وحدة القرآن وترابطه .. سعيد حوى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وحدة القرآن وترابطه .. سعيد حوى

إسلاميات - الدليل والبرهان

مقدمة

الداعية سعيد حوى

... يتصور بعض الناس الذين يقرأون القرآن من أهله ومن غير أهله ، أن السورة القرآنية لا تشكل وحدة متناسقة مترابطة ، وأنه لا صلة بين الآيات وإن كانت هناك صلة بين بعض آيات السورة ، فإن السورة ككل فاقدة هذا التماسك ، وكما يتصورون هذا التصور في السورة الواحدة يتصورونه بشكل أكبر بالنسبة للقرآن كله ، ولسورة كلها فلا رابطة بني السورة والسورة ولا رابطة بين سور القرآن عامة .

... وهذا التصور أقل ما يقال فيه ، إنه تصور فاسد يقوم على جهل كبير ، وعلى بساطة في الفكر وضحالة في النظر . فما كان القرآن ليكون كذلك ، وقد رتب الله آياته في السورة الواحدة ورتب الله سوره على الشكل الذي نراه . فإن السيد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يؤمر بأن يضع الآية في مكانها من السورة ، والسورة في مكانها من القرآن ، فترتيب الآيات في السورة الواحدة بوحي ، وترتيب السور في القرآن بوحي ، والله عز وجل حكيم علي ، وقد وصف كتابه بأنه علي وحكيم ، {وَإِنَّهُ فِي? أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} الزخرف : 4 .

... فلا يكون كلام غير الله أكثر ترتيباً ، وأكثر انسجاماً من كتاب الله . وسنذكر هنا نموذجين من الأمثلة . نموذجاً نتبين فيه ترابط السورة القرآنية وتناسقها ، ونموذجاً نبين فيه الصلاة بين سور القرآن عامة ، وإن في كتابنا " الأساس في التفسير " لمزيد بيان .

النموذج الأول

... افتح المصحف على سورة ق وتأمل :

... تبدأ السورة هكذا :

... {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُو?اْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ منْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَاذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضَ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} .

... تبدأ السورة بمقدمة هي الآية الأولى ثم يأتي حرف " بل " ثم حديث عن الكافرين وتعجبهم من بعثة منذر ينذرهم بالبعث بعد الموت . واستبعادهم لهذه المسألة ، ثم يأتي الرد عليهم أنه وإن أصبحوا تراباً فإن الله يعلم ما أخذته الأرض منهم . وإذا كان علم الله كذلك فلا استبعاد لخلقهم مرة ثانية . إذن بإيجاز مقنع ذكر هذا المقطع من السورة إشكالاً للكافرين وردّ عليه فانتهى بذلك المقطع من السورة ليبدأ مقطع جديد والملاحظ في المقطع الجديد أنه كذلك مبدوء بكلمة " بل " كما بدأ المقطع الأولى بكلمة " بل " وفيه حديث عن تصورات للكافرين وردّ عليهم فشأنه شان الأول يقول :

... {بَلْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِي? أَمْرٍ مَّرِيجٍ} ق : 5 .

... هذا موقف الكافرين من الوحي الذي أنذرهم به الرسول ، فيما له علاقة باليوم الآخر ويأتي الرد : {أَفَلَمْ يَنظُرُو?اْ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ }. ق : 6 – 11 .

... هذا الجزء الأول من الرد ، وفيه لفت نظرهم القرآن إلى الكون ليتعرفوا فيه على الله وقدرته ، حتى أوصلهم إلى رؤية إحياء البلد الميت بالمطر ، والنبات يكون ميتاً ينزل عليه المطر فيحيا و ... كذلك الخروج ، بهاتين الكلمتين اللتين تأتيان بعد لفت النظر هذا ؛ يأتي الرد المفحم لهؤلاء الذين استبعدوا بعث الإنسان وكذبوا رسول الله .

... ولا زلنا حتى الآن في المقطع الثاني :

... {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ} ق : 12 ، 15 .

... رأينا في بداية هذا المقطع {بَلْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ} ورأينا الرد الأول ، تتمة الرد يذكر القرآن مشيراً : كما كذب هؤلاء فقد كذب غيرهم .. وبعد أن يعرض علينا هوية المكذبين . يجعلنا نتعجب ونستنكر تكذيبهم ويقيم الحجة عليهم بكلمة { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ} إذا كان الله خالق الإنسان أول مرة ولم يعجزه ولم يتعبه أفيعجز أن يخلقكم مرة ثانية ؟ .

... وبذلك ينتهي المقطع الثاني ليبدأ المقطع الثالث ويلاحظ كذلك أنه مبدوء بكلمة " بل " كما بدأ المقطعان الأول والثاني ، وفيه حديث عن نفس المضمون يقول :

... { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } ق : 15 . الكافرون شاكون في خلقهم مرة ثانية ويأتي الرد على مرحلتين كل مرحلة مبدوءة بكلمة " ولقد " كما كان الجواب في المقطع الأول مبدوءاً بكلمة " قد " عند قوله {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضَ مِنْهُمْ} .

... يقول :

... {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَق ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمَ الْوَعِيدِ * وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ * لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ منْ هَاذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَاذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَّنَّاعٍ للْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ الهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَاكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ * قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ للْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَاذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُل أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي الْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } ق : 16 – 37 .

... وبهذا تنتهي المرحلة الأولى من الرد على شكهم ، وهي مرحلة تذكر بخلق الإنسان . وعلم الله بكل ما يجول بخاطره . ورقابة الملائكة على الإنسان ، وتذكير الإنسان بالموت ، وبالمصير الفظيع الذي أعد للكافر ، وبالمصير المشرق المعد للمؤمن التقي . وإن هذا وعد من الله للمؤمن . وتختم هذه المرحلة بالإعلان أن الإنسان ذا القلب وأن الإنسان الذي يصغي بتدبر ، يكفيه هذا البيان ليتذكر . وتبدأ المرحلة الثانية من الرد وتستمر حتى نهاية السورة .

... { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } ق : 38 – 45 .

... تذكر هذه الفقرة بأن الله خالق السماوات والأرض وما فيهما في مدة قصيرة بلا تعب ، وفي هذا الكلام ردّ مقنع على الشك ، هذا الإله لا يعجز عن إعادة الإنسان مرة ثانية .

... وهل شك الإنسان في محله ؟

... وفي الفقرة أمرة للرسول - r - بالصبر على أقوالهم – الآنفة الذكر – التي رأيناها في المقطع الأول {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ} وفي المقطع الثاني : {بَلْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ} وفي المقطع الثالث : {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} والعبادة لله ويؤكد أن يوم القيامة آت وأنهم محشورون وأن الله يعلم أقوالهم وأنم مهمته أن يذكرهم . فخاتمة السورة إذن تخاطب النبي وتعلمه كيف ينبغي أن يكون موقفه .

... وكما ترى من استعراض هذه السورة . فإن التناسق والترتيب والوحدة والتكامل كل هذه موجودة بشكل واضح في السورة . فإذا ما أتى إنسان مغرض أو معرض . وقال : إنه لا رابط بين الآيات في السورة الواحدة ، فإنه لا شك يدلل على فساد ذوقه ، وعمى بصيرته ، وليس ذلك بضار القرآن شيئاً .

... ولعل هذا المرور الخاطف على هذه السورة وضح لنا تناسق السور القرآنية ووحدتها وانسجامها وترابطها ، وهذا الذي رأيناه هنا نستطيع أن نراه في كل سورة قرآنية من الفاتحة إلى سورة الناس بما في ذلك السور الكبيرة كالبقرة وآل عمران .. ونتيجة لهذا القول نقول : إن الترتيب في كل سورة من سور القرآن كائن بشكل معجز فهو مع كماله في بابه لا يستطيع أن يدركه إلا إنسان بلغ الذروة في نضح التأمل . فهل يمكن أن يكون هذا وليد بيئة أمية ؟ .

النموذج الثاني

... والآن ننتقل لإثبات الأمر الآخر :

... إن القرآن كله مترابط فيما بينه ، يشكل وحدة منتظمة مترابطة .

... أول سورة من سور القرآن هي الفاتحة ويلاحظ أنها أوجزت معاني القرآن كله . فمعاني القرآن كلها تدور حول العقائد ، والعبادات ، ومناهج الحياة ، والسورة بدأت بالعقيدة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وثنت بالعبادات {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وثلثت بمناهج الحياة { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } وبينت أخيراً أن منهاج المسلمين متميز {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّآلِّينَ} ويلاحظ أن آخر فقرة فيها مبدوءة بكلمة { اهْدِنَا } ويأتي في أول سورة البقرة {ال?م? * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } فالرابطة إذن بين سورة الفاتحة والبقرة والقرآن كله واضحة .

... ننتقل الآن إلى سورة البقرة والسورة التي تليها إلى سورة يونس وهي المسماة بالسبع الطِوَل : البقرة ، وآل عمران , والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، والتوبة ، لنرى هل هناك رابطة بين هذه السور :

... نظرة على سورة البقرة نلقيها ترينا :

... 1 - أن السورة مبدوءة بأحرف {ال?م?} ويأتي بعدها عشرون آية تتحدث عن أقسام الناس في المصطلح القرآني . متقين ، وكافرين ، ومنافقين ، وتصف كلاً من هؤلاء .

... 2 – تأتي بعد ذلك خمس آيات مبدوءة بكلمة {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} وفيها دعوة إلى الناس جميعاً أن يكونوا من الفئة الأولى " المتقين " وإن طريق التقوى هو عبادة الله ، وتصف الآيات مظاهر قدرة الله ، وكون القرآن لا شك فيه ، ومصير الذين لا يسلكون هذا السبيل ومصير الذين يسلكونه .

... 3 – تأتي بعد ذلك ثلاث آيات تتحدث عن الله عز وجل والقرآن ، وموقف المهتدين منه ، وضلال الضا لين به وصفاتهم {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَـ?ئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} ومناقشة من يكفر بالله عز وجل .

... 4 – تأتي بعد ذلك آية مبدوءة بكلمة { هُوَ } تتحدث عن الله أنه خلق كل شيء في الأرض للبشر .

... 5 – تأتي بعد ذلك عشر آيات تتحدث عن قصة آدم عليه السلام ، ونزوله إلى الأرض وتختم بالقاعدة التي تحاسب عليها البشرية { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُولَائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .

... 6 - {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ثم تأتي آية مبدوءة بكلمة {يَسْأَلُونَكَ} الآية فيها استفتاء من الصحابة عن قضية لها علاقة بالقتال ثم تفصيلات في أمور كثيرة . حتى تختم السورة . ومن السهل جداً على دارس السورة أن يجد وحدتها ، وليس هذا ما نريده الآن بل نريد إثبات الصلة بين هذه السورة والسور الست التي تليها .

... ولعلك تدهش إذا قلنا لك إن السور الست الطٍوَل التي تأتي بعدها إنما تشرح وتفصل هذه المقامات التي ذكرناها لك بشكل واضح لا يلتبس على المتأمل . وهي تشرح هذه المقامات بالتسلسل الموجود في سورة البقرة وكأن هذه المقامات تحتاج إلى زيادة إيضاح فجاءت كل سورة تشرح كل واحدة منها مقاماً وهاك الدليل :

... 1 – سورة البقرة مبدوءة بأحرف {ال?م?} وسورة آل عمران مبدوءة بنفس الأحرف . سورة البقرة مبدوءة بآية { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } . سورة آل عمران مبدوءة بهاتين الآيتين { اللَّهُ لا? اله إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } .

... العشرون آية الأولى في البقرة تتحدث عن المتقين والكافرين والمنافقين . سورة آل عمران كلها توضح ملامح هذه الفئات الثلاث ، والحدود التي ينبغي أن تقف عليها الجماعة المسلمة في علاقتها مع الفئتين الأخريين .

... 2 – بعد العشرين آية من سورة البقرة تأتي الآية المبدوءة بـ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} والتي تبين للإنسان طريق التقوى وأن التقوى هدف { اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

... وتأتي سورة النساء بعد سورة آل عمران مبدوءة بآية :

... {ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } . نفس النداء . نفس المعاني . وكأنك عندما تدرس سورة النساء إنما تدرس التقوى طريقاً وسلوكاً .

... 3 – وبعد هذه الآيات تأتي الآيات التي تتحدث عن نقض العهد . وتأتي بعد سورة النساء سورة المائدة وهي مبدوءة بالأمر بالوفاء بالعقود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} وفي السورة أكثر من آية تذكر العهود .

... {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} وكأن السورة تذكر المعاني الأساسية للعهود الأساسية التي من تمسك بها اهتدى بهدي القرآن وإلا ضلّ .

... 4 – وبعد آيات سورة البقرة هذه تأتي الآية {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} وتأتي بعد سورة المائدة سورة الأنعام التي تتردد فيها كلمة { هُوَ } { هُوَ } مرات كثيرة . الآية الثانية {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ} والآية ( 19 ) {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} والآية ( 61 ) {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ} و ...

... وهكذا مرات ، وآخر آية في السورة تكاد تكون معنى حرفياً لآية سورة البقرة {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} فكأن سورة الأنعام كها تفصيل لمجمل الآية في سورة البقرة .

... 5 – وتأتي بعد ذلك في سورة البقرة قصة آدم ، وتنتهي بالقاعدة التي ذكرناها {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ .. } وتأتي بعد سورة الأنعام سورة الأعراف والآية الثانية فيها {اتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ} والآية الأولى فيها تقول {ال?م?ص? * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } .

... وتأتي بعد ذلك قصص عن أمم وكيف كان موقفهم من الهدى المنزل عليهم فكأن السورة كلها عرض عملي وتاريخي ومناقشة في جو القاعدة التي انتهت بها قصة آدم في سورة البقرة .

... 6 – وكما أنه بعد آية القتال في سورة البقرة تأتي كلمة {يَسْأَلُونَك} وفيها استفتاء عما له علاقة بالقتال ، فإن سورة الأنفال بعد الأعراف مبدوءة بكلمة {يَسْأَلُونَك} .

... والسورة كلها والسورة التي بعدها وهي سورة " التوبة " تتحدثان عن القتال وأدب الحرب ، ويلاحظ أن السورتين في القرآن مكتوبتان بلا فاصل " البسملة " فكأن السورتين شرح وتوضيح للفريضة التي ذكرها الله في سورة البقرة .

... ونظن أن قد وضحت الرابطة التي تربط هذه السور فيما بينها .

... ولكنك سترى أعجب إن شاء الله تعالى إذا درست تفسيرنا " الأساس في التفسير " .

... ونستطيع ههنا أن نضع أسس نظرية في موضوع الوحدة القرآنية فنقول :

... إن كل مجموعة سور من القرآن تشكل كلاً متكاملاً ، وهذه المجموعات كلها إنما تفصل المعاني التي ذكرتها سورة البقرة على الترتيب مع تبيان وتوضيح وتفصيل ، وقد رأينا مثالاً على ذلك ، ويلاحظ أن كل مجموعة من السور قد عرض الأسس النظرية والعملية للإسلام ، بحيث إن من يقرأ أي مجموعة من هذه المجموعات ، يتذكر بكل الحقائق الأولية في الإسلام . كما يلاحظ أن كل مجموعة من هذه المجموعات قد عرضت هذه الحقائق بلغة وطريقة عرض ونغمة جرس تختلف عن الأخرى ، مما يبهر الإنسان ولا يستطيعه مخلوق : أن تعرض قضيةً واحدة على عشرات الأوجه وبطرق كثيرة من العرض . المعاني في البقرة مرتبة ترتيباً معيناً ، ثم كل مجموعة سور تشكل وحدة تعرض المعاني القرآنية على ترتيب عرضها في سورة البقرة ، هذه المجموعات تتدرج في الغالب من الطول إلى القصر ، كل وحدة تذكر الإنسان بالمعاني الأساسية بطريقة عرض تختلف عما قبلها . ولو تأملت سورة العصر فما بعدها لرأيت نفس ترتيب العرض في سورة البقرة مع فارق القصر ، فهل يمكن أن يكون هذا من عند بشر !

... ولعلنا استطعنا بفضل الله بعد ما تقدم توضيح هذه الآيات التي وصف الله بها كتابه :

... 1 – {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} هود : 1 .

... 2 – { كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ } . الزمر : 23 .

... 3 – {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} {وَإِنَّهُ فِي? أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} فبسبب ما رأيناه كان القرآن مفصلاً ، وكان متشابهاً ، وكان مثاني ، وكان مذكراً ؛ لأن كل جزء منه يذكر بما ينبغي أن يتذكره الإنسان . وبمثل هذا وبمثل ما يأتي بعدُ كان هذا الكتاب على غاية الحكمة ولا يعلوه كتاب أبداً عرفه البشر .

الدليل والبرهان - الرجوع الى فهرس براهين سعيد حوى

المصدر