأرض، مهبط الوحي، ومسرى الرسول ص، ويقتلون، ويشردون، ويعيثون فساداً، وأما أنها منحة، فلأنها جاءت والعالم الإسلامي في أمسِّ الحاجة إليها، لتكشف غشاوة الذلة التي تردت فيها الأمة، وتزيل حجب الاستسلام عن النفوس، وترشد الشعوب إلى ما في صناعة الاستشهاد من نبل وتضحية وربح، كما توجه نداءً إلى المسلمين جميعاً أن انتبهوا واستيقظوا، فقد جد الجد، ووقعت الواقعة، وليس لها من دون الله كاشفة، ولا من دون الوحدة إصباح.

رَبيت جيلاً من الفولاذ معدنه *** يزيده العسف إسلاماً وإيمانا.

أردت تجديد صرح الدين إذ عبثت *** به السنون فهُدت منه جدرانا.

تُرسي الأساسَ على التوحيدِ في ثقة *** وترفعُ الصرح بالأبطالِ مزدانا.

إن صناعة الشهادة، هي لغة النصر والغلبة والفوز، ومن يتحرك من خلالها يكون دائماً مرفوع الرأس، عالي الهمة، موفور الكرامة، أما من يتقدم بعقلية المهزوم، ونفسية المتخاذل، فإنه يحمل الخزي لأمته والهوان لشعبه. وهم ثلة الهدم.. في السفلى مواقعهم، يصعب عليهم الأذى صباح مساء بغياً وعدواناً.

إن صُنَّاع الشهادة قد أقسموا على أنه لا بقاءَ لِليهودِ في هذه المنطقة إلا محكومين. أما حاكمون فلا وألف لا، "إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". ونحن الذين قلنا وسنظل نقول: الله أكبر خربت خيبر، وقد خربت، وسيولي أحفادها إن شاء الله رغم المؤامرات التي تُحاك من اليهود ومن وراءهم، ورغم ما يتعرض له المجاهدون من مطاردات وسجون وتقتيل:

والمصلحون ولمَّا يبرحوا غرضاً *** لكل نازلة في الدهر نكراءِ.

باعوا نفوسهمُ لِلحق ثم رضوا *** حظ النبيين من بؤسٍ وإيذاءِ.

والناس حرب على الأحرارِ مذ خلقوا *** يا شقوةَ الحرِ في دنيا الأرقاءِ.

إن الشدائد والاضطهادات لم تزد الشعوب إلا تمسكاً بحقوقها ودفاعاً عنها، ولم تزد النار إلا اشتعالاً، والشعوب خاصة المسلمة تستطيع أن تحرر نفسها وتقهر عدوها شريطة أن تبتعد عن المؤامرات والفتن، والحق أن قضية فلسطين قد نالها النصيب الأكبر من الفتن وقد كيل لها بالكيل الأوفى من المؤامرات، وكلما ظهر الإصباح ولاحت بشائر النصر، لفَّتها الفتن كقطع الليل المظلم، وجاءتها ظلمات بعضها فوق بعض، أضاعت جهاد المخلصين، ودماء الشهداء المحتسبين، وها هو التاريخ يعيد نفسه، ففي عام 1936 م قامت الثورة الفلسطينية ضد الإنجليز المحتلين، وتجاوبت معها الشعوب الإسلامية في أنحاء الأرض، وأعلن الفلسطينيون الإضراب الذي استمر ستة أشهر، وتعطلت مرافق البلاد، مطالبين الإنجليز بمنع الهجرة اليهودية، وإقامة حكومة وطنية، وحاول الإنجليز منع ذلك بالقوة فالتهبت الأجواء، واعتصم المجاهدون بالجبال الوعرة، وزادت النار اشتعالاً، ولم يزد ذلك الشعب إلا تمسكاً بحقوقه.

فعند ذلك تدخلت الوساطات العربية التي حركها الإنجليز ليجهضوا الثورة العربية التي كادت تؤتي أكلها، ووعدوا المجاهدين بالتدخل الحاسم لحفظ الحقوق العربية، وللأسف الشديد انخدع المجاهدون بالأقوال، وأعلنوا نهاية الثورة، وألفت لجنة مشتركة للنظر في القضية، ظلت زمناً ثم قدمت تقريرها عام 1937 م، والذي أشارت فيه لأول مرة إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين، فثار الفلسطينيون من جديد، وضاع أمل الأمة، وذهبت الدماء التي خضبت أرض فلسطين، وأرواح الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل تحرير أرض المسلمين هدراً، ونُسي الشيوخ الذين أنزل بهم المستعمر ألواناً وحشية من العذاب الذي أعاد إلى الأذهان صورة محاكم التفتيش في أسوأ عهودها، والشباب العربي الذي أرسل بهم الإنجليز إلى المشانق.

وتوالت الثورات، ومنها الثورة الكبرى 1936 م 1939 م، وكان من قوادها الشيخ فرحان السعدي، وفوزي القاوقجي، وتولى قيادة القدس المجاهد عبد القادر الحسيني ، ثم كانت حرب الفدائيين في فلسطين سنة 1947 م، التي شارك فيها الإخوان المسلمون ، والقسَّاميون، وقوات الجهاد المقدس، وكادت هذه القوات تنتصر، فأُوعز إلى السلطات العربية بالتخلص من هؤلاء المجاهدين، فدخلت الجيوش العربية على غير استعداد بحجة محاربة اليهود، وقامت بطرد المجاهدين واعتقالهم.

وبعد مدة عقدت هدنة وتركت الجيوش العربية فلسطين لليهود يمرحون فيها بعد أن أخليت من المجاهدين، وضربت الجماعات الإسلامية في البلاد العربية التي كانت تبعث بالمجاهدين، ثم قامت انتفاضات أخرى، وحاربت اليهود بالحجارة التي لا تملك غيرها، فأُجهضت هذه الأخرى باتفاق أوسلو بمعاونة الأنظمة، ثم جاءت انتفاضة الأقصى المباركة، وامتازت بقوافل الاستشهاديين الأبطال الذين روعوا اليهود فجن جنونهم حتى هدموا المنازل وفعلوا الأفاعيل، ولكن دون جدوى، فعمد اليهود إلى الحيلة المجربة، وهي تدخل الأنظمة، فهل سنفهم الدروس، ونأخذ العبر، حتى تنقشع الغمة؟ نعم إن شاء الله.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى