يا رجال الشرطة إن انتقام الشعب شديد وانتقام الله أشد
بقلم:القاضـي/محمود رضا الخضيري
لا يكاد يمر أسبوع دون أن تطالعنا الصحف بخبر واقعة تعدي بعض رجال الشرطة على مواطنين دون ذكر سبب مقنع لهذا التعدي بل وصل تجاوز الشرطة إلى فئات من الشعب كانت دائماً أبعد ما يكون عن هذا التعدي مثل القضاة، حيث أنه لا أحد يعرف قدر القضاة أكثر من رجال الشرطة المتعاملين معهم ورغم ذلك لم يسلموا من التعدي عليهم وتجاوز بعض رجال الشرطة معهم إلى حد لا يمكن قبوله أو السكوت عليه.
يوجد في الحياة أسلوبان للحكم أسلوب تخضع فيه جميع تصرفات الأفراد والحكومات للقانون الذي ينظم الحياة ويعطي كل ذي حق حقه ويمنع التجاوز حتى في اقتضاء الحقوق ويحول دون عدوان الأفراد بعضهم على بعض أو عدوان الحكومة على الأفراد أو تعدي الشعب على الحكومة إن وجد وهذا هو الأسلوب الأمثل في الحكم، وإذا لم يكن هناك قانون ينظم حياة الناس ويحفظ أرواحهم وأموالهم فإن البديل يكون هو أسلوب القوة حيث يصير القوي هو المتحكم في مصائر من حوله بلا ضابط ولا رابط ويصبح المجتمع غابة يأكل فيها القوي الضعيف وهناك تتحول حياة الناس إلى جحيم لا مكان فيه إلا لمن تجرد من قلبه وضميره، وهذا يؤدي إلى انهيار المجتمعات وتفكك الدول وضياع الشعوب، ومن هنا كان حرص الناس على سيادة القانون حتى يطمئن كل إنسان على حاضره ومستقبله وينصرف الناس على العمل والإنتاج فتتقدم الأمم وترتقي الشعوب.
إلا أن البعض لا يسعده وجود هذا القانون الذي يحد من حريته ويحول دون استعمال سلطته في غير موضعها فيسعى إلى إعطاء القانون إجازة تتيح له أن يصول ويجول بغير رادع يردعه وعندما تتغير الظروف وتزول قوته يصيح قائلاً أين سيادة القانون لتحميه بعد أن ذهبت عنه القوة التي كان يحتمي بها وتمكنه من أن يحمي نفسه ويتغول على الآخرين.
ما يحدث من رجال الشرطة هذه الأيام هو تغول وإساءة استعمال للسلطة المخولة لهم في حفظ الأمن والنظام ومنع وقوع الحوادث التي تعكر الجو العام للدولة وتجعل المواطنين يعيشون في أمان، وهذه هي المهمة الأساسية لرجال الشرطة والتي بدونها يفقدون في نظر الناس مبرر وجودهم، لم توجد الشرطة فقط لحماية الحكام حتى على حساب القانون ولو توجد الشرطة لكي تصبح طبقة متميزة عن الناس مطلوب منهم إطاعة أوامرها حتى إن كانت مخالفة للقانون، قال لي أحد الأفراد إنه أثناء سيره على الطريق شاهد ضابطاً ينهال ضرباً على مواطن والناس من حوله يقفون مذهولين خائفين والأمر العجيب كما ذكر محدثي أنه كان يقف إلى جوار الضابط بعض المخبرين الذين كانوا ينكرون على الشخص الذي يعتدى عليه الضابط مجرد رفع يده بطريقة تلقائية لمحاولة توقي بعض الضربات التي كانت تنهال على وجهه وكأنه ليس من حقه حتى توقي الاعتداء هذا السلوك الغريزي الذي يقوم به الحيوان عندما يشعر بأن يداً تمتد إليه لتحاول النيل منه، مؤخراً حدثت أربع حوادث أثارت الناس ضد الشرطة وجعلتهم يسألون أنفسهم هل هذا الجهاز أو هذه الهيئة هي حقا موجودة لحماية الشعب أو التعدي عليه وحرمانه من أبسط حقوقه وهي الحرية وسلامة جسمه وماله، حادثتنا منها كانت من نصيب قضاة، حادث أسوان حيث تم التعدي على ثلاثة قضاة أثناء مغادرتهم أسوان عن طريق المطار وتم التحقيق فيها وحبس أحد الضباط وإخلاء سبيل اثنين بكفالة وهم جميعا الآن في انتظار المحاكمة عن الجرم الذي ارتكبوه والثانية في كفر الشيخ ولم نعلم ما تم فيها والغريب في حوادث تعدي الضباط على أفراد الشعب ومنهم القضاة أن الشرطة لا تستطيع تصور أن أحد أفرادها يمكن أن يكون محل تحقيق ومحاكمة ومساءلة وتعتقد أن اعتذار المتعدي وبعض قيادات الشرطة للمتعدى عليه كفيل بمحو الجرم الذي ارتكبه الضابط، لا أعرف لماذا ضابط الشرطة بالذات يمكن أن ينتهي عدوانهم على الناس بالاعتذار دون أن يكون هناك مجال لمحاكمتهم والحكم عليهم مثل أي فرد من أفراد الناس، عندما حدث التعدي على الأخ الزميل الأستاذ محمود حمزة أمام نادي القضاة وفعل معه بعض ضباط المباحث أمن الدولة ما فعلوا كما هو معروف لدى الكافة وأدى العدوان عليه إلى مكوثه عدة أيام طريح الفراش في المستشفى ظلت النيابة في عهدها السابق تماطل في تقديم القضية إلى المحاكمة ورفض نادي القضاة أن يقبل مهزلة الاعتذار وأن يكون مكاناً لهذا العمل الذي يساعد على شيوع استهتار رجال الشرطة بكرامة القضاة، وقبل رئيس النقض الحالي رئيس مجلس القضاء الأعلى أن يكون مكتبه مسرحاً لهذه المهزلة وحضر إليه مع الضابط المعتدي والزميل المجني عليه اللواء مدير أمن القاهرة للاعتذار وقبل رئيس النقض هذا الإجراء الذي يقلل من هيبة القضاء ولم يطلب حتى أن يكون ممثل الشرطة الحاضر هو وزير الداخلية حتى تتناسب مع كرامة وهيبة المكان الذي تم فيه الاعتذار واعتقد أن وزير الداخلية في تعاليه لم يكن يرضى بأن يحضر ويعتذر وهو الذي يتعالى على مجلس الشعب ولا يحضر ويرسل أحد أعوانه بدلا منه واكتفى بمدير الأمن وهذا من رئيس النقض تصرف قلل من هيبة القضاء في نظر الناس.
وأخيرا كان الحادثان اللذان يدلان على مدى استهتار بعض رجال الشرطة بالقانون وبكرامة الناس وحرياتهم وأرواحهم، حادث تعدي أحد رجال الشرطة على المهندس حمادة عبد اللطيف فيما عرف بموقعة مدرسة الجزيرة والتي يعرفها أهالي الإسكندرية بالذات والتي نشرها الكاتب الكبير الأستاذ فهمي هويدي في بابه اليومي في جريدة الدستور في عددها الصادر في 12/10/2008 هذا التعدي الذي أصاب المهندس بشلل رباعي ولا زال نزيل المستشفى والغريب عندما هممت بزيارته كلفتة إنسانية أن يخبرني محاميه أن هذه الزيارة قد تسبب لي بعض الحرج لأن المهندس المجني عليه محبوس على ذمة القضية لأن الشرطة عندما علمت بإصابته الخطيرة وخشيت العواقب التي يمكن أن تحدث للضابط الذي تعدى عليه قامت بتحرير محضراً تتهمه فيه بمقاومة رجال الشرطة وانقلب وضعه من مجني عليه إلى متهم فأمرت النيابة بحبسه وكأنه لم يكفها ما هو فيه من حبس رباعي حتى تقوم بحبسه قانوناً ثم قامت المحكمة بالإفراج عه ولكن النيابة إستانفت قرار الإفراج وتم تشكيل دائرة خاصة في إجازة العيد أعادت حبسه حتى تكتمل المهزلة.
هذا المهندس المتهم المجني عليه شاهدت واقعة التعدي عليه على النت وهي واقعة تقشعر منها الأبدان وحتى الآن لم نسمع عن التحقيق فيها وقد شاهدت ابنته ذات الأعوام الستة ترفع أكف الضراعة إلى السماء طالبة من الله الانتقام ممن أصاب والدها بالشلل الرباعي بأن يصيبه الله بذات المرض وأعتقد أن دعوتها مستجابة لأنها دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب والله ناصرها ولو بعد حين وأخر هذه الحوادث المؤسفة التي قام بها بعض رجال الشرطة ممن تجردوا من الضمير هو الحادث الذي تعدى فيه ضابط على امرأة حبلى فأسقط حملها وتوفيت وعندما حاول الأهالي التعدي عليه أطلق أعيرة نارية لإرهابهم ثم فر هارباً فقام الأهالي بإحراق سيارة الشرطة التي كان يستقلها انتقاما منه ومن الشرطة بصفة عامة وهكذا يمكن أن يتحول شعور الناس إلى رغبة في الانتقام من رجال الشرطة الذين كان يجب أن يكونوا هم في حماية الناس.
كان شعار رجال الشرطة في الماضي، الشرطة في خدمة الشعب باعتبار أن الشرطة جزء من الشعب وفي خدمته ولكن تفتق ذهن البعض الذي رأى أنه لا يجب أن تكون الشرطة في خدمة الشعب بل الشعب هو الذي يجب أن يكون في خدمة الشرطة فتم رفع شعار أخر هو الشعب والشرطة في خدمة الوطن وكأن الشرطة شيء مغاير عن الشعب أو قل هي فوق الشعب ولا أعرف المقصود بالوطن إلم يكن هو الشعب وهل المقصود وهو الأرض دون الشعب المقهور الضعيف.
وجود رجل الشرطة في أي مكان في الدنيا يشعر من فيه بالأمان أما في مصر فإن وجود رجل الشرطة في مكان ما يكون مدعاة للخوف والتوجس من أن أمرا ما يمكن أن يحدث يعكر صفو المكان الذي يوجدون فيه، وبعض رجال الشرطة سعداء بالسلطات الاستثنائية التي يعطيها لهم قانون الطوارئ وأقول لهم أن من قصر النظر الشعور بهذه السعادة لأن سيادة القانون حماية للحاكم والمحكوم والسلطة اليوم قد تكون لك فتحميك مؤقتاً ولكن عندما تزول عنك فإنك لن تجد إلا القانون تحتمي به، يا أخوتي رجال الشرطة أنتم من أقصر الناس عمراً في الوظيفة وهي مهما علت فمن السهل على من يسخركم أن يعصف بكم ولقد شاهدت بعض كبار رجال الشرطة في المعاش يتلمسون رضا ضباط صغار دون جدوى ورأيت بعضهم ممن عصف بهم يترددون على مكاتب المحامين طلباً للحماية القانونية التي كانوا يفاخرون بالخروج عليه أثناء عملهم.
اخوتي رجال الشرطة أنتم جزء من الشعب وما تقدمون اليوم أثناء وجودكم في الخدمة هو لكم عند الشعب رصيد إن خيراً فخير وإن شراً فشر وإن كان شراً صرتم أعداء للشعب يمكن أن ينتقم منكم عندما يجد الفرصة لذلك وخاصة إذا لم يتمكن من الانتقام بالقانون وهذا طبعا غير انتقام الله الذي لا يتسامح في حقوق العباد ما لم يتسامح العباد في حقوقهم.