يا هذه الدنيا.. أطلي واسمعي
بقلم: أ.د/ توفيق الواعي
أطلِّي على هذه البقعة المباركة فلسطين لترَي شعبًا أبيًّا يأبى الذلة رغم القهر والجوع والاحتلال وتخلِّي أشقائه وأهله عنه، ومساعدتهم لأعدائه، واسمعي صيحات البطولة، وكلمات العزّ والفخار والتضحية التي قلَّما تحملها الأيام أو تعيها الليالي الحبالى.
وأعتقد أن هذا الشعب المبارك سيُعيد الكرامةَ المهدرَةَ لبني جلدتنا، ويقدِّم للبشريةِ تراثًا ضخمًا من المعاني والمواقف التي تسرَّبت من جوانحها في أزمانها البئيسة وحوادثها الجسام؛ حيث تروي وكالات الأنباء ما يُذهل الأسماع ويُدهش القلوب عن صمود هذا الشعب، فتقول وكالة (قدس برس):
أعرب مواطن فلسطيني عن استعداده لبيع منزله الذي شيَّده حديثًا في سبيل تقديمه للحكومة الفلسطينية، مؤكدًا أن ما يتعرَّض له الشعب الفلسطيني من مقاطعةٍ دوليةٍ إهانةٌ للشعب الفلسطيني.
وقال المواطن عدنان أبو هنية (48 عامًا)- من سكان بلدة حوارة جنوب نابلس-: إنه لاحظ أن المجتمع الدولي يوجِّه أكبر إهانة في تاريخ القضية الفلسطينية إلى الشعب الفلسطيني، وقضى عدنان حوالي ستة أعوام في الادخار من عمله كصاحب مطعم شعبي متواضع في بلدته، حتى تمكَّن من تشييد منزله الجديد.
ويضيف موضحًا: إنه- وعلى خلفية هذه المقاطعة الظالمة للحكومة الفلسطينية المنتخبة ديمقراطيَّا والتي قلَّ نظيرها في العالم بأسره- على استعداد لتقديم منزله الجديد إلى هذه الحكومة، وأن يجعله تحت تصرف رئيس وزراء فلسطين إسماعيل هنية أو مَن ينوب عنه، كما أنه مستعدٌّ أن يبقى مع أبنائه وأطفاله الستة في منزله القديم الضيق ستة أعوام أخرى، على أن يشعر بأنه فعل شيئًا للمساهمة في الحفاظ على كرامة شعبه، مؤكدًا أنه لن يموت هو وأطفاله من الجوع إذا ما باع منزله من أجل كرامته وكرامة شعبه.
وعلى الرغم من أن "أبو هنية" لا علاقةَ له بأي حركة أو فصيل سياسي فلسطيني، فإنه يشعر بأن عليه دورًا وواجبًا شرعيَّا ووطنيَّا للمساهمة في دفع هذا الظلم عن الحكومة والشعب الذي اختار تلك الحكومة، مؤكدًا أنه على قناعةٍ بأن هذا الحصارَ ليس المقصود منه حركة حماس، وإنما الشعب الفلسطيني بأسره.
فتاة تتبرع بحليها
مواطنة أخرى في ريعان شبابها عرَّفت نفسها بأنها "ابنة الدعوة" أتت إلى الشيخ عدنان عصفور- أحد قيادات حركة حماس في نابلس- وأعطته علبةً فيها حليٌّ ذهبيٌّ وأرفقتها برسالة، وطلبت منه إيصال هذا المصاغ والرسالة إلى المسئولين في الحكومة.
وأكدت "ابنة الدعوة" في رسالتها دعمَها للحكومةِ الفلسطينية، وطالبتها بالثباتِ على مواقفها، وتحمُّل الأعباءِ الملقاةِ على عاتِقها رغم كل العقبات، مؤكدةً أن هذا كل ما تملكه.
وفي تعقيبه على هذا الموقف قال الشيخ عصفور: إن هذا ليس غريبًا على نساء فلسطين اللاتي جُدْن بفلذاتِ أكبادهن في سبيل الله، ومن أجل الدفاع عن الحقوق والثوابت الفلسطينية، مضيفًا أن قيمة هذه الحليّ لا تكمن في قيمتها المادية، وإنما فيما تحمله من معانٍ ساميةٍ ومؤشراتٍ على مدى الاستعداد لدى المواطن الفلسطيني للتضحية في سبيل الحفاظ على المبادئ والثوابت.
وأكد أن هذا الموقف من "ابنة الدعوة" وغيره من المواقف المشابهة المُشرِّفة لن يزيد الحكومة الفلسطينية إلا إصرارًا فوق إصرارها على المضيّ في طريقها وقيادة الشعب الفلسطيني نحو العزة والكرامة والتحرير.
وموظفون يتبرعون برواتبهم
وفي بادرةٍ هي الأولى من نوعها أصدرت مديرية أوقاف طولكرم مساء السبت 15/4 بيانًا أعلنت فيه أن المدير والموظفين تبرَّعوا براتب شهر مارس كاملاً للحكومة الفلسطينية؛ دعمًا وإسنادًا لها في مواقف العزة والشرف والممانعة لأعداء الأمة والوطن.
وقال البيان- الذي حمل عنوان "دعمٌ وتأييدٌ لحكومة دولة رئيس الوزراء الرشيدة"-: إننا نتقدم بهذه المبادرة؛ تضامنًا مع حكومتنا الرشيدة المجاهدة ووقوفًا في وجه هذه الهجمة الشرسة الظالمة.
وعلى غرار ما حدث بطولكرم أعلن العاملون في بلدية نابلس عن تبرعهم بأجرِ يومٍ واحدٍ من شهر أبريل الماضي لصالح الحكومة والشعب الفلسطيني، وأصدر قطاعٌ كبير من العاملين بيانًا أعلنوا فيه انطلاقًا من إيمانهم بعدالة القضية والنضال وتضامنًا مع أبناء الشعب الفلسطيني وحكومته الفلسطينية ضد الهجمة الشرسة التي تتعرض لها وخاصة استحقاقات شعبنا المالية.. فإن الموقِّعين على البيان من العاملين في بلدية نابلس يتبرعون بأجرهم، وقال أحد موظفي البلدية: إن الخطوة انطلقت بدايةً من عدد من العاملين، ثم انتقلت إلى باقي الأقسام حيث خرجت الفكرة إلى النور.
صامدون رغم البطالة
يقول عابد (ذو الأربعين عامًا)- والذي قضى خمسة أعوام ونصف العام معتقَلاً في سجون الاحتلال-: "أعيش مع عائلتي على حدِّ الكفاف، ولم نصل في أي يوم من أيام السنوات العشر الطويلة إلى حافة الجوع، لم نصرخ ولم نقتحم مؤسسات لنطلب وظائف توفر لنا راتبًا بسيطًا يؤمِّن حياتَنا، فحالي كحال نحو 65% من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يعانون الفقر والبطالة خلال السنوات العشر الماضية، دون أي راتب يدخل عليهم من أية جهة كانت، عدا ما تُوفِّره بعض الجمعيات لنصف هذا العدد من المحتاجين، الذي ما سمعنا عن واحد منهم قد مات جوعًا رغم حجم الفاقة التي أصابتهم"، ويضيف عابد: أنا أرفض مقايضة النضال بوظيفة أو تحسين رواتب، فنحن نحترم دماء آلاف الشهداء وآلام عشرات الآلاف من الأسرى وآهات المعذَّبين.
تضحية وصمود ورجولة أمام المحتلين، ودفاع عن الكرامة والمقدسات، وبعض دولنا "الكبرى" تُمنِّي النفس بأن يتفضل عليها "أولمرت"- رئيس وزراء (إسرائيل)- بزيارةٍ تجبر كسرها وتشدّ أزرها، وتتوسط لها عند أمريكا ضد شعبها!! وقد أكد المراقبون السياسيون- ومنهم الدكتور أحمد ثابت (أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة )- أن القيادة أصبحت في الفترة الأخيرة تفضِّل اللجوء إلى (إسرائيل) كوسيطٍ لها لدى واشنطن، إذا كانت في حاجةٍ لانتزاع موافقة أمريكا على حزمة من القرارات ضد شعبها؛ لأن القناة (الإسرائيلية) هي الأسرع والأقصر، ولا عزاءَ للمقدسات أو لشعب فلسطين ، وسلام على المجاهدين.. والحمد لله رب العالمين.
المصدر
- مقال:يا هذه الدنيا.. أطلي واسمعيإخوان أون لاين