وصية حسن الحيوان التى نسيناها
كتب: محمد شوكت الملط المحامى
كثير من الناس يفخرون بإنتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين ، وقليل منهمتفخر الجماعة بأنهم ينتمون إليها ، ومن هؤلاء القليل الراحل الدكتور حسن الحيوان ، أستاذ الصدر بطب الزقازيق ، فهو من الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى، وقد صدق من قال (فعل رجل فى ألف رجل خير من قول رجل لألف رجل )، فكان ترجمة عملية لأخلاق الإسلام، وهو من النوع الذى إذا رآه أحد دخل قلبه دون إستئذان ووقره قبل أن يعرفه .
من الصعوبة بمكان أن ترى الإنسان مبتسما طوال الوقت وفى كل لقاء تراه فيه ، ولكن الراحل كان كذلك ، فلم تفارقه الإبتسامة رغم قسوة الأحداث والشعور بالظلم ، فهو البرىء الطاهر الذى زج به فى السجن إفتراء وبهتانا، ومع هذا كنت تراه مبتسما من وراء القضبان ينثر إبتساماته الرقيقة على كل من وجد بقاعة المحكمة –أثناء محاكمته - من قضاة ورجال الأمن ومن المحامين ومن الإخوان .
وكان التواضع سمته الرئيسة ، وهو من العائلة الكريمة ، وأبوه الصحفى الشهير محمد الحيوان،فضلا عن كونه أستاذا فى الجامعة متخصصا فى علاج أمراض الصدر، وكذلك كونه من القيادات الإخوانية البارزة، ولو إجتمعت هذه الأمور فى شخص آخر لما كان هذا التواضع وذاك الزهد ، ولكنه حسن الحيوان ، ولا نزكى على الله أحدا .
من السهل أن تجد رجلا خدوما يحب أن يخدم الناس إذا أتوا إليه ، ولكن الراحل كان يستحث الناس على مقابلته فى المستشفى الجامعى بالزقازيق ليقوم بخدمتهم بنفسه .
وقد قابله كثيرون وهو فى أصعب المواقف ، - موقف سجنه وهو البرىء العفيف الشريف –فلم يروه صابرا محتسبا وفقط ، وإنما كان فوق ذلك راضيا بقضاء الله وقدره ، وقليل من العباد هو من يصل إلى هذه الدرجة الإيمانية الرفيعة ، أما خفة ظله وقفشاته فقد كانت من أجمل سماته الشخصية ، ولكنها كانت مقيدة بالأدب الجم والصدق والإحترام .
وكان آخر لقاء جمعنى معه فى منزله بفاقوس ، فى اليوم التالى للإفراج عنه وقبل وفاته بيومين ،لم يرو لنا فى هذا اللقاء ما لاقاه -هو شخصيا – فى السجن من عنت وقسوة وسوء معاملة ، وإنما لحسن أخلاقه - وهو حسن – حكى لنا عن الحسنة –ربما تكون الوحيدة – التى رآها فى السجن وهى معاملة طبيب السجن له معاملة طيبة وأرسل معنا سلاما وتحية له .
لم يتحدث عن نفسه ولكنه تحدث عن آخرين، عن المساجين الجنائيين وما يتعرضون له من إهانات من سجانيهم ،ونوم على الأرض دون غطاء ، وتعاطيهم المخدرات وحبوب الهلوسة ، والصراخ طوال الليل ، وإنتشار الأوبئة فيما بينهم ، و من أخطرها الأمراض الجلدية وبالأخص الجرب، وهناك من السلوكيات الشاذة التى قد تحدث فيما بينهم ، دون رقابة أو متابعة من أحد .
وأوصانا – ونحن لاندرى أنها الوصية الأخيرة –بأن نقوم –نحن المحامين – بتوصيل هذه المعلومات إلى منظمات المجتمع المدنى ومنظمات حقوق الإنسان ، لكى تتخذ إجراءاتها المطلوبة تجاه هذه الظاهرة الخطيرة.
ولكننا نسيناها لأسباب خارجة عن إرادتنا ، فقد شغلتنا أحداث جامعة الأزهر العام الماضى ثم حملات الإعتقالات المتوالية –والتى لم تتنته حتى الآن –ولم نقم بتوصيل وصيته ، ولعل هذه الكلمات تكون هى التى تحمل هذه الوصية لتوصيلها لمن يهمه الأمر .
اللهم بلغت ...اللهم فأشهد.
رحم الله هذا الراحل الكريم الذى ما كان يعيش لنفسه ولكنه كان يعيش للأخرين .
المصدر
- مقال:وصية حسن الحيوان التى نسيناهاإخوان أون لاين