الفرق بين المراجعتين لصفحة: «أمين هويدي مع عبد الناصر»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''وفي حدود ذلك  نحدد العلاقة بين القيادتين في الآتي:'''
===الفصل الثالث العاشر: القنوات الخلفية ل[[عبد الناصر]]===


* إعلان الحرب وانتهاؤها وإيقاف القتال أو استئنافه من أعمال القيادة السياسية ومعني ذلك أن توجيه الضربة الأولي قرار سياسي لأنها تعني إعلان الحرب.
قبل كلام كثير عن القنوات الخلفية التي كان يفتحها [[عبد الناصر]] مع الأعداء والأصدقاء على حد سواء البعض حاول أني يختلق اتصالات لم تحدث والبعض الآخر حاول أن يستغل اتصالات حدثت فعلا ليلوي حقيقتها ويلقي ظلالا على أهدافها والغرض من ورائها .


* للقيادة السياسية الحق في تحديد أغراض ذات أهمية إستراتيجية خاصة ومن الواجب على القيادة العسكرية وضع ذلك في الاعتبار عند وضع الخطط وتوزيع القوات المشكلة بها في العمليات إذ قد ترى القيادة السياسية في ذلك فائدة سياسية أو يمكن اعتبارها ورقة رابحة في  أية مفاوضات تالية .
وقبل أن نبدأ في الحديث عن ذلك في إطار معلوماتي وضمن ما تسمح به القيود المفروضة على السرية لابد وأن نحدد ما نعنيه بالقناة الخلفية  أو القناة السرية.


* للقيادة السياسية حق التعيين والعزل للقيادة العسكرية وهذا أم طبيعي يحدث في كل وقت ومكان لأن القيادة العسكرية إذا حاولت تغيير القيادة السياسية فإن هذا يعتبر خيانة عظمي في حالة فشل المحاولة وقد يعتبر ثورة أو انقلابا في حالة نجاح المحاولة فتنشره وسائل الإعلام في صدر أخبارها تماما كما علمونا في الصحافة '''" إذ عض  كلب رجلا لا يعتبر هذا خبرا صحفيا ولكن إذ عض رجل كلبا يعتبر هذا خبر صحفيا."'''
فصاحب القرار علاوة على الاتصالات  التى تقوم بها اجهزته الرسمية سواء كانت اتصالات علنيةأو سرية لتزويده بالحقائق الكافية لإعطاء قراره أوتنفيذه فإن له الحق في أن تكون له قنواته الخاصة التي تتم إما بطريق مباشر معه أو عن طريق غير مباشر مع إحد أجهزته لتزوده بمعلومات ربما لا تكون في متناول أجهزته الرسمية أو ربما لايريد الطرف الآخر لها أن تعرف إلا كما يقال عن طريق الهمس ومن الفم إلى الأذن دون وسيط أو طرف ثالث أو القيام بإجراءات قد تسبب الحروجة للأجهزة الرسمية إن هي قامت بتنفيذها .


* للقيادة العسكرية أن تعترض على كل المهام التي تكلف بها أو على بعضها فإذا أصرت القيادة السياسية على المهمة مع استمرار عدم اقتناع القيادة العسكرية عليها أى على القيادة العسكرية أن تترك موقفها لمن يقبل تنفيذ المهمة.ولكن إذا قبلت القيادة العسكرية القيام بالمهمة فإنها تصبح مسئولة عن نتائجها .
هذه القنوات  في غاية الأهمية خاصة بالنسبة لطبيعة الصراعات القائمة سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى العالمي فهي صراعات يمتزج فيها القتال بالتفاوض ويمتزج فيها الوفاق مع التناقض .وهي علاقات بالتالي معقدة وخطيرة يخشي فيها أن يفلت الزمام مما يحتم هذا الاتصال في حالة الوئام وفي حالة الخلاف .


* وزير الحربية  مسئولة  مسئولية كاملة عما يجرى في القوات المسلحة وهو ممثل القيادة السياسية في قمة الجهاز العسكري وعليه أن يقود جهازه ولا يسمح بحدوث العكس . ولذلك فإن الجمع بين منصبي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة إجراء خاطئ وشاذ إذ يسقط رقابة الدولة الواجبة على وحدتها العسكرية ويجعل وزير الحربية ذا القبعتين دون رقابة على أعماله في واقع الحال أقول هذا بالرغم من أنني كنت صاحب اقتراح الجمع بين المسئوليتين وأنا على وشك تركي  لمنصبي كوزير للحربية للظروف الاستثنائية التي كانت سائدة كإجراء مؤقت يتناسب مع موقف معين ولكن استمرار هذا الوضع فيه خطورة أكيدة من '''"خروج"''' المؤسسة العسكرية عن إطارها المفروض أن تعمل داخله .
لأن العلاقات الدولية علاقات مصالح قد يحدث فيها تكامل وقد يحدث فيها تعارض وحينئذ لا يكون الاتصال واجبا بين الأصدقاء فحسب بل هو واجب أيضا مع الأعداء وقد يصل التناقض بين دولتين إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما ولكن هذا لا يمنع أبدا  من استمرار الاتصال عن طريق الوسائل المعروفة أحيانا أوعن طريق القنوات الخلفية أحيانا أخرى فهذا أحد ضروريات ممارسة [[السياسة]] .


* القيادة العسكرية خاضعة لرقابة الدولة من خلال مناقشة سياستها في المجالس المتخصصة أو في مجلس الوزراء وفي المجالس النيابية بل وفي الصحافة كما يجب أن تخضع مصروفاتها لرقابة الأجهزة المختصة في الدولة شأنها في ذلك شأن الأجهزة الأخرى بغض النظر عن السرية حتى تتأكد الدولة من الإنفاق السليم الصحيح للموارد المتاحة . مع تفرغ القوات المسلحة لواجباتها دون أن يناط بها واجبات أخرى .
وهناك فارق كامل بين القناة الخلفية أو القناة السرية وبين العمل السري فالعمل السري يتم من وراء الظهر وهو يدخل في أعمال المخابرات أو الجاسوسية ولكن القناة الخلفية تتم بمعرفة الدولتين أو الأطراف المعنية ويحدد مستواها تبعا  لاتفاقها على هذا المستوى . ووجود القناة السرية لا يمنع القيام بالعمل السري فكلاهما وسيلتان ضروريتان في كافة الأحوال أعني في حالة الصداقة والعدواة على حد سواء.


* توفر القيادة السياسية المناخ السياسي الملائم لعمل قواتها المسلحة كما توفر لها الإمكانات المالية اللازمة لتوفير المعدات الملائمة وعليها ألا تتدخل في كيفية قيام القوات المسلحة بتنفيذ المهام الملقاة على عائقها ولكن لا يمنع هذا من إبداء النصح وإعطاء المشورة .
وهناك فارق أيضا بين القنوات الخلفية والأبواب الخلفية فالأخيرة هي علاقات شخصية تتجاوز الأصول الواجبة والتي يمارسها صاحبها في الخفاء وبتكتم شديد وهي  لا تدخل في حديثنا من قريب أو بعيد .


* تتم التعيينات في المناصب  العسكرية الكبرى بتصديق وموافقة السياسية إذ يتوقف الأمن القومي للبلاد على حسن اختيار هؤلاء الأفراد ..علاقات واضحة متوازنة كما نرى ولكنه وللأسف الشديد لم تكن مرعية عند التعامل ووسط ذلك أمسكت بتلاببينا حرب [[1967]] والتي انتهت بالنكسة .
ولنأخذ مثلا إحدى القنوات الخلفية الشهيرة وهي ما تعرف بعملية '''"بنسلفانيا"''' وهو الإسم الكودى لبدء الاتصالات السرية بين واشنجطن وهانوى أثناء الحرب الفيتنانية والتي قام بها هنرى كيسنجر حتى بدأت المفاوضات الرسمية في باريس بين الجانبين .  


'''النكسة'''
بدأت القناة بداية مثيرة فيمارس عام [[1967]] حينما كان يعمل كيسنجر مستشارا لهنرة كابوت لودج  سفير الولايات المتحدة في فيتنام الجنوبيةبناء على موافقة '''"الرئيس لندون جونسون"''' الذي حدد له مأموريته فيالبحثفي موضوع '''"التورط الأمريكي في فيتنام"''' وانتهي كيسنجر إلى قرار وافق عليه الجميع هو الانسحاب من فيتنام مع حفظ الهيئةالأمريكية ولكن كيف يتم ذلك؟ هذه هي المشكلة إذ رفض الجانب الآخر الاتصال رفضا باتا .


لن يكون قصدى ولو للحظة واحدة أن أتحدث عن النكسة وما حدث فيها إذ سبق أن ذكرت تفاصيل ذلك في كتابين صدرا لى وهما:كتاب أضواء على أسباب نكسة [[1967]] وعلى حرب الاستنزاف في كتاب حروب عبد الناص ولكن كل ما نقصده ذكر بعض الحقائق المتعلقة بالموضوع الذي نحن بصدده والتي قادت إلى الليلة العصبية .
إذن كان لابد من الاتصال عن طريق ثالث لإنشاء قناة خلفية بعيدة كل البعد عن  القنوات الرسمية... وتم ذلك في الوقت السابق عندما اجتمعت '''"البجواش "''' في باريس وكان من أهم قرارات المؤتمر الاهتمام بمشكلتي الشرق الأوسط وفيتنام مع التركيز على ضرورة بدء الاتصالات لحل مشكلة فيتنام من خلال الحكومة الفرنسية التي  تسمح علاقاتها الخاصة بذلك.


الحقيقة الأولي هي أن القرارات السياسية لم تصدر من خلف ظهر القيادة العسكرية وهنا لابد وأن نفرق بين القائد السياسي والقيادة السياسية فالقائد السياسي هو الرئيس الذي يمارس سلطاته بموجب الشرعية القائمة سواء كانت شرعية ثورية أو شرعية دستورية أما القيادة السياسية فهي المجموعة التي تعاونه في إصدار القرار وفي حالتنا كان القائد السياسي هو [[عبد الناصر]] وكانت قيادته السياسية ممثلة في مجلس  قيادة الثورة ثم في مجلس الرئاسة ثم أخيرا في اللجنة التنفيذية العليا .
وقد اختار '''"ديجول"''' اثنين للقيامبذلك هما '''"ريموند أو براك" و"ماركو فتش "''' وكان الأول على علاقة وطيدة مه هوشي منه الذي تعرف به أثناء ذهابه إلى باريس عام [[1946]] للتفاوض مع الحكومة الفرنسية للحصول على استقلال بلاده وسكن بجوارأوبراك وتصادق الرجلان إلى حد أنهوشي منه عمل كالأب الروحي لأحد أبناء أوبراك .


وكذلك الحال مع القائد العسكري وهو '''"[[عبد الحكيم عامر]]"''' والقيادة العسكرية المتمثلة في القادة الكبار في القوات المسلحة .
وسافر الرجلان إلى هانوى ليفتحا باب الاتصال بين الجانبالأمريكي والجانب الفيتنامي إلا أن الجانبالآخر كان يرفض ذلك إلا بشروط فلا يجوز أن  يغيب تحت رفع  شعارالسلام '''"من هو المعتدي  ومن هو المعتدى عليه لأن مجرد رفع هذاالشعار يضع الولايات المتحدة وهانوى على قدم المساواة "'''  


وكان [[عبد الحكيم عامر]] القائد العسكري ممثلا دائما في القيادة السياسية بصفتيه:نائب رئيس  الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة.وكان يعتبر أقوي الأعضاء من حيث تجميع المسئوليات ومن حيث السلطات.ولا يمكن أن يخطر ببال أحد أن '''"عامر"''' كان عاجزا في أى وقت من الأوقات عن الاعتراض على ى قرار .
واستمر الوضع على ما هو عليه أى اتصال الجانبين عن طريق طرف ثالث حتى تمكن أحد أصدقاء كسينجر من الفرنسيين وأحد المشتركين عام [[1946]] في المفاوضات بين فيتنام وفرنسا ويدعي '''" جان سانتيني "''' من فتح الطريق أمام كيسنجر للإتصال مع '''"إكسوان ثوى "''' وزير خارجية هانوى لتبدأ المفاوضات السرية بين الجانبين دون علم باقي المؤسسات الرسمية إلا بالقدر الذي تحتمه الضرورة


وهنا يلاحظ ملحوظة هامة ففي الوقت الذي كان '''"عامر"''' لا يجد أى عقبات في أن يتواجد في القيادة السياسية فإنه كان في نفس الوقت يمنع القيادة السياسية من ن تباشر سلطاتها داخل القيادة العسكرية ويحول بينها وبين ذلك بكل الوسائل ..
وقبل كلام كثير عن قيام الرئيس [[أنور السادات]] بفتح قناته الخلفية مع وشنجطن عن طريق أجهزة المخابرات في البلدين وهي التي تمت من خلالها تبادل رسائل كثيرة قبل حرب [[أكتوبر]] [[1973]] وبعدها أثارت الكثير من علامات الاستفهام بدأت تلك القناة في فبراير [[1973]] حينما قام '''" رونالد كانرال "''' رئيس مجلس إدارة '''"البيبسي كولا"''' بترتيب لقاء بين حافظ إسماعيل مستشار الرئيس [[السادات]] لشئون الأمن القومي وبينهنرى كيسنجر مستشار الرئيس نيكسون لشئون الأمن  القومي أيضا في واشنطن ومن تلك الفترة بدأت هذه القناة الخلفية في العمل بنشاط  ومن وراء ظهر الدكتور محمود فوزى رئيس الوزراء.


والدليل على أن القيادة العسكرية كانت على علم بكل ما يجرى منذ بداية الأزمة أن خطابا بتاريخ 16 / 5/[[1967]] وجه من الفريق محمد فوزي رئيس هيئة أركان الحرب بناء على أوامر من '''"عامر"''' إلى الجنرال '''"ريكي"''' قائد قوة الطوارئ الدولية إرسال بسحب قواته فورا من نقط المراقبة على الحدود الشرقية علما بأن هذا الموضوع ليس عسكريا بل كان المفروض أن يتولاه وزير الخارجية المصري وفعلا تولي وزير الخارجية الأمر مع يوثانت السكرتير العام للأمم المتحدة الذي أصدر أوامره بسحب القوات يوم 17 /5/ [[1967]]  
وقد تممن خلال هذه القناة تبادل أخطر رسائل حددت النتائج التي أفرزتها حرب [[أكتوبر]] [[1973]] .من أخطر الرسائل المتبادلة في تلك  الفترة هي الرسالة التي أرسلتها [[القاهرة]] في 7/ 10/ [[1973]] إلى هنرى  كيسنجر والتي تقول :


وهنا يجب أن نلاحظ كيفية صدور الأوامر داخل القيادة العليا للقوات المسلحة دون دراسة أو ترو لدرجة أنه بعد صدور الخطاب الأول إلى الجنرال ريكي بسحب القوات من الحدود الشرقية رأت القيادة إيقاف توجيه الخطاب إلى المرسل إليه ولكن كان الخطاب قد وصل فعلا إلى الجنرال  '''"ريكي"''' دون النجاح في الحيلولة دون وصوله.ويلاحظ أيضا تجاوز القيادة العسكرية اختصاصاتها إلى مجالات أخرى الأمر الذي كانت قد اعتادت عليه منذ زمن طويل.
:#إن الاشتباكات التي تحدث حاليا في المنطقة لا يصح أنتثير أى دهشة لدى جميع أولئك الذين تتبعوا الاستفزازت الإسرائيلية المستمرة على الخطوط اسورية أواللبنانية فحسب بل أيضا على الجبهة المصرية وكثيرا ما لفتنا النظر إلى مثل هذه الاستفزازات التي لمتتوقف قط رغم الإدانة الدولية.
:# وعلى ذلك فقد كانعلى [[مصر]] أن تتخذ قرارا بمواجهة أيةاستفزازات إسرائيلية جديدة بالحزم وبالتالي أن تتخذ الاحتياطات الضرورية لكي تواجه أى تصرف إسرائيلي من قبيل ذلك الذي جرى فوق سوريايوم 13 /9/ [[1973]] .
:#المصادمات التي حدثت على جبهة القناة كنتيجة للاستفزازات الإسرائيلية كان المقصود منها من جانبنا أن نطهر لإسرائيل أنه لم يكن يساورنا الخوف أو أنه لا حول لنا ولا قوة وأننا نرفض الاستسلام لشروط تخطيط عدواني يهدف إلى احتجاز أرضنا كرهينة للمساومة .
:#وكنتيجة للاشتباكات فإن موقفا جديدا قد نشأ في المنطقة ولقد كان طبيعيا توقع تطورات جديدة في خلال الأيام القليلة القادمة فإننا  نود توضيح إطار موقفنا .
:#إنهدفنا الأساسي لا يزال كما كان دائما تحقيق سلام في الشرق الأوسط وليستحقيق تسويات جزئية
:#إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات أوتوسيع مدى المواجهة .
:#وأؤكد لكم مرة أخرى الرسالة التي لابد وأنتكون قدوصلتكم من مستر روكفلر والتي كانت تؤكد على .


يعني كانت القياد العسكرية تعلم وتنفيذ دون أن تعترض أو تناقش !!!والموضوع الأخطر هو موضوع غلق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية. كان الغلق يعتبر من وجهة نظر إسرائيل بمثابة إعلان الحرب إذ أنها كانت قد أعلنت ثلاث حالات تعني من وجهة نظرها إعلان الحرب ضدها اختراق حدودها وغلق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية وتغيير نظام الحكم في [[الأردن]] .  
::'''(أ‌)''' إن إسرائيل لابد وأن تنسحب من جميع الأراضي المحتلة .


هذا الموضوع ناقشته القيادة السياسية بطريقة سليمة داخل اللجنة التنفيذية العليا ووافق عليه جميع أعضاء اللجنة دون استثناء ولما تساءل السيد صدقي سليمان رئيس الوزراء في ذلك الوقت عن تأثير ذلك على رد فعل إسرائيل رد عامر بحدة '''"لا يمكن لقواتي التي تمركزت هناك أن ترى العلم الإسرائيلي وهو يمر أمامها"'''  
::'''(ب‌)''' وعندئذ سنكون على استعداد للمساهمة فيمؤتمر  سلام بالأمم المتحدة .


وصدرت أوامر القيادة العسكرية إلى قائد قوات شرم الشيخ بغلق الخليج دون ذكر تفصيلات مبنية على دراسة ... المشير قال يغلق شرم الشيخ ..والقيادة تبلغ قائد شرم الشيخ  بغلق الخليج وانتهي الأمر !! تسبب  عن هذه الطريقة '''"الببغائية"''' في إعطاء الأوامر تخبط فئد شرم الشيخ وتساؤلاته العديدة ووصلته الأوامر التفصيلية بعد ذلك بأيام !!!
::'''(ت‌)''' إننا نوافق على حرية الملاحة في مضايق تيران ونقبل كضمان تواجدا دوليا لفترة محدودة .


الموضوع إذن نوقش في القيادة السياسية وواقفت عليه دون اعتراض أحد من الأعضاء وبحضور وموافقة القائد العسكري الذي اجتمع مع أعضاء قيادته العسكرية وأعطاهم التعليمات بعد أن كانت القوات قد تمركزت في مواقعها.ووافق الجميع وأصدروا التعليمات دون دراسة أو مناقشة لم يعترض أحد ولم يناقش أحد!!
وبناءعلى ما ورد لكسينجر عن طريق هذهالقناة الخلفية ف وبناءعلى ما ورد لكسينجر عن طريق هذه القناة الخلفية فإنه دعا لجنة الأمن القومي لاجتماع عاجل تم عقده في نفس اليوم ودارت المناقشات داخل اللجنة تحاول تحديد الموقف العربي إلا أن كسينجر قال في ثقة ردا على ما قاله أحد الأعضاء من أنه من الصعب عليه تصور أن [[السادات]] سيبقي على الضفة الشرقية للقناة '''"إن رأيي أنه سوف يبقي هناك "''' إنني أعرف أنه لن يتقدم أكثر من ذلك


أقول هذا لأن الجميع بعد ذلك ودون استثناء أخذوا '''"يتفلسفون"''' ويتساءلون وينتقدون ويناقشون وكانت المصيبة قد وقعت والكارثة قد حلت فحرب الكلام سهل وأيسر من حرب السلاح!!!
'''ويضيف كسينجر في مذكراته:'''


الحوادث التي ذكرناها تعني أن القائد العسكري كان على علم بتفاصيل تطور الأزمة السياسية وكان بدوره يطلع أفراد  العسكرية على كل ما يجرى ولم يثبت أن أحد أعترض أو ناقش . ومعني ذلك أيضا أن القيادة العسكرية قبلت التصدي للمهمة ووافقت على تطور الأحداث .
:" إن [[السادات]] حافظ على عهده في اتصالات سابقة بألا يثير الكراهية ضدنا لا خدمة لنا ولكن لأنه لم يكن يرغب في دفعنا أكثر إلى جانب إسرائيل في الخطوات القادمة كانت خطة إنشاء علاقة معنا تجعلنا ليس فقط من الناحية الرئيسية بل من الناحية النفسية وسطاء"


لو أنها اعترضت على ما يجرى أو بعض ما يجرى وأصرت القيادة السياسية على السير في طريقها كان على القيادة العسكرية أو من اعترض منها أن يتنحي ويستقيل ويذهب ويخلي محله لمن يرغب في التصدي والقيام بالمهمة ولكن أما وقد وافقوا جميعا على القيام بالمسئولية فإنهم يتحملون نتائجها وتبعتها .
قصدت من هذه الإطالة إظهار هذه القنوات الخلفية في تقرير مصير الدول والشعوب ولم أقصد أبدا تقييم '''"السياسات "''' التي تبودلت خلال هذه القنوات والتي دار عليها نقاش حاد في أجهزة الإعلام المختلفة إذ أن هذا قد يكون له مجال آخر.


'''الحقيقية الثانية:''' هي أن القيادة العسكرية حركت قواتها إلى [[سيناء]] وهي تعلم أن صداما أكيدا سيحدث مع إسرائيل. قيل كلام كثير على أن القيادة السياسية كانت تتخذ خطواتها من باب '''"التهويش"''' وأنها لم تكن تتوقع أن قتالا سينشب وأن الأزمة مفتعلة كان يراد بها مجرد الضغط السياسي ..
هذه القنوات الخلفية تؤدى أدوارا أخطر كثيرا مما تؤديه القنوات الرسمية أو العلنية كما شاهدنا .ٍولكن هذه القناة الأخيرة التيقيل إنها فتحت أيام الرئيس السادات كانت مفتوحة من قبله ومن أيام [[عبد الناصر]] وهذه حقيقة معروفة تثبتها الوثائق الرسمية ولكن كان الرئيس السادات كما كان الحال مع بعض فراعنة [[مصر]] – دائما ما ينسي الماضي أويشوهه وكان في الوقت نفسه ينسب كل شئ إلى ذاته بالحقيقة أو بالباطل.


ولنأخذ هذا على أنه حقيقة مسلمة وإن كان الأمر على خلاف ذلك ونناقشه على هذا الأساس القوات المسلحة بغض النظر عن أهداف القيادة السياسية أصبحت في حالة تأهب كامل وتحركت من أماكنها في القاعدة عبر خطوط المواصلات إلى أماكن تمركزها في الخطوط الدفاعية الأمامية وأصبح بينها وبين العدو في بعض المناطق مسافات لا تتجاوز 2-3 كيلو مترات .  
فتحت هذه القناة في [[يونيو]] [[1969]] بين المخابرات العامة المصرية وبين وكالة المخابرات المركزية في واشنطن ضمن قنوات اتصال متعددة بينالبلدين أقلها كان يتم عن طريق مكتب الإشراف على المصالح ولكن أكثرها كان يتم بطرق خلفية متعددة فبعد قطع العلاقات الرسمية بين البلاد العربية والولايات المتحدة الأمريكية كان الزائرون يتنقلون في زيارات متبادلة يحاولون فيها سبر غور المواقف هنا  وهناك وكان تبادل الرسائل قائما .  


ما هي الترتيبات التي اتخذتها القيادة العسكرية لتأمين قواتها ضد أى إجراء مفاجئ يقوم به العدو خاصة بعد أن أصبحت قاب قوسين و أدني منه؟ ما هي الخطط التي أعدتها لمواجهة أى ظروف عير متوقعة ؟
رسائل تصل ويرد عليها رئاسل تصل ولا يرد عليها إلى أن تطورالأمر إلى وضع أكثر صراحة ورسمية بإنشاءمكاتب الإشراف على المصالح هنا وهناك والتي كانت في الواقع أقرب إلى مكاتب البريد منها إلى الإشراف على المصالح كانت الرسائل الواردة أو الصادرة تصل إليها لتعيد توزيعها  على من يهمهم الأمر فمثلا كانت مبادرة روجرز المشهورة عبارة عن رسالة شفهية قرأها '''"برجس"''' المشرف على المصالح الأمريكية في [[القاهرة]] من أوراق مكتوبة كانت في حوزته .


جائز للقيادة السياسية أن تستخدم قواتها المسلحة كعامل ضغط للحصول على مكاسب سياسية ولكن غير جائز أن تقترب القوات المسلحة من مكمن الخطر وهي غير مستعدة أو غير متأهبة خاصة أمام عدو  غادر تصل لأخبار المتوالية عن استعداداته وتجهيزاته .
كانت وكالة المخابرات المركزية تلح من جانبها على فتح هذه القناة بعد انتهاء حرب [[1967]] مباشرة وقام بالمحاولة أحد رجال المخابرات المركزية وهو '''"وليم بروميل"''' وكان خبيرا بالشرق الأوسط. وكان الرجل في العراق قبل أن تفجرت ثورة ثموز عام [[1958]] وحضر قيام الثورة هناك وسقوط العرش الهاشمي وإقامة الجمهورية وكان في [[القاهرة]] عام [[1966]] وحضر حرب [[1967]] ومكث فترة بعدها ثم كان في طهران بعد ذلك إلى أن أرسلته وكالته إلى [[القاهرة]] في [[يونيو]] 1969 لتكرار المحاولة .


وعلينا أن نستمر في مجاراة هذا الكلام الذي قيل . ما دخل هذا الغرض السياسي في أن القوات المسلحة لم تخض قتالا بالمعني المفهوم؟ فلاهي هاجمت ولا هي  دافعت انسحبت بل كل ما فعلته  القيادة  لعسكرية أنها انهارت وتفككت وأصبحت غير قادرة عل توجيه قوتها الوجهة السليمة في مواجهة الضربة المتوقعة وليس معقولا أن تلعب القيادة السياسية بالقوات المسلحة حتى لو كان  غرضها من وراء ذلك فرضا سياسيا؛
قام بمحاولته الأولي لفتح القناة الخلفية بعد الحرب مباشرة كما سبق القول ولكن لم تكن الظروف تسمح بذلك على الإطلاق فلم تكن الأمور قدوضحت بعد وكان التركيز كله على إعادة ترتيب المنزل من الداخل كنانبني  من جديد بعد النكسة الشديدة التي أصابتنا .ولم يكن في تقديرنا في تلك الفترة أن اتصالا من هذا النوع يمكن أن يعود بنتائج إيجابية من تلك النتائج التي يمكن الحصول عليها عن هذا الطريق .


لأن اللعب بالقوات المسلحة كان يمكنها أن تمنع قيام الحرب أصلا لأنها أتقنت استعداداتها  وسدت الذغرات الموجودة في تنظيماتها وخططت التخطيط المتكامل لردود فعل ناجحة على أفعال العدو المتوقعة ... أقول لو أن القوات المسلحة قامت بواجباتها فعلا قبل بداية الأزمة فإن العدو المتيقظ كان سيشعر بذلك وما أقدم على ما أقدم عليه لأن مجرد الاستعداد الصادق يمنع العدوان .
فالاتهامات ثقيلة بالنسبة لقيام الولايات المتحدة الأمريكية بدورخطير في تدبير العدوان ثم كان موقفها بعد ذلك موقفا معاديا على طول الخط وذهبت في تأييدها لإسرائيل إلى حد بعيد ثم كان في اعتقادنا أن أى حوار مثمر لا يمكن أن يتم إلا من مصدر قوة وكانت قوتنا قد أهدرت في [[سيناء]] وهذا لم يمنع قيام الحوار عن طريق قنوات أخرى كثيرة .


'''بعد مناقشة هذا الغرض علينا بعرض الحقائق الآتية التي تثبت أن القوات المسلحة كنت على يقين من قيام العدوان:'''
كان الموقف في [[يونيو]] 1969 مختلفا عنه عقب النكسة مباشرة بالنسبة لقبول أو رفض فتح هذه القناة الخلفية.فقد كان الموقف في الولايات المتحدة أصبح جاهزا لذلك من وجهة نظر المخابرات العامة المصرية إذ تبلور الموقف في رأيين داخل الإدارة الأمريكية.


:'''(1)''' ففي يوم 14/5/ [[1967]] عقد المشير عامر مؤتمر في قيادة القوات الجوية حضره قادة أفرع القوات المسلح وكبار القادة وأعطى توجيهاته بناء على ما وصله من معلومات تؤكد وجود حشود كثيفة للقوات الإسرائيلية على الحدود السورية وقد تحدد موقفنا أنه إذا وقع عدوان على [[سوريا]] فلابد من تدخل القوات المصرية تنفيذا لاتفاقية الدفاع المشترك بين [[القاهرة]] ودمشق ثم أعطي توجهاته لحشد قوات في مسرح [[سيناء]] تكون قادرة على الدفاع بل على القيام بأعمال هجومية إذا لزم لأمر .
كان الرأى الأول يري الموقف من خلال النظرة التقليدية للسياسة الأمريكية إلى الصراعات الإقليمية إذ تنظر إليها دائما من ناحية انعكاس نتائجها على الصراع القائمين وشنجطن وموسكو على المستوي العالمي وفي إطار هذه النظرة فإن أصحاب هذا الرأي كانوا يرون عدم الإقدام على حل الأزمة بل الاكتفاء بإدارتها إذ أن طول الوقت وامتداده سوف يجعل العرب المؤيدين للإتحاد السوفيتي ينتقلون إلى الجانب الآخر نتيجة ليأسهم من الوصول إلى حل عن طريق مشاركة الاتحاد السوفيتي وترتيبا على ذلك


:ولم يعترض أحد  من القيادة العسكرية لأنه لو تم اعتراض لحدثت فرملة '''"لتوالي"''' الأحداث بعد ذلك.وفي يوم 15/5 أصدر المشير في مؤتمره الذي عقد في مكتب قائد القوات الجوية والدفاع الجوى برفع درجة الاستعداد لوحدات الدفاع الجوى إلى أعلي درجت الاستعداد كما أصدر توجيهاته بالسيطرة نفس اليوم بدأ مركز القيادة المتقدم في العمل وعين الفريق عبد المحسن ومرتجى قائدا للجبهة
'''فلقد رفعوا شعارين :'''


:ولم يعترض أحد ولم يذكر أحد أعضاء القيادة العسكرية شيئا عن عدم استعداد القوات المسلحة أو عجز تدريبها كما حدث بعد وقوع المصيبة على رأسنا بل كثرت التصريحات الصحفية عن مستوى الكفاءة القتالية الهائل  للقوات .
:'''الشعار الأول''' أنه لا يمكن إيجاد حل عن طريق النظم الثورية أى التي تتعامل مع موسكو بأى حال من الأحوال وكان


:وفي يوم 16/5/[[1967]] صدر قرار سحب قوات الطوارئ الدولية وأضاف المشير إلى قراره توجيهات بأن هذا الإجراء قد يكون مبررا لقيام إسرائيل بعمل عسكري خصوصا بعد ظهور تحركات إسرائيلية في اتجاه حدودنا ثم أضاف المشير بعض التفصيلات إلى الأعمال التعرضية التي ستقوم بها قواته عند بدء القتال.  
:'''الشعار الثاني''' أنه لا يمكن للسلاح السوفيتي أن ينتصر على السلاح الأمريكي بأى حال من الأحوال ولذلك فإنه من الواجب الوقوف أمام أى حل  سلمي تشترك فيه موسكو وعرقلته وفي نفس الوقت الإمداد المستمر لإسرائيل بالأسلحة المتطورة بحيث يكون التوازن دائما في جانبها .


:بل إذا قرأنا الخطاب المرسل إلى الجنرال ريكي والموقع من رئيس الأركان لوجدنا أهي نص على أنه '''" أصدر أوامره  لقواته لتكون مستعدة لأى عمل ضد إسرائيل في نفس اللحظة التي ترتكب فيها أى عمل عدواني ضد أى دولة عربية وطبقا لهذه الأوامر فإن قواتنا تحشد الآن في [[سيناء]] وعلى حدودنا الشرقية "'''.ومن يطلع على يوميات الحرب يجد المزيد وفي هذا ما يكفي .
أما الرأى الثاني فكان ينظر إلى الموقف كنظرة أصحاب الرأي  الأول تماما من خلال النظرة التقليدية للسياسة الأمريكية إلى الصراعات الإقليمية أى النظر إليها من ناحية نتائجها ومردودها على الصراع العالمي بين وشنجطن وموسكو ولكنهم كانوا يختلفون في النتائج المترتبة على ذلك .


:'''(2)''' ثم تجد ن شمس بدران وزير الحربية في مقابلته يوم 26/5/[[1967]] لالكسى  كوسيجين رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي يصور الموقف كالآتي وكما أنقله من نقاط متفرقة من مذكراتي .
فبقاء الأزمة دون حل سلمي لها سيوطد العلاقات بين النظم الثورية وبين الاتحاد السوفيتي بل سيتيح للإتحاد السوفيتي الفرصة لكى يمد علاقاته إلى دول أخرى في المنطقة على أساس معاداة واشنطن للأماني العربية مع وقوف الاتحاد السوفيتي مؤيدا لها ثمتأثير عدم الوصول إلى حل نتيجة المواقف الأمريكية سوف يؤثر دون شك على النظم التقليدية في المنطقة والتي على علاقة وطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية إذ أنها ستجد نفسها في موقف لا يمكن تبريره وأخيرا في الاتحاد السوفيتي مؤيدا لها؛


::'''(أ)''' أود أن أبلغكم  والرفاق أننا في غاية القوة وقادرون على الموقف الحالي تماما ولا تخشوا علينا شيئا .
ثم تأثير عدم الوصول إلى حل نتيجة المواقف الأمريكية سوف يؤثر دون شك على النظم التقليدية في المنطقة والتي على علاقة وطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية إذ أنها ستجد نفسها في موقف لا يمكن تبريره وأخيرا فإنه لا يمكن إغفال تأثير بقاء المنطقة دون حل أزمتها الراهنة على المصالح الأمريكية الموجودة خاصة المصالح النفطية ولذلك فإنهم كانوا ينادون بفرض القيد على التسليح الأمريكي لإسرائيل وضرورة فتح الحوارمع النظم العربية على اختلاف معتقداتها.


::'''(ب)''' حينما وصلتنا معلومات من سفارتنا بموسكو يوم 13/5/[[1967]] وكذلك في نفس اليوم من رئيس أركان حرب الجيش السورى عن الحشود الإسرائيلية على الجبهة السورية اتخذنا قرارا سريعا بتحريك جزء كبير من قواتنا إلى [[سيناء]] وتم حشد هذه القوات ومركزتها في 48 ساعة من صدور الأوامر .
وبناء على ذلك فإنه كان من صالحنا فتح القناة حتى يمكننا أن نؤثر في الحوار الدائر في وشنجطن فلم يكن من المعقول أن نظل بعيدين عنه وكنا نعتقد بأن هذا لوتم فإنه سيكون حوارا من نوع آخر غير الذي يقوم به الدبلوماسيون بطريقتهم التي تزيد من تعقيد الأمور ولا تحلها خاصة وأن الحوار سيتم بطريقة غير رسمية وفي الوقت نفسه فهو حوار غير ملزم لأى طرف من الأطراف فلا يعقل مثلا أن يتم الحوار بين وزراء الخارجية أوبين رؤساء الدول على أساس شخصي أو غير رسمي علاوة على أن هؤلاء يحاولون أثناءقيامهم بالحوار  أن يثبتوا دائما أنهم أكثر لباقة من الطرف الآخر بطريقة حذرة تحسب فيها الكلمات بالموازين الدقيقة .


::'''(ت)''' الروح المعنوية  عالية جدا فالقوات المسلحة لا تنسي عدوان [[1956]] وقد زار المشير  القوات ووجدنا روح الضباط والجنود عالية لدرجة أننا كمن نلجم الحصان .
كانت هذه هي الصورة التي أوضحتها للرئيس عبدالناصر وأنا أعرض عليه رأينا بخصوص '''"فتح هذه القناة الخلفية"''' حينما علمت بوصول '''"وليم بروميل"''' إلى [[القاهرة]] وبعد المقابلات التمهيدية التي تمت بينه وبين بعض المساعدين .


::'''(ث)'''أن قواتنا موزعة في عدة محاور حتى أن إسرائيل اليوم لا تعرف من أين سيأتيها الهجوم ولذلك سحبت قوات كبيرة من الجبهة السورية إلى جبهة [[سيناء]] ومركزتها أمامنا وأصبحت حرية الحركة أمامها محدودة جد وواضح من توزيع قوات إسرائيل وبعثرتها أنها في حيرة .
ووافق [[عبد الناصر]] بعد تردد لأن الرجل كان قد فقد ثقته نهائيا في الولايات المتحدة الأمريكية شاكا في نواياها حذرا من تصرفاتها وقد أثبتت الأيام أنه كان على حق في شكوكه وحذره ولكنه وافق على أساس أن المصلحة تقتضي ذلك فليس للعداوة أو الصداقة الكلمة الأولي في ممارسة [[السياسة]] .


::'''(ح)''' قواتنا في شرم الشيخ قادرة على قرار منع الملاحة الإسرائيلية في الخليج وقادرة على حماية نفسها ولها قاعدة إدارية خلفية وقوات جوية قادرة على عمل ستارة جوية في جميع الأوقات وهذه القاعدة الجوية مؤمنة ضد أى هجوم عليها .
وبناء على ذلك حددت موعدا لمقابلة وليم بروميل مندوب وكالة المخابرات المركزية وكان الرجل سعيدا بالمقابلة لأن ذلك في حد ذاته كان يعتبر رسالة لحكومته بأننا رغما عن حماقتها وعداوتها راغبون في الحوار وأننا لسنا كما كتب البعض بعد ذلك مع الأسف الشديد من أنصار غلق أبواب الحوار وسدها.


::'''(ح)''' [[قطاع غزة]] حولناه إلى  جذر دفاعية قوية بحيث لا يمكن لإسرائيل أن تحتل أى مدينة منه ولقد صممنا أنه إذا حاولت إسرائيل قطع الطريق بين غزة ورفح فإن هذا معناه الحرب ودخول قواتنا إلى داخل إسرائيل .
لقد كان هناك إتفاق عام ومن أول وهلة على ضرورة تحديد الغرض من هذه القناة الخلفية وعلى أن يكون الغرض عند تحديده مثمرا وإيجابيا فكل إنسان في استطاعته إقامة اتصال وعلاقة ولكن أن يكون هذا الاتصال مثمرا والعلاقة إيجابية فهذا شئ آخر .


::'''(ز)''' إسرائيل حتى بعد أسبوع من الاستعداد لن يمكنها عمل شئ ضد قواتنا وإلا ستنال ضربة قاصمة وحتى إذا وجهت جميع قواتها إلى جبهتنا وتركت باقي الجبهات خالية فنحن مستعدون لإسرائيل ومن هم وراء إسرائيل فلا يهمنا أمريكا ولا خلاف أمريكا لأننا أصحاب حق صحيح نحن لسنا في قوة الولايات المتحدة ولكن إذا تدخلوا في المعركة فسوف نتصدى لهم إلى آخر قطرة من دمائنا وهذا ليس كلام حماسي ولكنه تقرر فعلا .
ولم يكن من المتصور أن يكون الحوار من خلال هذه القناة الخلفية في نطاق التعاون بين جهازى المخابرات في البلدين لأن مفهوم التعاون في هذا المجال بيني  على وجود هدف واحد مشترك تسعى الدولتان لتحقيقه كأن يكونمثلا القضاء على نظام ما في دولة أخرى وهنا لابد من اطلاع كل طرف على مالدى الطرف الآخر من معلومات تمكن من تحقيق الهدف المشترك ولم يكن الأمر هكذا بين الدولتين فكل منهما تريد '''"قطع رقبة الأخرى "''' ولكن بفارق رئيسي أن إحدى الدولتين معتدية والأخرى معتدى عليها .


::والحديث يصور الحالة التي كانت تعيشها القيادة العسكرية في وقت الأحداث وأحب أن أؤكد بناء على اتصالاتي الشخصية في ذلك الوقت أن جميع من قابلتهم كانوا تحت شعور الزائدة في دحر إسرائيل ولم يكن حديث شمس بدران هذا إلا انعكاسا واقعيا لشعور القيادة دون استثناء .
ولم يكن من المتصورأيضا أن تيم الحوار على أساس اختلاف أهداف الطرفين مع عدم تعارضهما أوتصادمهما فإن الأغراض كانت مختلفة ولا يسير هذا الخلاف في خطوط متوازية ولكنها خطوط  ولم يكن هناك خلاف على ذلك بين وجهتي النظر إذ يتم الحوارفيهذه المجالات بصراحة كاملة لايترك وراءها شكا أوغموضا .


:'''(3)''' في المؤتمرات التي عقدت بعد ذلك كان الموقف يشير إلى تصعيد خطير علاوة على تأكيد القائد السياسي بأن صداما مسلحا أصبح هو الحل الوحيد للأزمة السياسية القائمة أمام إسرائيل . ففي مؤتمر  25 / 5/ [[1967]] الذي رأسه [[عبد الناصر]] نوقش موضوع الضربة الأولي والضربة الثانية واتخذ قرار بعدم قيامنا بالضربة الأولي . وفي مؤتمر 2/6/ [[1967]] برئاسة [[عبد الناصر]] أيضا حدد الرئيس تقديراته في أن إسرائيل سوف تبدأ عملياتها يوم 5/6/ [[1967]] وأنه ستبدأ عملياتها بضربة جوية وأنها يتحاول حسم الموقف عسكريا في فترة قصيرة .  
ولكن بقي جانب واحد يكن الاتفاق على العمل فيإطاره وهو ضرورة وجود استقرار في المنطقة يبني على أساس سلام عادل إلا أن بروميل وهو ينقل رأي وكالته أضاف بعض التوضيحات أن الهدف المشترك لفتح هذه القناة في رأيهم هو إيجاد حل للأزمة العربية الإسرائيلية بدون حرب كذا إيجاد طريقة تتيح للولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى أن تسهم بطريقة ما في تنمية [[مصر]] وكان الرجل  قلقا من تزايد العلاقة بين [[القاهرة]] وموسكو وعلى ثقة في الوقت نفسه من أن [[القاهرة]] قد استعادت قدرتها بصورة ملحوظة خلال العامين السابقين .


:'''(4)''' ولم يكن هذا تقدير الرئيس وحده بل كان البعض يتفق مع هذا التقدير . ففي مقابلة لى للفريق مذكور أبو العز محافظ [[أسوان]] في ذلك الوقت وكنت أنا وزير الدولة في أوائل [[يونيو]] [[1967]] وقبل العدوان أكد لى مدكور انه يتوقع قيام العدو بضربة جوية كاسحة واتفقت معه في ذلك تماما وكان هذا إلى جانب مزايا عديدة يتمتع بها مدكور سبب في أن أرشحه قائدا للقوات الجوية بعد النكسة وقد وفق الرئيس على الترشيح واستلم فعلا عمله الجديد في 11/ 6/ [[1967]] على ما أذكر .
وتم الاتفاق على أن يكون الغرض هوتبادل وجهات النظر بصورة صريحة ودقيقة قد لا تسمح بها الاتصالات الرسمية الأخرى دون ترديد وجهات النظرالقائمة على أنها منزلة من السماء كما تم الاتفاق على أن يكون ممثلهم هنا هو '''" يوجين ترون"''' الذي أمضي ثلاث سنوات كاملة في سيلان وفي قبلها خدم في لبنان والعراق وقدم اسمه إلى وزارة الخارجية المصرية للحصول على موافقتها لينضم الرجل عند مجيئه إلى مكتب الأشراف على المصالح الأمريكية في [[القاهرة]].


:'''(5)''' والشئ الغريب حقيقة أن القيادة العسكرية ورغما عن كل ذلك لم تواجه الأمر بما  يستحقه من اهتمام ولا هي ترجمت هذه التوقعات أو القرارات إلى خطط عسكرية أو إلى تعديلات في الخطط القائمة بدليل أن '''"المشير"''' اختار يوم 5/6/[[1967]] بالذات للقيام بزيارة [[سيناء]] وتم القضاء على قواته الجوية الجوية وهو مازال في الجو ومعه قائد القوات الجوية وقائد الدفاع الجوى في نفس الوقت ورئيس هيئة العمليات وفي نفس الوقت كان كل أعضاء القيادة العسكرية في [[القاهرة]] في منازلهم يتناولون طعام الإفطار وكانت قيادات [[سيناء]] كلها في مطار تمادا في انتظار وصول '''"المشير "'''!!! يعني لم يكن هناك عضو واحد من أعضاء القيادة العسكرية في موقعه ليدير المعركة وقت الضربة الجوية ....!!!
وتمت الموافقة وحضر '''"يوجين ترون"''' ليتولى مع مندوبنا فتح قناة خلفية جديدة مهد لها '''"وليم بروميل"''' من قبل ...!!وبدأت القناة فيعملها المثير ... ولكن ماذا تم فيها ؟!! وهذا ليس ملكنا فلا يجوز إذنأن نتحدث عنه وأظنه سيبقي كذلك لوقت طويل قادم.


ولنا أن نتصور  مصير قوات بلا أى قيادة !!! وبعد هذا التفريط يجد البعض الشجاعة  بعد ذلك ليتحدث عن عيوب وسلبيات خاصة بعد أن تكدوا أن '''" المشير "''' قد انتحر وأن '''" الرئيس "''' قد مت وبعد " خراب مالطة" كما يقل . فكانوا بذلك كمن سكت دهرا ونطق كفرا .
كانت هذه القناةإذن قناة غير مباشرة للرئيس [[عبد الناصر]] بين جهازين سريين على قرب من دائرة اتخاذ القرار ومؤثرين فيه وبالرغم من كل ذلك فإن الحوار غير ملزم . وكان الحوار يسجل وبدقة ويرفع للرئيس أولا بأول ليعطي فيه توجيهاته .


'''والشئ الغريب حقيقة أن القيادة العسكرية لم تحاول أن تغير من الأوضاع  القائمة مع تغير الأحداث والظروف  بالسرعة الرهيبة التي كانت تتطور بها ولا هي حاولت أن تعيد تقدير موقفها في تلك الفترة'''
وقد فتحت قنوات خلفية قبل ذلك بواسطة أفراد عديدين  ربما مع وكالة المخابرات المركزية وربما مع غيرها ولكن البعض من هؤلاء أداروا '''"القناة الخلفية"''' لحسابهم أو ربما لحساب '''"الوكالة "أو " لغيرها "'''.... البعض من هؤلاء '''"سقط"''' والبعض الآخر كان أذكي من أن '''"يسقط"'''


:'''(1)''' فحينما بلغها من سفيرنا بموسكو يوم 13/5/[[1967]] بالحشود الإسرائيلية ضد [[سوريا]] وحينما بلغها ذلك أيضا من رئيس أركان حرب الجيش السوري اندفعت دون روية إلى حشد قواتها في [[سيناء]] دون أن تتحقق في ذلك من مصادر المخابرات المختلفة أو بالقيام بطلعات جوية. بل حينما بلغها نفي لهذه الحشود من [[سوريا]] نفسها بعد ذلك بواسطة رئيس الأركان المصري الذي قام بزيارة سوريا للتنسيق لم تحول  القيادة العسكرية كل في اختصاصه تعديل أوضاع قواتها بما يتناسب مع المعلومات الجديدة .
واستمرت هذه القناة الخلفية من العمل حتى بدأ الرئيس أنور السادات في استخدامها وهنا تحولت القناة إلى قناة ملزمة إذ كان على أحد طرفيها قمة القيادة السياسية وعلى الطرف الآخر بعض أفراد من الحلقة الداخلية وتحولت بالتالي إلى قناة تبحث عن أى حل وبأى ثمن بدلا من أن كانت وسيلة تحاول أن تضغط وتؤثر على الطرف الآخر .


:'''(2)''' في مقابلة شمس بدران وزير الحربية في ذلك الوقت لأليكسي كوسيجين رئيس الوزراء السوفيتي يوم 26/ 5/ [[1967]] استمع من الأخير المعلومات التالية والتي حصلت عليها المصادر السوفيتية وسوف أنقلها من مذكراتي الخاصة ..
وهنا  يمكن أن تكون هذه القناة الخلفية قناة '''" قديمة " و" جديدة"'''!! '''"قديمة"''' في نشأتها ولكنها '''"جديدة"''' في هدفها وأسلوبها ..ولذلك فإن من يقول إنها '''" قناة قديمة"''' فهو صادق .ومن يقول إنها '''"جديدة"''' فإنه لا يتجاوز الحقيقة .


::'''(أ)''' وصلت معلومات اليوم من داخل إسرائيل تفيد بنشاط كبير ويقال إنه في نهاية [[مايو]] من الممكن أن تبدأ العمليات العسكرية وأنهم يجهزون عملية لتوجيه الضربة ومن المعروف أنه عندما تنشب العمليات لا يهتم أحد بمن الذي بدأها أولا.
موضوع آخر لم أتحدث عنه من قبل كسابقه إلا بعد أن رأيت أن البعض تحدث فيه وصوره على غير حقيقته وهو موضوع الاتصالات التي تمت مع '''"ناحوم جولدمان"''' وقبل أن نبدأ الحديث عن الموضوع نقرر أن هذه الاتصالات لا تدخل إطلاقا ضمن ما يطلق عليه '''"قناة خلفية"''' أو غيرها .  


::'''(ب)''' بعض الدوائر في إسرائيل ترى أن كل تأجيل لحسم الموقف ليس في صالح إسرائيل وهم يحضرون أنفسهم بمساعدة الولايات المتحدة للقيام بالعدوان
إذ كانت العملية كلها عملية مخابرات بحتة مما يدخل في نطاق '''"الحصول على معلومات"''' كذا من ناحية '''"العمليات الإيجابية"''' التي تقوم بها أجهزة المخابرات وهذا غير ما صورت به هذه الاتصالات سواء في وسائل النشر الداخلية أو الخارجية .


::'''(ت‌)''' سوف يشترك في التجهيز العسكري ليس فقط رئيس الأركان الحالي بل موشى ديان وهم يحفرون خنادق في تل أبيب ويقوون الدفاع الجوى والدعاية تغذي المشاعر والناس مندفعون في حماس للدفع عن وطنهم إلى آخر قطرة .
إذ أن العملية عملية '''"مخابرات بحتة"''' قام بها جهاز المخابرات العامة المصرية وأى حديث غير هذا لا يستند إلى الواقع وللدلالة على أن هذه الاتصالات لمتكن في إطار '''"القنوات الخلفية"''' التي نتحدث عنها نعرف القارئ أولا '''"بناحوم جولدمان"'''


::'''(ث)''' وأضاف رئيس الوزراء السوفيتي بأنهم سيلبون احتياجات [[القاهرة]] من السلاح ولكن يجب إلا يساعد هذا على قيام الحرب فقيام الحرب ليس من صالح الجمهورية العربية المتحدة ولا من صالح القوى التقدمية ولابد من التصرف العقل وأن يكون الفكر باردا والمهم ألا نعطي الفرصة للاستفزازات أننا نفضل اللقاء على المائدة بدلا من المعركة الحربية .  
ولد ناحوم في لتوانيا في 10 /7/1895 وبعد ولادته بفترة ست سنوات  لحق بأبويه اللذين هاجر إلى فرانكفورت وتركاه في رعاية جده  لأمه وبذلك فإنه ولد في أوروبا الشرقية وترعرع في أوروبا الغربية والتحق بالحركة الأرثوذكسية الهيودية وهي حركة  محافظة كانت تنادى بابتعاد [[اليهود]] عن الثقافات الأجنبية حتى لا يذوبوا في غيرهم من الشعوب وطوال دراسته الثانوية كان لا يكف عن الدعاية للحركة الصهيونية عن طريق إلقاء المحاضرات  وكتابة المقالات بل بلغ  من حماسته أنه كان يتصدى للمبشرين البروتستانت الذين اعتادوا التبشير في الأوساط اليهودية الفقيرة لتعميدهم نظير مغريات مادية .


::إن تسليح الاتحاد السوفيتي ل[[مصر]] وسوريا هو لتدعيم السلام من خلال القوة وهدف هذه المساعدة ألا يحدث اشتباك مسلح وتحريك القوات معناه زيادة التوتر ولا يمكن أن نقول إن تحريك القوت يؤدى إلى تخفيف التوتر .وبالرغم من هذه المعلومات  الخطيرة لم تحاول القيادة العسكرية  التأكد منها أولا ثم تعديل مواقفها مع التغييرات الجديدة إن وجدت ثانيا .
ثم التحق بجامعة هيدلبرج ليدرس القانون ولم يكن جولدمان طالبا مواظبا بل كان كثير التغيب عن دراسته لإنشغاله بملذاته وبنشاطه الصيوني ولذلك فإنه كان يستعيض بمن يلخص له دروسه رجاء أجر زهيد عن هذا التغيب لينجح بأى ثمن واجتاز الامتحان ثم تقدم للحصول على الدكتوراه وأعد رسالته بتجميع عدد من مقالات كان يكتبها فيإحدى المجلات بعد أن أضاف إليها بعض الدراسات القانونية !!!


:'''(3)''' بل حينما قررت القيادة السياسية في مؤتمر 25 /5/ [[1967]] عدم قيامنا بتوجيه الضربة الأولي وأن علينا قبولها من العدو وهذا من اختصاص ومسئولية وسلطة القيادة السياسية لم تحاول القيادة العسكرية ترجمة هذا القرار إلى خطة فعلية بتكثيف دفاعاتها وسحب قواتها الجوية الموجودة في الأمام  إلى  الخلف وزيادة تيقظها واستعدادها ليل  نهار..  
ولدهشته قبلت الرسلة وأصبح '''"الدكتور جولدمان"''' حاملا للقب العلمي المرموق وفيتلك الفترة تكونت شخصيته الصهيونية على أساس محاربة '''"الاندماج"''' أى اندماج [[اليهود]] مع غيرهم من الديانات وعلى أساس العلاقة الحتمية بين يهود المنفي ويهود الوطن أن حياة المنفي ضرورة لاستمرار [[اليهود]] على الأرض .  


:بل حينما أبلغت القيادة السياسية في مؤتمر 2/6/ [[1967]] القيادة العسكرية مجتمعة أن الحرب  ستحدث يوم 5/6/ [[1967]] لم يبلغ ذلك إلى القيادات الأصغر ولم يكن هناك رد فعل لإعادة النظر في التخطيط القائم فلكل ظروف ما يلائمها من إجراءات .
فلا يمكن لأرض الميعاد أن تستغني عن يهود  المنفي والرجل كان وراء عدة مشروعات صهيونية فقد كان من مؤسسي '''" دائرة المعارف اليهودية"''' وأصدر منها عشرة أجزاء باللغة الألمنية وكان وراء موضوع التعويضات الألمانية لإسرائيل والمشرف الوحيد على المفاوضات التي دارت بخصوصها حتى وقع الاتفاق  في 10 /9/ [[1952]] في لكسمبورج وقد وقعها اديناورمستشار المانيا الاتحادية وموشي شاريت وزير خارجية إسرائيل وناحوم جولدمان نيابةعن [[اليهود]]  


قد يبرر البعض هذا الجمود '''"ببيروقراطية القائد العسكري"''' ولكن هذا كلام غير مقبول لأنه علينا أن نتساءل هل قام المختصون مثلا وهذا واجبهم بترجمة التطورات السياسية إلى إجراءات عسكرية تتفق معها؟ عرضت مثل هذه الخطط والترتيبات على القائد العسكري لمناقشتها واتخاذ القرار المناسب في شأنها؟ هل قامت الأفرع المختصة بإعادة تقديراتها للموقف حسب التطورات السريعة التي كانت تحدث ؟ هل تنبهت إلى الخطر ؟ هل أنذرت بالكارثة التي أوشكت أن تقع ؟ أسئلة لم يحاول أحد ممن كتبوا وأرخوا أن يجيب عليها أو يتصدى لها .
وكان  من نتيجة هذه الاتفاقية أن دخل الخزانة الإسرائيلية ستون مليون مارك علاوة على بلايين أخرى حصلت عليها إسرائيل لتعويضات وهمية وهو  يدين بمبدأ أن مالا يمكن الحصول عليه بالعنف يمكن تحقيقه عن طريق [[السياسة]] والتحايل وعاد بعد إنشاء الدولة يعبر عن رأيه في  الصراع العربي الإسرائيلي بأنه صدام بين حقين ولذلك فإن لكل من العرب واليهود حقا في أرض [[فلسطين]] .


'''القضية الثالثة:''' هي أن القيادة العسكرية لم تقاتل بالمعني المفهوم للقتال بل وعلاوة على ذلك فإنها تركت الجيش المفترى عليه دون قيادة أو توجيه وتخلت عن مسئولياتها أثناء القتال الفعلي .
ويتضح من هذه المعلومات أن أهداف '''"جولدمان"''' [[الصهيونية]] لا شك فيها ولكنه كان يؤمن ب[[السياسة]] والتحايل لتحقيق الأغراض الصهيونية وتثبيتها إذ أن استخدام القوة بصفة دائمة في سبيل تحقيق ذلك فيه خطر على إسرائيل وهذا حق تؤيده أحداث التاريخ .


ويظهر ذلك جليا ليس فقط من الوقع الذي يعرفه الجميع والذي أدى إلى النكسة بل من الكتب والمقالات والأحاديث التي نشرت على لسان بعض أعضاء القيادة العسكرية ليس فقط بعد النكسة ولكن بعد وفاة '''" المشير " و" الرئيس "''' على أساس قاعدة '''"إن الموتي لا يتكلمون ولا ينسبون ..."'''
والرجل أيضا كما رأينا كان لا يأخذ الحياة بمحمل الجد خاصة بعد أن عاش في الخارج ولم يرض بالعيش داخل إسرائيل لا قبل نشأتها ولا بعد نشأتها وإن كان لا يتردد في تقديم أى خدمة يراها واجبة في سبيلها بالصورة التي يرضاها وتتفق مع أفكاره.


'''ونقتطف مما نشر النقاط الآتية:'''
ثم كان الرجل بعد أن استكان إلى حياة الدعة والراحة يميل إلى إعطاء نفسه صورة على غير حقيقتها وكانت حياته فخمة سواء في شقته في باريس أو محل إقامته  في واشنطن حيث دأب  على التنقل  بين دول أوروبا والولايات المتحدة يسهل له ذلك موارده المالية الكافية الميسرة.


:'''" فقد أكد جميعهم أنهم كانوا دون مسئوليات سواء في زمن السلم أو الحرب إذ تركز كل شئ في يدالمشير والوزير"''' وهذه حقيقة مهنية ومخزية خصوصا إذا كانت  تتعلق بالرتب الرفيعة في القوات المسلحة ولكن السؤال الذي يبقي في حاجة إلى إجابة هو:لم قبلوا هذا الوضع الشائن؟ ألم يعلم أحدهم أن هذا القبول فيه لعب بقدر هذه الأمة وتهديد لأمنها القومي؟ أسئلة لم يجب أحد عليها حتى الآن.
وبالرغم من أنه كان بعيدا عن السلطة في إسرائيل وبالرغم من أنه لم يكن ذا تأثير على القرار الإسرائيلي بأية صورة من الصور إلا أن كثرة اتصالاته مع الشخصيات العالمية والإسرائيلية ووكثرة تنقلاته في أنحاء العالم ولخبرته التي لا شك فيها نتيجة لتاريخه السياسي الطويل ..  


تبادل البعض منهم الاتهامات الثقيلة: الجهالة وعدم المعرفة قيادات غير مناسبة في أماكن حساسة الصراع على الاختصاصات ،الإهمال ،التقدم بتقارير كاذبة إلى الرئاسات الأعلى ،حجب التقارير عن القيادة السياسية .. كل واحد منهم قدم ورقة إدعاءات ضد الآخر .
'''كل ذلك جعل الاتصال به من ناحيتنا عملا مفيدا ولابد أن نوضح بدقة طبيعة هذا الاتصال:'''


تحشي الجميع التحدث عن تفاصيل الموضوعات العسكرية المتعلقة بالأزمة وإن  تعرض لها البعض في اختصار كامل وفي الوقت نفسه أفاضوا في التحدث عن الجوانب السياسية والشخصية وهذه طريقة غير موضوعية وظالمة لبحث موضوع '''"النكسة"''' صحيح لابد لبداية الحوار في مثل هذه الموضوعات أن يحدد الإطار السياسي والظروف المحيطة ولا ولكن وأن يلي ذلك مباشرة بحث الموضوع الرئيسي وهو الناحية العسكرية
:#فلا يمكن أننعتبر مجرد اتصال يتم مع شخصية كشخصية '''"الدكتور جولدمان"''' عبارة عن فتح '''"قناة خلفية"''' فيحدود المفهوم الذي سبق وحددناه إذ لو كانت الحاجة تدعو إلى فتح هذه القناة مع إسرائيل لكان الأجدى فتحها مباشرة على الكثيرين ممن لهم سلطة اتخاذ القرار أو التأثير في اتخاذه وهم كثيرون علاوة على توفر الرغبة الملحة في ذلك .
:# ولا يمكن تصورأن الاتصال الذي قمنا به معه عن طريق غير مباشر أن الرجل كان يعرف ذلك أوحتى  كان يرحب به بل هو اتصال عادى مع رجل من المصلحة أن نتصل به في غير نطاق عمل رسمي أو سري .
:#لم يكن الاتصال مع الدكتور جولدمان أيضا بقصد أهداف سياسية أو القيام باتصالات سياسية أوالتمهيد لها كماذكرفي بعض الروايات إذ لم يكن الرجل في وضع  يمكنه من ذلك .


'''مثل الموضوعات الآتية:'''
'''كان الغرض من الاتصال بالرجل دون أن يعرف أو يحس بذلك والذي حددناهلمن كلفناهم بهذه الاتصالات ينحصر في الآتي ..'''


:الخطط الموضوعة تنفيذها إلى واقع على مسرح العمليات المنتظر الجداول الزمنية والتوقيتات التي حددت التنفيذ تقارير النجاح عن مدى تقدم تنفيذ الخطة في كل فترة معقولة ترجمة القرارات السياسية إلى خطط حربية واجب الإدارات والهيئات والقيادات أثناء الأزمة موقف العدو وإجراءاته ما هي الإجراءات المضادة بناء على التوقعات المختلفة ؟ كيف أديرت العمليات وقت الضربة الجوية المفاجئة ومن الذي كان يدير المعركة ؟ تقدير الموقف الذي تم بعد تحديد خسائر الضربة الأولي ؟
:#الحصول على أكبر قدرممكن عن إسرائيل ثم إعادة تقييمها بواسطة المختصين في مرحلة تالية
:#مده ببعض المعلومات والاتجاهات مع التأكد أنه سينقلها إلى الطرف الآخر خدمة لأهدافنا دون أن يقصد ذلك أو يدرى به .
:#وتطور الموقف بعد ذلك كما سنرى ليكون الغرض إحداث زغزغة أو فرقعة داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل بعد أن أثارت الصحافة العالمية بما عرف '''" بمسألة جولدمان "''' في ذلك الوقت .


بها العدو بعملياته الهجومية وفي المقابل ما هو تصورنا للمعركة الدفاعية وكيف كان للدفاع أن يتحرك على طول المسرح وعمقه لمواجهة ذلك ؟ البدائل الموجودة والمتغيرات المنتظرة والتطورات المتوقعة ؟ هل كنا قادرين حقا على توجيه الضربة لأولي التي كثر الحديث عنها ؟ كيف ؟ هل كانوا على علم بالعمليات التفصيلية عن الأغراض التي سيتم التعامل معها ؟ هل تدربوا عليها ؟ هل جهزوا الطيارين ودربوهم على ذلك ؟
ولم تكن المعلومات التي حصلنا عليها بطريق غير مباشر من الدكتور جولدمان بذات قيمة حقيقة إذ كانت في بعض الأحيان ناقصة وعامة وفي أحيان أخرى تنقصها الدقة سواء في مجالات المعلومات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية إلا أن القيمة الحقيقة بالنسبة  لهذا الرجل كانت تتمثل في معرفته  الدقيقة بالتيارات السياسية داخل إسرائيل  وبالعوامل المعقدة التي تتحكم في الحياة السياسية فيها في إطار إيمانه بضرورة إيجاد مصالحة بين إسرائيل والبلاد العربية وبصفة عامة وبينها وبين [[القاهرة]] على وجه الخصوص أما كنه هذه المصالحة فلم تكن واضحة إطلاقا في أحاديثه .


طيب وفي حالة نجاح الضربة الأولي كيف كان يمكن  استغلالها بواسطة المجهود الأرضي أو البحري؟ وفي حالة فشلها ما هي الخطة البديلة؟ ثم إلى أين يكون الانسحاب؟ وكم ليلة سوف يستغرقها؟ كيف نعطل العدو ؟ كيف نواجه سيطرة الجوية؟ هل المعابر على القناة تكفي لا تدفق القوات ؟ وبأى كثافة؟ وكيف تستخدم الطرق للانسحاب بحيث لا يحدث تزاحم؟...
كان الرجل يكرر في معاملاته المتعددة التي كانت تصل إلينا بين الحين والحين أنه يريد أن تدعوه [[القاهرة]] لزيارتها.وكان يؤمل كثيرا في نتائج هذه الزيارة .كان اقتراحه هذا نابعا من رغبتين متنازعين .  


أبدا لم يحدثنا أحد بذلك ولا بجزء منه. والحقيقة أن القيادة العسكرية لم تفعل شيئا من كل ذلك.فكل ما فعلته كان حشدها قواتها في [[سيناء]] بكثافة غير معقولة وبسرعة بها حماقة لدرجة أن بعض وحدات الاحتياطي تحركت بالجلاليب !!!
رغبة حقيقية في المساهمة في حل الأزمة التي كان  يعتقد بخطرها على إسرائيل أو على حد قوله أنه يريد إبعاد إسرائيل من نفسها ورغبة شخصية  بتطلعه إلى العودة إلى الأضواء مرة أخرى إن تحققت رغبته تلك إذ سيكون لو تمت الزيارة أول يهودى على هذا المستوى يكسر حاجز الاتصال مع [[مصر]] أكبر الدول العربية جميعا.


ولدرجة أن الكثيرين استدعوا للالتحاق بوحدات غير وحداتهم وأسندت إليهم واجبات غير واجباتهم تبعا لخطة تعبئة فاشلة  غير  مدروسة ولا تعبر عن الواقع هذا ما فعلته القيادة ولا شئ غير ذلك ... فالعدو قام بهجومه صباح 5/6/ [[1967]] قاصما ظهر قواتنا الجوية ثم صدر أمر بالانسحاب في اليوم الثاني أى بعد 24 ساعة فقط من بداية العمليات ثم بعد ذلك تركت القوات إلى مصيرها المحزن .. !بالله عليكم هل حدث شئ أكثر من ذلك ؟!!!
ولم ترد [[القاهرة]] أبدا على هذا الاقتراح بالرفض أو القبول كان الرجل يتحدث حديثا عاديا وكان المستمع له يسمع ما يقول دون أن يعلق .ولما طال الوقت بالدكتور جولدمان شد رحاله إلى إسرائيل ليجس النبض بخصوص أفكاره.وما هو ردالفعل الذي يمكن أن يحدث لو تحققت هذه الأحلام ؟!!


فمئات الطائرات وآلاف الدبابات والعربات المدرعة وقطع المدفعية ذاتية الحركة والهاونات وآلاف الجنود لم يقاتلوا معركة واحدة  لأن القيادة العسكرية عجزت وعن جهالة عن استخدام القوات المتاحة.
وفعلا سافر الرجل في اوائل [[1970]] ربما في أبريل أو [[مايو]] هذا العام إلى إسرائيل حيث بدأ اتصالاته مع رجال الائتلاف الحاكم وحصل على موافقه إبا إبيان وموشي دايان وزيرا الخارجيةوالدفاع على التوالي بصفة شخصية وفردية؛


وتراجع الجنود وضباطهم بغير نظام والعدو يحصدهم بنيرانه الأرضية وقنابله من الجو ووصل من  حالفه الحظ إلى الشاطئ الغربي  للقناة وبعد ذلك لم يكن أمام الكثيرين من هؤلاء إلا استخدام وسائلهم الخاصة للوصول إلى قراهم التي أحضروهم منها ...!!
وحينما اتصل بجولدا مائير رئيسة الوزراء في ذلك الوقت وطلب رأيها في زيارته [[القاهرة]] لو دعي إليها أجلت إبداء الرأي حتى ترجع إلى الحزب للإستشارة برأيه وقد انزعج '''"جولدمان "''' من موقف جولدا مائير هذا وحذرها من الرجوع إلى مجلس الوزراء لأخذ رأيه فيهذه المرحلة لأن الخبر سيتسرب دون شك إلى الصحافة وهنا ستكون الكارثة قد حلت بكل آماله .


كلمة مختصرة عن الانسحاب ؟ دار حديث كثير عمن أعطى قرار الانسحاب ؟ والذي أعرفه عن يقين هو أن '''"عامر"''' هو الذي أعطاه وقد تعرضت لذلك بالتفصيل في كتبي التي تحدثت فيها عن الموضوع ولكن ليست هذه هي القضية القضية الأساسية في رأيي هي كيف تم الانسحاب ؟ ما هي الخطط التفصيلية لأداء هذه العملية ؟ ما هي الخطوط المتتالية التي سيتم إليها الانسحاب ؟ كيف تم السيطرة عليه ؟
كنا على علم بهذه التطورات وكانت الأمور تسير حسب ما نرجو ونأمل وفعلا عرضت جولد مائير موضوع زيارة جولدمان إلى [[مصر]] على مجلس الوزراء وإن لم يكن قد وافق أو اعترض عليها أحد واتخذ المجلس قرارا بعدم الموافقة على الزيارة ولم يكن القرار بالإجماع بل وافق البعض على ذلك بينما كان عدد من الغائبين عن الاجتماع أيضا لا يعترضون على إتمامها.وتسرب لخبر إلى الصحافة وأذيع على العالم أجمع وكانت فرقعة لها دوى .


أين كان المسئولون وقت ذلك ؟ وما الذي  فعلوه ليواجهوا الموقف العصيب الذي وضعوا قواتهم فيه ؟ هذه هي القضية وليست أبدا من الذي أصدر القرار أو صدق  عليه ؟ سواء كان [[عبد الناصر]] قد صدق عليه أم لم يصدق عليه فإن الموضوع الرئيسي يبقي هو : كيف تمت العملية ؟ فهذا هو السؤال .
قامت المظاهرات في بعض المدن بعضها يؤيد الزيارة والبعض الآخر يعارضها ومقالات في الصحافة مؤبدة وأخرى معارضة بل وفي أثناء اجتماع عقد في جامعة تل أبيب حضره جولدمان نفسه أخذت الأصوات على الزيارة التي لم يدع إليها بعد فكانت النتيجة : 118 مؤيدون للزيارة ,90 معارضون لها 16 امتنعوا عن التصويت.


وللدلالة على عدم خوض القيادة العسكرية أى قتال بالمعني المفهوم نورد الإحصائية التالية للخسائر .ففي الوقت الذي بلغت خسائر أفراد القوات الجوية والدفاع الجوى 4% من القوة  للطيارين كانت الخسائر في المعدات 85% وبلغت خسائر أفراد القوات البحرية صفر % وخسائرها في المعدات صفر % أيضا .  
وهوجم جولدمان من البعض بأنه رجل لا يعرف إسرائيل فهو يعيش خارجها وبالرغم من ذلك كان جولدمان سعيدا بزيارته لإسرائيل بعد إعادته إلى الأضواء من ناحية وجعلته يلمس بنفسه أن إحساسه بأن كثيرا من الشباب الإسرائيلي قد زهد الحرب والقتال كان على أساس وكان يردد في سعادة تامة أن نفس الشعارات التي كان الشباب يهتف بها '''"إلى المطبخ يا جولدمان إلى [[القاهرة]] يا جولدمان "'''.


وبلغت خسائر القوات البرية في الأفراد 17 % من القوة بينما كانت خسائرها في المعدات 85% وبلغت خسائر القوات الجوية من القاذفات الثقيلة 100% والقاذفات  الخفيفة 100% أيضا ومن المقاتلات القاذفة والمقاتلة 85% وقد دمرت  أغلب الطائرات وهي على الأرض ويا ألف خسارة !!
وحتى بعد وصول الموقف إلى ما وصل إليه كان جولدمان يأمل أن تصله يوما دعوة من [[القاهرة]] لزيارتها وأن حدث ذلك فإن إصدار بيان بعد إتمامها سوف ينتج عنه تأثير حقيقي داخل إسرائيل يؤدي إلى إحداث تمزق في الائتلاف الحكومي القائم الأمر الذي يعتبر الركيزة الأولي في تغيير الموقف المشدد للحكومة الإسرائيلية .


واتضح بعد المعركة أن الفرقة المدرعة التي عدد دباباتها 200 دمر منها 12 دبابة فقط واستشهد فيها 60 فردا أما لـ188 دبابة فقد تركت دون أفراد الأمر الذي يوضح أن 6 % فقط من الأفراد هم الذين التزموا بمعداتهم ...!!! ويا ألف خسارة أيضا ...!
كان الرجل ما زالمتعلقا بأمل صنعه بنفسه ولنفسه وظل مسيطرا عليه لفترة طويلة كان يريد أن يحيط نفسه بهالة الماضي وكان يردد أمام زائريه قصصا فيها مبالغة ولا ينقصها الخيال .


وكما نرى كان في يد القيادة العسكرية أسلحة كثيرة جيدة ولكن هذه القيادة لم تكن قادرة على استخدامها بكفاءة فالعبرة ليست بالسلاح أو المعدة ولكن العبرة قبل ذلك بمن هم وراء هذا السلاح وقبل ذلك بالعقل الذي يوجهه ويستخدمه أفضل استخدام لتحقيق النصر ولصيانة الأمن القومي  للبلاد .
كان يتحدث مثلا عن دعوة وجهت إليه من '''"تيتو"''' رئيس يوغوسلافيا لزيارة بلغراد ليمضي من زيارته المأمولة إلى [[القاهرة]] وعن موافقة [[عبد الناصر]] على إتمامها بشرط أن تكون علنية وبعد موافقة الحكومة الإسرائيلية نفسها ولكنه لم يكن قادرا على تفسير السبب الذي توسط من أجله [[عبد الناصر]] صديقه تيتو في هذا الأمر ؟ ولم لا يتم العرض مباشرة !


وكان من نتيجة ذلك أنه لم يكن هناك قتال بالمعني  المفهوم . كان يمكن أن نناقش المبررات التي ذكرها بعض أعضاء هذه القيادة لو أن  معركة دارت أو قتالا حدث أو لو أن القيادة العسكرية ناورت وحاورت وصدت وهجمت وانسحبت وتحملت الضربات المضادة ولكن لم يتم شئ من ذلك.  
وكان يتحدث عن محاولات يقوم بها الاتحاد السوفيتي لدعوته إلى موسكو بعد معرفة مواعيده المتاحة وأنه ما زال يفكر في قبو الدعوة أو الاعتذار عنها لمشغولياته المتعددة .


فالقيادة العسكرية خذلت بلادها وقواتها وتسببت في نكسة ثورة بكاملها ضاعت مكاسبها وسط حطام النكسة.
وكان يتحدث عن زيارته للولايات المتحدة للتأثر على الزعماء [[اليهود]] هناك لعلهم يفهمون موقفه حتى رسائله والتي قدم إحداها إلى أحد الصحفيين المصريين الكبار يطلب فيها دعوته لزيارة [[مصر]] كانت تكتب على ورق مصقول مطبوع عليه بالخط البارز '''"الدكتور جولدمان "'''


'''ظروف أخرى تمهد لليلة العصيبة'''
وبمناسبة الحديث عن الصحفيين لابد أن نذكر الخدمات التي أدها أحدهم وقت أن كان يعمل  في '''"روز اليوسف"''' فقد كان أحد المتصلين بالدكتور جولدمان وبغيره عن طريق المخابرات العامة وهناك محاولات كثيرة لفتح " القنوات الخلفية كانت تتم  بين وقت وآخر ولكنها جميعا كانت تقابل بالرفض.


يمكن أن يقال إن الخطوة التمهيدية لهذه الليلة العصيبة  تمت يوم 11/ 6/ [[1967]] وفي مكتب '''"السيد سامي شرف سكرتير  الرئيس للمعلومات "''' دخلت عليه ظهرا في مكتبه والانكسار يثقل أكنافنا من هول ما نحن فيه . العدو على الساحل الشرقي للقناة التي تعطلت فيها الملاحة من جديد .  
فالمخابرات الايطالية في ذلك الوقت وكانت تحت رئاسة الأدميرال '''"هانكي"''' عرضت فتح قناة كفلت لها كل عوامل السرية إلا أن المحاولة قوبلت بالرفض .


وخسرنا [[سيناء]] والضفة الغربية و[[غزة]] والقدس والجولان والآلاف من الضباط والجنود يواجهون مصيرهم دون أن يتمكن أحد من تقديم المعونة لهم. والجيش  أصبح دون سيطرة عليه وبعض جنوده يهيمون في الشوارع بملابسهم الرثة وعيونهم الزائغة وحينما يتعبون يلقون بأنفسهم في الحدائق بالمئات .  
و'''"ليوهامو"''' مدير الاستعلامات الفرنسي والناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية والمعروف بميوله لإسرائيل حاول عقد لقاء بين مسئولين في [[مصر]] وإسرائيل على أى مستوى بصفة سرية وتحت إشراف الحكومة الفرنسية إلا أن المحاولة قوبلت بالرفض أيضا ومحاولات أخرى كثيرةتمت ولكننا لا يمكن أن نحكي تفاصيلها.  


والبعض الآخر استقل القطارات أو وسائل النقل الأخرى إلى بلادهم التي أتوا منها والأعزاء الآخرون يقتلون ويؤسرون في [[سيناء]] لقد فقدنا كل شئ .كان هناك كل من اللواء عماد ثابت والعميد أحمد سيد أحمد نصر وهما من خيرة ضباط القوات المسلحة بوجه وعام وضباط المدرعات بوجه خاص .  
السبب الذي من أجله حكينا '''"قصة جولدمان"''' إن البعض حكاها يحاول أن يخلق منها بطولة والأمر  خلاف ذلك كما رأينا / اتصال عادى مع رجل لم يكن في الإمكان تجاهله لتحقيق  أغراض واضحة تحققت كلها دون أن يكون الأمر في حاجة إلى بطولة أو ابطال .


حضرا ومعهما كنز ثمين . إذ أكدوا أنه في إمكانهما حشد أكثر من 150 دبابة في الضفة الغربية للقناة لصد أى محاولة يقوم بها العدو  لعبور القناة في طريقة إلى [[القاهرة]] .. مائة وخمسون دبابة !!! قوة كبرى بالنسبة لما كنا فيه.
===الفصل الحادي عشر:إستراتيجية [[عبد الناصر]] في البحر الأحمر ===


وكتب سامي المعلومات في '''"النوتة"''' ليبلغها للرئيس . وانصرف الضابطان ليؤديا واجبهما وسألني '''"سامي "''' ما رأيك في هذه القوة التي هبطت علينا من السماء ؟!
يحدد الواقع الجغرافي للبحر الأحمر أهميته القصوى المستمرة بالنسبة للسياسة المصرية منذ القدم وليس أدل  على ذلك أنه سمي في الأزمنة السحيقة بالحر الفرعوني قبل أن يسمى بعد ذلك ببحر العرب وبحر القلزم ثم البحر الأحمر وأن بطليموس أنشأ مواني على سواحله الغربية كما أنشأ البطالمة الطرق البرية التي تربط مواني البحر الأحمر بوادي النيل ثم قام محمد على ومن بعده إسماعيل ببناء المواني العديدة على سواحله جنوبا والتي ما زالت  قائمة حتى الآن .


وكان ردى '''" قوة إيه يا سامي؟ كان عندنا آلاف من المدرعات فأين هي؟ لابد من التغيير ولن يحدث أى تصحيح في ظل الظروف القائمة . لابد من أن يترك المشير القوات المسلحة كخطوة أولي لابد منها أن أردنا مواجهة الهزيمة مواجهة جادة "'''.
'''وتضاعفت الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر في وقتنا الحالي لأسباب عديدة أهمها :'''


وقام سامي من كرسيه ليقبلني ويؤمن على ما قلت . وانصرفت وأنا مثقل بهمومي .ونقل '''"سامي"''' الحوار إلى [[عبد الناصر]] ربما في نفس الوقت والساعة .ولن أحاول أن أكرر تفاصيل معروفة كتب فيها الكثير من قبل ولكنني سأحاول ذكر الجديد من الأحداث التي لمستها بنفسي . في تلك الفترة كان المشير قد تورط في عدة أحداث كبيرة .
:#فهو قناة وصل بين البحار المفتوحة في المحيطين الأطلنطي والهندي عبر البحر المتوسط المقفول وقناة [[السويس]] والبحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن فالمحيط الهندي وتتزايد أهميته تلك في ضوء إعادة التوزيع الاستراتيجي للقوات المتضادة عقب [[الحرب العالمية الثانية]].
:#وهو المتحكم في مخارج ومداخل  البحر المتوسط والخليج العربي فأى تحرك في البحر المتوسط لابد وأن ينتهي إلى البحر الأحمر عبر قناة [[السويس]] كما أن أى تحرك في الخليج العربي إلى أوروبا لابد أن ينتهي بالضرورة إلى البحر الأحمر عن طريق مضيق هرمز خليج عمان المحيط الهندى باب المندب .
:#ويعتبر بمثابة خط أنابيب لنقل البترول الخام من مناطق إنتاجه في الخليج العربي إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وتعتمد أوروبا الغربية على البحر الأحمر في نقل احتياجاتها من بتورل الخليج بنسبة 100% كما أن إسرائيل كانت تعتمد حتى أواخر الستينات والسبعينات بنفس النسبة على نقل احتياجاتها البترولية من إيران  أيام حكم الشاة محمد رضا بهلوى إلى البحر الأحمر ثم إيلات ثم إلى أسدود عبر خط أنابيب إيلات أسدود وبذلك فإن للبحر الأحمر أهميته الكبرى بالنسبة للأمن العربي والأمن الإسرائيلي والأمن العالمي . لأنه إن كان الخليج العربي يعتبر مركز ثقل في الإستراتيجية  الاقليمية والعالمية من ناحيته الاقتصادية فإن هذا الثقل يعتمد على باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس منناحية النقل والتسويق . ولو توقفت الحركة عبر البحر الأحمر في أى جزء  من أجزائه فإن نتائج خطيرة تترتب على ذلك إذ تجف معامل  التكرير في ميناء روتردامويجف تبعا لذلك خط الأنابيب روتردام الراين الذي يصل روتردام بأحواض الروهر الألمانية ثم فرنكفورت .كذا يجف خط أنابيب روتردام بلجيكا فرنسا وبالتالي ينقطع مرور البترول إلى أوروبا الغربية عن طريق خط الأنابيب '''"سوميد"''' الممتد من السحنه على البحر الأحمر إلى شواطئ البحر المتوسط الجنوبية وهذا هو الحافز الحقيقي وراء موافقة الدول الأوربية الغربية على خط غاز سيبريا رغما عن اعتراضات الولايات المتحدة الأمريكية .ولذلك فإنني مع الذين يعتبرون أن منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر منطقة إستراتيجية  واحدة لا يمكن الفصل بينهما من الناحيتين الاقتصادية والإستراتيجية فإحداها وهي منطقة الخليج  منطقة إنتاج النفط والمنظفة الأخرى هي منطقة خطوط المواصلات لنقل هذا الإنتاج إذن فهذا الاعتماد المتبادل يخلق نظرة إستراتيجية واحدة للمنطقتين .
:#ثم بالنسبة للتحركات الإستراتيجية والاقتصادية فإن البحر الأحمر يلعب دورا خطيرا من ناحية عامل الوقت والمسافة فهو يوفر الوقت والوقود إذا قورن بالمرور عن طريق رأس الرجاء الصالح لأنه إذا كانت المسافة من ميناء '''"نورما نسيك"''' السوفيتي على بحر البلطيق إلى المحيط الهندى عن طريق رأس الرجاء الصالح 12,000 ميل فإنها من مواني البحر الأسود إلى المحيط الهندي عبر قناة [[السويس]] لا تتجاوز 3000 ميل ولذلك نجد أن الولايات المتحدة كانت راضية عن استمرار قفل القناة جعل مساعدة الاتحاد السوفيتي لفيتنام الشمالية صعبة للغاية ولم يترك أمامها إلا الطريق البرى عبر الصين الشيوعية وهو أطول ويتعرض إلى ضغوط سياسية.  


:#'''الحدث الأول:''' وهو الهزيمة النكراء التي منى بها الجيش على يديه . والشئ الغريب حقيقة أن هذه الهزيمة لم تؤثر في المشير بل أجمع كل من شاهدوه في منزله يوم 7,8 /6 /[[1967]] على أنه كان عاديا لا يظهر عليه أن شعور بالندم و الانزعاج وكن من ضمن من زاروه كثير من الساسة والصحفيين ورجال القوات المسلحة وقد أخبرني الأخ شعراوي جمعة وكان أحد من زاروه في منزله أن '''" المشير نزل وكان زى الورد بعد أن كان قد انتهي لتوه من الاستحمام "'''!!!
'''وبالرغم من هذه الأهميات التي تعتبر عامة بالنسبة للسياسة العالمية والتي يجب وضعها في الحسبان عند "التخطيط الاستراتيجي  المصري " إلا أن هناك اعتبارات خاصة بالنسبة لنا تضاعف من أهميته:'''
:#'''الحدث الثاني:'''  وهو التمادى في العدوان على الشرعية القائمة فبعد أن قبل الرجل أن يتنحى يوم 8 / 6 /[[1967]] عن قيادة القوات المسلحة إلا أنه عاد فتشبث بمناصبه حتى لا تفسر استقالته تلك  على أنها بسبب الهزيمة العسكرية


فقد اتخذ المشير هذا الخط بعد النكسة وهو خط أن السبب في الهزيمة هو سبب سياسي وليس سببا عسكريا وتمسك به مساعدوه حتى مماته كان مستشاروه قد أقنعوه بأن بعده عن القوات المسلحة في تلك الفترة معناه فتح الأبواب كلها لاتهامات يحسن تجنبها ولذلك فإن الرجل لم يقبل بأى حل من الأحوال أن يكتفي يتولي منصب نائب رئيس الجمهورية بل تمسك بكل قواه بالمنصب الأهم خاصة في تلك الفترة  وهو منصب نائب رئيس الجمهورية
:#فالبحر الأحمر متاخم لكيانات سياسية محل اهتمام [[مصر]] ولها معها علاقات:[[اليمن]] الشمالي و[[اليمن]] الجنوبي و[[السعودية]] على الساحل الشرقي للبحر الأحمر وجيبوتي وأثيوبيا و[[الصومال]] و[[السودان]] على ساحلة الغربي .
:#وهو أيضا قريب  للكثير من المناطق الحساسة ل[[مصر]] فهو قريب من '''"منابع النيل  وروافد"''' التي تمد [[مصر]] بالمياه وينظم ذلك اتفاقيات دقيقة لدول حوض نهر النيل ثم يؤثر ويتحكم كما سبق أن قلنا في منطقة أخرى تشبه منطقة حوض النيل وهي منطقة الزيت في الخليج و[[السعودية]] والتي تعتبر بمثابة منطقة المنبع التي تنقل إنتاجها عبر منطقة خطوط مواصلات خطيرة أهمها البحر الأحمر. هذه الأهمية وهذا التحكم دعت '''"مانشين أوماتزيني"''' وزير خارجية إيطاليا في القرن 19 يقول '''"إن مفاتيح البحر المتوسط تقع  في البحر الأحمر"''' وهو ما نسميه '''"بخطة ما تزيني ذى الذراع الواحدة"''' إذ كان من رأيه وهو رأى صواب أنه يمكن لأى قوة تسيطر على سواحل البحر الأحمر الغربية أن تندفع غربا خلال  كردفان ودارفور من السودان ليتصل بمناطق نفوذ لها على ساحل البحر المتوسط في حركة التفاف كبرى تهدد بها مركز ثقل المنطقة كلها وهي [[مصر]] وفي الوقت نفسه تتحكم في السواحل الجنوبية للبحر المتوسط وبالمثل فإن أية قوة تتحكم في سواحله الشرقية أو جزء منها كما يحاول الاتحاد السوفيتي الآن يمكنها أن تندفع شرقا إلى منطقة الخليج الحساسة  لتتصل بمناطق نفوذ لها في الشرق في حركة التفاف واسعة إلى بحر قزوين هذه الخطة نسميها '''" الخطة ذات الذراعين "''' ذراعها اليسري هي '''" ذراع  خطة ما تزين "''' بالارتكاز على أثيوبيا في البحر  الأحمر و[[ليبيا]] في المتوسط أما ذراعها اليمني من [[اليمن]] الجنوبي مرتكزة على عدن إلى [[أفغانستان]] أما الولايات المتحدة فتحاول كسر الذراعين وتمنعهما من إتمام حركة '''"الكلمات الكبيرة "'''.
:#ويطل البحر الأحمر على الأرض التي يوجد بها الأماكن المقدسة  للمسلمين وتقوم السفن بنقل الحجاج عبر البحر الأحمر من ميناءى [[السويس]] وسفاجة إلى ميناء جدة وهي الميناء البحري لمكة مكان الكعبة التي يحج إليها المسلمون من كافة أنحاء العالم وقبل أن تصبح السعودية دولة بترولية كانت [[مصر]] ترسل '''"كسوة الكعبة"''' وتمدها بمساعدات كبيرة في مجال التعليم والطب ونشر الدين واستمر ذلك إلى وقت قريب.
:#ثم العلاقات التاريخية بين العرب بوجه عام و[[مصر]] بوجه خاص بالدول الإفريقية ويمكن أن يقال إن [[مصر]] كانت قد تمكنت في منتصف القرن الماضي من تحقيق أقصي إتساع لعمقها بالامتداد إلى السودانومنه جنوبا حتى المناطق الشمالية من بحيرة فيكتوريا وبالسيطرة على كل الساحل الغربي للبحر الأحمروالامتداد منه إلى الجانب الأفريقي مضافا إليها ولو لفترات محدودة [[السعودية]] و[[اليمن]] في الشرق وسواحل [[الصومال]] المطلة على المحيط  الهندى لدرجة أن صمويل  بيكر كتب الآتي '''"لا شك أن [[مصر]] وحدها هيالتي تستطيع أن تدخل الحضارة إلى أفريقيا النيلية بإنشاء حكومة  نظامية فيها وبذلك تضمن حماية الرحالة والسائحين في تلك الجهات وتفتح أواسط إفريقيا للحضارة والعمران ويكفي دليلا على ذلك أن السائح الأوروبي أصبح في مقدروه أن يجوب الأماكن البعيدة التي امتد إليها الحكم المصري دون أن يخشي على نفسه أكثر مما كان يخشاه من سيره عند غروب الشمس في حديقة هايدبارك"'''
:# وإسرائيل التي فرضت نفسها في المنطقة أضافت إلى اهتمامات [[السياسة]] المصرية بالبحر الأحمر إذ أصبحت كل من القومية العربية والقومية [[الصهيونية]] وجها لوجه وكانت إحدى صور المواجهة تتم في خليج العقبة والبحر الأحمر إذ بدأت إسرائيل في إنشاء إيلات لاتخاذها قاعدة لاختراق إفريقيا بمساعدة الدول الاستعمارية عن طريق التمثيل الدبلوماسي ثم عن طريق التبادل التجارى خاصة وأن قناة السويس كانت مقفولة أمام الملاحة الإسرائيلية فركزت إسرائيل على البحر الأحمر للوصول إلى دول شرق افريقيا ووسطها ولحليفتها جنوب إفريقيا .


بل تمسك بكل قواه بالمنصب الأهم خاصة  في تلك الفترة وهو منصب القائد العام للقوات المسلحة وكسبا للظروف غير المتوقعة بدأ الرجل في تحويل منزله ب[[الجيزة]] إلى قلعة حقيقية نقل إليها الكثير من الأسلحة والعتاد وكثف قوة الحراسة الموضوعة على منزله بقوات من الشرطة العسكرية
'''الموقف عند قيام ثورة يوليو في منطقة البحر الأحمر'''


بل استدعي وكما سبق القول 300 رجل من بلدته ب[[المنيا]] لمضاعفة الحراسة ولا شك أن هذا التصرف لم يكن حكيما ولا لائقا ولكنه حدث وكان الخطر الأكبر لهذا العصيان على الشرعية هو الانقسامات التي بدأت تحدث في القوات المسلحة بل وتحركت بعض الوحدات بقيادة ضباطها في مظاهرات صاخبة تهتف بحياة المشير .
'''كان الموقف عند قيام الثورة معقدا غاية التعقيد مليئا بالمشاكل الخطيرة والتحديات الكبرى:'''


وبدأ ولاء الضباط يتزعزع وأصبحت القوات المسلحة حقلا خصب للشائعات بل للاستقطاب . وللدلالة على مقدار الفوضى التي خلقها عصيان '''"المشير "''' في المحافظة على الأمن أن أحد الضباط أثناء إلقاء القبض عليه بناء على تعليمات سابقة بالقرب من منزل المشير بالجيزة وكان من ضمن الضباط المعتصمين هناك استغاث بزملائه في المنزل فأغاثه خمسة أفراد يرتدون الجلالبيب والعمة ومعهم بنادق آلية .
:#فعلي امتداد قناة [[السويس]] المدخل الشمالي للبحر الأحمر كانت هناك القاعدة البريطانية التي قدر عدد القوات التي كانت تتمركز فيها لبما لا تقل عن 80,000 مقاتل وكانت تشمل علاوة على ذلك بعض المطارات والمخازن المليئة بالمعدات والأسلحة وقد اكتسبت القاعدة البريطانية صفةالشرعية بعقد معاهدة [[1936]] والتي رضي بها أغلب الأحزاب التي  كانت قائمةفي  ذلك الوقت في عام [[1951]]  كانت المعاهدة قد فقدت هذه الشرعية بعد أن ألغتها حكومة الوفد.وبالرغم من هذا الإلغاء القانوني  لمعاهدة وبالرغم من الصدامات الدامية التي وقعت بين المصريين والبريطانيين على المستويين  الرسمي والشعبي إلا أن القوات الأجنبية تشبشت بمواقعها في القناة وعلاوة على أن منطقة القناة كلها كانت قاعدة لقوات أمنية فإن القناة نفسها كانت تدار بواسطة الاحتكارات الأجنبية ممثلة في شركة قناة [[السويس]] التي كانت تستولي على إيراداتها فيما عدا حصة ضئيلة لا تتجاوز المليونين من الجنيهات تعطي للحكومة المصرية وكانت هذه الشركة وبحق دولة داخل الدولة  .
:#وكانت إسرائيل قد وطدت أقدامها في [[فلسطين]] المحتلة وأخذت تعزز مواقعها في خليج العقبة لتتخذ من البحر الأحمر شريانا للاتصال بالدول الأفريقية وتعويضا لها عن قفل قناة [[السويس]] أمام ملاحتها وكان الوضع الاستراتيجي لإسرائيل خطيرا للغاية إذ قسم ولأول مرة البلاد العربية جغرافيا بعد أن كانت هذه البلاد تشكل كتلة إستراتيجية واحدة وقد تم لها ذلك حينما استولت على النقب ثم على أمر رشرش التي حولتها بعد ذلك إلى ميناء فإن الثورة ورثت مشكلة [[فلسطين]] ولم تصنعها .
:#كان [[السودان]] ما زال تحت الحكم الثنائي المصري البريطاني من الناحية الشكلية إذ كان الحكم بريطانيا .وبالرغم من أن الملك كان قد اتخذ لنفسه لقب [[مصر]] و[[السودان]] و[[دار فور]] بالرغم من أن الأحزاب كانت تنادى بضم [[السودان]] إلى [[مصر]] ,وبالرغم من أن بعض القوات المصرية كانت موجودة في الخرطوم وجبل الأولياء وبورسودان إلا أن بريطانيا كانت هي التي تحكم وتقرر .
:#أما [[الصومال]] الذي يعتبر همزة بين عرب إفريقيا وزنوجها في الشرق فكانت تحت وصاية الأمم المتحدة والإدارة الإيطالية وكان الأمم المتحدة قد أنشأت هيئة تابعة لها هي '''" المجلس الاستشاري "''' منذ عام [[1950]] مكونة من مندوبين عن [[مصر]] وكولومبيا والفلبين بقصد الإشراف على الإدارة في الصومال والتأكد من تطوير البلاد نحو الاستقلال خلال فترة تنتهي عام [[1960]] وكان وجود [[مصر]] في هذا المجلس شكليا  قبل الثورة فلم يكن لدى [[مصر]] الرغبة أوالقدرة على الاصطدام بالمصالح الاستعمارية من أجل تحقيق آمال القوى الوطنية في [[الصومال]].أما الحبشة تحت حكم الامبراطور العجوز هيلاسلاسي فكانت تحاول توسيع أراضيها في شرق إفريقيا في ظل حكم رجعي متأخر يقع تحت وهم تمثيله للقاعدة المسيحية الوطيدة في أفريقيا يقف حارسا أمينا ضد الانتشار الإسلامي في القارة .
:#أما إلى الساحل الشرقي للبحر الأحمر كانت هناك [[السعودية]] و[[اليمن]] يعيشان في ظل حكم رجعي استبدادي يستند إلى طريقة حكم القرون الوسطي أما عدن فكانت قاعدة بريطانية كبرى وبذلك كانت بريطانيا تتحكم في المدخل الشمالي للبحر الأحمر عن طريق قاعدة قناة [[السويس]] وتتحكم أيضا في  مدخله الجنوبي وهو باب المندب عن طريق قاعدتها في عدن ثم كانت في نفس الوقت تتحكم في منطقة الخليج بقواعد هناك.وكانت هذه الأوضاع تتناقض مع مبادئ الثورة الوليدة وتقيد تحركاتها بعد أن وضحت سياستها في تحقيق الاستقلال وتطهير أراضيها من القوات الأجنبية وعدم الدخول في أحلاف تدخلها إلى مناطق النفوذ وأن [[مصر]] لا تستطيع أن تعيش  وحدها إذ تعتبر الثورة نفسها جزءا من ثورة التحرر الوطني في العالم بوجه عام والتحرر العربي بوجه خاص وكان هذا إيذانا بالتصادم الذي  استمر لسنوات قادمة.


وبدأوا في إطلاق النيران على القوة قاصدين القضاء  على أفرادها ثم بدأ إطلاق النيران من داخل منزل '''"المشير"''' من عدة اتجاهات ثم تحركت أربع عربات جيب من حول منزل المشير لمطاردة القوة في شوارع  [[الجيزة]] وهي تطلق النيران .
'''النظرة الاستراتيجية للثورة المصرية للبحر الأحمر'''


ثم تحديا لكل التقاليد والقوانين أمر '''"المشير"''' يوم 21 / 7/ [[1967]] وبعد أن استقر في منزله ب[[الجيزة]] بعد تركه منزله بمعسكرات الحلمية بنقل الأسلحة التي كانت موجودة في منزل الحلمية إلى محل إقامته الجديد وللدلالة على مقدار خطورة هذا الإجراء نورد إحصائية دقيقة لما كان يراد نقله من أسلحة وعتاد:
كان البحر الأحمر ومن اللحظة الأولي له مكانته الهامة في [[السياسة]] المصرية كما يتضح من التفاصيل التالية :


100 بندقية آلية 7,62 مم عديم الارتداد، 4 مدفع 82مم عديم الارتداد، 4 مدفع 90مم، 4 رشاش متوسط 7,62، 7 رشاش خفيف /21 مسدسا 9مم،165,000 طلقة عيار 62 , 7 معبأة في 103 صناديق،4500 طلقة عيارس2 كاشفة معبأة في 103 صناديق،92300 طلقة عيار 7,62معبأة في 15 صندوق،100 قنبلة يديوية دفاعية شرقية معبأة في 5 صناديق ، 125 قنبلة يدوية هجومية إيطالي معبأ في 2 صندوق
'''منطقة قناة [[السويس]] '''


وفي الوقت نفسه بدأ '''"المشير"''' في توزيع  استقالته التي سبق وقدمه إلى الرئيس في أزمة [[1962]] والخاصة بتعيينات الضباط من الرتب الكبيرة بتصديق المجلس والسابق الإشارة إليها .
إذا كان البحر الأحمر يؤثر في قناة [[السويس]] إيجابيا وسلبيا فإن قناة السويس تؤثر في البحر الأحمر تأثير خطيرا ومباشرا فالقناة أنبوب يصل بين بحيرتين مقفولتين تسيطر البلاد العربية على إحداهما بالكامل وهو البحر الأحمر  وتسيطر على الأخرى وهي البحرالمتوسط من ساحليه الجنوبي والشرقي وموضع [[مصر]] منهذا الوضع '''"الجيوبوليتيكي"''' يؤكد أنها هي المنطقة الحاسمة في أية مواجهة بين القومية العربية وأعدائها وهذا هو قدر [[مصر]] شاءت أم أبت .  


وللتاريخ نثبت هذه الاستقالة ومن الملاحظ أن المشير لم يقدمها إلا بغرض الاحراج والضغط بدليل أنه لم يطالب بما ورد فيها حينما حلت  الأزمة وأيضا أنه لم يعد للمطالبة بما فيها إلا بعد النكسة عام [[1967]].
كان هذا في الماضي وسيظل أيضا في الحاضر والمستقبل وأية محاولة للتقليل من هذا الدور أو احتوائه تهدف إلى احتواء المنطقة العربية كلها والسيطرة عليها وإذا كانت [[مصر]] هي خط الدفاع الأول عن القومية العربية فإن [[سيناء]] التي يجددها خليج العقبة شرقا وخليج [[السويس]] وقناة [[السويس] هي الأرض الحيوية فيالمنطقة الدفاعية عن [[مصر]] التي تكون دائما هدفا للمعتدي


'''<center>نص الرسالة</center>'''
'''وتكتمل هذه النظرة في الإطار الآتي:'''


'''عزيزي الرئيس [[جمال عبد الناصر]]'''
* من يسيطر على فلسطين يهدد [[سيناء]] .


:بعد لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرى من الواجب وأيضا الوفاة يقتضيني أن أكتب إليك معبرا عن رأى مخلص رغم لأحداث الأخيرة . فبعد عشر سنين من الثورة وبعدد أكثر من عشرين سنة من الصلة بيني وبينك لا يمكنني أن أتركك وأعتزل الحياة العامة دون أن أبوح لك بما في نفسي كعادتي دائما .
* ومن يسيطر على [[سيناء]] على قناة [[السويس]] .


:إنني أعتقد أن الانسجام والتفاهم بين المجموعة التي تشارك في الحكم  أمر ضروري وأوجب من ذلك الثقة المتبادلة بين أفراد هذه المجموعة . وقد وجدت في هذه الفترة الأخيرة أن الأسلوب الغالب هو المناورات السياسية ونوع من التكتيك الحزبي فضلا عما لا أعلمه من أساليب الدس السياسي الذي قد أكون مخطئا في تصوره
* ومن يسيطر على القناة سيطر على [[مصر]] وعلى البحر الأحمر .


:ولو أن الحوادث كلها والمنطق تدل على ذلك والنتيجة التي وصلنا إليها اليوم خير دليل على هذا التصور فقد استطاع هذا الأسلوب أن يتغلب على ما كنت أعتقده مستحيلا وهو تحطيم صداقتنا وما نتج عن ذلك من أحداث لا داعي لسردها فكلها لا تتفق مع المصلحة العامة في شئ .
* ومن سيطر على [[مصر]] سيطر على العرب .


:المهم في الموضوع أنني لا أستطيع بأى حال أن أجارى هذا الأسلوب السياسي لأنني لو فعلت ذلك لتنازلت عن أخلاقي وأنا غير مستعد لذلك بعد أن انقضي نصف عمري .
'''منطقة خليج العقبة'''


:الذي أريد أن أحدثك عنه بخصوص نظام الحكم في المستقبل إنني أعتقد أن التنظيم السياسي القادم ليكون مستمرا وناجحا يجب أن يبني على الانتخابات من القاعدة إلى القمة بما في ذلك اللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الاشتراكي  وإن أتت اللجان العليا بدون انتخابات حقيقية فستكون نقطة ضعف كبرى في التنظيم الديمقراطي للإتحاد؛
إذا نظرنا إلى الفاصلين المائيين اللذين يشقان الساحة العربية وهما الخليج العربي والبحر الأحمر بمنطقة خليج العقبة نجد أنهما يكملان بعضهما البعض .أحدهما منطقة إنتاج الزيت والآخر منطقة خطوط نقله .


:وأن ما يجب أن نسعى إليه هو تدعيم الروح [[الديمقراطية]] بعد عشر سنوات من [[ثورة 23 يوليو 1952|الثورة]] والتي لا أتصور بعد كل هذه الفترة وبعد أن صفي الإقطاع  ورأس المال المستغل وبعد أن منحتك الجماهير ثقتها دون تحفظ أن يكون  هناك ما نخشاه من ممارسة [[الديمقراطية]] بالروح التي كتب بها الميثاق
'''ومنطقة الخليج العربي تفصل بين قوميتين: ''' القومية الفارسية والقومية العربية وبين طائفتين من دين [[الإسلام]] هما طائفة [[الشيعة]] وطائفة السنة.


:وخصوصا أن الملكيات الفردية الباقية والقطاع الخاص لا يشكلان أى خطر على نظام الدولة كما أنه ليس هناك ما يمنع إطلاقا، تنجسم هذه القطاعات مع النظام الاشتراكي كذلك الأمر بالنسبة للصحافة فيجب أن تكون هناك ضمانات تمكن الناس من كتابة آرائهم وكذلك تمكن رؤساء التحرير والمحررين من الكتابة دون حذف أو تحفظ؛
كما أن البحر الأحمر بخليجية وقناته يفصل بين البلاد العربية الأفريقية والبلاد العربية  الأفريقية والبلاد  العربية الآسيوية خاصة بعد احتلال إسرائيل لإيلات والنقب وهما يفصلان أيضا أقصد خليج العقبة و[[سيناء]] بين قوميتين العربية والإسرائيلية وبين دينين هما الدين اليهودي والدين الإسلامي .


:وقد تكون هذه الضمانات عن طريق اللجنة التنفيذية العليا مثلا  أو أى نظام آخر يكفل عدم الخوف من الكتابة وتوهم الكاتب أنه سيطارد أو يقطع رزقه وخصوصا أن الآراء التي ستعالج لن تخرج عن مشاكل الناس والمسائل التنفيذية وبعض المناقشات في التطبيق الاشتراكي وفي هذا فائدة كبيرة لأنه سيعبر عن الآراء التي تدور في خلد المواطنين .
ويتحكم في منطقة خليج العقبة والذييقع عليه ميناءى  العقبة الأردني وإيلات الإسرائيلي جزيرتا '''"تيران"''' وصنافر السعودتيان وعن طريق هذا المضيق يمكن التحكم في أية تجارة إسرائيلية مع بلدان شرق إفريقيا وغيرها فهي تصدر الموالح والصناعات نصف المصنعة أو كاملة التصنيع إليها وتستورد منها المواد الخام علاوة على اتصالاتها بجنوب إفريقيا علاوة على نقل البترول الإيراني  إلى أسدود عبر أنبوب إيلات أسدود الذي كان قطره 8 بوصات ثم زاد إلى 12 بوصة .


:دعني وأنا أودعك أن أحدثك عن الحكومة ورأيي فيها قبل كل شئ لا يمكن أن تسير ى حكومة في طريقها الطبيعي وهو الحكم السليم إذا كان نظام الحكم في حد ذاته ممسوخا ومشوها فيجب أولا أن نستفيد من تجارب العالم وحكوماته التي عاشت مئات السنين مستقرة منتظمة دون حاجة لتغيرات شاملة كل فترة قصيرة من الزمن .
'''منطقة باب المندب والجزر المحيطة'''


:ففي رأيي أن النظام الطبيعي للحكم يكون كالآتي:إما حكومة رئاسية ويرأس الوزارة فيها رئيس الجمهورية ويكون مسئولا أمام البرلمان مسئولية جماعية مع وزرائه .
إذا كان من الممكن السيطرة على خليج العقبة بواسطة جزيرتي صنافر وتيران فإنه يمكن السيطرة على البحر الأحمر والخليج العربي من باب المندب لأن '''"الترويكا المتحكمة"''' في المنطقة الاستراتيجية التينتحدث عنها هي مضيق هرمز باب المندب قناة [[السويس]] إذ أنها تتحكم في بعضها تحكما متبادلا.  


:وبدون الدخول في التفاصيل يمكن أن يكون هناك نائبا للرئيس ويجب أن تكون رئيس للدولة ورئيسا للحكومة أو حكومة برلمانية يرأسها رئيس الجمهورية ويكون رئيس الاتحاد الاشتراكي هو رئيس الوزراء أو ربما يكون رئيس الوزراء ليس رئيسا للإتحاد الاشتراكي ولا أريد أن أدخل أيضا في التفاصيل لكن تكون أيضا مسئولية الوزارة جماعية أمام البرلمان كما ورد في الميثاق .
'''وعلاوة على ذلك فإن للمنطقة الجنوبية للبحر الأحمر مميزات هامة:'''


:على كل أى من هذه الحلول ووجودك في النظام أو على رأسه على الأصح ضرورة وطنية .أنا لا أقول ذلك مجاملة فهناك كثيرون مستعدون للمجاملة أو الموافقة على رأيكم بمجرد إبدائه ولكن أعتقد أن تصرف غير ذلك سيكون بداية لنهاية لا يمكن معرفة مداها .
فإذا كانت السواحل الشرقية والغربية للبحر شمال هذه المنطقة عربية بالكامل فيما عدا الساحل الصغير الذي يقع عليه إيلات الإسرائيلية في خليج العقبة فإن الساحل الغربي الجنوبي تقع  عليه أرتريا التي هي مطمع للإمبراطور هيلاسلاسي كما يقع عليها جبيوتي المستعمرة الفرنسية أما الساحل  الشرقي في المنطقة  فهو ساحل عربي .


:ودعني أيضا قبل أن أودعك أن أقول لك أن اختلاطك الشخصي بالناس ضروري فإنه يعطي الثقة المتبادلة ويعطي إحساسات متبادلة ويعطي أيضا أفكارا متبادلة . وهذا هو الطريق الطبيعي للارتباط بأفراد شعبنا في المستقبل أما انعزالك التام فإنه سيجعل صور البشر عندك أسطرا على الورق أو أسماء مجردة لا معني لها .
يضيق البحر في هذه المنطقة تدريجيا كلما اتجه نحو الجنوب حتى يصبح في أضيق اتساع عند بابالمندب تماما بين ساحلي عدن وجيبوتي وهي المنطقة التيتصل البحر الأحمر بخليج عدن الذي يطل عليه القرن الأفريقي ثم البحار المفتوحة في المحيط الهندي منطقة بهذه الأهمية لابد وأن تكون محل صراع عالمي في المستقبل القريب خاصةإذا تمكنت [[مصر]] من إجلاء البريطانيين عن القناة


:وهذا في رأيي لا يمثل الواقع فالعقل والعاطفة من مكونات الإنسان ولا نستطيع أن نفصل بينهما كلية لكن يجب الجمع بينهما في الطريق الصحيح وهذا لا يمكن إلا الاتصال  الشخصي .
'''هذه النظرة الاستراتيجية جعلت [[عبد الناصر]] يقول في فلسفة الثورة:'''


:وهذا أيضا هو الطريق الوحيد لإظهار شخصيات قيادية نعتز برأيها دون خوف ولكنها في الوقت نفسه تثق بقيادتها وتحترمها وهذا النوع من الناس أنت في أشد الحاجة إليه بل وبلدنا كلها محتاجة إليه نوع جديد لم يتمكن منه حب المنصب ليسكت على الخطأ ولم تأخذ الأضواء نور بصره فيضحي بكل القيم ليعيش فيها .
:"إن القدر لا يهزل وليست هناك احداث من صنع الصدفة ولا وجود يصنعه الهباء ولن نستطيع أن ننظر إلى خريطة العالم نظرة بلهاء لا ندرك بها مكاننا على هذه الخريطة ودورنا بحكم المكان أيمكن أن نتجاهل أن هناك دائرة عربية تحيط بنا وأن هذه الدائرة منا ونحن منها امتزج تاريخنا بتاريخها وارتبطت مصالحنا حقيقة وفعلا لا مجرد كلام ؟ أيمكن أن نتجاهل أن هناك قارة إفريقية شاء لنا  أو علينا سواء أردنا أم لم نرد؟


:وأنا أودعك أيضا أرجو من الله ألا يحدث مني أو منك ما يجعل ضميرنا يندم على الإقدام عليه ويجعلنا صغارا في أعين أنفسناويكفي في رأيي ما حققه أهل السوء حتى الآن فقد نجحوا فيما تمنوا وفيما كانوا يعتبرونه مستحيلا .
أيمكن أن نتجاهل أنهناك عالما إسلاميا تجمعنا وإياه روابط لا تقربها العقيدة الدينية فحسب وإنما تشاهدها حقائق التاريخ؟ وكما قلت سابقا فإن القدر لا يهزل ".


:لا أريد أن أطيل عليك ولكنى أبديت آرائي لك فيما اعتقده بأنه المصلحة العامة وليكن فراقنا بمعروف كما كانت عشرتنا بالمعروف والله أسأل أن تتم حياتنا بشرف وكرامة كما بدأناها بشرف وكرامة ورغم كل شئ ورغم كل ما اعلم فإني أدعو لك من قلبي بالتوفيق وأتمني لك الخير وأدعو ربي أن يوفقك في خدمة هذه الأمة ولخيرها والسلام .
التحرك المصري لتنفيذ الاستراتيجية البحر أحمرية للثورة الاستقلال الوطني وحرب التحرير حددت الثورة هدفها منذ اليوم الأول في ضرورة انسحاب القوات البريطانية من [[مصر]] انسحاب كاملا وبذلك يتحقق  للبلاد استقلالها الذي كافحت من أجله أجيال عديدة وبذلت في سبيله آلاف الضحايا .


'''<center>[[عبد الحكيم عامر]]</center>'''
'''وقد كان تقدير الموقف الاستراتيجي في منتصف عام [[1952]] من واقع الوثائق الرسمية يتلخص في الآتي:'''


'''<center>[[القاهرة]] في 1/12/[[1962]]</center>'''
'''تواجه القوات المصرية  عدوين في وقت واحد:''' بريطانيا في القناة وإسرائيل على الحدود الشرقية لا يمكن لأية مفاوضات سياسية مقبلة مع بريطانيا للجلاء أن تنجح إلا بمساندة العمل الحربي على أن يعطي ثقل خاص للعمليات الفدائية في منطقة القناة.


وثبت بعد ذلك في التحقيقات أن الذي طبعها هي '''"زوجته السيدة برلتني عبد الحميد"''' وقد ضبطت آلة الطباعة في قريتها وكان يتولى توزيع الاستقالة و التي كتبت في عام [[1962]] بعض ضباط القوات المسلحة داخل الوحدات وبعض أعضاء مجلس الأمة وهم ما أطلق عليهم '''" مجموعة [[المنيا]]"''' والذين فصلهم السيد [[أنور السادات]] الذي كان يرأس المجلس من عضوية المجلس وآخرين .
لا يمكن ل[[مصر]] خوض أية معركة عسكرية ناجحة سواء كانت دفاعية أو هجومية ضد إسرائيل طالما ظلت القوات البريطانية في منطقة القناة تهدد خطوط مواصلاتنا نحو الشرق وتتحكم فيها العدو الرئيسي في الوقت الحالي هو القوات البريطانية في القناة والعدو الفرعي هو القوات الإسرائيلية قبل تحريك العمل الفدائي ضد البريطانيين في القناة لابد من إخلاء [[سيناء]] من قواتنا العسكرية حتى لا يكون هناك ضغط علينا إذ يمكن للقوات البريطانية أن تمنع مرور الامدادات والذخائر من كوبري الفردان أو من أية أماكن أخرى عبر القناة وتتخذ من ذلك ورقة ضغط في يدها في الأيام التالية .


بل أخذ المشير يلجأ إلى وسائل ما كان يجب عليه أن يلجأ إليها مهما كانت الظروف فقد سلم السيد عباس رضوان 5000 جنيه ذهب داخل خمسة أكياس لحفظها طرفه وقد تم ضبط الذهب مدفونا في أرض زراعية '''"بالحوارنية"''' دخل حقيبة جلدية وقد تبين نقص الأكياس ولكن تم ضبط الباقي منها في '''"قرية نزلة السمان "'''  
وفعلا أخليت [[سيناء]] من القوات المسلحة المصرية فيما عدا بعض الوحدات الرمزية في المناطق الحساسة وقبيل بدء المفاوضات عبر [[عبد الناصر]] عن إستراتيجية [[مصر]] في ذلك الوقت بالآتي '''"إننا سنناضل بكل ما أوتينا من قوة حتى لو اقتضي ذلك إراقة الدماء إذا أرغمونا على ذلك ونحن نعرف أنه ليس في استطاعتنا هزيمة القوات البريطانية ولكننا نعرف أنه في إمكاننا جعل الوجود البريطاني في القناة عديم الفائدة لها ولحلفائها على السواء "'''


ثم وبعد أن توليت رئاسة المخابرات العامة صباح 26 / 8/ [[1967]] أعترف لى مدير مكتب السيد [[صلاح نصر]] الرئيس السابق للجهاز أن السيد [[صلاح نصر]] استلم 60,000 جنيه من المصروفات السرية للجهاز دن إيصال وأنه يحاول منذ أيام أن يقنعه بكتابة الإيصال حتى يدعه ملف المستندات إلا أنه رفض وأضاف المسكين '''"أودعني السجن لأن خزنتي ناقصة "'''
وبدأت أعمال الفدائيين قبل بدء المفاوضات وأثناءها على أساس نظرية '''" كلام كلام .قتال قتال"''' كما بدأت المفاوضات في 23 / 4/ [[1953]] وقطعت يوم 6/5/ [[1953]] إذ لم تكن الضربات العسكرية المصرية قد أقنعت البريطانيين بعد بالوصول إلى اتفاق فاشتدت الهجمات على المعسكرات البريطانية وبدأت الحرب النفسية والاقتصادية بإعلان الحصار الاقتصادي على القوات البريطانية وبدأت الحرب النفسية والاقتصادية بإعلان الحصار الاقتصادي على القوات البريطانية  في القناة


وقد أبلغنا جهات التحقيق وكانت المخابرات الحربية قائمة به وتم العثور على حقيبتين مدفونتين '''"بالحورنية"''' أيضا وبفتحهما تبين أن بهما مبلغ 49, 360 جنيها وكذا عدد 40 رشاش قصير ، 5 صناديق ذخيرة, 108 طبنجة وقد اعترف السيد عباس رضوان في التحقيق بأنه استلم المبلغ والأسلحة والذخيرة من السيد صلاح نصر لإخفائها في '''"الحوارنية"''' ولكنه لم يتمكن من إعطاء التبريرات المقنعة لاختفاء باقي المبلغ وقدره حوالي 11000 جنيه .
ونتيجة لهذه الضغوط وقعت اتفاقية الجلاء يوم 27 /7/[[1954]] وكانت تنص على تحقيق الجلاء خلال 30 شهرا مع بقاء أجزاء من القاعدة في حالة تصلح للاستخدام على أن تقدم [[مصر]] لبريطانيا التسهيلات لمواجهة أى هجوم مسلح من دولة خارج المنطقة على أى بلد يكون طرفا في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو على تركيا وكانت مدة الاتفاقية سبع سنوات من تاريخ التوقيع وهكذا تحررت القناة جزئيا وكمرحلة أولي من [[السياسة]] المصرية البحر أحمرية .  


كان المشير عامر يريد أن يهدم المعبد على كل من فيه فلم يكفه '''"النكسة"''' الثقيلة التي أصاب بها الأعمال العظيمة ل[[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] والتي أضاعت وغطت على حلاوة انتصاراتها الكثيرة والكبيرة ولكنه  تمادي في أعماله تلك وأخذ يتورط في أعمال  أخرى خطيرة.
'''تأميم قناة السويس وحرب [[1956]] والاستيلاء على القاعدة البريطانية في القناة'''


مؤامرة قلب نظام الحكم وتخطيطه للاستيلاء على السلطة والشئ الغريب أن جهازي المخابرات العامة والمخابرات الحربية كان على علم بما يدبر وأبلغت إدارة المخابرات الحربية ما لديها من معلومات للجهات المختصة ولكن المخابرات العامة وكان يتولي رئاستها السيد [[صلاح نصر]] حتى مساء 25/8/ [[1967]] لم تبلغ ما لديها من معلومات إلى الجهات المسئولة ويعد هذا التصرف إخلالا كاملا بمسئولية وأمانة المسئولين عن ذلك واستمر هذا التكتم حتى توليت رئاسة الجهاز في 26/8/[[1967]] .
قبل حدوث التأميم كان [[عبد الناصر]] قد حقق عدة انتصارات كبرى:معركة رفض الدخول في مناطق النفوذ  معركة حرب التحرير والجلاء معركة عدم الانحياز معركة كسر احتكار السلاح معارك القضاء على الرجعية والإقطاع ولذلك فإن ربط العدوان الثلاثي عام [[1956]] بالتأميم فقط ليس ربطا دقيقا من الناحية التاريخية إذ أن التأميم كان '''" القشة التي قصمت ظهر البعير "''' بعد أن اتجهت [[مصر]] اتجاها خطيرا لم تعهده الدول الاستعمارية من قبل .


فبعد أن قدم المشير استقالته والذي عاد وسحبها مرة أخرى بذلت محاولات كثيرة من المحيطين به وبموافقته لإعلان العصيان فقد قاموا بجمع عدد كبير من الضباط لعمل مظاهرة للمطالبة بعودة المشير بل قام ضباط حراسة المشير بمظاهرة عسكرية مسلحة بالعربات  المدرعة واتجهوا من الحلمية إلى مبني القيادة العامة للقوات المسلحة .
'''وكان من نتيجة العدوان الثلاثي والصمود الذي ووجه به تحقيق الآتي:'''


وفي نفس الوقت كان يتم اتصال أعوان المشير بقوات الصاعقة الموجودة في أنشاص في ذلك الوقت وكان يتم استدعاء بعض الضباط لمقابلة المشير ليلا في منزله ب[[الجيزة]] .
* أصبحت قناة [[السويس]] مصرية وعادت ملكيتها إلينا.


وكان المشير يستقبل علاوة على ذلك بعض المدنيين سرا في منزله ولزيادة سرية هذه المقابلات أمر المشير بفتح ثغرة في السور الذي يفصل بين المنزل '''"والمشتل الجحاور"''' وأخذت  المقابلات تتم في هذا المشتل كل ليلة وأخذ بعض الضباط يزودون المشير بتقارير عن أوضاع وحداتهم ويتلقون منه الأوامر لنشر الشائعات وتوزيع استقالته السابق الإشارة إليها؛
* ألغيت المعاهدة وتم الاستيلاء على القاعدة البريطانية وبذلك تطهر المدخل الشمالي للبحر الأحمر .


وفي نفس الوقت لوحظ نقل كميات من الأسلحة والذخيرة من معسكر الحلمية إلى منزل المشير ب[[الجيزة]] كما لوحظ عدد كبير من الأفراد المدنيين يحملون السلام ويقومون بحراسة منزل المشير ويمنعون الاقتراب منه وقام بعض الضباط المقيمين  في منزل المشير بتدريبهم على إطلاق النيران؛
* أصبح الطريق مفتوحا نحو الشرق في [[سيناء]] دون تهديد أجنبي لخطوط مواصلاتنا وعادت قواتنا إلى أماكنها في [[سيناء]] تبعا للخطط الموضوعة .


وبذلك أصبح منزل المشير والمنطقة المحيطة به منطقة ممنوعة على سلطات الأمن كما لوحظ تردد أعضاء مجلس الأمة من محافظة [[المنيا]] وبعض محافظات الوجه القبلي على منزل المشير وكلف البعض منهم بإثارة مناقشات سياسية بقصد  إحداث بلبلة سياسية في نفوس أعضاء مجلس الأمة والشعب ووزع على بعضهم صورة من الاستقالة مع تحريضهم على القيام بنشر أبناء مضللة عن أسباب الهزيمة العسكرية ..
* تم تمصير الممتلكات الأجنبية .


لكل هذه الشواهد تم وضع المنطقة كلها تحت المراقبة بواسطة الأجهزة المختصة بل تم عمل كافة الترتيبات الدقيقة لمعرفة كل ما يجرى داخل  المنزل في كل وقت وتم تجهيز '''"رسم كروكي"''' للمنزل من الداخل والخارج ولكل المنطقة المحيطة بالمنزل تحسبا للظروف
* ارتفع شأن [[مصر]] في المجال الدولي بصفة عامة وفي المجال العربي والأفريقي بصفة خاصة .


وبدأت هذه التجهيزات والترتيبات التي يقوم بها المشير تتبلور في مؤامرة حقيقية لقلب نظام الحكم حدد لتنفيذها يوم 27 / 8/ [[1967]] وكان الغرض منها الاستيلاء  بالقوة على القيادة العامة للقوات المسلحة .
* تم بناء السد العالي .


'''كانت الخطة سوف تتم على مرحلتين:'''
'''ولكن تخلف عن هذه الحرب نتيجتان هامتان كان لهما تأثيرهما الكبير في حرب [[1967]]:'''


:'''(أ‌) المرحلة الأولي:''' وهي الجانب التمهيدي والدعائي داخل أفراد القوات المسلحة لإحداث بلبلة في الأفكار وإثارة الفتن ببث الدعايات المسمومة والمغرضة والسعي إلى نيل تأييد أكبر عدد من ممكن من الضباط لتأييد المخطط وتهيئة الأذهان لتقبل الوضع الجديد.ودعوة الضباط  إلى منزل  المشير وتقصي أحوال القوات المسلحة وأسرارها منهم وتوزيع استقالة المشير وإقناعهم بأن للمشير قضية عامة هي مطالبته ب[[الديمقراطية]] وإطلاق الحريات .
:#المسألة الأولي وجود القوات الدولية في [[سيناء]] بوجه عام وشرم الشيخ  بوجه خاص ثم حرية الملاحة في خليج العقبة  بالنسبة لإسرائيل وهو وضع استغلته الأنظمة العربية عام [[1967]] في هجماتها الدعائية الضارية .
:#والمسألة الثانية خاصة بتعطيل الملاحة في قناة [[السويس]] أثناء العدوان صحيح أعيد فتح القناة للملاحة من جديد ولكن بعد أن أحست الدول العظمي بتأثير ذلك  عليها وبأنه كان ورقة رابحة في يد [[مصر]] الذي جعلها تتخذ من الاحتياطات التي قللت من تأثير غلق القناة مرة أخرى أثناء عدوان [[1967]] .


:'''(ب‌) الشق الثاني:''' ويتمثل في الجانب العسكرى التنفيذي ويعتمد على قوات الصاعقة الموجودة في '''"أنشاص"''' والتي كان عليها تأمين وصول المشير إلى القيادة الشرقية في منطقة القناة ثم تنصيبه قائدا عاما للقوات المسلحة ثم يقوم المشير بإعلان  مطالبه لرئيس الجمهورية من هناك فإذا لم يستجب له الرئيس تحركت قطاعات من القوات المسلحة لفرض هذه المطالب بالقوة وذلك بمعاونة القوات الجوية لضمان نجاح الخطة...
'''[[السودان]]'''


:وتم تحديد القوات اللازمة لتنفيذ العملية ودرست الطرق التي سوف تتحرك عليها هذه الوحدات وحددت التوقيتات اللازمة للتنفيذ كما وزعت المهام والواجبات لكل منهم فكان موكولا إلى السيد [[شمس بدران]] مثلا تأمين الشرطة العسكرية والفرقة المدرعة والسيد عثمان نصار تأمين منطقة دشهور العسكرية والسيد عباس رضوان تأمين منطقة [[القاهرة]] واعتقال بعض المسئولين في الدولة بمعاونة أطقم المخابرات العامة بعد موافقة السيد [[صلاح نصر]] وكان على رأس المعتقلين  شعراوى جمعة وسامي شرف وأمين هويدى وهؤلاء تم اعتقالهم بعد ذلك أيضا بواسطة [[السادات]] .
كان الزعماء الوطنيون والحكومات السابقة في [[مصر]] قبل قيام الثورة يطالبون بسيادة [[مصر]] على [[السودان]] أو بحق ضمه إلى [[مصر]] بل أعلن الملك فاروق نفسه ملكا على [[مصر]] و[[السودان]] وكانوا يستندون في ذلك إلى الروابط المتينة التي تربط شعبي وادي النيل منذ القدم وكثيرا ما تحطمت المفاوضات التي كانت تدور بين [[مصر]] وبريطانيا على صخرة [[السودان]] .


انكشاف زواجه العرفي من السيدة '''"برلتني عبد الحميد"''' ولن أتعرض لتفاصيل هذا الموضوع لأنه أولا يمثل جانبا من حياة المشير الشخصية ولأنه أمر عادي يجرى في كل الأوقات وفي كل الطبقات .... ولكن  كان المشير حريصا  كل الحرص على إخفاء هذه العلاقة بالرغم من أن السيدة برلنتي كانت لا ترضي أن يكون زواجها  سرا بل كانت تلح  في إعلانه وتوثيقه ولكن  كان الرجل يخشي تأثير ذلك على حياته الزوحية وعلى حياته العامة .  
إلا أن [[السياسة]] المصرية في بداية الثورة فاجأت الجميع حينما أعلنت عن تصميمها على إنهاء الاحتلال الثنائي للسودان أولا والدعوة بعد ذلك إلى وحدة وادي  النيل  من خلال الاعتراف بحق الشعب السوداني في تقرير مصيره ووافق [[عبد الناصر]] على إجراء استفتاء عام في [[السودان]] من أجل تحقيق ذلك بعد تحقيق المناخ المناسب وذلك بالاتفاق على فترة انتقال مدتها ثلاث سنوات يتم فيها تصفية الإدارة الثنائية كما تقرر تأليف جمعية تأسيسية منتخبة لتقرير مصير السودان على أساس ارتباطه ب[[مصر]] في أية صورة من صور الارتباط أو الاستقلال التام أى الانفصال عن [[مصر]] .  


كان يعرف أنه بمجرد زوال سلطاته فإن أمور كثيرة سوف تتكشف وتظهر الأمر الذي بذل جهده في السنوات الماضية لكي يظل سرا مكتوما .
كما تقرر سحب القوات  البريطانية والمصرية من [[السودان]] فورا عندما يعلن البرلمان  السوداني عن رغبته في الشروع في اتخاذ التدابير الخاصة بتقرير المصير رغم  أن [[مصر]] عملت طول فترة الانتقال على إقناع الشعب السوداني للارتباط ب[[مصر]] لتحقيق وحدة وادى النيل إلا أنه حينما رأت أن الغالبية العظمي للشعب السوداني تفضل الاستقلال بادرت على الفور بتأييد هذا الاتجاه وسحبت قواتها من [[السودان]] تاركة أسلحتها  الثقيلة هدية للجيش السوداني فاضطر البريطانيون إلى سحب جيشهم منهيا احتلال [[السودان]] .


وقد حدثني الرئيس جمال أن المشير كان يحضر له دوما ليشير عليه أن يكون له '''"أبواب خلفي"''' فكيف يمكن للرئيس أن يعيش هكذا داخل أربع حيطان لا يتمتع بالدنيا ولا يروح عن نفسه وكان المشير يضرب أمثلة بالعديد من رؤساء الدول والشخصيات الكبرى وكيف أن لهم '''"أبوابا خلفية متعددة"''' فالمرء دائما يحتاج إلى التفريج عن نفسه فساعة لقلبك وساعة لربك .
وهكذا فإن كانت [[مصر]] قد فشلت في تحقيق الوحدة مع [[السودان]] إلا أنها كانت قد نجحت في  طرد البريطانيين من هناك واكتساب صادقة الشعب السوداني بل فتحت مجال  العمل في أفريقيا كلها وبإخلاصها والتزامها بالمبادئ الأساسية التي قامت عليها سياستها الأفريقية بعد ذلك..


كان يخشي مثلا أن ينكشف أنه اشترى منزلا في '''"ايكنجي مريوط "''' مركز القسم الشرقي بالعامرية محافظة الصحراء الغربية بحوض  برنجي وايكنجي مريوط رقم 3 ضمن القطعة رقم 209 وهو المنزل الذي اشتراه من السيدة انطوانيت جريك واختار إسما له محمد عبد الحكيم على بن على حفيد عامر أثناء إتمام الإجراءات الرسمية . كان هذا المنزل هو الأقرب إليه قلبه للإختلاء بزوجته وبعض  الأصدقاء.
وهي تصفية الاستعمار وحق تقرير المصير وحينما تحقق تصفية القاعدة البريطانية بعد ذلك في قناة [[السويس]] عام [[1957]] أصبح كل الساحل الغربي للبحر الأحمر حتى كسلا ونهاية الحدود السودانية خاليا من القوات الأجنبية باختلاف وسيلتين مختلفتين في مجال [[السياسة]]:الدبلوماسية كما حدث في طرد البريطانيين من السودان والضغط العسكري إلى جانب التفاوض كما حدث في طرد البريطانيين من القناة.


كانت هذه العلاقة سرية تماما لا يعرفها إلا القليلون جدا من دائرة المشير الضيقة ومطبخه الداخلي ولا أظن أن أحدا من المسئولين كان يعرف ذلك إلا المرحوم أنور السادات الذي كان يحضر بعض المناسبات بين وقت وآخر .ولنقف عند هذا الحد إلا أننا نريد أن نؤكد مرة أخرى أن الرجل كان لا يريد أن تكشف هذه العلاقة وكان يرغب أن تبقي سرا .
'''[[الصومال]]'''


إذن كان المشير متورطا في أكثر من اتجاه وكان بذلك مهيئا للقيام بأى إجراء غير محسوب و خطوة يائسة إذ ظل هكذا مطلق الحرية يفعل ما يريد ولذلك فإنه كان من الواجب إيقاف الأمور عند حدها حتى لا تتطور وتتضخم وأن تعود الشرعية مرة أخرى لتمارس سلطاتها لمواجهة الموقف الصعب الذي وجدت فيه البلاد ولو أن هذا كان ينبغي أن يتم منذ وقت طويل قبل أن تصل الأمور إلى هذا الحد ولكن لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب .
'''في أوائل الخمسينات تلخص الموقف في [[الصومال]] ذات الموقع الإستراتيجي الهام في القرن الإفريقي في الآتي:'''


'''خطة جونسون'''
وجود صومولات خمسة هي الإيطالي والانجليزي والفرنسي والأثيوبي والكيني.وضع الإقليم  تحت الوصاية للأمم المتحدة التي أنشأت '''"المجلس الاستشاري "''' منذ عام [[1950]] مكونا من ثلاث دول هي [[مصر]] وكولومبيا والفلبين للإشراف  على البلاد لتحقيق استقلالها عام[[1960]].


صدرت تعليمات الرئيس [[عبد الناصر]] إلى كل من شعراوى جمعة ،سامي شرف ،أمين هويدى بوضع خطة لمواجهة الموقف وتحديد إقامة المشير عامر وكان اقتناع الرئيس باتخاذ هذه الخطورة في حد ذاته عملا إيجابيا حقيقة إذ لم ينجح في إقناعه أحد من زملائه رغما عن تكرار المحاولة وكان هذا يرجع أولا إلى أن  الأمور وصلت إلى منتهاها وأن الصراعات  على القمة التي كانت موجودة داخل '''"الحرس القديم"''' لم يكن لها أثر في '''"الجماعة المختارة"''' فكانت حسابات الرئيس هنا أسهل وأيسر .
كان الإيطاليون الذين يملكون السلطة الإدارية ويسيطرون على اقتصاديات البلاد ويملكون معظم الأراضي الخصبة لا يريدون تغيير الأوضاع فكانوا يعرقلون أى جهد يقوم به المجلس الاستشاري لإشراك الوطنيين في الإدارة وتدرجهم نحو الاستقلال .


'''وكانت المأمورية دقيقة وصعبة ولكنها كانت واجبة وكانت المناصب التي يتولونها في ذلك الوقت كالآتي :'''
البريطانيون لا يعارضون في استقلال '''" هرجسية الصومال الانجليزي "''' على أن يتحد مع الصومال الإيطالي بعد استقلاله في دولة مستقلة تدخل رابطة الكومونولث البريطاني أثيوبيا تسعي إلى ضم الإقليم الذي تديره إلى الوطن الأم كما ضمت الأوجادين من قبل تؤيدها الولايات المتحدة .


:#شعراوي جمعة وزيرا للداخلية
كانت كل هذه القوى المتصارعة تتفق على شئ واحد هو القضاء على الملامح العربية للصومال وإيجاد علاقة اقتصادية بينها وبين إسرائيل .وسط هذه المؤامرات الضخمة أعلنت [[مصر]] عام [[1952]] عن سياستها بمساندة القوى الوطنية في [[الصومال]] من أجل الاحتفاظ بمقومات الشخصية الصومالية بجذورها العربية الإسلامية ووحدة أراضيه وقطع الطريق على إسرائيل حتى لا تدعم علاقاتها الاقتصادية مع البلاد .
:#أمين هويدي وزيرا للحربية
:#سامي شرف مدير مكتب الرئيس للمعلومات


كانت المأمورية دقيقة لأنها كانت تتعلق '''" بالمشير "''' والرجل لم يقدم لأحد منا من الناحية الشخصية سوءا أو ضررا ثم كان الرجل بسلطاته التي ما زالت تترك بصماتها على كل أجهزة الدولة يمثل قوة حقيقية لابد  وأن نعمل لها حسابا ثم كان لابد من التصرف بحكمة تامة حتى لا نجعل من التصفية صداما حقيقيا يمكن أن يتسع فيشعل الحرائق في كل شئ .
وقد استندت [[مصر]] في نشاطها إلى وضعها القانوني في المجلس الاستشاري الذي كان يعطيها حق محاسبة الإدارة الإيطالية عن طريق الأمم المتحدة كما أعطاها حق الوجود في مقديشيو الاتصال بكافة الهيئات والتنظيمات السياسية وتقديم المساعدة لها فقدمت [[مصر]] مساعداتها الايجابية عن طريق إمداد المدارس العربية التي تفتتحها الجمعيات والأحزاب السياسية بالمدرسين والكتب العربية وأعطت كثيرا من المنح الدراسية في المعاهد والمدارس والجامعات لأبناء [[الصومال]]


وكانت المأمورية صعبة لأن الأجهزة الحساسة كلها كانت متعاطفة مع المشير عامر فالمخابرات العامة وعلى رأسها السيد [[صلاح نصر]] كانت قد حددت موقفها إلى جواره القوات المسلحة متعاطفة وإن كان البعض  قد أظهر جانب الحياد إلا أنه لم يكن ليتردد في اتخاذ موقفه إلى جوار المشير عند أول بادرة نجاح لجهوده في سبيل الاستيلاء على السلطة أما أجهزة [[وزارة الداخلية]] فلها حساباتها المعقدة في مثل هذه الأحوال ولا داعي للخوض في تلك الحسابات حتى لا نخرج عن الموضوع .
كما فتح [[الأزهر]] أبوابه لأعداد هائلة من الصوماليين وقام بإرسال بعثة أزهرية إلى [[الصومال]] كان أعضاؤها يخطبون في الجوامع بجانب رسالتهم التعليمية ثم عملت [[مصر]] على استيراد جزء كبير من احتياجاتها من الماشية من الصومال الأمر الذي ربط مصالح التجار ب[[القاهرة]] وجعلهم يترددون عليها .


وكانت المأمورية واجبة فالعدو في شرق القناة والبلاد تمر في أخطر مراحلها وكان لابد من ترتيب البيت الداخلي حتى يمكن البدء في مواجهة العدوان .
* وقد استقل [[الصومال]] عام [[1960]] وأصبح عضوا في الجامعة العربية .اليمنان العملية 9000 والعملية صلاح الدين توفي الإمام أحمد حميد الدين في [[سبتمبر]] [[1962]] وتولي ولده محمد البدر الإمامة  من بعده ولم تنقض إلا أيام قليلة على توليه الحكم حتى قامت ثورة 26 [[سبتمبر]] [[1962]] أطاحت به وبملك أسرة حميد الدين وفر هاربا إلى الجبال وظهر مرة أخرى بعد أسابيع ليحشد قوات لمقاومة قوات الثورة في صنعاء وهنا حقيقتان لابد من التركيز عليهما .


ولذلك فقد قررنا أن نلتزم بالسري المطلقة في اتخاذ إجراءاتنا وكذلك بالسرعة المعقولة لأننا كنا في سباق خطير مع الزمن فلم يكن الجانب الآخر عند بداية وضع الخطة بواسطتنا قد حدد موعد تحركه بعد وكنا بذلك نتحرك في المجهول من ناحي السرية لم يخطر أحد غير ثلاثتنا في المراحل الأولي بهذا الأمر وأى قول  غير هذا عار تماما عن الصحة وادعاء باطل تورط فيه البعض حتى يظهر ا،ه كان على علم ببواطن الأمور .
* كان حكم أسرة حميد الدين استبداديا لا يعترف بالتعليم أو الانفتاح على العالم .


واتفقنا أن نطلق الاسم الكودى '''"جونسون"''' على العملية كلها خوفا من التورط أثناء حديث أو مكاملة تليفونية كما اتفقنا على أن تكون اجتماعاتنا في '''"نادى الشمس"''' ب[[مصر]] الجديدة وكانت الاجتماعات تتم في وقت متأخر من الليل بعد أن يكون النادى قد أغلق أبوابه حول حمام السباحة وأمامنا لفائف من سندويتشات الفول والطعمية التي كان يحضرها من يكلف بذلك وكنا نصل دائما إلى مكان الاجتماع في مواعيد متقاربة وبطريقة فردية .
* أن السعودية هي التي بدأت التدخل في ثورة [[اليمن]] عقب قيامها بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا وقامت بإنشاء محطة إذاعة للملكيين تندد بالنظام الجديد ودفعت الأمين الحسن عم البدر إلى الجبال للمقاومة حتى  البدر من جديد من مكان اختفائه واتخذت من منطقتي جيزان ونجران قاعدة كبرى لعمليات القوات الملكية  بقيادة البدر وتحت إشراف الخبراء الأجانب


كان تقديرنا لأول وهلة أنه إذا استدرج '''"المشير"''' بحيث يكون منفردا أو معه أقل عدد ممكن من الحراس فإنه في هذه الحالة يمكن وبسهولة تدبير طريقة نتحفظ بها عليه في أى مكان أمين حتى يتم تصفية الجيوب الباقية في منزل [[الجيزة]] مثلا..
* ثم أخذت تستأجر الجنود المرتزقة بأجور خيالية لتدفع بهم إلى داخل [[اليمن]] وأخذت الولايات المتحدة تمد السعودية بالسلاح لتغذي حرب العرب ضد العرب بينما قامت بريطانيا بمساندة عمليات شريف بيجان من الجنوب وتعمل على تفتيت [[اليمن]] الشمالي بفصل جنوبه من الشوافع عن شماله من الزيود ثم التركيز على مستعمراتها في عدن .


'''ولذلك وبعد بحث عدة بدائل استقر الرأي على الآتي :'''
* أمام هذا التدخلات قامت الجمهورية الوليدة بطلب مساعدة [[مصر]] حتى يمكنها مواجهة الضغوط الكثيفة التي تواجهها ووافقت [[القاهرة]] على مساعدة صنعاء في عملية كبرى كان اسمها الكودي العملية 9000 ولكن إلى جانب تدعيم الحكم عسكريا أخذت [[مصر]] تدخل الحضارة إلى [[اليمن]] فأنشأت جهازا للدولة لأول مرة في تاريخ [[اليمن]] وأسست المساعدات العربية لبناء [[اليمن]] ثم قام الاتحاد السوفيتي والصين ودول  المعسكر الاشتراكي بإنشاء المواني والطرق وتقديم المساعدات المختلفة.
   
:#أن أصلح مكان لذلك هو طريق '''"[[صلاح سالم]]"''' حيث كان المشير يستخدمه ذهابا وإيابا للقيام ببعض الزيارات الخاصة ويمكن تحديد الوقت بالتقريب بمراقبة تحركاته على الطريق عدة مرات .
:# أن أنسب وقت لإتمام العملية هو في طريق عودته إلى [[الجيزة]] فالوقت يكون متأخرا في ذلك الحين وتقل حركة المرور ثم يكون المشير في حالة يقظة غير كاملة .
:#أن يتم سد الطريق عند إحدى فتحاته بحيث تضطر عربة المشير إلى التهدئة والانحراف إلى الجانب لآخر من الطريق .
:#في هذه اللحظة يمكن السيطرة على العربة بمن فيها مع التأكد من أن تتم الأمور بسرعة لتفادى أى اشتباك ثم يوضع المشير في مكان أمين مجهز من قبل .


كانت هذه هي الخطة العامة التي وضعنا لها كثيرا من التفاصيل الدقيقة وعرض الموضوع على الرئيس بواسطة سامي شرف ووافق الرئيس على ذلك.وعقب ذلك بفترة قصيرة استدعانا السيد [[زكريا محيي الدين]] استدعاء فرديا لمقابلته في منزله بالدقي وكان يؤكد على كل فرد ألا يخطر أحدا بالمقابلة على أن يترك  كل فرد عربته بعيدا عن المنزل وتبادلنا هذه المعلومات رغما عن التنبيه علينا مرارا بعدم إخطار أى فرد باللقاء وصممنا أن نذهب إلى السيد زكريا مجتمعين وفي وقت واحد وبعربة واحدة .  
وحدث فجأة ما كانت تخشاه القوى المضادة فاشتعلت الثورة في عدن و[[اليمن]] الجنوبي وساعدتها [[مصر]] بكل قواها '''(العملية صلاح الدين)''' ففتحت بذلك جبهة جديدة أمام الاستعمار وعمت الثورة أنحاء البلاد إلى أن وقعت بريطانيا معاهدة مع [[اليمن]] الجنوبية تعترف فيها باستقلالها التام وأخذت تنسحب من قاعدتها إلى غير رجعة وفي نفس الوقت أخذ مركز الجمهورية في الشمال يقوي ويتدعم وأصبحت قوى القومية العربية تسيطر سيطرة كاملة على باب المندب .


وفوجئ الرجل بذلك إلا أنه قابل الموقف بضحكته المعهودة التي قد تعني شيئا أو قد تعني أشياء عديدة أو قد لا تعني شيئا إلا أنه استقبلنا في بشاشته الكريمة ويكرمه المعتاد .
'''وكانت نتائج أحداث [[اليمن]]ين خطيرة بحق:'''


وتناقشنا في الخطة وكان على علم بها كان الرئيس قد أطلعه عليها وأشركه في التنفيذ أو على الأقل في مراجعة تفاصيل ما سوف يتم وخرجنا ونحن جميعا على اتفاق كامل على التنفيذ لم يكن أحد يعلم بالموضوع إلا نحن فقط بعكس ما ورد في روايات عديدة قرأتها وتعجبت منها ولها .
:فقد قامت الجمهورية [[اليمن]]ية وهبت رياح التغيير لتخرج شعب [[اليمن]] من الظلمات إلى النور وانطلقت حركة التغيير والتعمير  في الجزيرة العربية بما فيها السعودية خوفا من رياح الثورة العاصفة .


'''ولكن حينما تكررت اللقاءات بدأت عيوب كثيرة تظهرة أمامنا لهذه الخطة:'''
:خرجت دولة [[اليمن]] الجنوبية إلى الوجود كدولة مستقلة .السيطرة العربية على باب المندب وأصبح البحر الأحمر بحرا عربيا بحق .


:#فقد أكتشفنا أنها معقدة غاية التعقيد والخطة  يجب أن تكون بسيطة .
وسط هذه التغييرات الخطيرة التي أحدثتها الثورة المصرية اختمرت خطة التآمر لضرب [[القاهرة]] بعد أن فشلت كل المحاولات والضغوط لإبقاء [[القاهرة]] محصورة في حدودها فكانت حرب [[1967]] والتي انتهت بنكسة تشابهت مع الضربة التي وجهت إلى محمد على بعد ضرب الأسطول المصري في معركة نفارين عام 1840 بتآمر الدول الكبرى .
:#ثم إنها خطة جامدة أى أنها تتبع توقيتا ومقتل أى خط هو في جمودها وعدم ترك  فسحات من الوقت للظروف غير المتوقعة أو الطارئة .
:# ثم إن احتمال عدم الاشتباك ضئيل للغاية ويعتمد على الحظ والاعتماد  أكثر من الدقة ليس صحيحا في أى أمر من الأمور .
:# ثم من يضمن عدم كثافة المرور في هذه الساعة التي ستتم فيها العملية وليس لائقا أن تتم عملية مثل هذه مع نائب رئيس جمهورية سابق حتى تصبح حديثا تلوكة الألسن في العاصمة .
:#ثم من يضمن ألا يكون المشير في وعيه الكامل استثناء من الظروف العادية؟ وهنا قررنا إلغاء الخطة من أساسها واستبدالها بأخرى تتلافي عيوب الخطة السابقة .


'''وتوالت الاجتماعات وأغلبها في نفس مكاننا في نادى الشمس ب[[مصر]] الجديدة وكنا في سباق مع الزمن لعدة أسباب:'''
'''وقد استغلت إسرائيل نكسة [[1967]] لتزيد من تواجدها في البحر الأحمر واتخذت في سبيل ذلك عدة إجراءات منها:'''  


:#فمؤتمر القمة العربي سوف يعقد في الخرطوم في 29/8/[[1967]] ولابد أن يحسم الوضع قبل سفر الرئيس إلى الخرطوم وإلا لو استمرت الأوضاع على ما هي عليه فإن تأجيل سفر الرئيس سوف يصبح أمرا حتميا وكان البديل لهذا الموقف في حالة عدم إمكانية الحسم أن يصطحب الرئيس '''"المشير عامر"'''
:بناء بعض المطارات في [[سيناء]] التي يمكنها عن طريقها الوصول إلى أغراض بعيدة من البحر أو حوله ضمن سياسة أمنها نقل بعض الزوارق الحربية برا من موانيها في البحر المتوسط إلى البحر الأحمر محاولات البحث عن البترول في مياه خليج [[السويس]] محاولة التدخل في إدارة قناة السويس عند فتحها مرة أخرى للملاحة أى المشاركة في الإدارة ولم تقبل [[القاهرة]] في ذلك الوقت تغيير الأوضاع في البحر الأحمر فقاومت المحاولات الإسرائيلية الاستعمارية كلها .
:#كان الجانب الآخر قد ضاعف نشاطه وأصبح ظاهرا أن عملية ما قد أصبحت جاهزة للتنفيذ لموالاة الضغط على السلطة الشرعية وكان لابد  لجانب الشرعية أن يضرب ضربته أولا .
:#وكان الموقف في القوات المسلحة يزداد سوءا فحالة القلقلة والتميع كانت سائدة ولا أنسي في هذه المرحلة زيارتي إلى القاعدة الجوية في أنشاص وبرفقتي الفريق عبد المنعم رياض رئيس ركان حرب القوات المسلحة والفريق مدكور أبو العز قائد القوات الجوية كانت الزيارة لن تستغرق أكثر من ساعة  نفتش فيها على إنشاء الدشم والدفاعات الأرضية والجوية على القاعدة وحالة المواصلات والخطط الموضوعية  وطريقة إصلاح الممرات في حالة ضربها بواسطة العدو وخطط التمويه والخداع واستكمال النقص في الأفراد والأسلحة والمعدات . إلا أن موقف البلبلة السائد بين ضباط القاعدة جعلني ألغي زيارتي للقواعد الجوية الأخرى وصممت على عدم ترك أنشاص إلا والاقتناع سائد بين كل الأفراد وقد كان .
:#كان العدو يركز على انهيار الجبهة الداخلية كوسيلة لإسقاط النظام وكان لابد من رأب التصدع الذي حدث بأسرع ما يمكن حتى تعود الجبهة الداخلية إلى تماسكها وتعود القوات المسلحة إلى وحداتها وانتظامها ويتفرغ الجميع للمسئولية الثقيلة التي توجههم .


إذن كان لابد للخطة أن تكون بسيطة وشاملة وتشمل كل الجيوب التي تشارك في حالة العصيان القائمة:المشير بشخصه على رأس القائمة قلعة منزل المشير بالجيزة جهاز المخابرات العامة بعد أن أصبح من المؤكد أن رئاسته تلعب دورا خفيا في تغذية وتأييد العصيان .
فمن ناحية زيادة النقل العسكري الإسرائيلي في البحر الأحمر قامت [[مصر]] بنشر سفنها التابعة لأسطول البحر الأحمر في بعض المواني المصرية وميناء بورسودان .كما قامت بنشر قواتها الجوية في مطارات [[السودان]] في الجنوب كذا بعض قواتها البرية في جبل الأولياء وبذلك قدمت السودان أراضيها لزيادة العمق المصري.


'''وكانت الخطة في إطارها العام كالآتي:'''
قاومت [[مصر]] أية محاولات إسرائيلية للبحث عن البترول في خليج السويس فلما أرادت إسرائيل الحفر في خليج [[السويس]] عن البترول مستخدمة الحفار '''"كينتج"''' ومر في أبيدجان عاصمة ساحل العاج بعملية إيجابية للمخابرات المصرية تعد من أعظم عمليات المخابرات في تلك الحرب .


:#يستدعي المشير إلى منزل الرئيس في منشية البكرى ليلا لأى سبب يراه الرئيس صالحا لهذا الاستدعاء حيث يبلغ بتحديد إقامته .
وقد قمت بنفسي بالتخطيط لهذه العملية والإشراف على تنفيذها بنجاح أيام رئاستي لجهاز المخابرات العامة ومعي جماعة من الرجال الأكفاء ذوى العزم والقدرة كان الحفار إنجليزيا اشترته شركة أمريكية كندية سجلت نفسها في '''" دنفر عاصمة كولورادو"''' بالولايات المتحدة يجره جرار هولندي وتمت المحاولة الأولي لضربه في '''"داكار"''' عاصمة السنغال يوم 19/ 2/[[1970]] إلا أن الحفار غادر الميناء فجأة قبل تنفيذ العملية ونجحت محاولتنا الثانية في تعطيل الحفار في أبيدجان يوم 8/ 3/ [[1970]] وقفل راجعا إلى ميناء '''"تيما"ر في غانا حيث بيع بعد ذلك كخردة .
:# في نفس الوقت تتجه قوة من القوات المسلحة إلى منزل المشير بالجيزة لحصاره والقبض على من فيه على أن يتم ذلك قبل أو ضوء .
:# في اليوم التالي مباشرة يعاد النظام إلى جهاز المخابرات العامة .  


ووافق الرئيس على الخطة ورأى أن يحضر معه في لقائه بالمشير في منزله كل من السادة [[زكريا محيي الدين]] و[[حسين الشافعي]] و[[أنور السادات]] ولم يكن أحد من الثلاثة يعلم بما سوف يتم إلا السيد [[زكريا محي الدين]] فقط ويظهر هذا واضحا من رواية السيد [[أنور السادات]] في كتابه البحث عن الذات في الصفحة 248 .  
أما عن موضوع قناة [[السويس]] فقد رفضت [[مصر]] في عهد [[عبد الناصر]] أية مبادرات للانسحاب الجزئي على أساس إعادة فتح قناة [[السويس]] في مقابل ذلك ثم رفضت كل المحاولات التي قامت بها الدول الاستعمارية عن طريق مندوبيها لجعل منطقة القناة منطقة حرة .


'''فالبرغم من أنه على عادته المعروفة يميل إلى أن يجعل نفسه دائما مركز الأحداث أيام [[عبد الناصر]] وهذا غير حقيقي بالمرة إلا أنه قال:'''
من ضمن هذه المحاولات محاولة كان يقوم بها مليونير أمريكي يدعي '''"ديتويللر"''' حضر ومعه صديقته الحسناء في يد وفي اليد الأخرى حافظة أوراق بها خرائط مدروسية كاملة لجعل القناة ولمسافة عشرة كيلو مترات شرقها وأخرى غربها منطقة حرة تقسم بين الدول لتمارس نشاطها فيها وتكون كمنطقة عازلة بيننا وبين إسرائيل وقد قابلت  الرجل وأخذ [[عبد الناصر]] علما بقدوم الرجل واطلع على مشروعاته دون أن يقابله ولكنه رفض كل هذه المحاولات على أساس أن القناة مصرية ولابد أن تبقي مصرية .


:" بعد ذلك في [[أغسطس]] أثناء زيارة تيتو لنا استدعاني [[عبد الناصر]] في قصر رأس التين فذهبت إليه ووجدت  علامات الحيرة على وجهة وقال:والله أنا عايز أقول لك على موضوع يا أنور أنا مشغول قوى بحكاية عبد الحكيم وأنا تكلمت مع تيتو وحكيت له الحكاية كلها  تيتو قال لى ضروري تأخذ إجراء في العملية دى وإلا البلد مجروحة وبعدين أى صراع داخلي وخصوصا إذا كانت فيه القوات المسلحة حيتوسع وينقلب إلى صراع كبير
الشئ الغريب حقيقة أن موقف إسرائيل في ذلك الوقت كان أضعف مواقفها فقد أثمرت [[السياسة]] المصرية الإفريقية فقطعت كل الدول إفريقيا علاقاتها مع إسرائيل وتوقفت حركة التجارة معها ثم توقف ضغط البترول الإيراني الذي ما كان يمكن أن يمر في السفن عبر باب المندب وثبت أنه إذا كان من الممكن حصار إيلات من مضيق العقبة بجزيرتي صنافر وتيران فإنه يمكن قفل مضيق العقبة عن طريق باب المندب .


:قلت له:يا جمال إنت سمعت منا كنا رأينا في الموضوع ده وفعلا ضروري إنت بالذات تواجه عبد الحكيم باللي بيعمله وتحسم الموضوع نهائيا فقال:فعلا أنا لازم آخذ إجراء كان ذلك في 13 [[أغسطس]] ولم يفصح [[عبد الناصر]] عن نوع الإجراء الذي سيتخذه كل ما حدث أن الإجراء تأخر إلى يوم 25 [[أغسطس]] لماذا تردد رغم خطورة الموقف ؟ هنا مرة أخرى تظهر علامة الاستفهام الكبيرة في كل ما يختص بالعلاقة بين [[عبد الناصر]] وعامر ."
وثبت أكثر من ذلك أن [[مصر]] وليس غيرها هي الدولة المتحكمة في الملاحة في البحر ففي حربين متتاليين تمكنت [[مصر]] من السيطرة على الملاحة في البحر الأحمر عن طريق قناة [[السويس]] وأنه أمكنها أن تثبت للعالم أجمع أنه يمكنها أن تكون أداة '''"فصل"''' كما يمكنها في الوقت نفسه أن تكون أداة '''"وصل"''' مهما قيل غير ذلك .


'''ثم قال '''
'''تقييم للسياسة الناصرية البحر أحمرية'''


:" في هذه الأثناء كان عامر قد جعل من بيته المطل على النيل في الجيزة قلعة بكل معني الكلمة مما جعل [[عبد الناصر]] يقرر أخيرا إقامة عامر في بيته بعد أن تسحب منه جميع الأسلحة وبناء عليه أرسل إليه يطلب حضوره للقائه في منزله مساء الجمعة 25 [[أغسطس]] وقال لنا:اسمعوا يا جماعة أنا عاوزها جلسة مواجهة وأنتم تكونوا موجودين وأنا وزكريا محيي الدين وحسين الشافعي كنا موجودين في هذه الجلس "
لا شك أن [[عبد الناصر]] كان يتمتع بالقدرة على النظرة الشاملة للمسرح السياسي الذي تحرك عليه بمهارة ضمن ما يسمى '''"بالمخطط الكبير"''' وهذا هو أهم أسباب صموده أمام الظروف الصعبة الضاغطة التي عمل في ظلها كان يعلم من التاريخ  أن الخطر يداهم  [[مصر]] دائما من الشرق وأن قناة [[السويس]] كانت موقع جذب للطامعين,ولم ينس أبدا  كيف استغلها البريطانيون عام 1882 في كسر قوات عرابي إذ خاضوا معه  معركة خداعية في كفر الدوار ثم نزلوا في القناة رغما عن الاتفاقيات الموجودة ليضربوه من الخلف .


وبعد ذلك أخذ يسرد القصة ويركز على أنه هو الوحيد الذي كان يتكلم في الجلسة وهو الوحيد الذي اصطحب المشير إلى دوره المياه وهو الوحيد الذي بقي معه . وكل هذا لم يحدث لأنني كنت موجودا هناك أرى كل شئ وأسمع كل شئ .ربما خانته ذاكرته فكثيرا هذه الذاكرة وهو يقص أو يكتب التاريخ والذي كان يؤيده دائما بأشخاص انتقلو إلى رحمة الله !
لم ينس [[عبد الناصر]] أبدا ذلك ولذلك فإننا نجد أن كل معاركه  دارت حول قناة [[السويس]] معركة التحرير من عام [[1952]] -[[1954]] ،معاهدة الجلاء ،تأميم القناة العدوان الثلاثي ،حرب [[1967]] ،حرب الصمود والاستنزاف  ...


وصف [[السادات]] ل[[عبد الناصر]] بالتردد هنا ومحاولته إثارة علامات استفهام فيه مبالغة كبيرة لأنه لم يكن يدرى ان الترتيبات كانت تعد قبل 13 [[أغسطس]] الذي تحدث عنه بوقت طويل ثم واضح من حديثه أنه كان يجهل كل  شئ حتى استدعاء الرئيس يوم 25 [[أغسطس]] إلى منزله في المساء .
كان للرجل تطلعات كبيرة ضخمة ربما فاقت الإمكانيات المتاحة لدرجة أن البعض يقول إن [[عبد الناصر]] وجد في غير عصره ولكنه كان يتغلب دائما على قلة الإمكانيات بقدرته الفائقة على السرية والمفاجأة وسرعة توجيه الضربات في الوقت السليم


ويلاحظ في قصة [[السادات]] أنه أغفل ذكر  أسماء الثلاثة الذين قاموا بالعملية لسبب هام جدا سيظهر من سرد الأحداث لأنه يتعلق تماما بأحداث [[مايو]] [[1971]] فكان إسقاط الأسماء الثلاثة عن قصد وعمد ولا نريد أن نسبق الأحداث .
الاستخدام المتميز للرسائل العسكرية ممزوجة بالوسائل الدبلوماسية ثم الجرأة الهائلة عند مواجهة الأحداث ...  لقد أخطأ في بعض حساباته أحيانا ولكن لا يجوز القطع بذلك إلا في إطار المناخ الذي اتخذ فيه قراراته .. فنزع الظروف السائدة عن نوعية القرار لا تجعل وزن الأمور يتم بطريقة سليمة أو موضوعية .


وعذرا لهذا الاستطراد قرر الرئيس ايضا أن أتولي رئاسة المخابرات العامة بعد حسم موقف المشير وجماعته علاوة على منصبي كوزير للحربية وقلت للرئيس في ذلك الوقت إنه ليس في مقدور بشر ن يقوم بالمسئوليتين في وقت واحد خاصة في هذا الوقت العصيب فأكد لى الرئيس أن هذا الجمع بين المسئوليتين بصفة مؤقتة حتى ينجلي الموقف .وأصبح كل شئ معدا للتنفيذ.
كانت الدائرة العربية هي إحدي دوائره الثلاث التي ملأت قلبه وفكره وكانت الدائرة الأفريقية تشحذ خياله وآماله وكانت الدائرة الإسلامية تعزز الجانب الروحي لأهدافه كانت الدائرة العربية تختلط دائما تحركاته بالدائرة الأفريقية ومن ينظر إلى الخريطة أداة الرجل السياسي يلاحظ بصماته عليها بوضوح.


'''الليلة العصيبة'''
فإذا كان '''"مانشين أوماتزيني"''' أكد في القرن 19 أن '''"مفتاح البحر المتوسط يقع في البحر الأحمر"''' فإنه فشل في تحقيق إذ لم يمكنه أن يصل بذراعه الطويلة الممتدة من مصوع إلى البحر المتوسط كذلك الحال مع '''" ببيتو موسوليني "''' فإن كان الرجل أنشأ قاعدته في الحبشة و[[الصومال]] في الجنوب وأنشأ مستعمرته في [[ليبيا]] في الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط إلا أنه فشل في '''"بناء الذراع الطويلة الكاملة"''' إذ كان يحول بينه وبين ذلك وجود [[السودان]] .


:اتصل الرئيس تليفونياا وبنفسه بالمشير يوم 24 /8/[[1967]] ودعاه للإجتماع به في المنزل في منشية البكرى الساعة السابعة مساء يوم 25 / 8/ [[1967]] ووافق المشير على الفور مرحبا وكان سبب الموافقة المعرفة العميقة التي اكتسبها من تعامله مع [[عبد الناصر]] طوال تلك المدة .  
وفشل الرجلين راجع إلى اعتماد كلاهما على حق الغزو والاستعمار واستخدام الوسيلة العسكرية كعامل وحيد لتنفيذ [[السياسة]] ولكن [[عبد الناصر]] نجح في ذلك تماما فكانت الذراع المحيطة ب[[مصر]] تمر كلها في أراض صديقة نتيجة لسياسته الخلافة .. [[الصومال]] الذي وقف إلى جانبه حتى حصل على استقلاله الحبشة التي هادنها في  أناة وصبر رغما عن استفزازات الإمبراطور العجوز [[السودان]] الصديق شعبا وحكومة ثم إلى ليبيا بعد قيام ثورتها عام [[1969]] وقضائها على القواعد الأجنبية هناك كانت الذراع الطويلة قد تحققت وظلت كذلك حتى وإسرائيل في الضفة الشرقية للقناة .  


فهو يعلم أنه في الأزمات السابقة فإن الرئيس كان يعمل دائما على إصلاح الأوضاع وسد الثغرات ألم يسافر له إلى [[اليمن]] لمصالحته وقت أن غادر المشير البلاد عقب إحدى الأزمات ليبقي ويبتعد هناك؟ ألم يتصل به في مرسي مطروح عقب أزمة مجلس الرئاسة وتعيينات كبار الضباط وحسم الموقف لصالحه؟ ألم يعرض عليه منصب نائب رئيس الجمهورية حتى بعد أن أوصلنا إلى النكسة التي نحن فيها ؟  
بل نجده في بناء الذراع الأخرى ناحية الشرق ... من [[اليمن]] الجمهوري الذي حارب معه في العملية 9000 إلى [[اليمن]] الجنوبي الذي كافح معه في العملية '''"صلاح الدين "''' إلى منطقة الخليج العربي ببغداد ثم الاتحاد السوفيتي الصديق ... فكان بذلك حتى وهو يواجه هزيمة بحرب لا تهدأ ومقاومة لا تنفد مسيطرا على الأمور في المنطقة وعلى البحر الأحمر في شماله إلى جنوبه وقد تم كل ذلك عن طريق خوض المعركة ممزوجة بالدبلوماسية الخلافة  ولكن كيف ترك [[عبد الناصر]] الموقف بعد أن رحل إلى جوار ربه في 28/ 9/ [[1970]]؟


:ظن عبد الكيم عامر أن الرئيس سوف يصلح لأمور وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي بل ربما يكون قد ظن أنه سيحدثه في مرافقته إلى مؤتمر  الخرطوم يوم 29/8/ [[1967]] ولكن في رأيي أن موافقة المشير على هذا اللقاء كانت لتخدير الرئيس حتى يكسب وقتا ثمينا لتنفيذ عملية يوم 27/8/[[1967]] باستيلائه على القيادة الشرقية في [[الإسماعيلية]] فإن صالحه الرئيس في اللقاء على أساس جمعه بين منصبي نائب رئيس الجمهورية وقيادة القوات المسلحة فهذا خير وبركة .  
كان الصراع ما زال محتدما مع إسرائيل في كل المجالات رغما عن إيقاف إطلاق النيران بموجب مبادرة روجرز والذي أوشك على أن تنتهي مدته الأولي وهي ثلاثة شهور ومن المعروف أن مبادرة روجرز كانت تقضي بإعادة [[سيناء]] إلى [[مصر]] مع إجراء تعديلات طفيفة مع حدود الدول العربية الأخرى لا تحمل معني الغزو إلا أنه رفض ذلك لأنه كان حلا فرديا .


وإن لم يصلا إلى اتفاق لا يكون قد خسر شيئا بل يكون قد اكتسب الوقت لتنفيذ عمليته التي كان قد تم إعدادها وتجهيزها في ذلك الوقت .إلا أن أنصار المشير حينما بلغهم نبأ اللقاء المنتظر انقسموا غلى قسمين : قسم يرى أن يذهب المشير للقاء على أساس أنه فاتحة خير قد تنهي لأزمة القائمة . وقسم آخر أوجس خيفة من اللقاء وعارضة بشدة واستمر حوارهم مدة طويلة .
وكانت القوات المسلحة المصرية قد استردت جزءا كبيرا من قدرتها القتالية على الضفة الغربية للقناة وتقوم بمناوراتها التدريبية على خطة العبور. وكان حائط الصواريخ المضاد للطائرات قد تحرك منذ أيام [[عبد الناصر]] إلى مسافة قريبة من غرب القناة تسمح بستر عملية العبور المنتظرة وقد تم ذلك  بعد قبول مبادرة روجرز مباشرة مما أثار ما يعرف '''"بأزمة الصواريخ"''' وهذا الحائط هو الذي عبرت في حمايته قواتنا القناة في 6 [[أكتوبر]] [[1973]]


ولم يكن الحوار الدائر خافيا على الرئيس إذ كان ينقل له كافة التفصيلات التي تحدث داخل منزل المشير أول بأول .وقد فضلنا عدم عدم إلقاء الأوامر النهائية إلا في آخر لحظة ممكنة أى بعد ظهر يوم 25 / 8/ [[1967]] وفي الساعة الرابعة بعد ظهر ذلك اليوم تم الاتصال بالرئيس لأخذ موافقته النهائية على البدء في التنفيذ فأمر بأن تدور العجلة .
وكانت قناة [[السويس]] ما زالت معطلة أمام الملاحة الدولية واتسع عمق [[مصر]] غربا بعد قيام ثورة [[ليبيا]] في أول [[سبتمبر]] [[1969]] والتي أمدت  المقاومة العربية ولأول مرة بطائرات الميستير التي تصل إلى  عمق إسرائيل كما اتسع العمق جنوبا في [[السودان]] الذي جعل  من أرضه تكملة لمسرح العمليات فانتشرت فيه قواتنا البرية والجوية والبحرية كما سبق القول وكانت الدول الأفريقية قد قطعت علاقاتها مع إسرائيل و[[مصر]] ما زالت  متمسكة بموقف عدم الانحياز وكل دول هذا المعسكر تقف إلى جانبها وفوق كل ذلك كان الاتحاد السوفيتي ما زال يدعم [[مصر]] في مواجهة الانحياز الكامل للولايات المتحدة وإسرائيل .


وقد اتصلت بالفريق محمد فوزى وكان في منزله يشعر بوعكة خفيفة واتفقت معه على أن نتقابل الساعة السادسة في مكتب السيد سامي شرف وان يحضر معه كلا من اللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية والعميد سعد عبد الكريم مدير الشرطة العسكرية ثم اتصلت مع شعراوى جمعة وسامي شرف واتفقنا على أن نتقابل نحن الثلاثة في مكتب الأخير الساعة الخامسة بعد الظهر .
وكان العرب رغم اختلافاتهم المعتادة مجمعين على استعادة حقوقهم قائمين بالتزاماتهم تظللهم الجامعة العربية بالرغم من سلبياتها المعروفة مؤكدة أقل حد من الوفاق وكما سبق أن قلنا كانت الدول الأفريقية دون استثناء تؤكد الحق العربي تظللهم منظمة الوحدة الأفريقية التي لعب [[عبد الناصر]] دورا أساسيا في تكوينها وفوق كل ذلك كان التوازن في  البحر الأحمر ما زال معقولا إذ كان تحرك إسرائيل في هذا الممر الضيق محفوفا بالمخاطر .
وفي تمام الساعة الخامسة اجتمعنا حسب الاتفاق السابق لنضع اللمسات النهائية للخطة واتفقنا  على أن يقوم شعراوى وسامي بالقبض على مرافقي المشير عند وصوله إلى منل الرئيس وبعد دخوله لمقابلة الرئيس مباشرة واتفقنا أيضا أن تكون عربتي وسائقها " الأسطي عثمان " في الانتظار على باب منزل الرئيس الداخلي لنقل المشير فيها إلى منزله بعد الانتهاء من تصفية منزل الجيزة .
وفي الساعة السادسة مساء ثم عقد المؤتمر المتفق  عليه في مكتب " سامي " وكان الحاضرون " هم:
شعراوى جمعة            وزير الداخلية
أمين هويدي              وزير الحربية
سامي شرف              مدير مكتب الرئيس للمعلومات
الفريق محمد فوزى        القائد العام للقوات المسلحة
اللواء محمد صادق          مدير المخابرات الحربية
العميد سعد عبد الكريم        مدير الشرطة العسكرية .
وبدأت بصفتي وزيرا للحربية إعطاء التعليمات والأوامر لتنفيذ الجزء العسكرى الخاص  بمحاضرة منزل المشير بالجيزة وتصفية المقاومة وشددت على تجنب أى صدام أو تبادل إطلاق النيران كما أمرت باللجوء إلى الحيلة والصبر واتفقنا أن يكون القائد العام على اتصال  مستمر معي طوال تنفيذ العملية كما اتفقنا على ن يبلغني فور الانتهاء من تصفية منزل الجيزة.
وقد حضر المشير مبكرا عن الوعد بحوالي ثلث ساعة فقام كل من شعراوى وسامي بتنفيذ الجزء المخصص لهما في العملية وبقيت مع الآخرين حتى أنهيت تعليماتي على عجل وانصرف ثلاثتهم للتنفيذ لم تكن هناك مشكلة في تجهيز القوات لأن قوات الشرطة العسكرية وعربات المخابرات الحربية كانت في حالة استعداد دائم .
وعاد شعراوى وسامي بعد أكثر من ثلث ساعة بعد أن أتما المأمورية فتم القبض على سائق عربة المشير كما تم القبض على العقيد محمود طنطاوى أحد أفراد مكتب المشير وهو من خيرة ضباط القوات المسلحة خلقا وعلما ولكن للضرورة أحكامها إذ دفعته الظروف دفعا ليجد نفسه من الصف المناهض للشرعية .. ولما سألت شعراوى وسامي عن سبب طول مدو تنفيذ العملية أخبراني بأن الأخ " محمد  أحمد " السكرتير الخاص للرئيس أثار ضجة كبرى إذ بمجرد شعوره بما يحدث استنكر أن يتم ذلك من وراء ظهره ودون إخطاره واعتبر ذلك عدم ثقة من الرئيس بسكرتيره الخاص وقد تمادى " محمد أحمد " في احتجاجاته فاضطرا إلى البقاء معه حتى يهدئا من ثورته .
ثم وضع عربة " المشير " في الجراج الخاص . وأمرت السائق " عثمان " أن يقف بعربتي على الباب الداخلي لمنزل الرئيس . والرجل لا يدرى ماذا يحدث لا في الخارج ولا في الداخل إلا أنه لابد وأن شعر أن شيئا غير عادي يجرى تنفيذه .
وفي حوالي التاسعة مساء فضلت أن أدخل منزل الرئيس وبقي " سامي " و" شعراوي" في مكتب الأول واتفقت مع " سامي " أن يحول لى المكالمة التليفونية المنتظرة  من " محمد فوزى " بمجرد اتصاله وفعلا دخلت منزل الرئيس ووجدت في " الصالة الخارجية" بعض " ضبط الياورن " وجلست بجوار حجرة الصالون حيث كان اجتماع الرئيس بالمشير  لألتقط أنفاسي كان في الداخل خلاف الرئيس والمشير كل من سادة " زكريا محيي الدين " و" حسين الشافعي " و" أنور السادات .. وكان الذي يتكلم  هو الرئيس وكان الذي يرد هو " المشير " وقد سمعت الرئيس وهو يقول للمشير " عليك يا عبد الحكيم تقدير الموقف الصعب الذي تمر فيه البلاد . وعليك أن تلزم منزلك في هذه الفترة الحرجة " وسمعت المشير وهو يرد على الرئيس قائلا " يعنى بتحدد إقامتي وبتحطني  تحت التحفظ . قطع لسانك " وكرر ذلك أكثر  من مرة . كن الحديث يدور هادئا في معظم الأحيان ولكن كانت الأصوات ترتفع في حدة في أحيان أخرى . ولكن لم يكن في مقدورى متابعة ما يجرى لأنه لم يصل إلى أذني إلا بعض الكلمات بين وقت وآخر وكنت منهكا وتعبا بحيث كنت أميل للإسترخاء قليلا قبل ما ينتظرني في اليوم التالي .
وكان المشير – وحتى منتصف الليل – [[مصر]]ا على موقفه المتعنت . ولا شك أن " تجمع أصدقائه " في الجيزة كان له دخل كبير في إصراره هذا . كان الرجل يلعب على عامل الوقت لعل وعسي أن يلين الرئيس كما كان يحدث في المرات السابقة .
وفي هذه الأثناء كان " فوزى " قد اتصل بي مرتين : مرة حينما وصل إلى منزل الجيزة على رأس قواته ليخبرني بإتمام حصاره المنزل ومرة أخرى ليبلغني أن حرائق شوهدت في المنزل والتي ظهر بعد ذلك أنها عبارة عن عملية حرق الأوراق الهامة بواسطة بعض الضباط الموجودين في منزل الجيزة والتي قد تدينهم لو تم القبض عليهم وقد أخبرت الرئيس بذلك وأكدت له أن هذه علامة على حالة الانهيار التي أصبح فيها هؤلاء الضباط.
  وفي منتصف الليل تقريبا خرج الرئيس من حجرة الصالون ولما وجدني بالخارج اصطحبني معه واضعا ذراعه في ذراعي إلى حجرة المكتب على الجانب الآخر من " الردهة الخارجية" وكان كلانا يدخن بشراهة وخيل لى أن الرئيس يكاد يقضم سيجارته ,. وفور دخوله إلى المكتب طلب عباس رضوان تليفونيا من رقم مباشر من الذاكرة وقال له " يا عباس انت المسئول عن فض الموقف في الجيزة " ولست  أدرى هل تم اتفاق الرئيس مع عباس قبل هذا الاتصال أم لا لأن كلام الرئيس لعباس كان موجها لشخص يعرف ما يجرى وبعد ساعة أخرى خرج الرئيس من الصالون للمرة الثانية واتجهت معه إلى المكتب ليعاود الاتصال مع " عباس " وكان حديثه هذه المرة محتدا قاطعا وهو يقول له " إنت يا عباس مسئول عن عدم فض الموقف " وبعد انتهاء المحادثة ذكر الرئيس أن الموقف في نظره يتعقد وأن عباس يتلاعب ورددت على الرئيس " ما زال أمامنا أربع ساعات حتى الفجر وأن حل الموقف هناك في منزل الجيزة وأن المشير سيبقي على عناده طالما بقي منزل الجيزة على أوضاعه " وأمن الرئيس على ذلك وصعد إلى الدور العلوي بمفرده ليستريح بعض الوقت .. وليس صحيحا ما ذكره الرئيس السادات في كتابه " البحث عن الذات " من أن السيدين زكريا محيي  الدين وحسين الشافعي صعدا مع الرئيس إلى الدور العلوى وأنه بقي وحده مع المشير في حجرة الصالون .
ولكن هي عادة الرئيس السادات في أن ينسب كل شئ إلى ذاته ولو تم ذلك على حساب الحقيقة .
ودخلت حجرة الصالون وسلمت على الجميع . كان المشير جالسا على أريكة من الأرائك وحينما رآني قال " أهلا وسهلا بوزير حريتنا . الله ده الموقف مجهز تماما والمسألة محبوكة على الآخر كان أنور السادات هو الوحيد الذي يجلس صامتا والدموع على  خديه أما السيد حسين الشافعي فكان يبدو غير مهتم بما يجرى أما السيد زكريا فكانت ملامحه جامدة لا تدل على شئ .
وهنا خرج  المشير ذاهبا إلى دورة المياه وخرجت معه وكان الرجل ودودا معي يتحدث في ابتسامته الهادئة . كانت أعصابه هادئة ولم يكن منفعلا بالرغم من أنه كان يدرك الموقف الحرج الذي أصبح فيه وفجأة خرج المشير من دوره المياه وفي يده كأس زجاجي به بعض المياه وقال بأعلي صوته وهو يرمي الكأس على طول ذراعه " اطلعوا بلغوا الرئيس  أن عبد الحكيم خد سم لينتحر " ودخل في هدوء إلى حجرة الصالون ليجلس على الأريكة ذاتها وهو يبتسم في هدوء و:انه لم يفعل شيئا . وقد انزعجت أشد الانزعاج حينما سمعت بذلك وصعدت إلى الدور العلوى حيث يوجد الرئيس قفزا فوق الدرج واستقبلني الرئيس  من أعلي السلم وقلت له " المشير خد سم وانتحر " فقال لى الرئيس " عبد الحكيم أجبن من أن ينتحر . لو كان عاوز ينتحر كان انتحر لما ودانا في داهية " ويبدو أن درجة انزعاجي كانت شديدة لدرجة أن الرئيس كان يحلو له بعد ذلك أن يحكي عن ذلك في مناسبات عديدة وكان يضيف قائلا " تمثيلية عبد الحكيم خالت على أمين "
حدث هرج ومرج بين الموجودين أما " الثلاثة الكبار " فكانوا على حلهم لم يتحركوا و ينفعلوا ولكن خيل لى أن عبرات الرئيس السادات زادت كثافة ودخل الدكتور " الصاوى " طبيب الرئاسة مسرعا وفي يده شنطته العتيدة ولما ل يستجب المشير للعلاج الذي كان يريده الدكتور الصاوي تقدم السيد حسين الشافعي " ليعبط " المشير حتى أعطاه الدكتور " الحقن اللازمة " وهدأ كل شئ من جديد .
ورأى المشير أن يخرج إلى الحديقة ليشم بعض الهواء وخرجت معه . كان الرجل وفي حركات تمثيلية يكثر من النظر إلى السماء ثم يتنهد ثم يعود لينظر إلى السماء ,هنا دار بيني وبينه الحديث الأتي :
أمين :        كيف خالد الآن ؟
عامر :  أنا كويس والحمد لله.
أمين : سيادة المشير . هل يصح هذا الذي يحدث ؟ هل يمكن أن يطور المشير الموقف إلى هذا الحد ؟ أنا لا أكاد أصدق أن الأمور تصل إلى ما تصل إليه الآن .


عامر : يا أمين إنت لا تعرف شيئا .
وفوق كل ذلك كان الشعب صامدا والجبهة الداخلية صلدة جامدة رغما عن التضحيات الكبرى التي  قدمها لمدة طويلة كان توازن القوى من الناحية السياسية معقولا وكان توازن القوى من الناحية العسكرية يقترب من مرحلة التعادل بخطوات ثابتة وكانت العروض السياسية التي ألقيت في الساحة تتناسب إلى حد كبير مع التوازنات القائمة.
أمين :  كيف لا أعرف ؟ الوقت يمر ولابد من حسم الموقف .
عامر : لحساب من يا أمين يحسم الموقف ظ اسكت إنت لا تعرف أى شئ .
وساد الصمت بيننا وأخذ يتمشي جيئة وذهابا ودخلنا إلى حجرة الصالون . لم أجد هناك السيد حسين الشافعي وحينما خرجت إلى الصالة الخارجية وجدته جالسا وأمامه طبق من الفاكهة وهو مقبل عليه في إطمئنان ودعاني إلى تناول بعض الفاكهة ولكن لم يكن لى شهية لأى شئ وأنا  أري ما أري .
وأخيرا قال : أنا رأيي إن المشير يعود إلى منزله والموضوع " مش نافع " الفجر قارب الظهور فماذا سيقول الناس عندما يرون ما يحدث في منزل الجيزة ؟!...
وبقينا ندور في حركة مفرغة كان الجميع يلعبون على عامل الوقت وفي حوالي الساعة الخامسة صباحا استدعاني أحد ضباط الياوران إلى التليفون ذاكرا إن " الفريق محمد فوزي على الخط " وأخذت التليفون وكان فوزي على الجانب الآخر من الخط يقول " المأمورية انتهت يا فندم دون أى صدام والمنزل  خالي الآن " فقلت له " الحمد لله ومتشكر " ولم أدخل  حجرة الصالون ولم أشاهد أحدا بعد ذلك بل غادرت منزل الرئيس وعبرت الشارع إلى مكتب " سامي " حيث وجدته جالسا هو وشعراوي ..
ومن خلال النافذة رأينا إحدى العربات تتحرك بعد فترة من الوقت وفيها ثلاثة : المشير [[عبد الحكيم عامر]] والسيد زكريا محيي الدين والسيد حسين الشافعي . ولا أدرى  ماذا كان يعتمل في صدر المشير ولكنه أصبح الآن شخصا غير الذي وصل أول الليل إلى منزل الرئيس . كان شخصا نزع عنه سلطانه وعاد إلى الشرعية بعد ليلة عصيبة ورغم أنفه .
وأترك للفريق فوزي الحديث عن تفاصيل ما قامت به قوته وهي تحاصر منزل الجيزة نقلا من كتابه " حرب الثلاث سنوات [[1967]] -[[1970]] ".... " بعد أن صدر الأمر توجهت إلى منزل الرئيس بمنشية البكرى وعلمت أن المشير قد حدد له موعد لمقابلة الرئيس [[عبد الناصر]] في الساعة 7  مساء نفس اليوم بمنزل الرئيس وأن المشير سيبقي هناك حتى انتهاء مهمتي في تطهير  المنزل ...وعندما وصلنا إلى باب المنزل الرئيسي لمنزل المشير  وجدته مقفلا بسلسلة حديدية وقفل خلف الباب كان يقف شمس بدران وعثمان نصار وعبد الحليم عبد العال وجلال هريدى وآخرون وجميعهم مسلحون بالرشاشات القصيرة  وفي أيديهم وجيوبهم قنابل يدوية وأخطرت شمس بدران فلم يذعن للأمر وفي تلك اللحظة وصل عباس رضوان وهو يقيم بمنزل قريب من منزل المشير ليسأل عليه وعندما علم بعدم وجوده بالمنزل طلب مني الانتظار فترة لحين معرف الموقف  داخل منزل المشير واصطحب معه شمس بدران بينما بقي الباقون خلف باب الحديقة الخارجي خلال النقاش صدرت بعض طلقات الرصاص من فوق سطح المنزل للإزعاج ولم يرد عليها أحد من القوة حسب أوامرى كما وصلني بلاغ عن مشاهدة دخان حريق علمت فيما بعد  أن مجموعة شمس بدران قامت بحرق وثئق وخرائط سرية تجرمها لو وقعت في يدى . ثم خرج عباش رضوان وشمس من داخل المنزل وفتحا باب الحديقة الخارجي وطلبا مني الدخول مع قائد القوة قائلين : احنا  مستعدين لتنفيذ ما تطلبه . وشاهدت ضباط شمس بدران يلقون أسلحتهم والقنابل اليدوية على الأرض . وأصدرت الأمر رقم  ( 1) من الميكروفون اليدوي طالبا  نزول جنود سريتي الشرطة العسكرية بدون أسلحة وذخيرة أولا حيث كانت لوارئ حمولة 3 طن جاهزة لركوبهم بعد تفتيشهم حيث أخذوا إلى السجن الحربي تلا ذلك صدور الأمر رقم ( 2) وهو يخص نزول الأفراد المدنيين بدون أسلحة أو ذخيرة وانتظرت تنفيذه مثل الأمر الأول ثم أصدرت بقية الأوامر على التوالي  كل أمر يأخذ وقته في التنفيذ قبل صدور الأمر الذي يليه وهكذا رحلت الضباط المتقاعدين إلى السجن الحربي وكان آخرهم شمس بدران  الذي رحل إلى سجن القلعة . ثم بدأنا في جمع الأسلحة من البدروم والدور الأول والسطوح والجرج ورحلت إلى معسكر عابدين في حملة 13 لورى سعة 3 طن واستغرقت هذه العملية طوال الليل . ثم عينت الحراسة  على منزل وعينت اثنين من العمداء للحراسة 24 ساعة على المنزل وتم تركيب تليفون خارج المنزل للإتصال . عند وصول المشير إلى  منزله تم تحديد إقامته بين أهله وأولاده تحت الحراسة الشرعية للدولة ".
هذه رواية الفريق فوزي عن مأموريته التي كلف بها في إطار العملية وقد يكون في سرد بعض المعلومات الأخرى والتي تعيها الذاكرة فيه استكمال للصورة فقد أعلن الضباط عند وصول القوة أنهم سوف يقاومون بالقوة واحتلوا أماكن داخل المنزل سبق إعددها لذلك بالاشتراك مع المدنيين المسلحين الموجودين  داخل المنزل وقام كل من شمس بدران هريدى بتوجيه  الحديث إلى أفراد القوة التي تحاصرهم بغرض استمالتهم إلى جانبهم وعدم تنفيذ الأمر الصادر باعتقالهم .
وفي أثناء التفتيش عثر على كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر والقنابل اليدوية كما عثر على أ‘داد كثيرة من استقالة المشير عام [[1962]] وكانت معدة في مظاريف لتوزيعها كم عثر أيضا على بعض ماكينات الكتابة وآلات الطبع .
وفي حوالي الساعة السادسة صباحا يوم 26/ 8/ [[1967]] وبعد انتهاء الليلة العصيبة اتصل الرئيس تليفونيا بسامي شرف ليطمئن على الأحوال وأخبره بأنه يريد أن يحدثني وفعلا بدأت الحديث مع الرئيس . كان يسأل ليطمئن . وقال " شكرا على ما بذلته . والله كانت ليلة عصيبة . هل أفطرت ؟ " فقلت له " نعم والحمد والحمد لله " ولم نكن قد ذقنا  للأكل أو النوم طعما . ثم سأل عن المأمورية الأخرى وهل كل شئ جهز فطمأنته أن كل شئ معد..
كان يقصد ذهابي إلى جهاز المخابرات العامة واستلامي السلطات هناك.
جلسنا نعيد ترتيباتنا لهذه المأمورية الثقيلة وكان على أن أبدأ الساعة العاشرة في الذهاب إلى هناك .
تولي رئاسة المخابرات العامة
أثناء إعدادنا لعملية " جونسون " وقرارنا بأن يدخل جهاز المخابرات ضمن العملية كلفني الرئيس بأن أتولي رئاسة الجهاز بعد تصفية منزل الجيزة وكما سبق ن ذكرت فإنني طلبت من الرئيس أن يكون جمعي للمنصبين – منصب وزير الحربية ورئيس المخابرات العامة – بصفة مؤقتة بالرغم من أنه ظهر من حديث الرئيس أن ذلك لن يتم إلا بعد فترة ليست بالقصيرة .
وسبق أن ذكرت أنه في يوم 24 / 8/ [[1967]] اتفق الرئيس مع المشير لمقابلته في منزله بمنشية البكرى مساء يوم 25 / 8/ [[1967]] .
وفي اليوم نفسه أى يوم 24/8/[[1967]] اتصلت بالسيد محمود عبد السلام وهو من الضباط السابقين في القوات المسلحة نقلته إلى العمل بجهاز المخابرات العامة منذ واخر الخمسينات حينما نقلت بالجهاز نقلا ن القوات المسلحة والرجل زميل وصديق ويتمتع بمزايا كثيرة جعلتني أتصل به في ذلك اليوم لمقابلتي بالمنزل.
وقد حدثته في هذه المقابلة عن أن تغييرات هامة سوف تجرى خلال الساعات القادمة في بعض أجهزة الدولة . وأنني سأتول رئاسة جهاز المخابرات خلال الساعات القليلة القادمة وسوف أكون في الجهاز الساعة العاشرة يوم 26/8/ [[1967]] وعليه أن يكون في انتظارى لأنه سيعمل معي كمدير لمكتبي منذ لحظة وصولي .
ووافق الرجل دون أية تساؤلات أو تردد . فالثقة كاملة بيننا ... واتفقت معه قبل أن ينصرف على عدم تبادل الاتصال في السعات القادمة وحتى وصولي إلى الجهاز في الموعد المتفق عليه وأن حدث تغيير في الموعد  لظروف طارئة فإن الاتصال سوف يكون من جانبي .
وفي صباح يوم 26/8/[[1967]] وبعد الانتهاء من عملية " جونسون  - المرحلة الأولي " تأهبت للذهاب إلى المخابرات العامة وكان من رأي شعراوى وسامي أن تسبقني إلى هناك  فصيلة شرطة عسكرية تحسبا لأى مواقف مفاجئة إلا أنني استبعدت هذا الحل في الحال استبعادا كاملا إذ كيف أتولي رئاسة جهاز خدمت فيه من قبل خمس سنوات كاملة وأعرف جميع من فيه تقريبا في ظل حماية من الشرطة العسكرية ؟ هذا غير معقول وغير جائز . واخترت أن أذهب إلى الجهاز وحدى وبعربتي  الخاص ودون سائق أو مرافق .
وحين مغادرتي مكتب " سامي " اتفقت معه على الاتصال مع " السيد وجيه عبد الله " مدير مكتب السيد صلاح نصر لأخطاره بصدور أوامر الرئيس بتعييني رئيسا للجهاز وبأنني في الطريق إليه .
وفعلا كنت على الباب الخارجي الرئيسي للمبني في تمام العاشرة صباحا ولما سألني رئيس مكتب الأمن عن شخصيتي أخبرته بأنني رئيس الجهاز الجديد . وكان " وجيه " قد أعطاهم خبرا بذلك ..
فأدوا التحية الواجبة وأخذت المصعد إلى الدور الأول في طريقي إلى مكتب  رئيس  الجهاز وحدى وكنت أعرف طريقي تماما حيث كنت من مؤسسى هذا الجهاز منذ الخمسينات .
كنت أكره هذا المكتب ولا أستريح إليه . فالطريق إليه خافت الضوء . والمكتب نفسه متسع مترامي الأطراف أثاثه قائم ملحق به حجرتان أخريان . كان أشبه بالشقة الخاصة المقبضة ويزيد من كآبة المكتب  ضوؤه الخافت حتى بالنهار بحيث كان من الضروري إضاءة الأنوار ليل نهار وعلاوة على ذلك فقد شاهدت فيه بعض الأحداث والتصادمات في فترة خدمتي السابقة كنائب لرئيس الجهاز في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات تركت ترسبات في نفسي والشئ الغريب أن شعورى بالانقباض من هذا المكتب  لأزمني طوال  فترة رئاستي لهذا الجهاز من 26/8/[[1967]] حتى 25/4/ [[1970]] وما زلت أذكر كيف شعرت بالراحة العميقة وأنا أخرج من الباب الرئيسي بعد أن سلمت قيادة الجهاز الخلفي بعد ثلاث سنوات بدأتها بدخولي من نفس  الباب بتلك الطريقة الغريبة .. وشعرت حينئذ أن حجرا ثقيلا أزيح عن كاهلي ونمت تلك الليلة بطولها لأول مرة منذ زمن بعيد دون أن توقظني أجراس التليفونات العديد بأخبار كلها سيئة مثيرة للأعصاب ومشاكل ثقيلة كان لابد من مواجهتها بقرارات عاجلة وفي الحال .
وتأخر محمود  عبد السلام ساعة كاملة عن الموعد ... ولكني بدأت في الحال . اتصلت بمنزل السيد صلاح نصر لأسأل عنه إذ كان مريضا أو معتكفا في منزله منذ أيام ولأبلغه أيضا بأنني توليت رئاسة الجهاز , ثم للتحدث إليه بالحديث المعتاد ف يمثل هذه المناسبات الشاذة والثقيلة إلا أن  المتحدث عن الخط الآخر وبعد ان غاب فترة من الوقت أعتذر لى بأنه نائم . فرجوته أن يخبره باتصالي  وبأن يخبره أيض أن يتصل بي في مكتب رئيس المخابرات العامة إذ صدرت التعليمات برئاستي للجهاز  وشددت عليه في ذلك وبعد أن يستيقظ مباشرة . ولكن " صلاح " لم يتصل وهي نفس عادته – رحمه الله – في عدم قدرته على المواجهة ولذلك فإنه كان نادرا ما يرد على الاتصالات التليفونية إلا إذا كانت من أفراد معينين وتبعا لحالة العلاقة بينه وبين المتحدث وليس صحيحا ما كتبه " الأخ صلاح بعد ذلك على صفحات المجلات بأنني اقتحمت جهازه . فليس في قدرة " فرد " وبمفرده أن يقتحم جهازا خطيرا كهذا الجهاز عليه الحراسات المتعددة وإلا كان في هذا التعبير – إن كان يعنيه حقيقة – تقليل من قدرة الجهاز وشأنه ثم ما حيلتي وقد قمت من جانبي بالاتصال مع الرجل لأخطره واستأذنه في مباشرة عملي الجديد إلا أن الرجل فضل ألا يتصل ويرد؟!
على أية حال لن أخوض في شئ يخصه إلا بقدر المحفظة على ارتباط الأحداث . فالرجل انتقل إلى رحمه مولاه . وللموتي قدسية يجب احترامها كما أمرنا وتعلمنا .
كانت أهم الواجبات التي لابد من تنفيذها في الساعات القادمة هي :
1- التحفظ على بعض المسئولين من تجمعت عنهم معلومات بالإساءة في التصرف للتحقيق معهم ..
2- إعطاء بعض المسئولين إجازات إجبارية حتى يسهل تصحيح المسار .
3- إجراء حركة تعيينات جديدة في الأجهزة الحساسة .
4- استمرار الجهاز في تحمل مسئولياته في الداخل والخارج في الوقت العصيب الذي تمر به البلاد ولملاقاة حالة التقصير الشديد التي كانت تنتابه .
5- عقد اجتماع عاجل مع " كبار " رجال الجهاز  للتقليل من حالة القلق الحتمية التي ستسود الجميع نتيجة للإجراءات السابقة وتوضيح الخطوط العامة الرئيسية بالاتجاهات الجديدة  لسير الجهاز وعلاقاته بالأجهزة الأخرى .
وحوالي الظهر كان محمود عبد السلام يتولي عمله الجديد كمدير لمكتب رئيس المخابرات العامة وبقي " وجيه عبد الأخرى " كمساعد له وبدأت العجلة تدور وقد كافة العمليات الثقيلة المؤسفة التي كانت الظروف تحتم اتخاذها بالرغم من المشاعر الحزينة التي كانت تسيطر على النفس فتم التحفظ على 11 من الأفراد وأعطي 7 آخرون إجازات إجبارية وأصدرت حركة التعيينات الجديدة والتي شملت تغيير عشر قيادات حساسة وقد تم ذلك كله في ساعة قليلة . وقد أطلق الرئيس على  هذه العملية بعد ذلك تعبير  " سقوط دولة المخابرات "
وبدأت الأعمال تسير ببطء وحذر. وكان هذا وضعا طبيعيا تحت الظروف الضاغطة السائدة وكانت  أهم الأحداث التي واجهتنا في الأسابيع القليلة التالية حادثتين أو واقعتين : الواقعة الأولي وهي الخاصة باستلام السيدين صلاح نصر وعباس رضوان مبلغ الستين ألف جنيه وقد سبق الحديث عنها وأحلنا الواقعة إلى مدير المخابرات الحربية الذي كان يتولي التحقيق في قضية " مؤامرة المشير للاستيلاء على القيادة الشرقية " أما الواقعة الثانية فكانت تتعلق " بالسم " الذي أعطاه صلاح نصر من قسم السموم بالمخابرات العامة إلى " المشير " والذي استخدمه في الانتحار وهذا ما سوف نتحدث عنه في الصفحات التالية .
ووسط كل هذه التعقيدات قفزت أمامنا قضيتان كبيرتان : القضية الأولي بخصوص تجمع بعض معلومات ابتدائية مذهلة عن انحرافات خطيرة كانت تتم على مدى سنوات طويلة وهي التي عرفت بعد ذلك بقضية " انحراف المخابرات " والقضية الأخرى هي التي عرفت بعد ذلك بقضية " تعذيب المخابرات والتي كان الدكتور عبد المنعم الشرقاوي المجني عليه الوحيد  فيها ".
بخصوص قضية" انحراف المخابرات " نجد أن القضية أثارت موضوعا حساسا من أعمال  المخابرات وهو موضوع " استخدام وسائل السيطرة" في الجهاز وهو أحد الموضوعات التي تعتب من " الأعمال القذرة " للمخابرات في العالم , وهو عمل مشروع إذا استخدم لصالح الدولة أو لتحقيق غرض يخدم أهداف المخابرات أما إذا استخدمت " السيطرة" لتحقيق مصالح فردية فهنا يصبح هذا الاستخدام غير شرعي . وقد أشرت على الرئيس في ذلك الوقت ألا أقوم بنفسي بالتحقيق في هذا الموضوع كما كان يرى . فالمسئوليات الكبيرة في القوات المسلحة وإعدادها , والمخابرات العامة وإدارتها تحول بيني وبين هذا الواجب الإضافي . ثم العلاقات المتوترة بيني وبين " السيد صلاح نصر " من زمن طويل والتي اضطرتني  إلى تقديم استقالتي في أوائل الستينات وفشلي في إعادة العلاقات إلى طبيعتها بعد ذلك كل ذلك تجعل قيامي بالتحقيق فيه شبهة الانتقام وهذا أمر لا أرضاه واقتنع الرئيس بهذه المبرراات وظل السؤال قائما ومن يقوم بالتحقيق فيه شبهة الانتقام وهذا أمر لا أرضاه واقتنع  الرئيس بهذه المبررات وظل السؤال قائما: ومن يقوم بالتحقيق إذن ؟ ولقد وافقني الرئيس أيضا على ما اقترحته عليه من استبعاد قيم أحد كبار رجال الجهاز بهذا التحقيق ففي هذا حرج ما بعده حرج. وقد اقترحت بعد ذلك على الرئيس أن  القائم بالتحقيق الابتدائي شخص يتوفر له حسن العلاقة مع السيد صلاح نصر . واخترت السيد حلمي السعيد رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة للقيام بهذه المأمورية لصداقته الشديدة مع " صلاح" من جانب ولأنه ليس طرف في الموضوع  من جانب آخر .. ووافق الرئيس على ذلك وبدأ السيد حلمي السعيد في التحقيقات المذهلة والتي عرضت بعد ذلك على محكمة الشعب برئاسة السيد حسين الشافعي والتي حكمت على السيد صلاح نصر بالسجن 40  سنة مع الأشغال الشاقة وهو أطول حكم سجن في تاريخ [[مصر]] وجاء في نص الحكم " ثبت للمحكمة أن المسئول الأول  عن هذا الانحراف هو  المتهم صلاح نصر رئيس المخابرات السابق الذي كان يعد – بحكم وضعه وسلطاته – المسئول الأول عن كل عمل تدخل في جهاز المخابرات بوسائل غير مشروعة كما أنه مسئول عن استغلال وظيفته وسلطاته في أغراض شخصية غير مشروعة مما نعكس أثره على سمعة الجهاز  وأضر بالأمن القومي للدولة وهو ما يعتبر خروجا على المبادئ التي قامت عليها الثورة فقد تخلي رئيس المخابرات العامة السابق عن أداء واجبة في الحفاظ على الأمن القومي للدولة وانصرف  إلى العمل على تحقيق أطماعه وشهواته الخاصة واستغل في ذلك إمكانيات جهاز المخابرات وطبيعة عمله السري لفرض سيطرته على أشخاص معينين لمآرب خاصة لا تمت للصالح العام بصلة . ثم أراد تدعيم مركزه فسعى لى إنشاء هذا الارتباط واضحا من العلاقات الشخصية التي كانت قائمة  بينهما  مما ممكن المتهم من الاستناد  إلى مركز القوة الذي كان يمثله المشير ويعتمد عليه وإخفاء الحقائق عن المسئولين. ومن المؤسف أن تصرفات صلاح نصر الشخصية وانحرافه في سلوكه قد أدت إلى  إساءة جهاز المخابرات العامة في نظر الشعب بينما الواقع أن جهاز المخابرات وجد ليحمي الشعب من أعدائه في الداخل والخارج .
أما القضية الأخرى وهي عمليت التعذيب فقد فوجئنا بأن جريدة الأهرام تثيرها فيتركيز شديد وبعناوين ضخمة وقد كان االاهتمام بها شديدا لدرجة أن رئيس التحرير نفسه السيد محمد حسنين هيكل علق عليه تعليقا مثيرا . وكان وقت إثارة القضية مقلقا بالنسبة لأى إذ كنت أعاني في تلك الفترة من دفع أفراد الجهاز إلى التفرغ إلى أعمالهم الكبيرة معيدا إليهم الثقة بأنفسهم فالمطلوب منا تحقيقه كان شاقا ومصيريا وكان الجهد مركزا على خلق الصالح  للإنتاج السليم .
وقد بدأت ألمس نتيجة هذه [[السياسة]] بنفسي وتلمسها الأجهزة التي تستفيد من عمل الجهاز إلا أن إثارة هذه القضية فجأة عادت بنا إلى أول الطريق من جديد !! وكنت أعلم تمام العلم أن القضية لا أساس لها من الصحة وإلا كنت أثرتها بنفسي ولا أتستر عليها, وحدثني الرئيس في ضرورة إحالة الموضوع إلى التحقيق بواسطة النيابة العامة  وصارحته بما يجول في خطرى وبالظروف المستحيلة التي أشق وسطها طريقي في وزارة الحربية وجهاز المخابرات إلا أن الرئيس أصر على إحال القضية كلها إلى التحقيق .
وفعلا حققت النيابة العامة مع المسئولين وأحالت أربعة منهم إلى محكمة الشعب برئاسة السيد حسين الشافعي إلا أن المحكمة أصدرت حكمها ببراءة الجميع مما أسند إليهم وقررت في أسباب الحكم أن الدكتور الشرقاوي لم يتعرض إلى أى نوع من أنواع التعذيب . ولكن كان علينا – لكي يتفرغ الجميع إلى عملهم – بذل جهود مضاعفة إذ من المستحيل على مثل هذه الأجهزة الدقيقة الحساسة أن تعمل في ظل عدم الثقة أو في ظل القلقلة المستمرة .
وفي الأيام القليلة التالية لبداية عملي بهذا الجهاز تم الآتي :
1- في اجتماع مع رئيس نيابة أمن الدولة في ذلك الوقت اتفقت معه على ترحيل كافة المتهمين الموضوعين تحت التحفظ في المخابرات العامة على ذمة قضايا خاصة بها وذكرت له أن الجهاز لا يريد هؤلاء فإن كانت النيابة ما زالت تطلبهم لسبب أو آخر فعليها ترحيل هؤلاء إلى أى مكان تره وقد تم ذلك فعلا ولم يتحفظ في الجهاز بعد ذلك ولمدة ثلاث سنوات قضيتها رئيسا له على أى فرد إلا السيد عثمان أحمد عثمان حينما رأت النيابة التحفظ عليه على ذمة إحدى قضايا الجاسوسية ولكن أفرج عنه بعد 24 ساعة من القبض عليه وحينما ظهر  للنيابة براءته مما كان منسوبا إليه .
2- أعدنا النظر في كل الموضوعين على قوائم الممنوعين من السفر أو الدخول بواسطة المخابرات العامة ورفعناهم جميعا من القوائم وقد حرصت على مقابلة الجميع أو من يتيسر وجوده منهم بنفس وأفهمتهم الأسباب التي وضعوا في  القوائم من أجلها منبها عليهم بتلافي ذلك ولم يوضع فرد واحد بعد  ذلك على القوائم بواسطة المخابرات العامة طوال فترة رئاستي لها .
3- أصدرنا التعليمات التفصيلية والسرية لوضع الحدود التي تتم في إطارها " الأعمال القذرة " للمخابرات العامة مثل عمليات " السيطرة وتزوير الجوازات أو الوثائق أو الصور أو تزييف العمل أو السموم والتي قررت إقفال القسم الخاص بها واتبعت هذه التعليمات بمنتهي الدقة .
4- أصدرت التعليمات بعدم قيام الجهاز بأية تحقيقات من أى نوع وأن تحال كافة هذه التحقيقات إلى النيابة لإجرائها ولم يتم تحقيق بواسطة الجهاز إلا في قضية واحدة عرفت بعد ذلك " بقضة كسيماتس "  كانت  خاصة بالتلاعب في إحدي شركات القطاع العام وعرضت توصيات الجهاز بخصوصها على اللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الاشتراكي والتي وافقت على التوصيات والسبب في هذا الإجراء أن اثنين ممن ثبتت مسئوليتهما في القضية كانا شقيقين لعضوين في اللجنة التنفيذية العليا .
5- تم تركيز سلطة الضبطية القضائية في يد رئيس الجهاز ولم تستخدم هذه السلطة إطلاقا طول رئاستي لا بواسطتي ولا بواسطة أى فرد من الأفراد رغم أن هذه السلطة كانت مخولة لنا بواسطة قانون المخابرات العامة والقوانين المعدلة له .
6- وضع نظام دقيق للمصاريف السرية وطريقة المحاسبة لإنفاقها بواسطة الجهات المختلفة دخل الجهاز ولنا هنا وقفة :
أ‌- طلب [[عبد الناصر]] – بعد النكسة  - من كافة الأجهزة التي تحت يدها مصاريف خاصة أو سرية تقديم حسابات شهرية عن إنفاقها.
ب‌- حينما اعترض حد رؤساء الهيئات داخل جهاز المخابرات العامة على نظام المحاسبة استبدلته بغيره في الحال حتى يكون مثلا لغيره .
ت‌- شكلت لجنة فنية لمراجعة حسابات الجهاز في الظروف المؤسفة لأحداث " 15  [[مايو]] [[1971]] " وكتبت اللجنة في تقريرها عن المراجعة " إن النظم المعمول به في جهاز المخابرات العامة مثل يجب أن يحتذى في كل الأجهزة التي يوجد تحت يدها مثل هذه ال[[مصر]]وفات فهو نظام يتميز بالدقة  والوضوح " وتظهر أهمية هذا التقرير من ظروف كتابته إذ كنت أتنقل في ذلك الوقت من سجن إلى  آخر من سجون الرئيس السادات وكان المطلوب طبعا من اللجنة أن تكيل الاتهامات لمن أصبح وراء القضبان .
ولم يكن غريبا بعد ذلك أن يتفرغ الجهاز للقيام بأعماله الخطيرة في ظل عودة الثقة إلى أعضائه وفي ظل التعليمات الواضحة التي حددت الاطار السليم لتحركاته مما بدأ ينعكس على أعماله الداخلية والخارجية على حد سواء .
ماذا حدث في الأسابيع التالية لليلة العصيبة ؟
وحتى نكمل الصورة لما دث بعد تلك الليلة وما تلاها من تطوران خطيرة وجدتني في حيرة حقيقية عن الطريقة الموضوعية لاتمام ذلك ... فقد شركت بنفسي في بعض هذه الأحداث كما شارك غيري فيها بمقدار جهده وبمقدار مسئوليته عن حدوثها ويمكن ن يكون ذلك المنبع الرئيسي الذي أخذ منه معلوماتي ولكن قد يكون هذا الإجراء غير محيد في نظر البعض .
ثم أمامي عشرات المراجع التي كتبها البعض ليعرض الحقيقة واعترف أن هؤلاء قلة وهناك أيضا عشرات المراجع التي كتبها البعض بحثا عن الحقيقة واعترف أن هؤلاء نادرون وبالرغم من ذلك فقد تعد مثل هذه المراجع رافدا آخر يضاف إلى المنبع الأصلي للمشاركين في الأحداث ولكن قد لا يبعث ذلك الطمأنينة الكاملة في نفوس البعض .
ثم أمامي بعد ذلك مئات من المراجع والمقالات التي استبعدتها من فورى إذا إنها كتبت لا ذكراا للحقيقة ولا بحثا عنها ولكن كانت الكتابة بقصد تشويهها وإضاعة معالمها لدوافع متباينة .
فبعض الكتاب جرى وراء المال ومصادره كثيرة مغرية خاصة وأن هذه المصادر لا تدقق في صحة ما ينشر فكل همها الإثارة كحافز للبيع وجمع الريح في سوق النشر الغريب , والبعض لبس ثوب المؤرخ ولكنه بدلا من أن ينقل من صفحات الواقع أخذ يكتب من الخيال فيخلق قصصا لم تحدث وبدون أوهاما ويحاول أن يقنع القارئ على أنها حقيقة والبعض الآخر – بدافع الحقد والكراهية وتصفية الحساب – حول قلمه إلى فأس وشمر عن ساعده وخذ يضرب ويحطم في جبال الحقيقة الشامخة ولكنه اكتشف بعد فترة أنه لم يخدش إلا السطح وفأسه قد تكسرت في يده والناس يمرون عليه وهم ينظرون إليه في أسف وازدراء ...!
أما هذه البدائل الصعبة اخترت مصدرا واحدا يقص علينا الحقيقة . هذا المصدر هو كتيب  صغير أسود الغلاف كتبه " المستشار محمد عبد السلام " اسمه " سنوت عصيبة – ذكريات نائب  عم " والسبب في هذا الاختيار يرجع إلى عوامل كثيرة موضوعية :
1- فهو صادر أولا عن دار الشروق . وهي دار وهبت نفسها لدوافع معروفة لتشويه صورة [[عبد الناصر]] وعهده ولذلك فهي لا يمكن ن تكون دارا تروج لشئ إلا هدم [[عبد الناصر]] وأعماله والتشكيك  فيه .
2- ثم صدر الكتاب عام 1975 وهي السنة التي شاهدت تصاعد الهجمات على [[عبد الناصر]] من قمة الإدارة الحاكمة إلى صحافتها إلى مؤسساتها ومعني ذلك أن ما ينشر وسط هذا المناخ لابد وأن يكون مسايرا له . 
3- ثم مؤلف الكتاب مستشار من رجال العدالة . ثم هو نائب عام في فترة الأحداث التي صمنها كتابه ثم ان هو المحققق في تلك الأحداث التي تلت " الليلة العصيبة " ثم يبدو من كتاباته نه لم يكن مقتنعا بالعهد الذي خدم فيه العدالة في أخطر مناصبها فرسم الغلاف نفسه يدل على ذلك إذ يصور  " خنجرا " مصوبا إلى كتاب ضخم ربما يرمز إلى الدستور والدماء تسيل بغزارة .. يعني يريد أن يقول أن " العدالة كانت تذبح" ثم وللتدليل أمث على ما نقول نجده يكتب في مقدمة كتابه ويوقع علي ما كتب النص الآتي وهو يوضح للقارئ كيف كان معتذرا عن قبول منصب النائب العام حينما عرض عليه في [[أغسطس]] 1963 " كنت أدرك  وأفهم المصاعب  والمخاطر التي تصادف النائب العام في الظروف العادية فما بالك بالظروف الاستثنائية التي كانت بلادنا تم بها  في سنة 1963 وكنت أدرك كذلم أن هذه المصاعب قد تتصاعد إلى درجة الخطر عند التعامل مع حكام لميكن بعضهم قد ني  بعد صفته العسكرية وكان من العسير  عليهم فهم معني العدالة وقداسها أو إدراك المبدأ , البسيط والصحيح دائما وفي كل الظروف  والذي يحصل  في العبارة الخالدة  : العدل أساس الملك..." إزاء عقيدته تلك فإن قوله في سرد الأحداث لا يمكن أن يتهم  بالتحيز لنظام هذه شهادته عنه .
4-   ثم نجد أن الرجل تقديرا منه لخطورة  الأحداث التي سيتولي تحقيقها بعد الليلة العصيبة يتخذ من الإجراءات التي تجعل " التحقيق مجردا من أى رأى مسبق رغما عن أن التحقيقات وأقوال الشهود والتقارير الطبية والكيماوية وظروف الحال أكدت أن المشير عامر مات منتحرا بتناول مادة سامة هي مادة " الأكونتين " فحرص النائب العام أن يتولي " بنفسه التحقيق " بل وينبه على معاونيه من أعضاء النيابة أن يلتزموا في تحقيقاتهم أقصي ما يطالب به المحقق النزيه من الحيدة وعدم التأثر بفكرة معينة وإفساح المجال لإثبات أى أقوال تبدى مهما تكن خطورتها لتكون بعد ذلك محلا للفحص والاستنباط واستخلاص النتائج الصحيحة منها " ويستطرد قائلا  " رايت أن أسأل – انطلاقا من هذه الاعتبارات – الفريق أول محمد فوزي والمرحوم الفريق عبد المنعم رياض وغيرهما من الضباط والأطباء ومن الناحية المضادة سؤال أسرة المشير الذين اتهموا السلطات الحاكمة بقتله وقد رأيت أن أسأل أفراد الأسرة في منزلهم حتى يكون التحقيق بعيدا عن أى مظهر من مظاهر السلطان أو أى مظنة من مظان الإرهاب وطلبت لنفس الاعتبارات من ضباط المباحث العامة وغيرهم من رجال الشرطة الذين صاحبوني في الطريق أن يبقوا بعيدا عن المنزل مسافة تزيد عن المائة متر "... ثم يقول " ولما كان كل من أسرة المشير يبدى استعداده للتوقيع على أقواله بعد تسجيلها فكنت أصر على ألا يوقع إلا بعد أن يطالع ما أ ثبت على لسنه " إذن فالرجل  اتخذ كل حيطة يمكن لمحقق أن يتخذها  لكي يكون تحقيقه عادلا لا شبهة  عليه .
فاعتمادن على هذا المصدر إذن لابد وأن يهدئ من الشكوك التي كان يمكن أن تثار لو أننا لجأنا إلى البدائل الأخرى التي سبق ان ذكرها أو هكذا اعتقد . فماذا قال الرجل ف يكتابه من حقائق ؟
الحقيقة الأولي
أستدعي المشير في منزله يوم 25/6/[[1967]] إلى منزل رئيس الجمهورية حيث أفهم أن النية اتجهت إلى تحديد محل إقامته فحاول الانتحار بمادة سامة وأسعف بالعلاج وأعيد إلى منزله وقد أيقن أن حريته قد تتعرض في وقت ما لمزيد من القيود فظلت فكرة الانتحر مسيطرة عليه وهيأ نفسه لتنفيذها إذا ما وصل الأمر إلى تقييد حريته بدرجة تفوق قوة تحمله .
الحقيقة الثانية :
في يوم الأربعاء 13 / 9 / [[1967]] أصدر رئيس الجمهورية أمرا بنقل المشير عامر من منزله إلى استراحة أعدت بالمريوطية في منطقة الهرم ليقيم فيها منفردا تحت الحراسة تمهيدا للتحقيق معه في شأن ما أسند إليه وقد نقل وزي الحربية هذا الأمر إلى الفريق أول محمد فوزي لتنفيذه فقام ومعه الفريق عبد المنعم رياض والعميد  سعد عبد الكريم وعدد من الضباط والجنود ووصلوا إلى منزل المشير الساعة الثانية والنصف بعد ظهر اليوم وانضم إليهم قائد الحرس المحل العميد  محمد سعيد الماحي . وقابل العميدان سعد والماحي المشير في غرفة الاستقبال وأخطراه بأمر رئيس الجمهورية فأبي تنفيذه . ودخل الفريق رياض ليحاول بنفسه إقناعه ولكنه أصر على الرفض وغافل الحاضرين وتناول بقصد الانتحار مادة  الأكونتين السامة ممزوجة بقطعة من لأفيون وورقة من السلوفن للتخفيف من آلام التسمم وعندئذ شوهد بلوك في فمه مادة أدرك الفريق رياض والسيدة نجيبة كريمة المشير على الفور أنها مادة سامة وأنه تناولها بقصد الانتحار ونقل المشير إلى مستشفي القوات المسلحة بالمعادى وكان يلوك أثناء الطريق تلك المادة وقبل بعد  إلحاح شددي من الفريق رياض إخراجها ولفظ ما في فمه في الرائد عصمت محمد مصطفي من الشرطة العسكرية والذي كان يرافقه في الربة وكانت عبارة عن ثلاث ورقات سلمها الرائد عصمت إلى المستشفي عند وصوله وقد أجريت له الإسعافات اللازمة هناك واصر الفريق أول فوزى إلى نقله إلى استراحة المريوطية بعد هذه الإسعافات .
االحقيقة الثالثة
وصل المشير إلى المريوطية الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 13/9/[[1967]] وترك هناك تحت رعاية النقيب طبيب مصطفي بيومي حسنين الذي ظل يتردد عليه طول الليل ولاحظ أنه يشكو من سعال وقئ فأعطاع عقاقير مهدئة وبعض الإسعافات وفي الساعة العاشرة صباح يوم 14 / 9/ [[1967]] تسلم الرائد طبيب إبراهيم البطاطا نوبته في الرعاية الطبية ولاحظ توالي القئ وأصيب المشير بحالة هبوط لم يتمكن بسببها من تناول طعام الغذاء فاضطر الطبيب إلى تغذيته عن طريق الحقن في الوريد بمحلول الجلوكوز وفي السادسة مساء دخل المشير إلى دورة المياه وكان يتقيأ ثم عاد إلى فراشه ولكنه  مات في حضور الطبيب الساعة 6,35 مساء .
الحقيقة الرابعة
ولت النيابة التحقيق قبيل منتصف الليل بواسطة النائب العام وفحص الجثة ظاهريا بحضور وكيل وزارة العدل لشئون الطب الشرعي ووكيل عام المصلحة ..ووجد أسفل جدار البطن من الناحية اليسرى قطعة مستطيلة من روق لاصق يخفي شريطا معدنيا يحتوى  على ثلاث فجوات بكل منها مسحوق من مادة ثبت من التقرير الطبي الشرعي والتحليل أنها مادة الأكونتين السامة وأن المشير توفي بسبب تناول هذه المادة ممزوجة بالأفيون منذ محاولة نقله من منزله في الساعة 2و30 بعد ظهر الأربعاء 13 / 9/ [[1967]] .
وتحدث عن تقرير الطب الشرعي الذي أورد أن سم الأكونتين مخبأ وهو ممتزج بالأفيون على جسد المشير وأن ما تناوله مغافلا الحراس في منزله كان  من هذه المادة وأن الشريط اللاصق الذي يخفي مادة الأكونتين السامة والمخبأ في وضع دقيق من جسم  المشير وقد تكرر نزعه وتثبيته بما يصلح تفسيرا لمحاولة الانتحار كثر من مرة , وأن استمرار أعراض القئ يومي 13 , 14 يحتمل معه أن تكون وفاة المشير قد حدثت نتيجة تسمم من مادة الأكونتين التي تناولها في منزله بالأفيون يوم 13 وهي مدة يمكن أن يكون أثرها فوريا أو يتراخي إلى أكثر من 18 ساعة وأن هناك احتمال أن يكون المشير قد استبطأ مفعول السم فتعجل النهاية وأخذ قدرا آخر منه عندما دخل دورة المياه يوم 14 قبيل وفاته . ثم ربط التقرير بعض ما أثبته فحص أوراق السلوفان التي لفظها المشير في السيارة من احتوائها على أجزاء مفضضة لامعة بها آثار مضغ وبين ما هو ثابت من وجود مسحوق الأوكنتين معبأ في جزء من شريط معدني مفضض لامع ومخبأ على جسم المشير بورق لاصق مستخلصا من ذلك أن المشير تناول في منزله قدر من مادة الأكونتين الموضوعة في الشريط المعدني المفضض مع احتمال أن يكون هذا القدر وحده هو الذي تسبب في حدوث الوفاة واحتمال أن ما عجل بها هو القدر الآخر الذي أخذه في الاستراحة .
الحقيقة الخامسة
أما عن مصدر المادة السامة فقد ثبت أن المشير حصل عليها من إدارة المخابرات إذ أن السيد صلاح نصر استلم في 10 / 4/ [[1967]] ستمائة ملليجرام من مادة الأكونتين السامة معبأة بمقادير متساوية في ست فجوات من المعدة أصلا لوضع حبات الريالتين في الأوراق المعدنية الخاصة واعترف السيد صلاح نصر باستلامه مادة سامة وضعها في مكتبه وظلت فيه  بحالتها إلى أن مرض يوم 13 / 7 وانتقل من مكتبه يوم 23/ 7  إلى إحدى لاستراحات حتى أعفي من منصبه يوم 26 / 8/ [[1967]] دون أن يدرى شيئا عن مصير المادة التي تركها في مكتبه وقد ضبط بإدارة المخابرات العامة باقي المادة ومعها ورقات معدنية من المعدة لوضع حبات الريالتين وثبت من التقرير الشرعي والصور الشمسية أن إحدى هذه الورقات تكمل الورقة المضبوطة على جثمان المشير وبها مادة الأكونتين وبذا تحقق أن المشير حصل على المادة السامة التي انتحر بها من إدارة المخابرات .
الحقيقة السادسة
نفت أسرة المشير في أقوالها انتحاره إلا أن النائب العام يرد على ذلك بأن هذه الشبهات فوق أنها مردودة بما سبقت الإشارة إليه من أدلة قاطعة بوقوع الحادث انتحارا فإنه لا تعدو أن تكون ظنونا ليس من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي تصورتها ابنتا المشير إذ الواضح أن أقوالهما صدرت عن عاطفة الأبوة من جهة وبفعل الصدمة التي تعرضتا لها بوفاة والدهما في ظروف أليمة من جهة أخرى . ولا جدال في أن المشير مات منتحرا ولا جدال في أن ابنتيه كانتا على غير حق في تصوير الحادث على أنه فعل عمد.
الحقيقة السابعة
وأخيرا يقرر النائب العام أن المشير هو اذلي تناول بنفسه وبمحض إرادته المادة السامة التي أدت إلى موته ولا جدال في أن المشير مات منتحرا .
وفي موضع من الكتاب يقول قولا يختتم به هذه الأحداث . من وقت أن بدأ التحقيق إلى ما بعد انتهائه بزمن طويل وحتى كتابة هذه الذكريات والتساؤل يلاحفني في كل مجلس يضمني مع آخرين ويأتي فيه ذكر الحادث – هل انتحر المشير حقا ؟ وكثيرا ما كان التساؤل يرد في لهجة استنكارية مفعمة بالشك بل كان البعض يؤكد أنه قتل رميا بالرصاص على الرغم من الماديات التي قطعت بأن جسده كان خاليا من أية آثار للمقاومة أو العنف أو الإصابات الظاهرة أو الباطنة وعلى الرغم من أن التحقيقات وأقوال الشهود والتقارير الطبية والكيماوية وظروف الحال أكدت أنه مات منتحرا بتناول مادة سامة هي مادة الأكونتين .
الليلة العصيبة في الميزان
لا شك أن يومي 25 ,26 [[أغسطس]] [[1967]] من الأيام الخطيرة التي مرت بها [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] 1952 فما تم فيهما وما تلاها من أحداث كانت منحنيا حقيقيا في مسار الثورة خاصة وهي تمر بأقسي الاختبارات والتحديات التي واجهتها بعد النكسة إذ أصبحت من جديد في مواجهة أقسي أنواع الاحتلال والضغوط الاستعمارية الكبيرة .
فقد تم فيها حسم استمرار خروج القيادة العسكرية على الشرعية وإصرارها على ذلك بحيث أصبحت بروزا لابد من إزالته . ولقد بذلت محاولات كثيرة قبل هذه الأحداث لتقويم ما أعوج من أمور ولكن فشلت كل هذه المحاولات رغما عن أن الذي قام بها هم " رجال الحرس القديم" من رجال مجلس الثورة ولا شك في أن هؤلاء يتحملون مسئولية ليست بالقليلة في عدم حسم الأمور قبل أن تتفاقم بالصورة التي وصلت إليها ومن الشعور بالرهبة الذي حس به البعض منهم – مثل كمال حسين والبغدادي -  في رفضهما أن يحلا حل المشي في قيادة القوات المسلحة حينما عرض عليهما الرئيس ذلك.
ويبدو أن الأمر لم يكن ينظر إليه إطلاقا في ضوء إنعكاسه على الأمن القومي للبلاد بدليل أن استقالات بعض أعضاء مجلس الثورة كانت لأسباب أخرى غير هذا السبب . ثم الصراع الذي كان يحتم بين هؤلاء – سواء كان صراعا أفقيا أو رأسيا – كان يجعل القائد السياسي دائما في موقف  حرج يعيد فيه حساباته  دائما وربما لا يصل إلى قرار حاسم وسط الانقسامات الموجودة طول الوقت وقد أخبرني السيد أنور السادات مرارا وفي مناسبات عديدة " الله  يساعد المعلم معانا . إحنا وحشين أوى يا أمين " لو أن الجهود ركزت منذ وقت مبكر على حسم موضوع القيادة السياسية مع القيادة العسكرية لما تطورت الأمور إلى الحالة التي وصلت إليها والدليل على ذلك أنه لم يكن من الصعب إقناع  " القيادة السياسية " بعد النكسة بضرورة الحسم رغما عن أن الظروف كانت شائكة وخطيرة فحينما كانت الأمور ميسرة سهلة في ظل اختفاء الصراعات في ذلك الوقت كان القرار بالتالي واضحا وقاطعا رغم خطورة الأقدام على حسم الوضع في مثل الظروف التي سبق شرحها وفي وسط الانقسام الذي كان يهدد وحدة القوات المسلحة.
2-  ولقد أراد الرئيس [[عبد الناصر]] استغلال النجاح الذي  تحقق في ليلة 25 و 26 [[أغسطس]] وفي يوم 26 [[أغسطس]] [[1967]] بأن يكون وزير الحربية وهو ممثل السلطة السياسية مشرفا حقيقيا على المؤسسة العسكرية لأن في تحقيق ذلك تأكيد لمبدأ خضوع القيادة العسكرية للقيادة السياسية الأمر الذي لا تستقيم الأمور إلا بحدوثه . هذا الموقف جعلني بعد محاولات كثيرة سابقة أتقدم باقتراحي في هذا المجال أحدد فيه الإطار السليم الذي  يحقق ذلك.
فكان االاقتراح المقدم مني للرئيس في مذكرة كتابية في أوائل [[أكتوبر]] [[1967]] يحدد الهدف من تنظيم العمل في الأجهزة العليا لوزارة الحربية ليكون الآتي .
أ‌- تكوين جهاز  متناسق يعمل في يسر وسهولة لرفع كفاءة وتجهيز القوات المسلحة في زمن السلم ونجاح قيادتها في وقت الحرب .
ب‌- إيجاد الضمان الكافي للرقابة الفعلية تبعا لما يحدده الدستور على القوات المسلحة ليضمن الشعب دائما أن قواته قادرة على الدفاع عن أمانيه مع أتخاذ الترتيبات اللازمة لضمان السرية .
ت‌- إمكانية تنسيق المجهود المدني اللازم لمواجهة احتياجات  المجهود الحربي .
ث‌- إدارة القوات العسكرية المتيسرة  واللازمة لمساندة سياستنا الخارجية بأقل التكاليف الممكنة .
ج‌- واستمرت المذكرة تقول " وفي رأيي فإنه لم يكن لدينا وزارة للحربية طوال السنوات الماضية  بالمعني الحقيقي التي توجد عليه في سائر الدول مم انعكست آثاره على المراحل الأولية الحالية لإنشاء هذه الوزارة ولابد من الحزم الكامل لإدخال كافة الأجهزة التابعة للوزارة ضمن إطارها لتعمل جميعا تحت رئاسة واحدة مع تحديد الاختصاصات والمسئوليات واسلوب العمل " ووزير الحربية " شأنه شأن أى وزير آخر في أى وزارة أخرى مسئول عن سياسة وزارته مسئولية كاملة حددها الدستور وبقدر هذه المسئولية يجب أن يعطي السلطة الكاملة لتنفيذ سياسة الدولة في هذا القطاع وإلا فإن لأجهزة تصبح مسيرة له حسب ما هو قائم لا أن يكون هو الذي يوجه هذه الأجهزة كما ينبغي أن يكون ولذلك فإن وزير الحربية يعتبر المستشار  الأول  لرئيس الجمهورية في شئون الدفاع عن البلاد والمتحدث الرسمي باسم الحكومة عن كل ما يتعلق بسياسة البلاد الدفاعية يساعده في ذلك نخبة ممتازة من الأفراد القادرين وبوجه عام فإن مسئولية وزير الدفاع يجب ان تنحصر في التأكد – بصفة مستمرة – كفاءة القوات المسلحة للدفاع  عن البلاد وتبعا لسياسة تعبر عن سياسة الدولة كذا فإن من واجباته تعبئة كافة الجهود المتيسرة في الجمهورية لتحقيق ذلك . ولتنفيذ الواجب الأول فإن [[السياسة]] العامة للدفاع عن البلاد يجب أن تناقش  وترسم داخل " مجلس الدفاع الوطني " ولتحقيق الواجب الثاني فإن الأمر يقتضي إنشاء " مجلس احتياجات الدفاع الوطني " أما القائد لعام للقوت المسلحة فمتروك له قيادة  قواته وإعدادها للقتال وأن  يكون مسئولا مسئولية مباشرة أمام وزير الدفاع .. ومن الطبيعي فإن تشكيل جهاز قادر لوزير الحربية يقوم بأداء هذه الواجبات أمر يرحض الأفكار التي تناد بتوحيد أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة مع أجهزة الوزارة لأن طبيعة الأعمال في كليهما مختلفة إلى حد كبير في مستواها ونوعها علاوة على أن استمرار الوضع على ما هو عليه سوف ينتهي بالأمور لكي تصبح أجهزة القيادة العامة للقوات المسلحة  هي الموجهة للوزير وليس العكس لفقداته مقومات التوجيه بانعدام  أجهزة تدرس وتخطط وتقيم "
ولكن الرئيس – لأسباب رآها – لم يحسم الموقف لفترة  طويلة الأمر الذي جعلني أكف عن العمل في وزارة الحربية ثلاثة أشهر كاملة حتى يبت في هذه الأمور الخطيرة عارضا في نفس الوقت تركي العمل بالوزارة إذا رأي الرئيس خلاف ذلك – وحسما للموقف المتأزم عرضت توحيد منصبي وزير الحربية والقائد العام بصفة مؤقتة وتم تركي وزارة الحربية على هذا الأساس .
ويعتبر هذا الحل استغلالا محدودا للنجاح الذي تحقق في ليلة 25 /26 [[أغسطس]] [[1967]] إذ كان  الضامن الوحيد لنجاح هذا الوضع في تلافي العيوب السابقة أن الرئيس أشرف بنفسه على كل تفاصيل القوات المسلحة. ولكن الحل الأمثل هو وجود وزير حربية ممثلا للقيادة السياسية على قمة  المؤسسة العسكرية يقع على كتفيه كل من المسئولية البرلمانية والوزارية في توجيه قدرات البلاد المتاحة لخلق قدرة عسكرية رادعة للعدوان أو قادرة على الانتصار في معركة أجبرت على خوضها إن فصل منصب الوزير  عن القائد العام أمر تحتمه الدروس القاسية الماضية حتى تتوفر الرقابة السياسية بصفة مستمرة على القوات المسلحة ...
ولذلك فإن استغلال النجاح كن محدودا حتى بعد حسم موضوع خروج القوات المسلحة على الشرعية القائمة في ذلك الوقت وفي تقديرى فإن هذا الموضوع حتى في أيامنا هذه يحتاج إلى معالجة واعية لأن وزير الدفع إذا تولي أيضا القيادة العامة للقوات المسلح يصبح مسئولا أمام نفسه فلا رقابة على تصرفاته أمام أى جهة من الجهات الأمر  الذي يصبح فيه أمن البلاد موكولا لتقدير شخصي وهو أمر يبعث على القلق وسط أجواء مشحونة بالعدون تفتت فيه سلطات المنظمات الدولية واصبح اختراق الحدود وضم الأراضي سمة من سمات الصراع الإقليمي
4- ثم كانت تلك الليلة فاصلا – وبحق- بين ما كان يتم قبله وبين ما تم بعدها . وإذ سدت الشرعية بعد القضاء  على الوضع الشاذ الذي اكتسبته القيادة العسكرية والذي تعقد بمرور الزمن حتى أمكن القضاء  عليه بهذا الجهد والذي كانت المخابرات العامة  - بعد أن تورطت في أعمل ليست من مسئوليتها ولا هي داخل  العلاقات الطبيعية لعملها – تؤيدها فيه تأييدا مطلقا . وانصرفت الجهود بعد ذلك لتنفيذ سياسة مغايرة في ظل بقاء المبادئ الثابتة للثورة .
أ‌- فانصرفت الجهود إلى إعادة بناء القوات المسلحة تمهيدا لتحرير الأرض .
ب‌-   وركزت المخابرات العامة جهودها – بعد إعادة تنظيمها – على تحقيق واجباتها سواء من ناحية الحصول على المعلومات عن العدو أو منع العدو من الحصول  على معلومات عنا أو القيام بأعمال إيجابية عديدة مما جعل الرئيس يقول دائم " إن المخابرات تخترق  إسرائيل في كل مكان ط
ت‌- صدور بيان 30 مارس .
ث‌- الانتخابات تتم من القاعدة إلى القمة في وحدات الاتحاد الاشتراكي أو الجماعات النقابية و مجلس الأمة .
ج‌- وضع مبادئ جديدة لتصفية الحراسات وهي المبادئ التي جمعت في قانون رفع الحراسات والذي صدر عام [[1971]] بنصها وقطعنا شوطا طويلا في ذلك بحيث لم يكن هناك إلا 128 حالة موضوعة تحت الحراسة عند وفاة الرئيس .
ح‌- العمل على زيادة الإنتاج في مجالاته المختلفة .
إذن فكانت هذه الليلة بمثابة مولد أسلوب جديد يحاول تصحيح الأخطاء التي حدثت في  التطبيق من قبل ولكن في ظل نفس المبادئ التي حددها الميثاق .
وكان [[عبد الناصر]] في تلك الفترة يحاول دفع بعض الوجوه الجديد إلى مراكز الصدارة والتي أطلق عليها  البعض – عن جهالة – لفظ " مركز القوى " بعد حركة [[مايو]] [[1971]] وأنا شخصيا أرحب بإطلاق هذا اللفظ على هؤلاء الأفراد الذين كنت أحدهم ولكن على أساس التفسير الحقيقي لهذا اللفظ  والذي كتب عنه في جريدة الأهالي قائلا  الرئيس في النظام الديمقراطي يتخذ قراره بعد حوار يجرى بين " مراكز قوي " مؤيد وأخر معارضة كل منها يريد أن يفرض رأيه باستخدام  الوسائل المتاحة : المؤسسات الموجودة, لجان تقصي  الحقائق استفتاءات الرأي  العام , الانتخابات , وسائل الإعلام المختلفةو وبذلك يصبح صاحب القرار هو احد مراكز القوى وليس مركز القوة الوحيد وهناك فارق ضخم  بين الوضعين  فالدولة  دولة الجميع والبلد بلد الجميع وهذه الملكية الجماعية تحتم  أن يكون أمنها من مسئولية جميع ساكنيها لن هذا المجموع هو الذي سيتحمل أوزار القرار الخاطئ ونتائجه و وهو الذي سيجني ثمار القرار الصائب وعوائده وسوف تظل الديمقراطية رافعة أعلامها طالما ظل الحوار مستمرا بين مراكز القوى التي  يشكل  صاحب القرار إحداها أما إذا أما إذا نجح  صاحبالقرار فيأنيصبح هومركز القوة الوحيدفإنالحوار سوف يتغير إلى صراع "
كان عبدالناصر بعد الليلة العصيبة يريد خلق حوار بين مراكزقوى متعددة هوإحداهاعلى طريقة  الديالوج" أما السادات بعد أحداث 15 [[مايو]] فكان يريد للحوار أن يتم بواسطة مركز قوة  واحد  على طريقة "المونولوج" ولا نريد أن ندخل في الأسباب التى دعت إلى تغير شكل وأسلوب الحوار لأن هذا سوف ينقلنا إلى الحديث عن أحداث 15[[مايو]] [[1971]]وهوحديث يجعل الإنسان يسير على الشوك إذ أنه حديث عن " الرفاق" يدمي القلب, ويلجم اللسان ....
5- ثم كانت تلكالليلةهي البداية الحقيقية لحركة [[مايو]] [[1971]] والتي قام بها الرئيس السادات .. ولعل في هذا القول جدة ولكنه حقيقة لاشك فيها . فمن تصرفات القدر أن " عامر" سقط من كشف المنافسين ولم يكن السادات أو غيره من المنتظرين يحلم بالرئاسة إطلاقا في حالة بقائه . إنني لا أقصد ولو للحظة  واحدة أن السادات خطط لذلك أو عمل له فأنا أتحدث عن القدر  وتصرفاته ... ثم استمر القدر في لعبته  وإذا بالسيد زكريا محي الدين يتنحى ولم يبق في حلبة السباق إلا السيدان حسين الشافعي وأنور السادات .وسرعان ما وجه القدر ضربته الثالثة والحاسمة حينما قام الرئيس [[عبد الناصر]] بتعيين السادات نائب اللرئيس. فأصبح بذلك قاب قوسين أو  أدني من " كرسي السلطان "!!! وبهذه المناسبة فإن الأخبار التي كتبها البعض عن نية [[عبد الناصر]] في التغيير هي أقرب إلى الأحلام منها إلى  الحقيقة فبقدر علمي فإن [[عبد الناصر]] وإلى  يوم وفاته لم يشر إلى احتمال تغييره للسيد أنور السادات .
كان هذا استطردا ضروريا حتى يمكن تفسير ما نقصده فالسيد أنور السادات- بعد وفاة الرئيس –وفي اجتماع فيقصر القبة فجريوم30/9/ [[1970]] حضره معه كل من شعراوي جمعة  وسامي شرف وأمين هويدى ولميكنالرئيسالراحل قد ووري التراب بعد – عرض عليه الاقتراحات الآتية بخصوص نقل السلطة:
أ‌- يرشح سيادته لمنصب رئيس الجمهورية .
ب‌-   يعرض الترشيح على اللجنة التنفيذية العليا يوم السبت 3/10/[[1970]] المركزية يوم الاثنين5/10/[[1970]]
ت‌- دعوة مجلس الأمة لإجتماع غير عادى صباح الأربعاء 7/10/[[1970]]
ث‌- يجرى الاستفتاء يوم الخميس 15/10/[[1970]]
ج‌- إذا جاءت نتيجة الاستفتاء بنعم يجتمع مجلس الأمة  يوم السبت 17/10/[[1970]]ليؤدي الرئيس اليمين الدستورية وفقا لنص المادة 104 من الدستور.
ولم يكنالرئيس السادات مصدقا ما يقال وكان ذلك ظاهرا على ملامح وجهه إلا أنه تظاهر بالرفض وهويقول " يا جماعة هذا مش وقته.لنيتم شغل منصب رئيس الجمهوريةإلا  بعدإزالة آثارالعدوان ,وسأتولى بالنيابة إلى حينذلك" ولكنه إزاء إعادة العرض عليه مرارا  سأل كل واحد منا عن رأيه في  حضور الآخرين .فوافق الجميع على حتمية شغل المنصب وعلى أن يشغله السيد أنور السادات وهنا – وحينما وثق  من عدم وجود أية اعتراضات – وافق قائلا " وعلى أن يشغله السيد أنور السادات وهنا – وحينما وثق  من عدم وجود أية اعتراضات – وافق قائلا"على بركةالله " وأخذ يتمتم  بشفتيه كما كان يفعل دائما متظاهرا بأنه يردد ما تيسر من كتاب الله .
ولقد ذكرت ذلك بالتفصيل في فصل" الوداع الأخير " من هذا الكتاب والذي نشر ووزع هنا في [[القاهرة]] عام [[1980]] في حياة السادات وقبل مقتله في حادث المنصة إذ قلت بالنص " ووسطالاستقالات العديدة  وسحبها والرجوع عنها – وكنت أقصد إستقالةالسيد محمد حسنين هيكل والدكتور  فوزى – والبيانات  الحماسية  والخطابات التي ترد عليها  -وكنت أقصد كما وضحت في الكتاب بيان عزيزصدقي  ورد البغدادي عليه – والمذكرات الكتابية  وتجاهلها لم تعدم البلاد بعضمن عملوا  في صمت والتزام حتى تسير الأمورفي  مجراها الطبيعي  الدستورى ولا يقلل من ذلك الجهد الذي  بذله في تلكالفترة ما قيل عنهم بعد ذلك وهم في السجون أثناء محاكمتهم بتهمة غليظة هي الخيانة العظمي أو الاشتراك  فيها " وفي مكان  آخر قلت"  وفيفجر هذا  اليوم كنا مع السيد أنور السادات في قصر القبة  حيث كان يمضي الليلة هناك... ثم أكملنا حديثنا بخصوص نقل السلطة وإعمالالدستور وتحديد تواريخ الخطوات  اللازمة لذلك "
هذا حقيقة ما حدث بالضبط .وليس صحيحا ما قاله الرئيس السادات من  أن الرئيسمحمد جعفر النميري كان له دخل في الموضوع لأنه – كما يتضح فيجزء آخر من الكتاب – لم يرد أن يتدخل في هذه الموضوعات وما كان له أنيتدخل والتزم الرجل بهذا الموقف حتى استقل طائرته عائدا إلىالخرطوم.
ولم ينس الرئيس السادات أبدأ هذه الليلة خاصةبعد أن "تولي " بلأسقطها من كل كتاباته بأقواله عن ذاته وهي كثيرة تملأ مجلدات ضخمة.
ولكنه لمينس في نفس الوقت "الليلة العصيبة" فإن الذي قام بها هم الثلاثة " شعراوى جمعة وسامي شرف وأمين هويدى"  تحت قيادة [[عبد الناصر]] .وخشي الرجل أن تتكرر. وما كان له  أن يخاف أويخشي فإن  ماتم في تلك الليلة كان في إطار الشرعية ولتثبيت دعائمها .وحينما لم ينس أتخذ جانب الحذر أولا ثم اتخذ طريق الإزاحة بعد أن ثبتت أقدامه وتوطدت .والدليل على أنه  لم ينس أبدا هذه الليلة أنه أسقط ذكرأسماء هؤلاء الثلاثة  في كتاباته وأحاديثه عن ذاته وهي كثيرة تملأ المجلدات  ضخمة كما سبق القول.
وهذا لا ينفي أن الرئيس السادات لعب  لعبته بمهارة وذكاء في غفلة من الآخرين الذين ألهتهمالشكليات الزائلة . وانغمسوا في منافسات لا معني لها .وأظنهم لا يفيقوا إلا بعد فترةكما علمت وسمعت ولكن كان ذلك بعد فوات الأوان.وكان الرجل حذرا طول الوقت – وهذا حقه – ولكن لم يكن حذره هذا على أساس ,ولم يكن شكه على حق لأن الجميع كانوا خاضعين مطيعين ولم يكونوا يضمرون شرا.\ لكن الرجل – كما قال – كان قد قرأ كتاب "الأمير لنقولا ميكيا فيلي "واستوعبه وطبق ما جاء فيه وهو يمارس لعبة السلطة التي لا ترحم .
فكان لابد – من وجهة نظره -  أن يتخلص ممن ساعدوه وكانت هذه عادته  ... حتى من ساعدوه في حركة [[مايو]] [[1971]] تخلص منهم أيضا وبسرعة:الزيات بعد أن رفعه إلى درجة نائب رئيس وزراء ,محمد حسنين هيكل مهندس حركة [[مايو]] ومصممها الفريق محمد صادق وزير حربيته الذي قال عنه إنه سيبقي في منصبه مدى الحياة, محمد الليثي ناصف الذي سقط من شرفة عالية في لندن وهو يعالج من مرض عضال , ممدوح سالم بوضعه في منصب لا يقبله الكثيرون له ولا يحبه له عارفوه .
فكما سبق وأزاح "جماعة [[مايو]]... بفرع جميز – على رأى محمد حسنين هيكل – فإنه أزاح " جماعة التصحيح  " بنفسالفرع أو ربما بغيره ولكن بفارق واضح : إذ يبدو أن جماعة [[مايو]] كانت تقلقه للدرجة التي كان لابد من محاكمتها فنالت بذلك أوسمة لا تستحقها , أما الآخرون فيبدو أنهم لم يكونواعلى نفس  الدرجة من الأهمية فكان من حظهم  إجراءات أقل شأنا : ليس هذا رأيي ولكن قد يكون هذا تصوره.
أكررأن الرجل كان يسير على قاعدة التخلص ممن ساعدوه فما ثلاثة  ساعدوا ثم  اشتركوا في الليلة العصيبة ؟
6- ثم كانت الليلة العصيبة حركة تصحيح جادةلمسارالثورة كانت  ضد نائب رئيس الجمهورية  وقائد عام القوات المسلحة رفع راية العصيان ضدالشرعية القائمة,ورفض  تركه للقوات المسلحة بعد أن دمرها ودمرالبلاد معها ثم  نجده وقد اعتصم في منزله تحت حراسة مدنيةوعسكرية وجمع حوله زملاؤه وأعوانه في صورة  خارجة عن القانون وكانت  هناك قضية . القضية هي  أن السلطة الشرعية فقدت قدرتها على فرض  قراراتها  ولميكن في  استطاعتها تنفيذ  أوامرها بعد أن  وصلتالأوضاع إلى ما وصلت إليه واستشري الوضع إلى أجهزة أخرى مثل المخابرات العامة  الأمر الذي كان يمكن معه أن تمتد الفتنة  إلى أجهزةأخرى .
ولذلك فإن الليلة العصيبة كانت معركةحقيقية  بين الشرعية والعصيان..والأمر يزداد خطورة حينما يحدث هذا العصيان والعدو  يحتل الأرض فهو  بذلك يحول دون المواجهة الحتمية مع العدو الإسرائيلي  والطريق لإتمام ذلك طويل بالصعاب ,ولا يمكن مواجهة هذا الموقف مواجهة ناجحة في ظل جبهة داخلية مفتتة منقسمة تعجز الشرعية فيها عن  مواجهة الخطر الخارجي .
وكان الأمر بذلك  يختلف كلية عما حدث بعد ذل  بأربع سنوات فيما  سمى بحركة [[مايو]] ...ثم بثورة [[مايو]] ...!!! كان هناك خلاف في الرأي وليس حالة عصيان , ثم كان الجميع في منازلهم يعدون استقالاتهم وترك الأدوات التي كان يمكن أن يستخدموها في إحداث الانقلاب المزعوم لأن من يريد أن يحدث  انقلابا لا ينزع أسلحته أولا ثم يقوم بمعركته ثانيا.وعلاوة على ذلك  فإن أحدا لم يعتصم معترضا على قرار صدر من السلطة القائمة. فقد ظل الجميع  في منازلهم بعد أن تركوا  كل شئ حتى تم القبض عليهم ...وما لثبت حركة القبض والتصفية أن اتسعت لتشمل كل من عمل مع [[عبد الناصر]]  تقريبا وكان من ضمن هؤلاء أشخاص –مثلي –تركوا السلطة وبما فيها  بمحض اختيارهم من شهور ولا يدرون  عما  يحدث أى شئ .وعقب القبض  قدم الجميع إلى محكمة خاصة حيث  حوكموا محاكمة تمت في الظلام علما بأن محاكمة من قبض عليهم عام[[1967]] تمت علانية.
كان عبد  الناصر  نفسه هوالذي  وضع في قفص الاتهام لتلطخ  صورته  وتهتز مبادؤه حتى يمكن تنفيذ الخطوات التالية :
ولنا أننتساءل بالأسئلة الآتية عن أحداث أو حركة أو ثورة [[مايو]]هذه : ضد من قامت هذه الثورة؟ولصالح من ؟ وبمن ؟ كانت الأحداث مهزلة حقيقية لعب فيها أبطالها والكومبارس معهم أدوراهم بمهارة . انظر مثلا إلى اثنين من أعضاء مجلس الأمة هما مصطفي كامل  مراد  ومحمد شاهين وهما يرددان في فخر بأنهما عادا إلى منزليهما  في تلك الليلة ليتسلحا بمسدساتهما ظ!! حتى لو كانوا يضمرونشيئا فأني لهذا المسدسات أن تقف  وتقاوم وحدات كاملة  قيل وأشيع أنها أداة للإنقلاب المزعوم ؟!! تمثيلية كبرى لم تكن لتتم إلا في تلك الظروف المؤسفة .
ونقطة أخرى لا بأس من ذكرها . فقد تمت الليلةالعصيبة في ظل المبادئ التيكانت سائدة  قبلها والتي ظلت سائدة بعدها وحتى وفاة [[عبد الناصر]]  كانت الليلة وما تم فيها تقصد وبحق إعادة الشرعية مع ثبات المبادئ التي سجلت في الدستور والميثاق وطبقت فعلا في كافة المجالات ...ولميحدث انحراف عنهما.أما حركة [[مايو]] [[1971]] فإنها كانت تهدف – قبل كل شئ – إلى تغيير المبادئ القائمة بأخرى لم تكن تدور بخلد أحد تحتتغيير بعض الأشخاص بغيرهم ... أشخاص كانوا قد تخلوا  عن مقاعدهم  فعلا ولكن  لم يكونوا هم المستهدفون بقدر ما كانت المبادئ  التي خلفها [[عبد الناصر]] .يعني وبوضوح كان الغرض الحقيقي  من 15 [[مايو]][[1971]] هو الانقضاض على مبادئ [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] 1952 نفسها وكان الغرض الظاهرى " فرم " بعض أشخاص تخلوا فعلا عن السلطة  والدليل على ذلك – إن كان الأمر ما زال يحتاج إلى دليل – الهجوم الضاري المباشر على [[عبد الناصر]] على لسان  رئيس الدولة وفي مؤسساته وعلى صفحات صحفه الرسمية وعلى شاشات التليفزيون ومن ميكروفونات الإذاعة ثم تحريم ذكر "الميثاق " بل التهكم على ما ورد فيه من مبادئ عظيمة ثم بعد ذلك تم الانعطاف الخطير والتحول المثير في [[السياسة]] الخارجية والداخلية وفي نفس الوقت ظل النظام الجديد أو الثورة المضادة  الجديد تردد أناشيد [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] وتلعنها ,وتعزف ألحانها المجيدة  وتطعنها ,وتتمسح في ذيلها وتنفض عليها كانت الليلة العصيبة هي " ليلة التصحيح " الحقيقية ولكن ما حدث  في [[مايو]] [[1971]] كان وبحق انقلابا مضادا على [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] بكل المقاييس والمعاني .
ثم لم يكن هناك – بعد  انتهاء الليلة العصيبة – ضجة إعلامية ولا صخب مفتعل انتهت الليلة دون توزيع المكاسب والأنفال وانصرف كل إلى حال سبيله .ولم يؤرخ لها ولم  تصبح علامة  شهيرة يقف الجميع عندها أو حتى يذكرها كان يكتفي في ذلك الوقت باحتفال ذكرى الثورة الوحيدة الثورة الأم  التي صححت نفسها بنفسها وسارت بعد ذلك في طريقها لا تلوىعلى شئ ذلك لأن إعمالا كثيرة خالدة قامت بها الثورة تلك الليلة كانت أعمالا عظيمة وخطيرة تنتظر الرجال بعدها . ولا يمكن أن يتم العمل الناجح  والتطبيل الصاخب في وقت واحد. كانت الثورة الأم غنية بما حققت من انتصارات ولكنها وفي نفس الوقت تئن تحت وطأة ما حدث لها من هزيمة في نفس الوقت .
أما حركة [[مايو]] فقد صحبها طبل وزمر,واحتاروا في تسميتها سميت أول الأمر "حركة "!!! ثم بعد ذلك  وفي خجل واضح اطلق عليها  البعض  " ثورة "!!! ولكن ما لبثالجميع أن رفع برقع الحياء تنكرللثورة الأم ويريد أن يحقق انتصارا حتى ولو كان ذلك في معارك وهمية .
وبهذه المناسبة تحضرني قصة سمعتها وأنا سفير لبلادى في  العراق في أوائل ا الستينات .
كان عبد الكريم قاسم الذي انفرد بحكم العراق عقب ثورة  يوليو[[1958]] يكره [[عبد الناصر]] من أعماقه للدرجة  التي لم يكن يطيق معها ذكر اسمه  على لسانه , كان من ضمن ما يقض مضجعه من أعمال [[عبد الناصر]] تأميم قناة  السويس وكان لا يشفي غليل الرجل إلا أن يقوم بعمل عظيم ينافس به [[عبد الناصر]] ولكن العراق لم يكن به قناة  كقناة السويس . فماذا  يفعل قاسم ؟ لم يتردد  طويلا أمام  حل نزل عليه من السماء .وأمر بحفر قناة على المحيط الخارجي لبغداد أسماها " قناة الجيش " وكان يذهب كل يوم ليرى قناته التي حفرها .وكان  شعب العراق كله يتندر على الرئيس الحقود بقوله "إنه حفر القناة وسوف يعلن عن تأميمها في إحدى خطبه كما أمم [[عبد الناصر]] قناة السويس "...!!
ولكن لم ترك [[عبد الناصر]] الأمور لتصل إلى ما وصلت إليه ؟
وهو سؤال واجب وصعب. فلابد أنه فرض نفسه علينا جميعا ونحن نستعيد هذه الأحداث وأحب أن أبدأ أولا بنص ما قاله [[عبد الناصر]] أمام مجلس الأمة فينوفمبر 1968... قال" حصل أنه اكتشفت انحرافات في جهاز المخابرات وحينما اكتشفت ما سبتهاش .. اللي اشتركوا في هذه الانحرافات اعتقلوا وتعرضوا للتحقيق وقدموا للمحاكمة أمام محكمة  الثورة.فيه  ناس  بيلقوا لوم هذه الانحرافات على النظام  أنا بدى أقول أن الانحرافات بتحصل في كثير من  أجزاء العالم المهم إننا نلحق نفسنا ونبتر هذه الانحرافات . الانحرافات التي حصلت في هذا الجهاز تعرفوها  أو يمكن سمعتم عنها ... أكثرها انحرافات رخيصة ومش ده المجال الحقيقة أني أنا أتكلم فيه .حصلت في كثير من أجزاء العالم أمثلة مشابهة .برضه جات لى جوابات إزاى إنت ما كنتش تعرف وإزاى الريس ما كانش يعرف باللي جارى  وبهذه الانحرافات . أنا بأقول النهارده  فرصة أني أنا أرد على هذه التساؤلات ويمكن إنتم بينكم وبين بعض أنه تم هذه التساؤلات ... إذا كانت الانحرافات حصلت في المخابرات ...إذا كانت المخابرات هي على المفروض إنها تقول لى على الانحرافات اللي بتحصل في البلد.. ما كنشي ناقص إلا أني أنا أعمل مخابرات  على المخابرات وأعمل  مخابرات على رقابة جهاز المخابرات وهكذا ..ولا تنتهي  .يمكن أنا أقول اللي حصل  برضه  كان نتيجة الاتجاه  نحومراكز القوة  والاتجاه نحو  خلق مجموعة تستطيع أنها في المستقبل تحكم ونسيت نفسها فانحرفت وما وصلتش قبل ما توصل إلى هدفها اللي هو الحكم وجدت أ،ه سهل الانحراف فانرحفت .. أنا بأقول بصراحة أني أنا كنت أري بعض مظاهر الانحراف قبل 5 [[يونيو]] ولكن لم أكن أتصور مداه .. حاولت بكل ما أستطيع,نجحت أحيانا ولم أر الحقيقة كلها في أحيان أخرى ... وأنا فعلا كنت أشفق على البلد من  تكتلات القوى ومراكز القوى وكان  حديثي دائما أما انتخابات الرئاسة وبعد كدةوعندكم هنا مرة جيت قلت لكم ..هل نعمل حزب  أوحزبين أو لا  ؟ ووضعت لكم مجموعة من الأسئلة وكان حديثس عن الديمقراطية والمزيد من الديمقراطية الآن ده  كان السبيل الوحيد إن احنا نغطي على الانحرافات .هو أنا من تجربتي الماضية الناس بتخاف من إثارة أى شئ إما في مجلس الأمة أو في الصحف  ولكن بعد كده  مابيهمهاش إن الشخص منحرف والناس تتهامس مبيهمش طالما الموضوع لم ينشر .. لم يفتح في مجلس الأمة أوفي الجرايد خلاص . ولهذا أنا أيضا مرة أتكلمت معاكم هنا على أساس إن إحنا في حاجة إلى مجتمع مفتوح لكن طبعا بتوع المخابرات كانت وسائل الإخفاء كانت مباحة بالنسبة لدولة المخابرات اللي وجدت واللي انحرفت .أنا باعتبار إن هذه الدولة سقطت وإن هذا السقوط مسألة في منتهي الأهمية وأنا أعتبرها من أهم الجوانب السلبية اللي تخلصنا منها في سبيل تطهير الحياة العام في [[مصر]]."
وذكر أيضا في إحدى جلسات مباحثاته مع الملك حسين ملك الأردن وهو يعدد أسباب النكسة بعض الأسباب تقتطف منها ما يخص الإجابة على السؤال الذي طرحناه قال " القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية شعرت بثقة في نفسها وفي قدراتها بأكثر من الواقع وصلت أحيانا إلى حد التبجح  كما انها اعتمدت في اختياراتها للمراكز الرئيسية على عامل الولاء أكثر من الكفاءة والخبرة العسكرية فمثلا كان واضحا من معارك وممارسات عسكرية سابقة أن قائد الطيران ليس على مستوى الكفاءة المطلوبة لتلك القيادة ورغم ذلك تمسكت به"
تم ذكر في احدى جلسات مجلس الوزراء بعد النكسة مباشرة ردا على ما أثاره السيد حسين الشافعي من أن [[السياسة]] قبل النكسة اهتمت بموضوع "الأمن " أكثر من اللازم من أنه "لولا ذلك ما استمرت هذه  الثورة حتى الآن وسط الظروف الصعبة التي أحاطتها منذ قيامها وحتى الآن "
وهي مضمون هذه اللقطات يمكن أن نلخص الآتي كإجابة للسؤال الحساس على لسان الرئيس [[عبد الناصر]] إذ يرجع لأسباب إلى الآتي :
1- غيابالديمقراطية والدعوة إلى المجتمع المفتوح .
2- القيود على حرية الصحافة
3- الاختيار تبعا للولاء أكثر  من الكفاءة والخبرة العسكرية في تعيينات القوات المسلحة.
4- انحراف أهم جهاز منأجهزة الرقابة وهو الرقابة العامة .
5- الأمن .
كل هذه الأسباب يمكن أن تكون كلها أو بعضها سببا في وصول الأمورإلى ما وصلت  إليه ولكن بصراحة فإنها لا تجيب  إجابة شافية على الموضوع المثار وفي رأيي أن الوضع كله يمكن أن يتم  بحق في إطارالتوازن  بين  الأمن القومي والتأمين الذاتي وقد سبق أن تعرضت إلى هذا الموضوع الحساس في العديد من كتبيومقالاتي إذ أنه من أكثر المواضيع خطورة بالنسبة لأى من نظم الحكم في دول العالم الثالث .
ولابد أولا من تحديد المفاهيم حتى يكون  هناك وحدة فكرية ونحن نعالج هذا الموضوع ,فالأمن القومي هو الإجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ على كيانها ومصالحها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة المتغيرات الدولية وهذا التعريف يتضمن الآتي :-
1- تشمل الإجراءات كافة المجالات في الدولة فمسائل الاقتصاد والدبلوماسية والدفاع والأمن كل لا يتجزأ .
2- أن تكون هذه الإجراءات في طاقة الدولة إذ أن الآمال الطموحة التي تتجاوز الإمكانيات المتاحة تؤدى إلى التهلكة .
3- التخطيط  للحاضر والمستقبل القريب والبعيد
4- مراعاة المتغيرات الدولية التي  تحتاج إلى إعادة التقييم بين وقت وآخر ومطابقة الإجراءات مع المتغيرات الحاضرة والمنتظرة . أما التأمين فهو الإجراءات التي يتخذها أى نظام من الأنظمة لتركيز وضعه وتثبيته ضد أية محاولات داخلية أو خارجية.
ومن الطبيعي فإن أى نظام من أنظمة الحكم يهتم بالموضوعين :الأمن والتامين بالمفهوم الذي شرحناه .ولعل التأمين يكون ذا أسبقية خاصة فيبداية التغيير . إذ أن أى ثورة لابد وأن تمر بما  يسمي" بفترة الاختبار" أو" فترةعجم العود" سواء من أعدائها في  الداخل أو الخارج فالجهود تركز إما على إسقاطها لصالح الأنظمةالمضادة  أو على احتوائها بمحاولة تطويقها ووضع العراقيل في طريقها أو  ربما باختراقها حتى في حلقاتها الداخلية .ومن هنا كان اهتمام الثورة بالتأمين عند قيامها ولفترة  طويلة تالية.
ولعلنا جميعا نذكرالشهورالأولي بعد قيام الثورة. فالبريطانيون يحتلون قناة السويس  وعلى بعدلا يتعدى مائة كيلو متر  من العاصمة والولايات المتحدة تعمل جاهدة لإحتواء الثورة  قبل أن تتعمق جذورها  وتنطلق رياح التغيير الحقيقية مهددة الأنظمة المجاورة التي تسيطر عن طريقها على المنطقة وإسرائيل  لم يمض على قيامها سوى أربع سنوات ولكنها تتربص بالنظام الجديد الذي تعلم قطعا قرب تصادمها معه . وفي الداخل وقفت الأحزاب القديمة التي أسقطتها الثورة  في صف واحد مع الرجعية وراس المال المستغل والاقطاع تتحرش بالثورة وتتحداها .والطليعة الثورية  نفسها خرجت من بين صفوف الجيش  لتلتحم من أول دقيقة مع القاعدة الشعبية لتقوض النظام القائم هذه الطليعة التي تتكاثر عليها القوى الضاغطة من أكثرمن اتجاه لا يمكنها أن تقدم شيئا من المكاسب للجماهير التي طال انتظارها  فالإمكانيات محدودة والرؤية غير واضحة وتنفيذ الإصلاحات
يستغرق وقتا ربما يطول للإفتقار  إلى الخبرة .. فمن يدرى  - مع كل هذه العوامل  المتضافرة – أن ضربة ستوجه في الظلام لتقضي على الثورة وهي ما زالت وليدة تتعثر في سيرها؟ ومن يدرى أن وسيلة هؤلاء المتربصين سوف تكون من الجيش الذي خرجت منه الطلائع الثورية صباح يوم 23 يوليو 1952 ؟ ويزداد الأمر خطورة أمام السلطة القائمة لأنها تعرف أكثر من غيرها وربما لأنها هي المستهدفة وربما لأن الأطراف المضادة تضغط على أعصابها  بأخبار ملونة حتى تتعثر الجهود وتتشتت .
وسط هذه الظروف لمتكن الثورة مخطئة حين نظرت إلى تأمين نفسها ولم يكن لها من سند إلا الجيش والتأييد الشعبي . ولكن بينما كان الجيش منظما فإن الجماهير تحتاج إلى تنظيم ولذلك فإنها وضعت عبد الحكيم  عامر على رأس الجيش بقصد تأمينه بهدفين :ضمان تأييد الجيش  للثورة ومنه اختراقه  بواسطة العناصر المضادة ثم تحت ضغط الظروف غير المنظورة يمكن استخدام التصدي لأى خطر داخلي أو خارجي يهدد بقاء الثورة  أو استمرارها .
ولكن لماذا [[عبد الحكيم عامر]]بالذات ؟ كان"عامر"من ضباط الجيش المعروفينتتلمذ عليه كثيرون من الضباط خصوصا هؤلاء الذين يحاولونالالتحاق بكلية أركان الحرب عن طريق إجتياز اختبارات صعبة تحتاج إلى مساعدة .وكان"عامر "على  اتصال بالكثيرين الذين كانوا يلجأون إليه لتحقيق ذلك. ثم كان الرجل ولا شك خدوما له علاقاته الإنسانية , متواضعا ,محبوبا  ليس فيه تزمت الضباط من ذوى الرتب الرفيعة.ثم كان " عامر " عضوا في مجلس الثورة . ثم – وهذا هو الأهم – كان الرجل صديقا ل[[عبد الناصر]] وقريبا إلى قلبه وموضع ثقته ثم كان في نفس الوقت على علاقة بالرئيس [[محمد نجيب]] الذي تصدر الثورة  وقت قيامها ولحين حدوث الانشقاق في صفوفها في حركة مارس [[1954]] . كانت فيه كل المزايا التي  ترشحه للقيام  بالواجب المنوط به لتأمين الثورة.
ومما يذكر عن اهتمام [[عبد الناصر]] بالتأمين في ذلك الوقت أنه كان يتولي رئاسة أركان الحرب أحد الضباط وهو الفريق محمد إبراهيم. وكان الرجل سريع الغضب , كثير الانفعال,ينفر منه الضباط  الصغار بتهجماته التي لا تنقطع  وقد أزعجت كراهية الضباط لرئيس أركان الحرب أحد  الضباط القريبيين من [[عبد الناصر]] فذهب إليه منزعجا  وأخبر [[عبد الناصر]] بما  يقلقه .ولدهشة الزميل نظر إليه [[عبد الناصر]] وهو يبتسم ابتسامته الواثقة وقال  له في اختصار " طيب وإحنا عاوزينهم يحبوه ليه ؟" والمعني واضح  تماما لما ذهب  إليه [[عبد الناصر]] .


ومما زاد من أهمية التأمين أن بعض التيارات المعاكسة كانت تظهر بين الوقت والآخر في صفوف الضباط وبالرغم من أن هذه التيارات طبيعية لابد من حدوثها في فترات الانتقال إلا أنها كانت تترك آثارها العميقة من الشك والقلق مما كان ينعكس بدوره على زيادة الاهتمام بالتأمين....
'''سياسة [[مصر]] البحر أحمرية بعد الفترة الناصرية '''


ثمزاد من هذه المشاعر القلقة ما تعرضت له  الثورة من ضغوط خارجية وصلت إلى قمتها بالعدوان المسلح فاشتبكت الثورة في معارك التحرير في القناة قبل تحقيق اتفاقية الجلاء ثم لم يمر عامان إلا وكانت جيوش ثلاث دول تهاجمها فيما سمي بالعدوان  الثلاثي وكان القصد إسقاط النظام  الذي أصبح بسبب المتاعب السياسية الاستعمارية  في المنطقة ويثير الخوف في إسرائيل . كانت كلاب الصيد تلاحق الثورة وتطلب رأسها.
'''في ظل هذا التوازن المعقول ارتكبت [[السياسة]] المصرية بعد وفاة [[عبد الناصر]] خطأين استراتيجيين فادحين أخلا بالتوازن كله حتى قبل أن تبدأ المعركة إذا استبعدت ورقتا ضغط هامتين من مسرح الأحداث كان الخط أن الكبيران هما:'''
بعد العدوان الثلاثي كان لابد من وقفة .إذكانت خمسة أعوام كاملةقد مرت على قيام الثورةفهي فترة كافية لتحديد المفاهيم  وهذا درس هام إذ أن الاستمرار على نفس الأسلوب دون تغييرلابد وأن يسبب التآكل والانحدار .لأن الظروف تغيرت ف[[مصر]] كانت قد حصلت على استقلالها ,وتحررت إرادتها وعادت إليها قناتها.الثورة بدورها ف[[مصر]] كانت قد حصلت على استقلالها ,وتحررت إرادتها,وعادت إليها قناتها ,والثورة بدورها عرفت طريقها وازدادت خبرتها ,والتفت جماهير الشعب حولها عن قناعة .ثم إذا كانت الأحوال  قد وصلت إلى ما وصلت إليه من  تغيير فإن المخاطر الخارجية لابد وأن تتزايد وتتعاظم كل هذه المتغيرات كانت تحتاج إلى وقفة عاقلة كما سبق القول ... وأهم ما يمكن التفكير فيه  في تلك الوقفة هو بناء الجيش على أسس سليمة وتحديد موقع الجيش من الثورة ..أى تحديد مركز القيادة العسكرية وعلاقتها بالقيادة السياسية حتى لا تستفحل الأمور وتتعقد وتصبح عسيرة الحل.
1- فكان لابدمنتحديدمفهوم التأمين على أسس متغيرة تماما عما عليه المفهوم من قبل فالتأمين لا يتم عن طريق التساهل في تطبيق المفاهيم المتعارف عليها. فليس معنى التأمين التمادى في تلبية احتياجات الأفراد ومتطلباتهم وليس هو  كسب الحب والولاء على حساب الضبط والربط وليس هو  تعيين الأفراد مع التغاضي عن خبرتهم وكفاءتهم أبدا ليس هذا هو المفهوم الحقيقي للتأمين ,وأعود فأكرر أنه إن كانت الأمور قد اقتضت في الأيام الأولي  للثورة تفسير التأمين بهذه التفسيرات الخاطئة المدمرة فإن استمرار ذلك إلى ما بعد العدوان الثلاثي كان إجراء بعيدا عن الحكمة ..|
مفهوم التأمين كما حاولت أن أطبقه وأنا وزير الحربية  بعد  النكسة كان يحمل اتجاهات أخرى مغايرة..وضع الرجل المناسب في المكان المناسب إبعاد الجيش عن التيارات السياسية المتناقضة, التفرغ للتدريب ورفع مستوى كفاءة الوحدات ,التسليح الجيد , تفرغ  الأفراد تفرغا كاملا لواجباتهم الأساسية تلبية مطالب الجيش واحتياجات الأفراد التربية المعنوية,تفهم الظروف السياسية الداخلية  والخارجية  بعمق كامل ووعي عميق حتى يؤمن الأفراد بقضية يدافعون عنها .
2- ثم كان لابد أن تنقل الثورة إلى مرحلة "الأمن القومي " بعد تطوير مفاهيم " التأمين الذاتي " ومجرد الانتقال إلى بناء عناصر الأمن القوميفيه بالتالي تحقيق للتأمين الذاتي وليس  الأمن القومي مرتبطا فقط بتوفير المعدات والأسلحة الجيدة ولكنه – وكما سبق أن شرحنا – أوسع وأشمل من ذلك بكثير. فعلاوة على الاهتمام بنواحي الأمن المتعددة فإن الاهتمام بالرجال الذين يمسكون السلاح والذين يقفون خلف المعدات هو الشئ الحيوى الهام . فالنكسة لم تحدث أبدا  كما يقال نتيجة لقلة العتاد والأسلحة , أولعدم وفرة القوات أو لتخفيض الميزانية ,أو لخطئ ارتكبته القيادة السياسية.إنسبب النكسة الرئيسي كان فيعدم صلاحية وأهلية القيادات الموجودة بأفرادها الذين كانوا قد تخلفوا عن التطورات التي تحدث من حولهم والذين  تركزت اهتماماتهم فيالنواحي الشخصية وإن كان ذلك علي حساب واجبهم الأساسي إن مجرد التحديد  الواضح لمفهوم الأمن  القومي كان سيحدد المفاهيم الأخري للجزئيات تحديدا سليما واضحا . إذ  أن  تحديد مفاهيم الأساسيات هو الأصل في تحديد الفرعيات .
3- كان لابد  من تغيير القيادات التي استمرت  فترة معقولة  في أماكنها فكان هذا التغيير يعني أيضا  تغيير المفاهيم السائدة والتي استمرت كما هي رغما عن المتغيرات الكثيرة والخطيرة التي كانت تحدث  وإن كان التغيير شيئا  أساسيا ومطلوبا باستمرار فإنه أكثر أهمية في  القوات المسلحة خاصة في القيادات العليا .فإسرائيل مثلا تحتم  تغيير قياداتها كل ثلاث سنوات يمكن أن تمتد  إلى أربع . لأن هذا التغيير يجعل الدماء الجديدة تتدفق في قنوات القوات المسلحة .أما أن يمكث [[عبد الحكيم عامر]]15 عاما في مكانه ومعه ضباطه الكبار من قادة الأسلحة فأمر لا تعرفه المؤسسات العسكرية .إن هذا يغرس فينفس القائد العسكرى الشعور بأن قيادته  أصبحت وقفا عليه ثم تتضخم الأمور أما نظره لكي يصبح مجرد التفكير في التغيير معناه عدوان على شخصه ومساس بحقوقه والأخطر من ذلك فإن هذا الشعور ينتقل  بالتالي إلى أفراد قيادته وتصبح القيادة تعيش في ظل هذا التفكير الخاطئ اهتمامها بالبقاء أكثر من اهتمامها بالعطاء .. إن هذه الرغبة في البقاء في حد ذاتها تخل الموازين عند الاختيار .فتخبوموازين الكفاءة والصلاحية أمام اعتبارات الولاء .ومن عادة الكفاءة أن  تتوارى أمام الجهالة لأن الغث من الشئ  هو الذي يطفو دائما  على السطح وكما يقال فإنه " لا يبقي على المداود إلا شر البقر"
إن تحديد مدة التغيير وفتراته يجعل القائد يهتم أولا وآخرا بعمل شئ  جديد يكون بمثابة  بصمات يتركها لمن يخلفوه وهذا في حد  ذاته يجعله أكثر اهتماما باختيار القادرين على الإبداع من ذوي الكفاءة والخبرة فالمدة محدودة بزمن  معين ,والواجب واضح لابد من تنفيذه وإلا فسيف التغيير موجود جاهز للبتر ,والمنافسة قائمة  بين  قيادات صالحة دؤوبة كل يريد أن  يتميز على غيره ولا يرضي التخلف في السباق الدائر.
4- ثم كان لابد من تحديد العلاقة الواضحة  بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية وبين القائد السياسي والقائد العسكرى حتى لا يطوف خاطر "الازدواجية "  في بعض النفوس .وأقصد بذلك"ازدواجية " الرئاسة" ونحن نعرف أن المركب تغرق لو تولي قيادتها ربانان. هنا ربان واحد للسفينة وكل من يخرج عن طاعته فهو خارج عن الشرعية وهذا أمر خطير لا يجوز السماح به كما كان من الواجب أن تخضع تلك  القيادة العسكرية إلى الرقابة والمساءلة بتحديد العلاقة بين الوزير والقائد  العام  وبين هؤلاء  وبين الاطار العامل لدولة فالكل أفراد في الفرقة الموسيقية وهناك" مايسترو " واحد ينظم الإيقاع حتى تكون هناك  أنغام متناسقة وقد سبق لنا تحديد العلاقة بين القيادتين ولا داعي للتكرار .
5- وكان لابد  من إيقاف عملية استنزاف القيادات الصالحة خارج  القوات المسلحة وأحب هنا أن  أقرر حقيقة واقعة أن تطعيم القطاع المدني بتلك القيادات كان في أغلب الأحيان تدعيم للقطاع المدني ورفع مستواه في مواقع كثيرة حساسة وهو أمر  معمول به في كافة دول العالم. ولكن أن يتم ذلك لدواعي التأمين أو أن  يتم ذلك على حساب القدرة القتالية للقوات المسلحة فهذا أمر خطير .وكم من قيادات مرموقة وكفاءات نادرة تركت مواقعها في القوات المسلحة بينما كانت الآمال معلقة عليها والأنظار متجهة لها ....وللتاريخ فإن هؤلاء أدوا خدمات جليلة في مواقعهم الجديدة ما كان يمكن لغيرهم أن يؤديها بعكس ما قيل ويقال.
لوأن هذا تم في عام [[1956]] لكانت الأمور غير الأمور .وهناك سؤال ملح :هل كان من الممكن أن يتم ذلك في سهولة ويسر ؟ والإجابة – دون تردد- بالإيجاب فكان النقاء الثورى ما زال موجودا ,والطاعة ما زالت مقدسة ,والتطلعات كامنة , الحدود معروفة , الخروج على الشرعية مستحيل ,والعلاقات الشخصية سائدة وباقية , ويبقي السؤال قائما : إذا كان كل ذلك متوفرا فلم تحدث الوقفة ؟ ولم لم يحدث التغيير ؟ولم لم يحدث التحديد ؟
أعود فأكرر أن السبب كان يرجع إلى تغليب عامل " التأمين الذاتي" على عامل "الأمن القومي" ثم إلى المفهوم الخاطئ  للتأمين .
وإن كانت الوقفة لم تحدث بعد عام[[1956]] وإن كان هناك تبريرات في صالح ذلك فإن هذه التبريرات لا تستقيم أبدا بعد حدوث الانفصال بين إقليمي الجمهورية العربية المتحدة فقد ظهر للجميع عجز المشير عامر عن مواجهة أحداث الانفصال وظهر للجميع أيضا أن تصرفات  عامر ورجاله في ممارسة شئون الوحدة هيأت المناخ الصالح  للقوي الرجعية والاستعمارية أن تحقق الانفصال وتقضي على أعز أحلام  الأمة العربية والتي  تجسدت في وحدة الإقليمين .
وكلنا نذكر أن[[عبد الناصر]] أراد التغيير في ذلك الوقت وبعد عشر سنوات كاملة من بداية الثورة كان التغيير طفيفا وذلك بإعطاء مجلس الرئاسة حق التصديق على التعيينات في المناصب الكبرى في القوات المسلحة ولكن المشير رفض الرئيس تراجع أمام الرفض .


وكان سبب ذلك تغليب "التأمين الذاتي" على عامل " الأمن القومي"
:#الخطأ الأول ضرب '''"الناصرية"''' بطريقة غامضة في أول الأمر ثم بطريقة مكشوفة مركزة بعد  ذلك كوسيلة لإرضاء '''"جبهة الثورة الإقليمية"''' ولإبعاد صفة '''"الثورة"''' عن النظام لمصري أى كان الهدف طمأنة '''"الثورة الإقليمية ومن وراءها "''' على حساب '''" الثورة الإقليمية"''' وقد يكون هذا جائزا في مجال [[السياسة]] والصراع ولكن ما هو المقابل لهذه الخطيئة الكبرى ؟ لا شئ .بل حدث العكس إذ خضعت الإدارة المصرية بعد هذه الخطوة وبعد أن غيرت ثوبها إلى ابتزاز سياسي تم خطوة في أول الأمر ثم بعد ذلك تحول الابتزاز إلى تغيير كامل للأهداف والنوايا.
  أذكر في تلك الفترة أن المشير حينما اختفي في مرسي مطروح بعيدا عن الأنظار بدأت تجمعات خطيرة في القوات المسلحة تتكتل لمواجهة إحتمال إقدام الرئيس على تغيير المشير وحضر عندى في منزلي أحد الزملاء الأعزاء  من كبار رجال القوات المسلحة وطلب منى بحق الزمالة أن أحدد موقفي إلى جانب المشير كباقي زملائه حتى لا يقدم الرئيس على تغييره وكنت في ذلك الوقت نائبا لرئيس المخابراتالعامة. إلا أن نصحته  بأن هذا الاستقطاب ضار بالصالح القومي وخارج عن الشرعية وأن من في  مقدوره رأب الصدع فليفعل ومن في غير مقدوره أن يفعل ذلك فعليه ألا يزيد من اشتعال الموقف .وقد أطاعني الرجل وطلب مني أن يبقي ذلك سرا بيننا وقد حدث رغما من حساسية الموقع الذي كنت أشغله في ذلك الوقت .
:#والخطأ الثاني كان طرد الخبراء الروس وبعد أن تم الطرد أخذ النظام في المطاردة وإعلان الحرب على الاتحاد السوفيتي بعد أن كان النظام قد أعلن عن مبادرة يتم بمقتضاها الانسحاب المحدود عام [[1971]] . ويزيد من جسامة هذا الخطأ أن الطرد تم بدون مقابل ثم تبعت عملية الطرد عملية المطاردة .
وقد أخذ [[عبد الحكيم عامر]] من هذه الأزمة درسا لم ينسه . فلقد أقدم صديقه على الحد من سلطات أصبحت حقا له بحكم التقادم وبالرغم من أن الرئيس تراجع بناء على حساباته الخاصة إلا أنه من يضمن عدم تكرار ذلك في المستقبل ؟ ومن هنا تحول " التأمين الذاتي للثورة" إلى " التأمين الذاتي  لشخصه " وأصبحت القوات المسلحة منطقة ممنوعة بالنسبة ل[[عبد الناصر]] وحدث في القوات المسلحة ما حدث حتى وقعت النكسة.
 
في الفترة من [[1962]] حتى [[1967]] لم يكن [[عبد الناصر]] بقادر على التغيير حتى لو أراد فقد" شرد الحصان الجامح " ولم يكن أحد بقادر على كبح جماحه ... حتى بعد أن هزم هزيمة ما حقه ,  وحتى بعد أن دمر جيشه ودمر البلاد علاوة على ذلك ظل في موقعه يريد البقاء بل أقدم على خطوة أخطر وذلك بالتفكير في إزاحة القيادة الشرعية لو عصت أوامره أو وقفت أمام أطماعه.
ومن المعروف أن [[السياسة]] الأمريكية تقوم على ثلاثية معروفة: المحافظة على بقاء إسرائيل كقوة إقليمية عظمي في المنطقة ألا يتم أى حل عن طريق أى نظام ثوري ألا يسمح بتغلب السلاح السوفيتي على السلاح الأمريكي .
فكانت الليلة العصيبة التي لولاها ما تمكنت قوة في البلاد من زحزحة [[عبد الحكيم عامر]] ورجاله وصلاح نصر وجهازه من مواقعهم الخطيرة التي ظلوا يحتلونها أكثر من عشرة أعوام كاملة وظنوا أنها أصبحت وقفا عليهم لا خدمة للوطن ولكن خدمة لأغراضهم الذاتية وأطماعهم الخاصة .
 
  ويبقي سؤال أخير . هل حاول [[عبد الناصر]] تلافي السلبيات السابقة بعد الليلة العصيبة ؟ وهل كان راغبا في التغيير ؟ وهذا سؤال آخر حساس سوف نجازف بالرد عليه .
وإذا كانت هذه هي سياسة الولايات المتحدة الأمريكية فإن التفريط في المبدأين الأخيرين من الثلاثية الموضوعية فيه تعزيز للمبدأ الأول وهو زيادة قوة إسرائيل.وقد أخطأت [[السياسة]] المصرية في ذلك دون ثمن لدرجة أن هنرى كسينجر لم يصدق وكالات الأنباء حينما نقلت خبر طرد الخبراء السوفيت ولما تأكد من ذلك قال '''" لو أن السادات طلب  مني أى شئ في مقابل هذا الإجراء ما ترددت في تلبيبته"'''.
لا شك أن [[عبد الناصر]] بعد الليلة العصيبة أصبح قادرا وبلا حدود على إحداث التغييرات المرموقة وأصبح ولأول مرة قادرا على ممارسة اختصاصاته كقائد  أعلى للقوات المسلحة اسما وفعلا  وفتحت الطرق أمامه للتغييرات الكبيرة لتحديد العلاقة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية وكانت الأمور أمامه  واضحة تمام الوضوح إذ حينما  أخبرني بتعيني وزيرا للحربية سألته سؤالا مباشرا عن الغرض الذي يحدده من تعيين وزير للحربية بغض النظر عن الشخص الذي يشغل المنصب الخطير .... وكانت إجابته واضحة أسعدتني إذ قال بالنص " أريد إدخال القوات المسلحة في الإطار العام للدولة بعد أن كانت بروزا ناتئا فيها " وكان هذا طريقا سليما.ومنذ اللحظة الأولي لعملي بالوزارة وضعت هذا الغرض السليم أمام ناظرى ورأيت من الحكمة تأجيل تحديد الاختصاصات في القيادةالعليا فترة من الزمن حتىتتضح الأمورعند الممارسة الفعلية وحينما حل الوقت لتحديد كل شئ تردد [[عبد الناصر]] في تحديد الاختصاصات لفترةطويلة  من الزمن وكانت حساباته قد بدأت بخصوص " التأمين " خاصة بعد القضاء على المؤامرة التي كان يقودها المشير .
 
حتى وهو يكلفني بمنصب رئاسة الوزراة في أواخر شهر [[سبتمبر]] سألته عما إذا كان الوقت قد حان لتحديد الاختصاصات في القيادة العليا للقوات المسلحة إلا أنه أجل البتفي ذلك لحين عودتي  من زيارة موسكو التي سافرت إليها لحضور احتفالات [[أكتوبر]] هناكوللتفاوض من أجل اتفاقيات التسليح ثم – وعلى حد قوله –
وبذلك اختلت التوازنات كلها في الداخل وعلى الصعيد العربي ثم الصعيد العالمي ووسط ذلك قامت الحرب ولكن كيف يكون القتال في ظل عدم التوازن هذا؟ إلى أى مدى تصل قواتنا داخل [[سيناء]]؟ كيف تمزج المعركة بالدبلوماسية أى كيف يمكن مزج لهجة القتال مع لهجة الكلام؟ أسئلة لم تكن كما ظهر بعد الحرب قد وجدت لها جوابا في ذهن [[السياسة]] المصرية وهي  تدير '''"الحرب المحدودة "''' التي بدأتها في6 [[أكتوبر]] [[1973]] رغما عن خطورة هذا الغموض ونتائجه .
ليعرفني رجال المكتب السياسي هناك.وحينما رجعتمن رحلتي وجدتأنالأمر يدعوإلى كتابة رغما عن خطورة الأوضاع وحساسيتها وحينئذ امتنعت عن ممارسة عملي كوزير للحربية ولم أدخل الوزارة بعد ذلك – أى من أول نوفمبر [[1967]] على ما أذكر – وحتى تركي المنصب لأتفرغ لرئاستي لجهاز المخابرات في24 /1/ 1968.
 
أقدم [[عبد الناصر]] في أول الأمر وبحماس ولكنهتردد بعد ذلك .
إذ في '''"الصراعات الإقليمية"''' يمكن لأية دولة أن تبدأ الحرب في الوقت الذي تحدده وفي المكان الذي تختاره وبالصورة التي تحددها ولكن بعد إطلاق الطلقة الأولي تفقد الدولة لعوامل متعددة قدرتها على إيقاف الحرب والقتال في الوقت المرغوب ولا بالأوضاع التي تحددها ولا بالصورة التي تريدها وليس في نيتنا على الإطلاق أن ندخل في تفاصيل هذه الحرب فكل ما نريده هو توضيح نتائجها على [[السياسة]] المصرية البحر أحمرية .
  وبالرغم من محاولات كثيرة كريمة من الرئيس فيالعودة عن قراري إلا أنني تمسكت بموقفي فكفي مالا قيناه من غموض العلاقات بين الأجهزة في السابق ولم أرغب في المشاركة بما لا أعتقد في صوابه .
 
  وبالرغم من كل ذلك فالرئيس لم يرسلني وراء الشمس ولم يؤذني بل استمع  إلى رأيي وكل ما خسرته كان منصبا وكان غيره في الانتظار . ياليت القيادة العسكرية فعلت ذلك في مواقف مشابهة قبل النكسة ,وياليت أعضاءها كانوا قادرين على المناقشة والحوارقبل صدور القرار ...!! أقول ياليت لأن الإنسان ليس في إمكانه الآن إلا أن يتمني .
فما هي نتيجة هذه الحرب على [[السياسة]] المصرية البحر أحمرية ؟لقد حققت هذه الحرب عملا إيجابيا هو '''"ترك"''' إسرائيل ل[[سيناء]] وهو عمل إيجابي رغما عن الإرادة المصرية المنقوصة على هذا الجزء الغالي من الوطن ورغما عن تواجد القوات متعددة الأجناس التي تقترب بتواجدها هذا وبمحطات الإنذار القابعة في جبل أو خشيب من القاعدة الأجنبية ورغما عن القيود الموضوعة على تواجد قواتنا هناك . أقول رغما عن كل هذه القيود الثقيلة فإن مجرد ترك قوات إسرائيل ل[[سيناء]] هو عمل إيجابي .
وإزاء هذا الإصرار من جانبي بدأ الرئيس يبحث عن بديل فعرض على السيد زكريا محيي الدين أن يخلفني في منصب وزير الحربية إلا أنه رفض وقد أخبرني  بذلك الرئيس نفسه.ولما سألت السيد زكريا عن السبب الذي من أجله رفض المنصب ذكر ضاحكا " أنا سألت الرئيس ماذا تريد منى في هذه الوزارة ؟ أمين موجود فلماذا  تولي المنصب  ولماذا يريد تركه الآن ؟ّ" وأصر الرجل على اعتذاره.ولم يكن أمام الرئيس إلا الأخذ بمشورتي بالجمع بين منصبي القائد العام ووزير الحربية على أن يتولاهما قائد واحد  ولو بصفة مؤقتة حتى لا تظل المناصب الحساسةشاغرة في الموقف الخطير الذي تمر به البلاد..
 
ثمكان الرئيس يرغب في التغيير حتى أوائل عام [[1970]] حينما استدعي السيد حافظ إسماعيل من باريس حيث كان يعمل سفيرا لنا هناك ليخلفني في رئاسة المخابرات .ولقد دهشت حقيقة حينما كلفني الرئيس بالاستمرار في الإشراف على جهاز المخابرات العامة حتى في وجود الرئاسة الجديدة إلا أنني اعتذرت فرئيس الجهاز لابد وأنيتبع الجمهورية مباشرة دون مزيد من الحلقات . إلا أن الرئيس استمرفي تحويل كل موضوعات المخابرات لى حتى وفاته بل في هذا اليوم – أى يوم وفاة الرئيس بل في ساعة الوفاة – كنت في اجتماع مع الشيخ سعد الصباح وزير الداخلية في ذلك الوقت والمسئول  عن أعمال المخابرات في الكويت في منزله بالزمالك ومعنا السفير حمد الرجيب سفير الكويت ب[[القاهرة]] في ذلك الوقت .
ولكن إلى جانب هذه الإيجابية اختل التوازن في [[السياسة]] المصرية كلها فمن ناحية [[السياسة]] العربية وجدت [[مصر]] نفسها تقف وحدها أمام إجماع عربي عدا عمان و[[الصومال[[ و]]السودان]] وسقطت زعامة [[مصر]] في العالم العربي ونقلت الجامعة العربية إلى [[تونس]] وقفلت السفارات العربية أبوابها في [[القاهرة]] وفتحت السفارة الإسرائيلية مبناها.
وقد علمت بعد ذلك أن السيد حافظ إسماعيل كان قد استدعي ليتولي منصب رئيس أركان حرب الجيش حينما يقترب موعد عبور القناة لتحرير الأرض وكان عليه أن يمضي فترة انتقالية في [[القاهرة]] في لتولي منصب  وزارة الحربية وقيادةالجيش وقد يكون حافظ أصدق مني في روايته .
 
وكما نرى فإن الرئيس لم يستغل التغيير الذي حدث بعد الليلة العصيبة استغلالا كاملا وتردد كثيرا في الأقدام على خطوات جذرية في هذا الاتجاه . كان المطلوب ضمان بقاء القوات المسلحة ضمن اطار الدولة وشرعيتها وكان المطلوب أيضا حسم العلاقة بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية  وقد تحقق ذلك بوجود شخص [[عبد الناصر]] كضامن وحيد يضمن عدم تطور العلاقة إلى وضعها الشاذ الذي تسبب في النكسة.
أما عن سياستنا البحر أحمرية فقد أصيبت بنكسة حقيقية فقد قطعت الدول البحر أحمرية عموما علاقاتها مع [[القاهرة]] فيما عدا [[الصومال]] و[[السودان]] ومن ناحية الذراع اليسرى لخطة [[عبد الناصر]] أو ذراع ما تزيني الطويلة نجد أنها قطعت وبترت إذ أنها أصبحت لا تمر بالحبشة التي أثارها وعود [[السادات]] لإسرائيل بمدها بمياه النيل رغما عن مخالفة ذلك لاتفاقية مياه النيل الموقعة من الدول المعنية؛
إن السؤال يبقي حتى كتابة هذه السطور :ما هو الفاصل بين الجانب السياسي والجانب العسكرى في قمة العسكرية ؟ ثم من يراقب هذا الجهاز الحساس في ظل توحيد المسئولية السياسية والعسكرية فييد واحدة ؟ ويزداد الأمر خطورة في غياب جهات قادرة على أن تبحث وتنقب عما يحدث داخل هذه المؤسسة المعقدة الخطيرة ويزداد الأمر خطورة أيضا في انعدام رغبة هذه المؤسسة في عرض موضوعاتها للمناقشة وإصرارها على التستر وراء حجاب كثيف في الغموض والسرية في حين أن موضوعات الدفاع في الدول المتحضرة معروضة للنقاش والجدل .
 
وأخيرا..!!
ولم تعد تصل هذه الذراع إلى [[ليبيا]] الصديقة والشقيقة في الساحل الشمالي لإفريقيا أو الساحل الجنوبي للبحر المتوسط أما عن الذراع اليمني لخطة ناصر فقد بترت نهائيا فبالرغم من أن [[اليمن]] الجنوبي شاركت معنا في قفل باب المندب في أثناء حرب [[أكتوبر]] [[1973]] وبالرغم من وقوف  دول الخليج إلى جوارنا في  الحرب وكذلك العراق إلا أنها جميعا قطعت علاقاتها معنا أما عن نهاية هذه الذراع فإنها أصبحت عاجزة عن الوصول إلى الاتحاد السوفيتي الذي عادته [[السياسة]] المصرية دون سبب .
كانت الليلة العصيبة من أخطر الليالي التي مرت بها [[ثورة 23 يوليو 1952|ثورة يوليو]] المجيدة ..الغالبية العظمي لا تذكرها ولا تعرف عنها شيئا لأن البعض تجاهلها والبعض الآخر تعرض لها بمعلومات ناقصة مبتورة بني عليها فرضيات كثيرة واستنتاجات أكثر  تركت على الساحة تساؤلات أكثر مما تركت  من إجابات.
 
  ولقد التزمت  الصدق والصراحة في معالجة الموضوع من البداية حتى النهاية . أما عن الصدق فهو عادة ملازمة لا يمكنني التحرر منها حتى ولو تعلق ما أقوله بشخصي أما عن الصراحة فكان مبعثها عدة عوامل :
وبعد أن وجدت [[مصر]] نفسها مجمدة في الجامعة العربية وفي مؤتمرات دول عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي وفي منظمة الوحدة الأفريقية تباعدت عن سياسة عدم الانحياز كطريق يمكن أن يخفف من عزلتها .
1- خطورة العلاقة بين القيادتين السياسية والعسكرية وتأثير عدم وضوحهما على الأمن القومي للبلاد.
 
2- تقديرنا الشديد ل[[عبد الناصر]] لا يمنعنا من ذكر سلبيات وقع فيها لأن مبادئ [[عبد الناصر]] تدعو دائما إلى النقد والنقد الذاتي .
فنجدها وقد رحبت وبحماس أنتكون شريكا في توافق الاستراتيجيات مع الولايات المتحدة الأمريكية وبذلك أصبحت من الناحية الإستراتيجية في حلف واحد مع إسرائيل ثم اتبعت ذلك بوضع قواعدها الجوية في خدمة القوات الأمريكية وهي تقوم بعمليتها الفاشلة لفك الأسري الأمريكان في طهران ثم وجدت القوات المسلحة  المصرية نفسها وهي تقوم بتدريبات مشتركة مع القوات الأمريكية الأمر الذي لم يحدث من قبل حتى مع إحدى القوات العربية .
3- أن الرجل كان يحاول دائما في ظل ظروف صعبة ضاغطة أن يصحح ويغير ولكن ربما كانت حساباته التي  أجراها وقت الأزمة تختلف كثيرا عن الحسابات التي يجريها بعد انتهائها.
 
ولكن الخطر الحقيقي على حياد البحر الأحمر وقع حينما وافقت [[مصر]] على إعطاء الولايات المتحدة تسهيلات في ميناء رأس بناس في البحر الأحمر وأخذت القوات الأمريكية تقيم المنشئات والمباني لعملي قاعدة حقيقية خصص لها الكونجرس الأمريكي الاعتمادات اللازمة .
 
وأصبح البحر الأحمر بعد ذلك مفتوحا للصراعات الدولية فاتخذت الولايات المتحدة قواعد لها في جزيرتي '''" سنتيان" و" دهلك"''' اللتين تقعان على بعد 6 أميال بحرية من باب المندب بعد أن استأجرتها من أثيوبيا لمدة 25 عاما تعزيزا لقواعدها في '''" ديجو جارسيا " و" مالا ديف " و" موريشيوس"'''
 
وفي نفس الوقت يقف الاتحاد  السوفيتي في عدن بناء على '''"التسهيلات"''' التي أعطيت له هناك ليعزز من تسهيلات أعطيت له في '''" الأوجادين "''' الذي يتنازعه كل من الصومال والحبشة علاوة على تواجده في مواني أنجولا وموزمبيق. كما يتردد أن إسرائيل موجودة هي الأخرى في جزيرتي '''" حنش الكبرى " و" حنش الصغرى "'''
 
هذه النتائج المقلقة تشير إلى أن [[مصر]] في تلك الحقبة وحتى تولي الرئيس محمد حسني مبارك الحكم كان ينقصها '''"المخطط الكبير"''' فكانت تقرر فجأة أن تصل إلى '''" القمر "''' ولكنها لا تفكر أبدأ كيف تعود مرة أخرى إلى الأرض . فحينما اتخذ قرار الذهاب إلى القدس كان ذلك صعودا إلى القمر ولكن أن يظل الإنسان في القمر  أمرا مستحيلا ولابد من عودته مرة ثانية إلى الأرض وإلا تعرض للفناء . فكيف العودة إلى الواقع ؟ إلى الأرض ؟ هذا هو السؤال الذي لم تعرف  [[السياسة]] المصرية له جوابا وهي  تتحرك  على مسرح الأحداث
 
فنجد أنه بعد أن قام الرئيس السادات بإلقاء خطابه في الكنيست ظن أن إسرائيل ستلبي له كل طلباته إلا أن بيجن قال له '''" سيادة الرئيس. نحن الآن وصلنا إلى القمر وعلينا أن نهبط إلى الأرض حيث نعيش "''' وكان مناحم فولفو فتتش بيجن يقصد '''" دعنا من الحركات المسرحية وعد بنا إلى الواقع الذي لا نتعامل مع سواه "'''.
 
ثم كانت [[السياسة]] المصرية حريصة على استبدال مكاسب ضخمة يحصل عليها الطرف الآخر في مقابل مكاسب أمنية لدرجة أن جيمي كارتر قال في مذاكرته بعد الوصول إلى اتفاقية كامب دافيد " أمضيت طول الليل  قلقا وأنا أتساءل '''" هل ذبحت [[السادات]] ؟"''' وكان الرجل وكأنه يقرأ المستقبل قبل حدوث عملية المنصة بعد ذلك بسنوات محدودة كانت الإستراتيجية المصرية في ذلك  الوقت أميل للعطاء أكثر من ميلها للأخذ .  
 
ثم الأخطر من ذلك أن [[السياسة]] المصرية في ذلك الوقت عجزت عن فهم سياسة الترابط فبينما هي تتحدث عن الحلول الشاملة نجدها تقبل حلولا جزئية لا تعالج القضية الشاملة من كل جوانبها وتقبل سياسة كيسنجر اللئيمة خطوة خطوة والتي كانت تعني قطعة كبيرة من السلام في مقابل قطعة صغيرة من الأرض .
 
وباختصار فبينما كانت القيادة السياسية تتحدث كثيرا عن '''"قدرتها الإستراتيجية"''' إلا أنها في واقع الحال كانت تتحرك في إطار  تكتيكي وحتى ضمن هذا الإطار كان التحرك متعثرا يخضع للابتزاز وقد وصل الحد  الذي كانت فيه الولايات المتحدة تهزأ من قدرة تحركنا الاستراتيجي أن وصل الأمر بكسنجر حينما كان يجلس مع السيد [[أنور السادات]] أن يقول له في جدية '''" سيادة الرئيس إنني أريد أن  أتعلم منك كيفية التعامل  مع الاتحاد  السوفيتي "'''
 
بل وصل الأمر بالكسندر هيج وزير الخارجية في بداية عهد رونالد ريجان وهو تلميذ هنرى كيسنجر ومساعده في إدارة الأمن القومي أنه حينما وصل إلى [[القاهرة]] في أول زيارة له أن ذكر في تصريحه الصحفي في المطار وأمار عدسات السينما والتليفزيون وميكروفونات الإذاعة '''" أهم ما جئت من أجله هو تلقي بعض الدروس الإستراتيجية من السيد [[أنور السادات]] "'''!!!
 
ولم يكن غريبا بعد كل هذا التخبط وغياب الرؤية السليمة أن البحر الأحمر أصبح مجالا للصراعات الدولية ولم يكن غريبا بعد ذلك اختلال التوازن بالنسبة للسياسة المصرية من هذه البقعة من العالم والتي تؤثر على الأمن القومي المصري والعربي تأثيرا مباشرا .
وأخيرا
 
'''لا شك أن الظروف قد تغيرت في السنوات التي انتقال [[عبد الناصر]] إلى حوار ربه والتي تلت مقتل السادات في حادثة المنصة أهم هذه المتغيرات يمكن حصرها في الآتي:'''
 
:#فقد تركت إسرائيل [[سيناء]] ولكن يوجد هناك حاليا القوات متعددة الأجناس وهناك القيود الكثيرة على تواجد الإدارة المصرية بكاملها. [[سيناء]] منطقة مفرغة ليست [[مصر]] حرة في ملئها في الوقت الذي تريده وبالطريقة التي تختارها.
:#وفتحت قناة السويس للملاحة العالمية وكذلك خليج العقبة وأصبحت إسرائيل حرة في استخدام هذه القنوات المائية بموجب المعاهدات والاتفاقيات الموجودة . ثم عاد السكان المهجرون إلى منطقة القناة وعاد الاتصال بين سكان الوادي وسكان [[سيناء]] .
:#واختلفت العداوة والصداقة إختلافا جذريا مما يؤثر على الاتجاه الاستراتيجي فلا يمكن أن يقال أن إسرائيل ما زالت عدوة للقاهرة الرسمية كما أن الاتحاد السوفيتي الذي أمدنا بالسلاح ما زال يساعد القضية العربية ويقف في موقف العداوة الكاملة مع إسرائيل والولايات المتحدة فيما يخص قضيتنا انتقل من '''"خانة "''' الصداقة '''" إلى خانة " العداوة "''' أما الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت في '''"خانة "''' العداوة لمساعديها لإسرائيل وتحيزها لها تحيزا كاملا ضد المصالح العربية فقد انتقلت إلى خانة '''" الصداقة "''' رغما عن استمرارها في مسعدة إسرائيل وتحيزها لها تحيزا كاملا ضد المصالح العربية واضطربت العلاقات المصرية العربية اضطرابا خطيرا خاصة بالنسبة للبلاد العربية البحر أحمرية كما سبق القول .
:#وأصبح للولايات المتحدة قاعدة أو تسهيلات في رأس بناس وجزر أخرى في البحر الأحمر وكذلك للإتحاد السوفيتي وربما لإسرائيل.
:#وزادت أهمية البحر الأحمر نتيجة للخطط الطموحة للاستغناء عن مضيق هرمز كبوابة الخروج النفط إلى البحار الواسعة بعد أن مدت [[السعودية]] خط أنابيب سعة مليون وربع المليون برميل في اليوم من منابع البترول  في الظهران إلى ميناء ينبع وبعد أن صممت بغداد على توصيل خط أنابيب من حقولها إلى الخط السعودي لينقل ولأول مرة عبر الأنابيب السعودي إلى ينبع لم يتم إلا بعد أن أرست الولايات المتحدة أقدامها في رأس بناس فهل ترى الأيام القادمة توصيل خط مباشر من ينبع إلى رأس بناس ؟ وهل ترى الأيام القادمة توصيل الخط السعودي بالخط ال[[مصر]]ي الذي يبدأ فيعين السخنة على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر وينتهي عند سيدى كرير على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط؟ نعني بذلك أن البحر الأحمر زادت قيمته استراتيجيا واقتصاديا وإذا كان الخليج العربي قد جذب الاهتمام بعد رحيل القوات البريطانية عن قاعدة قناة السويس فإن الأيام القادمة سوف ترى التركيز على البحر الأحمر كأنبوب رئيسي لنقل البترول من منابعه على الخليج متفاديا '''"ترويك المضايق"''' في هرمز وباب المندب وقناة [[السويس]] .
:#ونحن نوافق على تصريح وزير الدفاع المصري في [[أخبار اليوم]] بتاريخ 13 / 2/ [[1982]] حينما قال
 
:'''" نحن ننظر إلى البحر الأحمر بصفته إحدى المناطق الإستراتيجية الهامة المؤثرة على أمن [[مصر]] ولذلك فإننا نرى أن يكون البحر الأحمر آمنا لا نفوذ أو سيطرة فيه لأية قوة خارجية وإنما للدول التي لها شواطئ عليه والتي لها مصالح إستراتيجية مرتبطة بخطوط الملاحة التي تمر  فيه خاصة وأن البحر الأحمر يؤثر على قناة السويس التي نعتبرها أحد المصادر الرئيسية القومية لاقتصادنا المصري ولذا فمن المهم جدا أن يظل البحر الأحمر نظيفا .
 
:معظم سواحله عربية وبناء عليه فيجب أن تكون هناك إستراتيجية عربية متكاملة لتأمين البحر الأحمر تماما ولا نقصد بعروبة البحر الأحمر منع ملاحة الدول الأخرى وإنما المحافظة على سلامة المرور البرئ والحر لجميع خطوط المواصلات البحرية بمعني أن التجارة الدولية التي تمر بالبحر الأحمر نريدها دائما حرة ولا يتحكم فيها أحد فحوالي 50 % من تجارة البترول تمر في البحر الأحمر ونحن نؤمن بألا يكون هناك أية إعاقة للملاحة ولا خطورة على مرورها وهذا هو الغرض الرئيسي من الأمن الاستراتيجي للبحر الأحمر "'''.
 
و[[السياسة]] معقولة لا غبار عليها ... بقي الإجابة على السؤال الآتي :وكيف يتم هذا ؟ ثم أليس من الأفضل لمن يريد أن ينفذ سياسة ما أن يبدأ بنفسه ؟
 
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
[[تصنيف:المكتبة العامة]]

مراجعة ١٠:٣٣، ١١ مارس ٢٠١٣

الفصل الثالث العاشر: القنوات الخلفية لعبد الناصر

قبل كلام كثير عن القنوات الخلفية التي كان يفتحها عبد الناصر مع الأعداء والأصدقاء على حد سواء البعض حاول أني يختلق اتصالات لم تحدث والبعض الآخر حاول أن يستغل اتصالات حدثت فعلا ليلوي حقيقتها ويلقي ظلالا على أهدافها والغرض من ورائها .

وقبل أن نبدأ في الحديث عن ذلك في إطار معلوماتي وضمن ما تسمح به القيود المفروضة على السرية لابد وأن نحدد ما نعنيه بالقناة الخلفية أو القناة السرية.

فصاحب القرار علاوة على الاتصالات التى تقوم بها اجهزته الرسمية سواء كانت اتصالات علنيةأو سرية لتزويده بالحقائق الكافية لإعطاء قراره أوتنفيذه فإن له الحق في أن تكون له قنواته الخاصة التي تتم إما بطريق مباشر معه أو عن طريق غير مباشر مع إحد أجهزته لتزوده بمعلومات ربما لا تكون في متناول أجهزته الرسمية أو ربما لايريد الطرف الآخر لها أن تعرف إلا كما يقال عن طريق الهمس ومن الفم إلى الأذن دون وسيط أو طرف ثالث أو القيام بإجراءات قد تسبب الحروجة للأجهزة الرسمية إن هي قامت بتنفيذها .

هذه القنوات في غاية الأهمية خاصة بالنسبة لطبيعة الصراعات القائمة سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى العالمي فهي صراعات يمتزج فيها القتال بالتفاوض ويمتزج فيها الوفاق مع التناقض .وهي علاقات بالتالي معقدة وخطيرة يخشي فيها أن يفلت الزمام مما يحتم هذا الاتصال في حالة الوئام وفي حالة الخلاف .

لأن العلاقات الدولية علاقات مصالح قد يحدث فيها تكامل وقد يحدث فيها تعارض وحينئذ لا يكون الاتصال واجبا بين الأصدقاء فحسب بل هو واجب أيضا مع الأعداء وقد يصل التناقض بين دولتين إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما ولكن هذا لا يمنع أبدا من استمرار الاتصال عن طريق الوسائل المعروفة أحيانا أوعن طريق القنوات الخلفية أحيانا أخرى فهذا أحد ضروريات ممارسة السياسة .

وهناك فارق كامل بين القناة الخلفية أو القناة السرية وبين العمل السري فالعمل السري يتم من وراء الظهر وهو يدخل في أعمال المخابرات أو الجاسوسية ولكن القناة الخلفية تتم بمعرفة الدولتين أو الأطراف المعنية ويحدد مستواها تبعا لاتفاقها على هذا المستوى . ووجود القناة السرية لا يمنع القيام بالعمل السري فكلاهما وسيلتان ضروريتان في كافة الأحوال أعني في حالة الصداقة والعدواة على حد سواء.

وهناك فارق أيضا بين القنوات الخلفية والأبواب الخلفية فالأخيرة هي علاقات شخصية تتجاوز الأصول الواجبة والتي يمارسها صاحبها في الخفاء وبتكتم شديد وهي لا تدخل في حديثنا من قريب أو بعيد .

ولنأخذ مثلا إحدى القنوات الخلفية الشهيرة وهي ما تعرف بعملية "بنسلفانيا" وهو الإسم الكودى لبدء الاتصالات السرية بين واشنجطن وهانوى أثناء الحرب الفيتنانية والتي قام بها هنرى كيسنجر حتى بدأت المفاوضات الرسمية في باريس بين الجانبين .

بدأت القناة بداية مثيرة فيمارس عام 1967 حينما كان يعمل كيسنجر مستشارا لهنرة كابوت لودج سفير الولايات المتحدة في فيتنام الجنوبيةبناء على موافقة "الرئيس لندون جونسون" الذي حدد له مأموريته فيالبحثفي موضوع "التورط الأمريكي في فيتنام" وانتهي كيسنجر إلى قرار وافق عليه الجميع هو الانسحاب من فيتنام مع حفظ الهيئةالأمريكية ولكن كيف يتم ذلك؟ هذه هي المشكلة إذ رفض الجانب الآخر الاتصال رفضا باتا .

إذن كان لابد من الاتصال عن طريق ثالث لإنشاء قناة خلفية بعيدة كل البعد عن القنوات الرسمية... وتم ذلك في الوقت السابق عندما اجتمعت "البجواش " في باريس وكان من أهم قرارات المؤتمر الاهتمام بمشكلتي الشرق الأوسط وفيتنام مع التركيز على ضرورة بدء الاتصالات لحل مشكلة فيتنام من خلال الحكومة الفرنسية التي تسمح علاقاتها الخاصة بذلك.

وقد اختار "ديجول" اثنين للقيامبذلك هما "ريموند أو براك" و"ماركو فتش " وكان الأول على علاقة وطيدة مه هوشي منه الذي تعرف به أثناء ذهابه إلى باريس عام 1946 للتفاوض مع الحكومة الفرنسية للحصول على استقلال بلاده وسكن بجوارأوبراك وتصادق الرجلان إلى حد أنهوشي منه عمل كالأب الروحي لأحد أبناء أوبراك .

وسافر الرجلان إلى هانوى ليفتحا باب الاتصال بين الجانبالأمريكي والجانب الفيتنامي إلا أن الجانبالآخر كان يرفض ذلك إلا بشروط فلا يجوز أن يغيب تحت رفع شعارالسلام "من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه لأن مجرد رفع هذاالشعار يضع الولايات المتحدة وهانوى على قدم المساواة "

واستمر الوضع على ما هو عليه أى اتصال الجانبين عن طريق طرف ثالث حتى تمكن أحد أصدقاء كسينجر من الفرنسيين وأحد المشتركين عام 1946 في المفاوضات بين فيتنام وفرنسا ويدعي " جان سانتيني " من فتح الطريق أمام كيسنجر للإتصال مع "إكسوان ثوى " وزير خارجية هانوى لتبدأ المفاوضات السرية بين الجانبين دون علم باقي المؤسسات الرسمية إلا بالقدر الذي تحتمه الضرورة

وقبل كلام كثير عن قيام الرئيس أنور السادات بفتح قناته الخلفية مع وشنجطن عن طريق أجهزة المخابرات في البلدين وهي التي تمت من خلالها تبادل رسائل كثيرة قبل حرب أكتوبر 1973 وبعدها أثارت الكثير من علامات الاستفهام بدأت تلك القناة في فبراير 1973 حينما قام " رونالد كانرال " رئيس مجلس إدارة "البيبسي كولا" بترتيب لقاء بين حافظ إسماعيل مستشار الرئيس السادات لشئون الأمن القومي وبينهنرى كيسنجر مستشار الرئيس نيكسون لشئون الأمن القومي أيضا في واشنطن ومن تلك الفترة بدأت هذه القناة الخلفية في العمل بنشاط ومن وراء ظهر الدكتور محمود فوزى رئيس الوزراء.

وقد تممن خلال هذه القناة تبادل أخطر رسائل حددت النتائج التي أفرزتها حرب أكتوبر 1973 .من أخطر الرسائل المتبادلة في تلك الفترة هي الرسالة التي أرسلتها القاهرة في 7/ 10/ 1973 إلى هنرى كيسنجر والتي تقول :

  1. إن الاشتباكات التي تحدث حاليا في المنطقة لا يصح أنتثير أى دهشة لدى جميع أولئك الذين تتبعوا الاستفزازت الإسرائيلية المستمرة على الخطوط اسورية أواللبنانية فحسب بل أيضا على الجبهة المصرية وكثيرا ما لفتنا النظر إلى مثل هذه الاستفزازات التي لمتتوقف قط رغم الإدانة الدولية.
  2. وعلى ذلك فقد كانعلى مصر أن تتخذ قرارا بمواجهة أيةاستفزازات إسرائيلية جديدة بالحزم وبالتالي أن تتخذ الاحتياطات الضرورية لكي تواجه أى تصرف إسرائيلي من قبيل ذلك الذي جرى فوق سوريايوم 13 /9/ 1973 .
  3. المصادمات التي حدثت على جبهة القناة كنتيجة للاستفزازات الإسرائيلية كان المقصود منها من جانبنا أن نطهر لإسرائيل أنه لم يكن يساورنا الخوف أو أنه لا حول لنا ولا قوة وأننا نرفض الاستسلام لشروط تخطيط عدواني يهدف إلى احتجاز أرضنا كرهينة للمساومة .
  4. وكنتيجة للاشتباكات فإن موقفا جديدا قد نشأ في المنطقة ولقد كان طبيعيا توقع تطورات جديدة في خلال الأيام القليلة القادمة فإننا نود توضيح إطار موقفنا .
  5. إنهدفنا الأساسي لا يزال كما كان دائما تحقيق سلام في الشرق الأوسط وليستحقيق تسويات جزئية
  6. إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات أوتوسيع مدى المواجهة .
  7. وأؤكد لكم مرة أخرى الرسالة التي لابد وأنتكون قدوصلتكم من مستر روكفلر والتي كانت تؤكد على .
(أ‌) إن إسرائيل لابد وأن تنسحب من جميع الأراضي المحتلة .
(ب‌) وعندئذ سنكون على استعداد للمساهمة فيمؤتمر سلام بالأمم المتحدة .
(ت‌) إننا نوافق على حرية الملاحة في مضايق تيران ونقبل كضمان تواجدا دوليا لفترة محدودة .

وبناءعلى ما ورد لكسينجر عن طريق هذهالقناة الخلفية ف وبناءعلى ما ورد لكسينجر عن طريق هذه القناة الخلفية فإنه دعا لجنة الأمن القومي لاجتماع عاجل تم عقده في نفس اليوم ودارت المناقشات داخل اللجنة تحاول تحديد الموقف العربي إلا أن كسينجر قال في ثقة ردا على ما قاله أحد الأعضاء من أنه من الصعب عليه تصور أن السادات سيبقي على الضفة الشرقية للقناة "إن رأيي أنه سوف يبقي هناك " إنني أعرف أنه لن يتقدم أكثر من ذلك

ويضيف كسينجر في مذكراته:

" إن السادات حافظ على عهده في اتصالات سابقة بألا يثير الكراهية ضدنا لا خدمة لنا ولكن لأنه لم يكن يرغب في دفعنا أكثر إلى جانب إسرائيل في الخطوات القادمة كانت خطة إنشاء علاقة معنا تجعلنا ليس فقط من الناحية الرئيسية بل من الناحية النفسية وسطاء"

قصدت من هذه الإطالة إظهار هذه القنوات الخلفية في تقرير مصير الدول والشعوب ولم أقصد أبدا تقييم "السياسات " التي تبودلت خلال هذه القنوات والتي دار عليها نقاش حاد في أجهزة الإعلام المختلفة إذ أن هذا قد يكون له مجال آخر.

هذه القنوات الخلفية تؤدى أدوارا أخطر كثيرا مما تؤديه القنوات الرسمية أو العلنية كما شاهدنا .ٍولكن هذه القناة الأخيرة التيقيل إنها فتحت أيام الرئيس السادات كانت مفتوحة من قبله ومن أيام عبد الناصر وهذه حقيقة معروفة تثبتها الوثائق الرسمية ولكن كان الرئيس السادات كما كان الحال مع بعض فراعنة مصر – دائما ما ينسي الماضي أويشوهه وكان في الوقت نفسه ينسب كل شئ إلى ذاته بالحقيقة أو بالباطل.

فتحت هذه القناة في يونيو 1969 بين المخابرات العامة المصرية وبين وكالة المخابرات المركزية في واشنطن ضمن قنوات اتصال متعددة بينالبلدين أقلها كان يتم عن طريق مكتب الإشراف على المصالح ولكن أكثرها كان يتم بطرق خلفية متعددة فبعد قطع العلاقات الرسمية بين البلاد العربية والولايات المتحدة الأمريكية كان الزائرون يتنقلون في زيارات متبادلة يحاولون فيها سبر غور المواقف هنا وهناك وكان تبادل الرسائل قائما .

رسائل تصل ويرد عليها رئاسل تصل ولا يرد عليها إلى أن تطورالأمر إلى وضع أكثر صراحة ورسمية بإنشاءمكاتب الإشراف على المصالح هنا وهناك والتي كانت في الواقع أقرب إلى مكاتب البريد منها إلى الإشراف على المصالح كانت الرسائل الواردة أو الصادرة تصل إليها لتعيد توزيعها على من يهمهم الأمر فمثلا كانت مبادرة روجرز المشهورة عبارة عن رسالة شفهية قرأها "برجس" المشرف على المصالح الأمريكية في القاهرة من أوراق مكتوبة كانت في حوزته .

كانت وكالة المخابرات المركزية تلح من جانبها على فتح هذه القناة بعد انتهاء حرب 1967 مباشرة وقام بالمحاولة أحد رجال المخابرات المركزية وهو "وليم بروميل" وكان خبيرا بالشرق الأوسط. وكان الرجل في العراق قبل أن تفجرت ثورة ثموز عام 1958 وحضر قيام الثورة هناك وسقوط العرش الهاشمي وإقامة الجمهورية وكان في القاهرة عام 1966 وحضر حرب 1967 ومكث فترة بعدها ثم كان في طهران بعد ذلك إلى أن أرسلته وكالته إلى القاهرة في يونيو 1969 لتكرار المحاولة .

قام بمحاولته الأولي لفتح القناة الخلفية بعد الحرب مباشرة كما سبق القول ولكن لم تكن الظروف تسمح بذلك على الإطلاق فلم تكن الأمور قدوضحت بعد وكان التركيز كله على إعادة ترتيب المنزل من الداخل كنانبني من جديد بعد النكسة الشديدة التي أصابتنا .ولم يكن في تقديرنا في تلك الفترة أن اتصالا من هذا النوع يمكن أن يعود بنتائج إيجابية من تلك النتائج التي يمكن الحصول عليها عن هذا الطريق .

فالاتهامات ثقيلة بالنسبة لقيام الولايات المتحدة الأمريكية بدورخطير في تدبير العدوان ثم كان موقفها بعد ذلك موقفا معاديا على طول الخط وذهبت في تأييدها لإسرائيل إلى حد بعيد ثم كان في اعتقادنا أن أى حوار مثمر لا يمكن أن يتم إلا من مصدر قوة وكانت قوتنا قد أهدرت في سيناء وهذا لم يمنع قيام الحوار عن طريق قنوات أخرى كثيرة .

كان الموقف في يونيو 1969 مختلفا عنه عقب النكسة مباشرة بالنسبة لقبول أو رفض فتح هذه القناة الخلفية.فقد كان الموقف في الولايات المتحدة أصبح جاهزا لذلك من وجهة نظر المخابرات العامة المصرية إذ تبلور الموقف في رأيين داخل الإدارة الأمريكية.

كان الرأى الأول يري الموقف من خلال النظرة التقليدية للسياسة الأمريكية إلى الصراعات الإقليمية إذ تنظر إليها دائما من ناحية انعكاس نتائجها على الصراع القائمين وشنجطن وموسكو على المستوي العالمي وفي إطار هذه النظرة فإن أصحاب هذا الرأي كانوا يرون عدم الإقدام على حل الأزمة بل الاكتفاء بإدارتها إذ أن طول الوقت وامتداده سوف يجعل العرب المؤيدين للإتحاد السوفيتي ينتقلون إلى الجانب الآخر نتيجة ليأسهم من الوصول إلى حل عن طريق مشاركة الاتحاد السوفيتي وترتيبا على ذلك

فلقد رفعوا شعارين :

الشعار الأول أنه لا يمكن إيجاد حل عن طريق النظم الثورية أى التي تتعامل مع موسكو بأى حال من الأحوال وكان
الشعار الثاني أنه لا يمكن للسلاح السوفيتي أن ينتصر على السلاح الأمريكي بأى حال من الأحوال ولذلك فإنه من الواجب الوقوف أمام أى حل سلمي تشترك فيه موسكو وعرقلته وفي نفس الوقت الإمداد المستمر لإسرائيل بالأسلحة المتطورة بحيث يكون التوازن دائما في جانبها .

أما الرأى الثاني فكان ينظر إلى الموقف كنظرة أصحاب الرأي الأول تماما من خلال النظرة التقليدية للسياسة الأمريكية إلى الصراعات الإقليمية أى النظر إليها من ناحية نتائجها ومردودها على الصراع العالمي بين وشنجطن وموسكو ولكنهم كانوا يختلفون في النتائج المترتبة على ذلك .

فبقاء الأزمة دون حل سلمي لها سيوطد العلاقات بين النظم الثورية وبين الاتحاد السوفيتي بل سيتيح للإتحاد السوفيتي الفرصة لكى يمد علاقاته إلى دول أخرى في المنطقة على أساس معاداة واشنطن للأماني العربية مع وقوف الاتحاد السوفيتي مؤيدا لها ثمتأثير عدم الوصول إلى حل نتيجة المواقف الأمريكية سوف يؤثر دون شك على النظم التقليدية في المنطقة والتي على علاقة وطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية إذ أنها ستجد نفسها في موقف لا يمكن تبريره وأخيرا في الاتحاد السوفيتي مؤيدا لها؛

ثم تأثير عدم الوصول إلى حل نتيجة المواقف الأمريكية سوف يؤثر دون شك على النظم التقليدية في المنطقة والتي على علاقة وطيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية إذ أنها ستجد نفسها في موقف لا يمكن تبريره وأخيرا فإنه لا يمكن إغفال تأثير بقاء المنطقة دون حل أزمتها الراهنة على المصالح الأمريكية الموجودة خاصة المصالح النفطية ولذلك فإنهم كانوا ينادون بفرض القيد على التسليح الأمريكي لإسرائيل وضرورة فتح الحوارمع النظم العربية على اختلاف معتقداتها.

وبناء على ذلك فإنه كان من صالحنا فتح القناة حتى يمكننا أن نؤثر في الحوار الدائر في وشنجطن فلم يكن من المعقول أن نظل بعيدين عنه وكنا نعتقد بأن هذا لوتم فإنه سيكون حوارا من نوع آخر غير الذي يقوم به الدبلوماسيون بطريقتهم التي تزيد من تعقيد الأمور ولا تحلها خاصة وأن الحوار سيتم بطريقة غير رسمية وفي الوقت نفسه فهو حوار غير ملزم لأى طرف من الأطراف فلا يعقل مثلا أن يتم الحوار بين وزراء الخارجية أوبين رؤساء الدول على أساس شخصي أو غير رسمي علاوة على أن هؤلاء يحاولون أثناءقيامهم بالحوار أن يثبتوا دائما أنهم أكثر لباقة من الطرف الآخر بطريقة حذرة تحسب فيها الكلمات بالموازين الدقيقة .

كانت هذه هي الصورة التي أوضحتها للرئيس عبدالناصر وأنا أعرض عليه رأينا بخصوص "فتح هذه القناة الخلفية" حينما علمت بوصول "وليم بروميل" إلى القاهرة وبعد المقابلات التمهيدية التي تمت بينه وبين بعض المساعدين .

ووافق عبد الناصر بعد تردد لأن الرجل كان قد فقد ثقته نهائيا في الولايات المتحدة الأمريكية شاكا في نواياها حذرا من تصرفاتها وقد أثبتت الأيام أنه كان على حق في شكوكه وحذره ولكنه وافق على أساس أن المصلحة تقتضي ذلك فليس للعداوة أو الصداقة الكلمة الأولي في ممارسة السياسة .

وبناء على ذلك حددت موعدا لمقابلة وليم بروميل مندوب وكالة المخابرات المركزية وكان الرجل سعيدا بالمقابلة لأن ذلك في حد ذاته كان يعتبر رسالة لحكومته بأننا رغما عن حماقتها وعداوتها راغبون في الحوار وأننا لسنا كما كتب البعض بعد ذلك مع الأسف الشديد من أنصار غلق أبواب الحوار وسدها.

لقد كان هناك إتفاق عام ومن أول وهلة على ضرورة تحديد الغرض من هذه القناة الخلفية وعلى أن يكون الغرض عند تحديده مثمرا وإيجابيا فكل إنسان في استطاعته إقامة اتصال وعلاقة ولكن أن يكون هذا الاتصال مثمرا والعلاقة إيجابية فهذا شئ آخر .

ولم يكن من المتصور أن يكون الحوار من خلال هذه القناة الخلفية في نطاق التعاون بين جهازى المخابرات في البلدين لأن مفهوم التعاون في هذا المجال بيني على وجود هدف واحد مشترك تسعى الدولتان لتحقيقه كأن يكونمثلا القضاء على نظام ما في دولة أخرى وهنا لابد من اطلاع كل طرف على مالدى الطرف الآخر من معلومات تمكن من تحقيق الهدف المشترك ولم يكن الأمر هكذا بين الدولتين فكل منهما تريد "قطع رقبة الأخرى " ولكن بفارق رئيسي أن إحدى الدولتين معتدية والأخرى معتدى عليها .

ولم يكن من المتصورأيضا أن تيم الحوار على أساس اختلاف أهداف الطرفين مع عدم تعارضهما أوتصادمهما فإن الأغراض كانت مختلفة ولا يسير هذا الخلاف في خطوط متوازية ولكنها خطوط ولم يكن هناك خلاف على ذلك بين وجهتي النظر إذ يتم الحوارفيهذه المجالات بصراحة كاملة لايترك وراءها شكا أوغموضا .

ولكن بقي جانب واحد يكن الاتفاق على العمل فيإطاره وهو ضرورة وجود استقرار في المنطقة يبني على أساس سلام عادل إلا أن بروميل وهو ينقل رأي وكالته أضاف بعض التوضيحات أن الهدف المشترك لفتح هذه القناة في رأيهم هو إيجاد حل للأزمة العربية الإسرائيلية بدون حرب كذا إيجاد طريقة تتيح للولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى أن تسهم بطريقة ما في تنمية مصر وكان الرجل قلقا من تزايد العلاقة بين القاهرة وموسكو وعلى ثقة في الوقت نفسه من أن القاهرة قد استعادت قدرتها بصورة ملحوظة خلال العامين السابقين .

وتم الاتفاق على أن يكون الغرض هوتبادل وجهات النظر بصورة صريحة ودقيقة قد لا تسمح بها الاتصالات الرسمية الأخرى دون ترديد وجهات النظرالقائمة على أنها منزلة من السماء كما تم الاتفاق على أن يكون ممثلهم هنا هو " يوجين ترون" الذي أمضي ثلاث سنوات كاملة في سيلان وفي قبلها خدم في لبنان والعراق وقدم اسمه إلى وزارة الخارجية المصرية للحصول على موافقتها لينضم الرجل عند مجيئه إلى مكتب الأشراف على المصالح الأمريكية في القاهرة.

وتمت الموافقة وحضر "يوجين ترون" ليتولى مع مندوبنا فتح قناة خلفية جديدة مهد لها "وليم بروميل" من قبل ...!!وبدأت القناة فيعملها المثير ... ولكن ماذا تم فيها ؟!! وهذا ليس ملكنا فلا يجوز إذنأن نتحدث عنه وأظنه سيبقي كذلك لوقت طويل قادم.

كانت هذه القناةإذن قناة غير مباشرة للرئيس عبد الناصر بين جهازين سريين على قرب من دائرة اتخاذ القرار ومؤثرين فيه وبالرغم من كل ذلك فإن الحوار غير ملزم . وكان الحوار يسجل وبدقة ويرفع للرئيس أولا بأول ليعطي فيه توجيهاته .

وقد فتحت قنوات خلفية قبل ذلك بواسطة أفراد عديدين ربما مع وكالة المخابرات المركزية وربما مع غيرها ولكن البعض من هؤلاء أداروا "القناة الخلفية" لحسابهم أو ربما لحساب "الوكالة "أو " لغيرها ".... البعض من هؤلاء "سقط" والبعض الآخر كان أذكي من أن "يسقط"

واستمرت هذه القناة الخلفية من العمل حتى بدأ الرئيس أنور السادات في استخدامها وهنا تحولت القناة إلى قناة ملزمة إذ كان على أحد طرفيها قمة القيادة السياسية وعلى الطرف الآخر بعض أفراد من الحلقة الداخلية وتحولت بالتالي إلى قناة تبحث عن أى حل وبأى ثمن بدلا من أن كانت وسيلة تحاول أن تضغط وتؤثر على الطرف الآخر .

وهنا يمكن أن تكون هذه القناة الخلفية قناة " قديمة " و" جديدة"!! "قديمة" في نشأتها ولكنها "جديدة" في هدفها وأسلوبها ..ولذلك فإن من يقول إنها " قناة قديمة" فهو صادق .ومن يقول إنها "جديدة" فإنه لا يتجاوز الحقيقة .

موضوع آخر لم أتحدث عنه من قبل كسابقه إلا بعد أن رأيت أن البعض تحدث فيه وصوره على غير حقيقته وهو موضوع الاتصالات التي تمت مع "ناحوم جولدمان" وقبل أن نبدأ الحديث عن الموضوع نقرر أن هذه الاتصالات لا تدخل إطلاقا ضمن ما يطلق عليه "قناة خلفية" أو غيرها .

إذ كانت العملية كلها عملية مخابرات بحتة مما يدخل في نطاق "الحصول على معلومات" كذا من ناحية "العمليات الإيجابية" التي تقوم بها أجهزة المخابرات وهذا غير ما صورت به هذه الاتصالات سواء في وسائل النشر الداخلية أو الخارجية .

إذ أن العملية عملية "مخابرات بحتة" قام بها جهاز المخابرات العامة المصرية وأى حديث غير هذا لا يستند إلى الواقع وللدلالة على أن هذه الاتصالات لمتكن في إطار "القنوات الخلفية" التي نتحدث عنها نعرف القارئ أولا "بناحوم جولدمان"

ولد ناحوم في لتوانيا في 10 /7/1895 وبعد ولادته بفترة ست سنوات لحق بأبويه اللذين هاجر إلى فرانكفورت وتركاه في رعاية جده لأمه وبذلك فإنه ولد في أوروبا الشرقية وترعرع في أوروبا الغربية والتحق بالحركة الأرثوذكسية الهيودية وهي حركة محافظة كانت تنادى بابتعاد اليهود عن الثقافات الأجنبية حتى لا يذوبوا في غيرهم من الشعوب وطوال دراسته الثانوية كان لا يكف عن الدعاية للحركة الصهيونية عن طريق إلقاء المحاضرات وكتابة المقالات بل بلغ من حماسته أنه كان يتصدى للمبشرين البروتستانت الذين اعتادوا التبشير في الأوساط اليهودية الفقيرة لتعميدهم نظير مغريات مادية .

ثم التحق بجامعة هيدلبرج ليدرس القانون ولم يكن جولدمان طالبا مواظبا بل كان كثير التغيب عن دراسته لإنشغاله بملذاته وبنشاطه الصيوني ولذلك فإنه كان يستعيض بمن يلخص له دروسه رجاء أجر زهيد عن هذا التغيب لينجح بأى ثمن واجتاز الامتحان ثم تقدم للحصول على الدكتوراه وأعد رسالته بتجميع عدد من مقالات كان يكتبها فيإحدى المجلات بعد أن أضاف إليها بعض الدراسات القانونية !!!

ولدهشته قبلت الرسلة وأصبح "الدكتور جولدمان" حاملا للقب العلمي المرموق وفيتلك الفترة تكونت شخصيته الصهيونية على أساس محاربة "الاندماج" أى اندماج اليهود مع غيرهم من الديانات وعلى أساس العلاقة الحتمية بين يهود المنفي ويهود الوطن أن حياة المنفي ضرورة لاستمرار اليهود على الأرض .

فلا يمكن لأرض الميعاد أن تستغني عن يهود المنفي والرجل كان وراء عدة مشروعات صهيونية فقد كان من مؤسسي " دائرة المعارف اليهودية" وأصدر منها عشرة أجزاء باللغة الألمنية وكان وراء موضوع التعويضات الألمانية لإسرائيل والمشرف الوحيد على المفاوضات التي دارت بخصوصها حتى وقع الاتفاق في 10 /9/ 1952 في لكسمبورج وقد وقعها اديناورمستشار المانيا الاتحادية وموشي شاريت وزير خارجية إسرائيل وناحوم جولدمان نيابةعن اليهود

وكان من نتيجة هذه الاتفاقية أن دخل الخزانة الإسرائيلية ستون مليون مارك علاوة على بلايين أخرى حصلت عليها إسرائيل لتعويضات وهمية وهو يدين بمبدأ أن مالا يمكن الحصول عليه بالعنف يمكن تحقيقه عن طريق السياسة والتحايل وعاد بعد إنشاء الدولة يعبر عن رأيه في الصراع العربي الإسرائيلي بأنه صدام بين حقين ولذلك فإن لكل من العرب واليهود حقا في أرض فلسطين .

ويتضح من هذه المعلومات أن أهداف "جولدمان" الصهيونية لا شك فيها ولكنه كان يؤمن بالسياسة والتحايل لتحقيق الأغراض الصهيونية وتثبيتها إذ أن استخدام القوة بصفة دائمة في سبيل تحقيق ذلك فيه خطر على إسرائيل وهذا حق تؤيده أحداث التاريخ .

والرجل أيضا كما رأينا كان لا يأخذ الحياة بمحمل الجد خاصة بعد أن عاش في الخارج ولم يرض بالعيش داخل إسرائيل لا قبل نشأتها ولا بعد نشأتها وإن كان لا يتردد في تقديم أى خدمة يراها واجبة في سبيلها بالصورة التي يرضاها وتتفق مع أفكاره.

ثم كان الرجل بعد أن استكان إلى حياة الدعة والراحة يميل إلى إعطاء نفسه صورة على غير حقيقتها وكانت حياته فخمة سواء في شقته في باريس أو محل إقامته في واشنطن حيث دأب على التنقل بين دول أوروبا والولايات المتحدة يسهل له ذلك موارده المالية الكافية الميسرة.

وبالرغم من أنه كان بعيدا عن السلطة في إسرائيل وبالرغم من أنه لم يكن ذا تأثير على القرار الإسرائيلي بأية صورة من الصور إلا أن كثرة اتصالاته مع الشخصيات العالمية والإسرائيلية ووكثرة تنقلاته في أنحاء العالم ولخبرته التي لا شك فيها نتيجة لتاريخه السياسي الطويل ..

كل ذلك جعل الاتصال به من ناحيتنا عملا مفيدا ولابد أن نوضح بدقة طبيعة هذا الاتصال:

  1. فلا يمكن أننعتبر مجرد اتصال يتم مع شخصية كشخصية "الدكتور جولدمان" عبارة عن فتح "قناة خلفية" فيحدود المفهوم الذي سبق وحددناه إذ لو كانت الحاجة تدعو إلى فتح هذه القناة مع إسرائيل لكان الأجدى فتحها مباشرة على الكثيرين ممن لهم سلطة اتخاذ القرار أو التأثير في اتخاذه وهم كثيرون علاوة على توفر الرغبة الملحة في ذلك .
  2. ولا يمكن تصورأن الاتصال الذي قمنا به معه عن طريق غير مباشر أن الرجل كان يعرف ذلك أوحتى كان يرحب به بل هو اتصال عادى مع رجل من المصلحة أن نتصل به في غير نطاق عمل رسمي أو سري .
  3. لم يكن الاتصال مع الدكتور جولدمان أيضا بقصد أهداف سياسية أو القيام باتصالات سياسية أوالتمهيد لها كماذكرفي بعض الروايات إذ لم يكن الرجل في وضع يمكنه من ذلك .

كان الغرض من الاتصال بالرجل دون أن يعرف أو يحس بذلك والذي حددناهلمن كلفناهم بهذه الاتصالات ينحصر في الآتي ..

  1. الحصول على أكبر قدرممكن عن إسرائيل ثم إعادة تقييمها بواسطة المختصين في مرحلة تالية
  2. مده ببعض المعلومات والاتجاهات مع التأكد أنه سينقلها إلى الطرف الآخر خدمة لأهدافنا دون أن يقصد ذلك أو يدرى به .
  3. وتطور الموقف بعد ذلك كما سنرى ليكون الغرض إحداث زغزغة أو فرقعة داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل بعد أن أثارت الصحافة العالمية بما عرف " بمسألة جولدمان " في ذلك الوقت .

ولم تكن المعلومات التي حصلنا عليها بطريق غير مباشر من الدكتور جولدمان بذات قيمة حقيقة إذ كانت في بعض الأحيان ناقصة وعامة وفي أحيان أخرى تنقصها الدقة سواء في مجالات المعلومات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية إلا أن القيمة الحقيقة بالنسبة لهذا الرجل كانت تتمثل في معرفته الدقيقة بالتيارات السياسية داخل إسرائيل وبالعوامل المعقدة التي تتحكم في الحياة السياسية فيها في إطار إيمانه بضرورة إيجاد مصالحة بين إسرائيل والبلاد العربية وبصفة عامة وبينها وبين القاهرة على وجه الخصوص أما كنه هذه المصالحة فلم تكن واضحة إطلاقا في أحاديثه .

كان الرجل يكرر في معاملاته المتعددة التي كانت تصل إلينا بين الحين والحين أنه يريد أن تدعوه القاهرة لزيارتها.وكان يؤمل كثيرا في نتائج هذه الزيارة .كان اقتراحه هذا نابعا من رغبتين متنازعين .

رغبة حقيقية في المساهمة في حل الأزمة التي كان يعتقد بخطرها على إسرائيل أو على حد قوله أنه يريد إبعاد إسرائيل من نفسها ورغبة شخصية بتطلعه إلى العودة إلى الأضواء مرة أخرى إن تحققت رغبته تلك إذ سيكون لو تمت الزيارة أول يهودى على هذا المستوى يكسر حاجز الاتصال مع مصر أكبر الدول العربية جميعا.

ولم ترد القاهرة أبدا على هذا الاقتراح بالرفض أو القبول كان الرجل يتحدث حديثا عاديا وكان المستمع له يسمع ما يقول دون أن يعلق .ولما طال الوقت بالدكتور جولدمان شد رحاله إلى إسرائيل ليجس النبض بخصوص أفكاره.وما هو ردالفعل الذي يمكن أن يحدث لو تحققت هذه الأحلام ؟!!

وفعلا سافر الرجل في اوائل 1970 ربما في أبريل أو مايو هذا العام إلى إسرائيل حيث بدأ اتصالاته مع رجال الائتلاف الحاكم وحصل على موافقه إبا إبيان وموشي دايان وزيرا الخارجيةوالدفاع على التوالي بصفة شخصية وفردية؛

وحينما اتصل بجولدا مائير رئيسة الوزراء في ذلك الوقت وطلب رأيها في زيارته القاهرة لو دعي إليها أجلت إبداء الرأي حتى ترجع إلى الحزب للإستشارة برأيه وقد انزعج "جولدمان " من موقف جولدا مائير هذا وحذرها من الرجوع إلى مجلس الوزراء لأخذ رأيه فيهذه المرحلة لأن الخبر سيتسرب دون شك إلى الصحافة وهنا ستكون الكارثة قد حلت بكل آماله .

كنا على علم بهذه التطورات وكانت الأمور تسير حسب ما نرجو ونأمل وفعلا عرضت جولد مائير موضوع زيارة جولدمان إلى مصر على مجلس الوزراء وإن لم يكن قد وافق أو اعترض عليها أحد واتخذ المجلس قرارا بعدم الموافقة على الزيارة ولم يكن القرار بالإجماع بل وافق البعض على ذلك بينما كان عدد من الغائبين عن الاجتماع أيضا لا يعترضون على إتمامها.وتسرب لخبر إلى الصحافة وأذيع على العالم أجمع وكانت فرقعة لها دوى .

قامت المظاهرات في بعض المدن بعضها يؤيد الزيارة والبعض الآخر يعارضها ومقالات في الصحافة مؤبدة وأخرى معارضة بل وفي أثناء اجتماع عقد في جامعة تل أبيب حضره جولدمان نفسه أخذت الأصوات على الزيارة التي لم يدع إليها بعد فكانت النتيجة : 118 مؤيدون للزيارة ,90 معارضون لها 16 امتنعوا عن التصويت.

وهوجم جولدمان من البعض بأنه رجل لا يعرف إسرائيل فهو يعيش خارجها وبالرغم من ذلك كان جولدمان سعيدا بزيارته لإسرائيل بعد إعادته إلى الأضواء من ناحية وجعلته يلمس بنفسه أن إحساسه بأن كثيرا من الشباب الإسرائيلي قد زهد الحرب والقتال كان على أساس وكان يردد في سعادة تامة أن نفس الشعارات التي كان الشباب يهتف بها "إلى المطبخ يا جولدمان إلى القاهرة يا جولدمان ".

وحتى بعد وصول الموقف إلى ما وصل إليه كان جولدمان يأمل أن تصله يوما دعوة من القاهرة لزيارتها وأن حدث ذلك فإن إصدار بيان بعد إتمامها سوف ينتج عنه تأثير حقيقي داخل إسرائيل يؤدي إلى إحداث تمزق في الائتلاف الحكومي القائم الأمر الذي يعتبر الركيزة الأولي في تغيير الموقف المشدد للحكومة الإسرائيلية .

كان الرجل ما زالمتعلقا بأمل صنعه بنفسه ولنفسه وظل مسيطرا عليه لفترة طويلة كان يريد أن يحيط نفسه بهالة الماضي وكان يردد أمام زائريه قصصا فيها مبالغة ولا ينقصها الخيال .

كان يتحدث مثلا عن دعوة وجهت إليه من "تيتو" رئيس يوغوسلافيا لزيارة بلغراد ليمضي من زيارته المأمولة إلى القاهرة وعن موافقة عبد الناصر على إتمامها بشرط أن تكون علنية وبعد موافقة الحكومة الإسرائيلية نفسها ولكنه لم يكن قادرا على تفسير السبب الذي توسط من أجله عبد الناصر صديقه تيتو في هذا الأمر ؟ ولم لا يتم العرض مباشرة !

وكان يتحدث عن محاولات يقوم بها الاتحاد السوفيتي لدعوته إلى موسكو بعد معرفة مواعيده المتاحة وأنه ما زال يفكر في قبو الدعوة أو الاعتذار عنها لمشغولياته المتعددة .

وكان يتحدث عن زيارته للولايات المتحدة للتأثر على الزعماء اليهود هناك لعلهم يفهمون موقفه حتى رسائله والتي قدم إحداها إلى أحد الصحفيين المصريين الكبار يطلب فيها دعوته لزيارة مصر كانت تكتب على ورق مصقول مطبوع عليه بالخط البارز "الدكتور جولدمان "

وبمناسبة الحديث عن الصحفيين لابد أن نذكر الخدمات التي أدها أحدهم وقت أن كان يعمل في "روز اليوسف" فقد كان أحد المتصلين بالدكتور جولدمان وبغيره عن طريق المخابرات العامة وهناك محاولات كثيرة لفتح " القنوات الخلفية كانت تتم بين وقت وآخر ولكنها جميعا كانت تقابل بالرفض.

فالمخابرات الايطالية في ذلك الوقت وكانت تحت رئاسة الأدميرال "هانكي" عرضت فتح قناة كفلت لها كل عوامل السرية إلا أن المحاولة قوبلت بالرفض .

و"ليوهامو" مدير الاستعلامات الفرنسي والناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية والمعروف بميوله لإسرائيل حاول عقد لقاء بين مسئولين في مصر وإسرائيل على أى مستوى بصفة سرية وتحت إشراف الحكومة الفرنسية إلا أن المحاولة قوبلت بالرفض أيضا ومحاولات أخرى كثيرةتمت ولكننا لا يمكن أن نحكي تفاصيلها.

السبب الذي من أجله حكينا "قصة جولدمان" إن البعض حكاها يحاول أن يخلق منها بطولة والأمر خلاف ذلك كما رأينا / اتصال عادى مع رجل لم يكن في الإمكان تجاهله لتحقيق أغراض واضحة تحققت كلها دون أن يكون الأمر في حاجة إلى بطولة أو ابطال .

الفصل الحادي عشر:إستراتيجية عبد الناصر في البحر الأحمر

يحدد الواقع الجغرافي للبحر الأحمر أهميته القصوى المستمرة بالنسبة للسياسة المصرية منذ القدم وليس أدل على ذلك أنه سمي في الأزمنة السحيقة بالحر الفرعوني قبل أن يسمى بعد ذلك ببحر العرب وبحر القلزم ثم البحر الأحمر وأن بطليموس أنشأ مواني على سواحله الغربية كما أنشأ البطالمة الطرق البرية التي تربط مواني البحر الأحمر بوادي النيل ثم قام محمد على ومن بعده إسماعيل ببناء المواني العديدة على سواحله جنوبا والتي ما زالت قائمة حتى الآن .

وتضاعفت الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر في وقتنا الحالي لأسباب عديدة أهمها :

  1. فهو قناة وصل بين البحار المفتوحة في المحيطين الأطلنطي والهندي عبر البحر المتوسط المقفول وقناة السويس والبحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن فالمحيط الهندي وتتزايد أهميته تلك في ضوء إعادة التوزيع الاستراتيجي للقوات المتضادة عقب الحرب العالمية الثانية.
  2. وهو المتحكم في مخارج ومداخل البحر المتوسط والخليج العربي فأى تحرك في البحر المتوسط لابد وأن ينتهي إلى البحر الأحمر عبر قناة السويس كما أن أى تحرك في الخليج العربي إلى أوروبا لابد أن ينتهي بالضرورة إلى البحر الأحمر عن طريق مضيق هرمز خليج عمان المحيط الهندى باب المندب .
  3. ويعتبر بمثابة خط أنابيب لنقل البترول الخام من مناطق إنتاجه في الخليج العربي إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وتعتمد أوروبا الغربية على البحر الأحمر في نقل احتياجاتها من بتورل الخليج بنسبة 100% كما أن إسرائيل كانت تعتمد حتى أواخر الستينات والسبعينات بنفس النسبة على نقل احتياجاتها البترولية من إيران أيام حكم الشاة محمد رضا بهلوى إلى البحر الأحمر ثم إيلات ثم إلى أسدود عبر خط أنابيب إيلات أسدود وبذلك فإن للبحر الأحمر أهميته الكبرى بالنسبة للأمن العربي والأمن الإسرائيلي والأمن العالمي . لأنه إن كان الخليج العربي يعتبر مركز ثقل في الإستراتيجية الاقليمية والعالمية من ناحيته الاقتصادية فإن هذا الثقل يعتمد على باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس منناحية النقل والتسويق . ولو توقفت الحركة عبر البحر الأحمر في أى جزء من أجزائه فإن نتائج خطيرة تترتب على ذلك إذ تجف معامل التكرير في ميناء روتردامويجف تبعا لذلك خط الأنابيب روتردام الراين الذي يصل روتردام بأحواض الروهر الألمانية ثم فرنكفورت .كذا يجف خط أنابيب روتردام بلجيكا فرنسا وبالتالي ينقطع مرور البترول إلى أوروبا الغربية عن طريق خط الأنابيب "سوميد" الممتد من السحنه على البحر الأحمر إلى شواطئ البحر المتوسط الجنوبية وهذا هو الحافز الحقيقي وراء موافقة الدول الأوربية الغربية على خط غاز سيبريا رغما عن اعتراضات الولايات المتحدة الأمريكية .ولذلك فإنني مع الذين يعتبرون أن منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر منطقة إستراتيجية واحدة لا يمكن الفصل بينهما من الناحيتين الاقتصادية والإستراتيجية فإحداها وهي منطقة الخليج منطقة إنتاج النفط والمنظفة الأخرى هي منطقة خطوط المواصلات لنقل هذا الإنتاج إذن فهذا الاعتماد المتبادل يخلق نظرة إستراتيجية واحدة للمنطقتين .
  4. ثم بالنسبة للتحركات الإستراتيجية والاقتصادية فإن البحر الأحمر يلعب دورا خطيرا من ناحية عامل الوقت والمسافة فهو يوفر الوقت والوقود إذا قورن بالمرور عن طريق رأس الرجاء الصالح لأنه إذا كانت المسافة من ميناء "نورما نسيك" السوفيتي على بحر البلطيق إلى المحيط الهندى عن طريق رأس الرجاء الصالح 12,000 ميل فإنها من مواني البحر الأسود إلى المحيط الهندي عبر قناة السويس لا تتجاوز 3000 ميل ولذلك نجد أن الولايات المتحدة كانت راضية عن استمرار قفل القناة جعل مساعدة الاتحاد السوفيتي لفيتنام الشمالية صعبة للغاية ولم يترك أمامها إلا الطريق البرى عبر الصين الشيوعية وهو أطول ويتعرض إلى ضغوط سياسية.

وبالرغم من هذه الأهميات التي تعتبر عامة بالنسبة للسياسة العالمية والتي يجب وضعها في الحسبان عند "التخطيط الاستراتيجي المصري " إلا أن هناك اعتبارات خاصة بالنسبة لنا تضاعف من أهميته:

  1. فالبحر الأحمر متاخم لكيانات سياسية محل اهتمام مصر ولها معها علاقات:اليمن الشمالي واليمن الجنوبي والسعودية على الساحل الشرقي للبحر الأحمر وجيبوتي وأثيوبيا والصومال والسودان على ساحلة الغربي .
  2. وهو أيضا قريب للكثير من المناطق الحساسة لمصر فهو قريب من "منابع النيل وروافد" التي تمد مصر بالمياه وينظم ذلك اتفاقيات دقيقة لدول حوض نهر النيل ثم يؤثر ويتحكم كما سبق أن قلنا في منطقة أخرى تشبه منطقة حوض النيل وهي منطقة الزيت في الخليج والسعودية والتي تعتبر بمثابة منطقة المنبع التي تنقل إنتاجها عبر منطقة خطوط مواصلات خطيرة أهمها البحر الأحمر. هذه الأهمية وهذا التحكم دعت "مانشين أوماتزيني" وزير خارجية إيطاليا في القرن 19 يقول "إن مفاتيح البحر المتوسط تقع في البحر الأحمر" وهو ما نسميه "بخطة ما تزيني ذى الذراع الواحدة" إذ كان من رأيه وهو رأى صواب أنه يمكن لأى قوة تسيطر على سواحل البحر الأحمر الغربية أن تندفع غربا خلال كردفان ودارفور من السودان ليتصل بمناطق نفوذ لها على ساحل البحر المتوسط في حركة التفاف كبرى تهدد بها مركز ثقل المنطقة كلها وهي مصر وفي الوقت نفسه تتحكم في السواحل الجنوبية للبحر المتوسط وبالمثل فإن أية قوة تتحكم في سواحله الشرقية أو جزء منها كما يحاول الاتحاد السوفيتي الآن يمكنها أن تندفع شرقا إلى منطقة الخليج الحساسة لتتصل بمناطق نفوذ لها في الشرق في حركة التفاف واسعة إلى بحر قزوين هذه الخطة نسميها " الخطة ذات الذراعين " ذراعها اليسري هي " ذراع خطة ما تزين " بالارتكاز على أثيوبيا في البحر الأحمر وليبيا في المتوسط أما ذراعها اليمني من اليمن الجنوبي مرتكزة على عدن إلى أفغانستان أما الولايات المتحدة فتحاول كسر الذراعين وتمنعهما من إتمام حركة "الكلمات الكبيرة ".
  3. ويطل البحر الأحمر على الأرض التي يوجد بها الأماكن المقدسة للمسلمين وتقوم السفن بنقل الحجاج عبر البحر الأحمر من ميناءى السويس وسفاجة إلى ميناء جدة وهي الميناء البحري لمكة مكان الكعبة التي يحج إليها المسلمون من كافة أنحاء العالم وقبل أن تصبح السعودية دولة بترولية كانت مصر ترسل "كسوة الكعبة" وتمدها بمساعدات كبيرة في مجال التعليم والطب ونشر الدين واستمر ذلك إلى وقت قريب.
  4. ثم العلاقات التاريخية بين العرب بوجه عام ومصر بوجه خاص بالدول الإفريقية ويمكن أن يقال إن مصر كانت قد تمكنت في منتصف القرن الماضي من تحقيق أقصي إتساع لعمقها بالامتداد إلى السودانومنه جنوبا حتى المناطق الشمالية من بحيرة فيكتوريا وبالسيطرة على كل الساحل الغربي للبحر الأحمروالامتداد منه إلى الجانب الأفريقي مضافا إليها ولو لفترات محدودة السعودية واليمن في الشرق وسواحل الصومال المطلة على المحيط الهندى لدرجة أن صمويل بيكر كتب الآتي "لا شك أن مصر وحدها هيالتي تستطيع أن تدخل الحضارة إلى أفريقيا النيلية بإنشاء حكومة نظامية فيها وبذلك تضمن حماية الرحالة والسائحين في تلك الجهات وتفتح أواسط إفريقيا للحضارة والعمران ويكفي دليلا على ذلك أن السائح الأوروبي أصبح في مقدروه أن يجوب الأماكن البعيدة التي امتد إليها الحكم المصري دون أن يخشي على نفسه أكثر مما كان يخشاه من سيره عند غروب الشمس في حديقة هايدبارك"
  5. وإسرائيل التي فرضت نفسها في المنطقة أضافت إلى اهتمامات السياسة المصرية بالبحر الأحمر إذ أصبحت كل من القومية العربية والقومية الصهيونية وجها لوجه وكانت إحدى صور المواجهة تتم في خليج العقبة والبحر الأحمر إذ بدأت إسرائيل في إنشاء إيلات لاتخاذها قاعدة لاختراق إفريقيا بمساعدة الدول الاستعمارية عن طريق التمثيل الدبلوماسي ثم عن طريق التبادل التجارى خاصة وأن قناة السويس كانت مقفولة أمام الملاحة الإسرائيلية فركزت إسرائيل على البحر الأحمر للوصول إلى دول شرق افريقيا ووسطها ولحليفتها جنوب إفريقيا .

الموقف عند قيام ثورة يوليو في منطقة البحر الأحمر

كان الموقف عند قيام الثورة معقدا غاية التعقيد مليئا بالمشاكل الخطيرة والتحديات الكبرى:

  1. فعلي امتداد قناة السويس المدخل الشمالي للبحر الأحمر كانت هناك القاعدة البريطانية التي قدر عدد القوات التي كانت تتمركز فيها لبما لا تقل عن 80,000 مقاتل وكانت تشمل علاوة على ذلك بعض المطارات والمخازن المليئة بالمعدات والأسلحة وقد اكتسبت القاعدة البريطانية صفةالشرعية بعقد معاهدة 1936 والتي رضي بها أغلب الأحزاب التي كانت قائمةفي ذلك الوقت في عام 1951 كانت المعاهدة قد فقدت هذه الشرعية بعد أن ألغتها حكومة الوفد.وبالرغم من هذا الإلغاء القانوني لمعاهدة وبالرغم من الصدامات الدامية التي وقعت بين المصريين والبريطانيين على المستويين الرسمي والشعبي إلا أن القوات الأجنبية تشبشت بمواقعها في القناة وعلاوة على أن منطقة القناة كلها كانت قاعدة لقوات أمنية فإن القناة نفسها كانت تدار بواسطة الاحتكارات الأجنبية ممثلة في شركة قناة السويس التي كانت تستولي على إيراداتها فيما عدا حصة ضئيلة لا تتجاوز المليونين من الجنيهات تعطي للحكومة المصرية وكانت هذه الشركة وبحق دولة داخل الدولة .
  2. وكانت إسرائيل قد وطدت أقدامها في فلسطين المحتلة وأخذت تعزز مواقعها في خليج العقبة لتتخذ من البحر الأحمر شريانا للاتصال بالدول الأفريقية وتعويضا لها عن قفل قناة السويس أمام ملاحتها وكان الوضع الاستراتيجي لإسرائيل خطيرا للغاية إذ قسم ولأول مرة البلاد العربية جغرافيا بعد أن كانت هذه البلاد تشكل كتلة إستراتيجية واحدة وقد تم لها ذلك حينما استولت على النقب ثم على أمر رشرش التي حولتها بعد ذلك إلى ميناء فإن الثورة ورثت مشكلة فلسطين ولم تصنعها .
  3. كان السودان ما زال تحت الحكم الثنائي المصري البريطاني من الناحية الشكلية إذ كان الحكم بريطانيا .وبالرغم من أن الملك كان قد اتخذ لنفسه لقب مصر والسودان ودار فور بالرغم من أن الأحزاب كانت تنادى بضم السودان إلى مصر ,وبالرغم من أن بعض القوات المصرية كانت موجودة في الخرطوم وجبل الأولياء وبورسودان إلا أن بريطانيا كانت هي التي تحكم وتقرر .
  4. أما الصومال الذي يعتبر همزة بين عرب إفريقيا وزنوجها في الشرق فكانت تحت وصاية الأمم المتحدة والإدارة الإيطالية وكان الأمم المتحدة قد أنشأت هيئة تابعة لها هي " المجلس الاستشاري " منذ عام 1950 مكونة من مندوبين عن مصر وكولومبيا والفلبين بقصد الإشراف على الإدارة في الصومال والتأكد من تطوير البلاد نحو الاستقلال خلال فترة تنتهي عام 1960 وكان وجود مصر في هذا المجلس شكليا قبل الثورة فلم يكن لدى مصر الرغبة أوالقدرة على الاصطدام بالمصالح الاستعمارية من أجل تحقيق آمال القوى الوطنية في الصومال.أما الحبشة تحت حكم الامبراطور العجوز هيلاسلاسي فكانت تحاول توسيع أراضيها في شرق إفريقيا في ظل حكم رجعي متأخر يقع تحت وهم تمثيله للقاعدة المسيحية الوطيدة في أفريقيا يقف حارسا أمينا ضد الانتشار الإسلامي في القارة .
  5. أما إلى الساحل الشرقي للبحر الأحمر كانت هناك السعودية واليمن يعيشان في ظل حكم رجعي استبدادي يستند إلى طريقة حكم القرون الوسطي أما عدن فكانت قاعدة بريطانية كبرى وبذلك كانت بريطانيا تتحكم في المدخل الشمالي للبحر الأحمر عن طريق قاعدة قناة السويس وتتحكم أيضا في مدخله الجنوبي وهو باب المندب عن طريق قاعدتها في عدن ثم كانت في نفس الوقت تتحكم في منطقة الخليج بقواعد هناك.وكانت هذه الأوضاع تتناقض مع مبادئ الثورة الوليدة وتقيد تحركاتها بعد أن وضحت سياستها في تحقيق الاستقلال وتطهير أراضيها من القوات الأجنبية وعدم الدخول في أحلاف تدخلها إلى مناطق النفوذ وأن مصر لا تستطيع أن تعيش وحدها إذ تعتبر الثورة نفسها جزءا من ثورة التحرر الوطني في العالم بوجه عام والتحرر العربي بوجه خاص وكان هذا إيذانا بالتصادم الذي استمر لسنوات قادمة.

النظرة الاستراتيجية للثورة المصرية للبحر الأحمر

كان البحر الأحمر ومن اللحظة الأولي له مكانته الهامة في السياسة المصرية كما يتضح من التفاصيل التالية :

منطقة قناة السويس

إذا كان البحر الأحمر يؤثر في قناة السويس إيجابيا وسلبيا فإن قناة السويس تؤثر في البحر الأحمر تأثير خطيرا ومباشرا فالقناة أنبوب يصل بين بحيرتين مقفولتين تسيطر البلاد العربية على إحداهما بالكامل وهو البحر الأحمر وتسيطر على الأخرى وهي البحرالمتوسط من ساحليه الجنوبي والشرقي وموضع مصر منهذا الوضع "الجيوبوليتيكي" يؤكد أنها هي المنطقة الحاسمة في أية مواجهة بين القومية العربية وأعدائها وهذا هو قدر مصر شاءت أم أبت .

كان هذا في الماضي وسيظل أيضا في الحاضر والمستقبل وأية محاولة للتقليل من هذا الدور أو احتوائه تهدف إلى احتواء المنطقة العربية كلها والسيطرة عليها وإذا كانت مصر هي خط الدفاع الأول عن القومية العربية فإن سيناء التي يجددها خليج العقبة شرقا وخليج السويس وقناة [[السويس] هي الأرض الحيوية فيالمنطقة الدفاعية عن مصر التي تكون دائما هدفا للمعتدي

وتكتمل هذه النظرة في الإطار الآتي:

  • من يسيطر على فلسطين يهدد سيناء .
  • ومن يسيطر على القناة سيطر على مصر وعلى البحر الأحمر .
  • ومن سيطر على مصر سيطر على العرب .

منطقة خليج العقبة

إذا نظرنا إلى الفاصلين المائيين اللذين يشقان الساحة العربية وهما الخليج العربي والبحر الأحمر بمنطقة خليج العقبة نجد أنهما يكملان بعضهما البعض .أحدهما منطقة إنتاج الزيت والآخر منطقة خطوط نقله .

ومنطقة الخليج العربي تفصل بين قوميتين: القومية الفارسية والقومية العربية وبين طائفتين من دين الإسلام هما طائفة الشيعة وطائفة السنة.

كما أن البحر الأحمر بخليجية وقناته يفصل بين البلاد العربية الأفريقية والبلاد العربية الأفريقية والبلاد العربية الآسيوية خاصة بعد احتلال إسرائيل لإيلات والنقب وهما يفصلان أيضا أقصد خليج العقبة وسيناء بين قوميتين العربية والإسرائيلية وبين دينين هما الدين اليهودي والدين الإسلامي .

ويتحكم في منطقة خليج العقبة والذييقع عليه ميناءى العقبة الأردني وإيلات الإسرائيلي جزيرتا "تيران" وصنافر السعودتيان وعن طريق هذا المضيق يمكن التحكم في أية تجارة إسرائيلية مع بلدان شرق إفريقيا وغيرها فهي تصدر الموالح والصناعات نصف المصنعة أو كاملة التصنيع إليها وتستورد منها المواد الخام علاوة على اتصالاتها بجنوب إفريقيا علاوة على نقل البترول الإيراني إلى أسدود عبر أنبوب إيلات أسدود الذي كان قطره 8 بوصات ثم زاد إلى 12 بوصة .

منطقة باب المندب والجزر المحيطة

إذا كان من الممكن السيطرة على خليج العقبة بواسطة جزيرتي صنافر وتيران فإنه يمكن السيطرة على البحر الأحمر والخليج العربي من باب المندب لأن "الترويكا المتحكمة" في المنطقة الاستراتيجية التينتحدث عنها هي مضيق هرمز باب المندب قناة السويس إذ أنها تتحكم في بعضها تحكما متبادلا.

وعلاوة على ذلك فإن للمنطقة الجنوبية للبحر الأحمر مميزات هامة:

فإذا كانت السواحل الشرقية والغربية للبحر شمال هذه المنطقة عربية بالكامل فيما عدا الساحل الصغير الذي يقع عليه إيلات الإسرائيلية في خليج العقبة فإن الساحل الغربي الجنوبي تقع عليه أرتريا التي هي مطمع للإمبراطور هيلاسلاسي كما يقع عليها جبيوتي المستعمرة الفرنسية أما الساحل الشرقي في المنطقة فهو ساحل عربي .

يضيق البحر في هذه المنطقة تدريجيا كلما اتجه نحو الجنوب حتى يصبح في أضيق اتساع عند بابالمندب تماما بين ساحلي عدن وجيبوتي وهي المنطقة التيتصل البحر الأحمر بخليج عدن الذي يطل عليه القرن الأفريقي ثم البحار المفتوحة في المحيط الهندي منطقة بهذه الأهمية لابد وأن تكون محل صراع عالمي في المستقبل القريب خاصةإذا تمكنت مصر من إجلاء البريطانيين عن القناة

هذه النظرة الاستراتيجية جعلت عبد الناصر يقول في فلسفة الثورة:

"إن القدر لا يهزل وليست هناك احداث من صنع الصدفة ولا وجود يصنعه الهباء ولن نستطيع أن ننظر إلى خريطة العالم نظرة بلهاء لا ندرك بها مكاننا على هذه الخريطة ودورنا بحكم المكان أيمكن أن نتجاهل أن هناك دائرة عربية تحيط بنا وأن هذه الدائرة منا ونحن منها امتزج تاريخنا بتاريخها وارتبطت مصالحنا حقيقة وفعلا لا مجرد كلام ؟ أيمكن أن نتجاهل أن هناك قارة إفريقية شاء لنا أو علينا سواء أردنا أم لم نرد؟

أيمكن أن نتجاهل أنهناك عالما إسلاميا تجمعنا وإياه روابط لا تقربها العقيدة الدينية فحسب وإنما تشاهدها حقائق التاريخ؟ وكما قلت سابقا فإن القدر لا يهزل ".

التحرك المصري لتنفيذ الاستراتيجية البحر أحمرية للثورة الاستقلال الوطني وحرب التحرير حددت الثورة هدفها منذ اليوم الأول في ضرورة انسحاب القوات البريطانية من مصر انسحاب كاملا وبذلك يتحقق للبلاد استقلالها الذي كافحت من أجله أجيال عديدة وبذلت في سبيله آلاف الضحايا .

وقد كان تقدير الموقف الاستراتيجي في منتصف عام 1952 من واقع الوثائق الرسمية يتلخص في الآتي:

تواجه القوات المصرية عدوين في وقت واحد: بريطانيا في القناة وإسرائيل على الحدود الشرقية لا يمكن لأية مفاوضات سياسية مقبلة مع بريطانيا للجلاء أن تنجح إلا بمساندة العمل الحربي على أن يعطي ثقل خاص للعمليات الفدائية في منطقة القناة.

لا يمكن لمصر خوض أية معركة عسكرية ناجحة سواء كانت دفاعية أو هجومية ضد إسرائيل طالما ظلت القوات البريطانية في منطقة القناة تهدد خطوط مواصلاتنا نحو الشرق وتتحكم فيها العدو الرئيسي في الوقت الحالي هو القوات البريطانية في القناة والعدو الفرعي هو القوات الإسرائيلية قبل تحريك العمل الفدائي ضد البريطانيين في القناة لابد من إخلاء سيناء من قواتنا العسكرية حتى لا يكون هناك ضغط علينا إذ يمكن للقوات البريطانية أن تمنع مرور الامدادات والذخائر من كوبري الفردان أو من أية أماكن أخرى عبر القناة وتتخذ من ذلك ورقة ضغط في يدها في الأيام التالية .

وفعلا أخليت سيناء من القوات المسلحة المصرية فيما عدا بعض الوحدات الرمزية في المناطق الحساسة وقبيل بدء المفاوضات عبر عبد الناصر عن إستراتيجية مصر في ذلك الوقت بالآتي "إننا سنناضل بكل ما أوتينا من قوة حتى لو اقتضي ذلك إراقة الدماء إذا أرغمونا على ذلك ونحن نعرف أنه ليس في استطاعتنا هزيمة القوات البريطانية ولكننا نعرف أنه في إمكاننا جعل الوجود البريطاني في القناة عديم الفائدة لها ولحلفائها على السواء "

وبدأت أعمال الفدائيين قبل بدء المفاوضات وأثناءها على أساس نظرية " كلام كلام .قتال قتال" كما بدأت المفاوضات في 23 / 4/ 1953 وقطعت يوم 6/5/ 1953 إذ لم تكن الضربات العسكرية المصرية قد أقنعت البريطانيين بعد بالوصول إلى اتفاق فاشتدت الهجمات على المعسكرات البريطانية وبدأت الحرب النفسية والاقتصادية بإعلان الحصار الاقتصادي على القوات البريطانية وبدأت الحرب النفسية والاقتصادية بإعلان الحصار الاقتصادي على القوات البريطانية في القناة

ونتيجة لهذه الضغوط وقعت اتفاقية الجلاء يوم 27 /7/1954 وكانت تنص على تحقيق الجلاء خلال 30 شهرا مع بقاء أجزاء من القاعدة في حالة تصلح للاستخدام على أن تقدم مصر لبريطانيا التسهيلات لمواجهة أى هجوم مسلح من دولة خارج المنطقة على أى بلد يكون طرفا في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو على تركيا وكانت مدة الاتفاقية سبع سنوات من تاريخ التوقيع وهكذا تحررت القناة جزئيا وكمرحلة أولي من السياسة المصرية البحر أحمرية .

تأميم قناة السويس وحرب 1956 والاستيلاء على القاعدة البريطانية في القناة

قبل حدوث التأميم كان عبد الناصر قد حقق عدة انتصارات كبرى:معركة رفض الدخول في مناطق النفوذ معركة حرب التحرير والجلاء معركة عدم الانحياز معركة كسر احتكار السلاح معارك القضاء على الرجعية والإقطاع ولذلك فإن ربط العدوان الثلاثي عام 1956 بالتأميم فقط ليس ربطا دقيقا من الناحية التاريخية إذ أن التأميم كان " القشة التي قصمت ظهر البعير " بعد أن اتجهت مصر اتجاها خطيرا لم تعهده الدول الاستعمارية من قبل .

وكان من نتيجة العدوان الثلاثي والصمود الذي ووجه به تحقيق الآتي:

  • أصبحت قناة السويس مصرية وعادت ملكيتها إلينا.
  • ألغيت المعاهدة وتم الاستيلاء على القاعدة البريطانية وبذلك تطهر المدخل الشمالي للبحر الأحمر .
  • أصبح الطريق مفتوحا نحو الشرق في سيناء دون تهديد أجنبي لخطوط مواصلاتنا وعادت قواتنا إلى أماكنها في سيناء تبعا للخطط الموضوعة .
  • تم تمصير الممتلكات الأجنبية .
  • ارتفع شأن مصر في المجال الدولي بصفة عامة وفي المجال العربي والأفريقي بصفة خاصة .
  • تم بناء السد العالي .

ولكن تخلف عن هذه الحرب نتيجتان هامتان كان لهما تأثيرهما الكبير في حرب 1967:

  1. المسألة الأولي وجود القوات الدولية في سيناء بوجه عام وشرم الشيخ بوجه خاص ثم حرية الملاحة في خليج العقبة بالنسبة لإسرائيل وهو وضع استغلته الأنظمة العربية عام 1967 في هجماتها الدعائية الضارية .
  2. والمسألة الثانية خاصة بتعطيل الملاحة في قناة السويس أثناء العدوان صحيح أعيد فتح القناة للملاحة من جديد ولكن بعد أن أحست الدول العظمي بتأثير ذلك عليها وبأنه كان ورقة رابحة في يد مصر الذي جعلها تتخذ من الاحتياطات التي قللت من تأثير غلق القناة مرة أخرى أثناء عدوان 1967 .

السودان

كان الزعماء الوطنيون والحكومات السابقة في مصر قبل قيام الثورة يطالبون بسيادة مصر على السودان أو بحق ضمه إلى مصر بل أعلن الملك فاروق نفسه ملكا على مصر والسودان وكانوا يستندون في ذلك إلى الروابط المتينة التي تربط شعبي وادي النيل منذ القدم وكثيرا ما تحطمت المفاوضات التي كانت تدور بين مصر وبريطانيا على صخرة السودان .

إلا أن السياسة المصرية في بداية الثورة فاجأت الجميع حينما أعلنت عن تصميمها على إنهاء الاحتلال الثنائي للسودان أولا والدعوة بعد ذلك إلى وحدة وادي النيل من خلال الاعتراف بحق الشعب السوداني في تقرير مصيره ووافق عبد الناصر على إجراء استفتاء عام في السودان من أجل تحقيق ذلك بعد تحقيق المناخ المناسب وذلك بالاتفاق على فترة انتقال مدتها ثلاث سنوات يتم فيها تصفية الإدارة الثنائية كما تقرر تأليف جمعية تأسيسية منتخبة لتقرير مصير السودان على أساس ارتباطه بمصر في أية صورة من صور الارتباط أو الاستقلال التام أى الانفصال عن مصر .

كما تقرر سحب القوات البريطانية والمصرية من السودان فورا عندما يعلن البرلمان السوداني عن رغبته في الشروع في اتخاذ التدابير الخاصة بتقرير المصير رغم أن مصر عملت طول فترة الانتقال على إقناع الشعب السوداني للارتباط بمصر لتحقيق وحدة وادى النيل إلا أنه حينما رأت أن الغالبية العظمي للشعب السوداني تفضل الاستقلال بادرت على الفور بتأييد هذا الاتجاه وسحبت قواتها من السودان تاركة أسلحتها الثقيلة هدية للجيش السوداني فاضطر البريطانيون إلى سحب جيشهم منهيا احتلال السودان .

وهكذا فإن كانت مصر قد فشلت في تحقيق الوحدة مع السودان إلا أنها كانت قد نجحت في طرد البريطانيين من هناك واكتساب صادقة الشعب السوداني بل فتحت مجال العمل في أفريقيا كلها وبإخلاصها والتزامها بالمبادئ الأساسية التي قامت عليها سياستها الأفريقية بعد ذلك..

وهي تصفية الاستعمار وحق تقرير المصير وحينما تحقق تصفية القاعدة البريطانية بعد ذلك في قناة السويس عام 1957 أصبح كل الساحل الغربي للبحر الأحمر حتى كسلا ونهاية الحدود السودانية خاليا من القوات الأجنبية باختلاف وسيلتين مختلفتين في مجال السياسة:الدبلوماسية كما حدث في طرد البريطانيين من السودان والضغط العسكري إلى جانب التفاوض كما حدث في طرد البريطانيين من القناة.

الصومال

في أوائل الخمسينات تلخص الموقف في الصومال ذات الموقع الإستراتيجي الهام في القرن الإفريقي في الآتي:

وجود صومولات خمسة هي الإيطالي والانجليزي والفرنسي والأثيوبي والكيني.وضع الإقليم تحت الوصاية للأمم المتحدة التي أنشأت "المجلس الاستشاري " منذ عام 1950 مكونا من ثلاث دول هي مصر وكولومبيا والفلبين للإشراف على البلاد لتحقيق استقلالها عام1960.

كان الإيطاليون الذين يملكون السلطة الإدارية ويسيطرون على اقتصاديات البلاد ويملكون معظم الأراضي الخصبة لا يريدون تغيير الأوضاع فكانوا يعرقلون أى جهد يقوم به المجلس الاستشاري لإشراك الوطنيين في الإدارة وتدرجهم نحو الاستقلال .

البريطانيون لا يعارضون في استقلال " هرجسية الصومال الانجليزي " على أن يتحد مع الصومال الإيطالي بعد استقلاله في دولة مستقلة تدخل رابطة الكومونولث البريطاني أثيوبيا تسعي إلى ضم الإقليم الذي تديره إلى الوطن الأم كما ضمت الأوجادين من قبل تؤيدها الولايات المتحدة .

كانت كل هذه القوى المتصارعة تتفق على شئ واحد هو القضاء على الملامح العربية للصومال وإيجاد علاقة اقتصادية بينها وبين إسرائيل .وسط هذه المؤامرات الضخمة أعلنت مصر عام 1952 عن سياستها بمساندة القوى الوطنية في الصومال من أجل الاحتفاظ بمقومات الشخصية الصومالية بجذورها العربية الإسلامية ووحدة أراضيه وقطع الطريق على إسرائيل حتى لا تدعم علاقاتها الاقتصادية مع البلاد .

وقد استندت مصر في نشاطها إلى وضعها القانوني في المجلس الاستشاري الذي كان يعطيها حق محاسبة الإدارة الإيطالية عن طريق الأمم المتحدة كما أعطاها حق الوجود في مقديشيو الاتصال بكافة الهيئات والتنظيمات السياسية وتقديم المساعدة لها فقدمت مصر مساعداتها الايجابية عن طريق إمداد المدارس العربية التي تفتتحها الجمعيات والأحزاب السياسية بالمدرسين والكتب العربية وأعطت كثيرا من المنح الدراسية في المعاهد والمدارس والجامعات لأبناء الصومال

كما فتح الأزهر أبوابه لأعداد هائلة من الصوماليين وقام بإرسال بعثة أزهرية إلى الصومال كان أعضاؤها يخطبون في الجوامع بجانب رسالتهم التعليمية ثم عملت مصر على استيراد جزء كبير من احتياجاتها من الماشية من الصومال الأمر الذي ربط مصالح التجار بالقاهرة وجعلهم يترددون عليها .

  • وقد استقل الصومال عام 1960 وأصبح عضوا في الجامعة العربية .اليمنان العملية 9000 والعملية صلاح الدين توفي الإمام أحمد حميد الدين في سبتمبر 1962 وتولي ولده محمد البدر الإمامة من بعده ولم تنقض إلا أيام قليلة على توليه الحكم حتى قامت ثورة 26 سبتمبر 1962 أطاحت به وبملك أسرة حميد الدين وفر هاربا إلى الجبال وظهر مرة أخرى بعد أسابيع ليحشد قوات لمقاومة قوات الثورة في صنعاء وهنا حقيقتان لابد من التركيز عليهما .
  • كان حكم أسرة حميد الدين استبداديا لا يعترف بالتعليم أو الانفتاح على العالم .
  • أن السعودية هي التي بدأت التدخل في ثورة اليمن عقب قيامها بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا وقامت بإنشاء محطة إذاعة للملكيين تندد بالنظام الجديد ودفعت الأمين الحسن عم البدر إلى الجبال للمقاومة حتى البدر من جديد من مكان اختفائه واتخذت من منطقتي جيزان ونجران قاعدة كبرى لعمليات القوات الملكية بقيادة البدر وتحت إشراف الخبراء الأجانب
  • ثم أخذت تستأجر الجنود المرتزقة بأجور خيالية لتدفع بهم إلى داخل اليمن وأخذت الولايات المتحدة تمد السعودية بالسلاح لتغذي حرب العرب ضد العرب بينما قامت بريطانيا بمساندة عمليات شريف بيجان من الجنوب وتعمل على تفتيت اليمن الشمالي بفصل جنوبه من الشوافع عن شماله من الزيود ثم التركيز على مستعمراتها في عدن .
  • أمام هذا التدخلات قامت الجمهورية الوليدة بطلب مساعدة مصر حتى يمكنها مواجهة الضغوط الكثيفة التي تواجهها ووافقت القاهرة على مساعدة صنعاء في عملية كبرى كان اسمها الكودي العملية 9000 ولكن إلى جانب تدعيم الحكم عسكريا أخذت مصر تدخل الحضارة إلى اليمن فأنشأت جهازا للدولة لأول مرة في تاريخ اليمن وأسست المساعدات العربية لبناء اليمن ثم قام الاتحاد السوفيتي والصين ودول المعسكر الاشتراكي بإنشاء المواني والطرق وتقديم المساعدات المختلفة.

وحدث فجأة ما كانت تخشاه القوى المضادة فاشتعلت الثورة في عدن واليمن الجنوبي وساعدتها مصر بكل قواها (العملية صلاح الدين) ففتحت بذلك جبهة جديدة أمام الاستعمار وعمت الثورة أنحاء البلاد إلى أن وقعت بريطانيا معاهدة مع اليمن الجنوبية تعترف فيها باستقلالها التام وأخذت تنسحب من قاعدتها إلى غير رجعة وفي نفس الوقت أخذ مركز الجمهورية في الشمال يقوي ويتدعم وأصبحت قوى القومية العربية تسيطر سيطرة كاملة على باب المندب .

وكانت نتائج أحداث اليمنين خطيرة بحق:

فقد قامت الجمهورية اليمنية وهبت رياح التغيير لتخرج شعب اليمن من الظلمات إلى النور وانطلقت حركة التغيير والتعمير في الجزيرة العربية بما فيها السعودية خوفا من رياح الثورة العاصفة .
خرجت دولة اليمن الجنوبية إلى الوجود كدولة مستقلة .السيطرة العربية على باب المندب وأصبح البحر الأحمر بحرا عربيا بحق .

وسط هذه التغييرات الخطيرة التي أحدثتها الثورة المصرية اختمرت خطة التآمر لضرب القاهرة بعد أن فشلت كل المحاولات والضغوط لإبقاء القاهرة محصورة في حدودها فكانت حرب 1967 والتي انتهت بنكسة تشابهت مع الضربة التي وجهت إلى محمد على بعد ضرب الأسطول المصري في معركة نفارين عام 1840 بتآمر الدول الكبرى .

وقد استغلت إسرائيل نكسة 1967 لتزيد من تواجدها في البحر الأحمر واتخذت في سبيل ذلك عدة إجراءات منها:

بناء بعض المطارات في سيناء التي يمكنها عن طريقها الوصول إلى أغراض بعيدة من البحر أو حوله ضمن سياسة أمنها نقل بعض الزوارق الحربية برا من موانيها في البحر المتوسط إلى البحر الأحمر محاولات البحث عن البترول في مياه خليج السويس محاولة التدخل في إدارة قناة السويس عند فتحها مرة أخرى للملاحة أى المشاركة في الإدارة ولم تقبل القاهرة في ذلك الوقت تغيير الأوضاع في البحر الأحمر فقاومت المحاولات الإسرائيلية الاستعمارية كلها .

فمن ناحية زيادة النقل العسكري الإسرائيلي في البحر الأحمر قامت مصر بنشر سفنها التابعة لأسطول البحر الأحمر في بعض المواني المصرية وميناء بورسودان .كما قامت بنشر قواتها الجوية في مطارات السودان في الجنوب كذا بعض قواتها البرية في جبل الأولياء وبذلك قدمت السودان أراضيها لزيادة العمق المصري.

قاومت مصر أية محاولات إسرائيلية للبحث عن البترول في خليج السويس فلما أرادت إسرائيل الحفر في خليج السويس عن البترول مستخدمة الحفار "كينتج" ومر في أبيدجان عاصمة ساحل العاج بعملية إيجابية للمخابرات المصرية تعد من أعظم عمليات المخابرات في تلك الحرب .

وقد قمت بنفسي بالتخطيط لهذه العملية والإشراف على تنفيذها بنجاح أيام رئاستي لجهاز المخابرات العامة ومعي جماعة من الرجال الأكفاء ذوى العزم والقدرة كان الحفار إنجليزيا اشترته شركة أمريكية كندية سجلت نفسها في " دنفر عاصمة كولورادو" بالولايات المتحدة يجره جرار هولندي وتمت المحاولة الأولي لضربه في "داكار" عاصمة السنغال يوم 19/ 2/1970 إلا أن الحفار غادر الميناء فجأة قبل تنفيذ العملية ونجحت محاولتنا الثانية في تعطيل الحفار في أبيدجان يوم 8/ 3/ 1970 وقفل راجعا إلى ميناء "تيما"ر في غانا حيث بيع بعد ذلك كخردة .

أما عن موضوع قناة السويس فقد رفضت مصر في عهد عبد الناصر أية مبادرات للانسحاب الجزئي على أساس إعادة فتح قناة السويس في مقابل ذلك ثم رفضت كل المحاولات التي قامت بها الدول الاستعمارية عن طريق مندوبيها لجعل منطقة القناة منطقة حرة .

من ضمن هذه المحاولات محاولة كان يقوم بها مليونير أمريكي يدعي "ديتويللر" حضر ومعه صديقته الحسناء في يد وفي اليد الأخرى حافظة أوراق بها خرائط مدروسية كاملة لجعل القناة ولمسافة عشرة كيلو مترات شرقها وأخرى غربها منطقة حرة تقسم بين الدول لتمارس نشاطها فيها وتكون كمنطقة عازلة بيننا وبين إسرائيل وقد قابلت الرجل وأخذ عبد الناصر علما بقدوم الرجل واطلع على مشروعاته دون أن يقابله ولكنه رفض كل هذه المحاولات على أساس أن القناة مصرية ولابد أن تبقي مصرية .

الشئ الغريب حقيقة أن موقف إسرائيل في ذلك الوقت كان أضعف مواقفها فقد أثمرت السياسة المصرية الإفريقية فقطعت كل الدول إفريقيا علاقاتها مع إسرائيل وتوقفت حركة التجارة معها ثم توقف ضغط البترول الإيراني الذي ما كان يمكن أن يمر في السفن عبر باب المندب وثبت أنه إذا كان من الممكن حصار إيلات من مضيق العقبة بجزيرتي صنافر وتيران فإنه يمكن قفل مضيق العقبة عن طريق باب المندب .

وثبت أكثر من ذلك أن مصر وليس غيرها هي الدولة المتحكمة في الملاحة في البحر ففي حربين متتاليين تمكنت مصر من السيطرة على الملاحة في البحر الأحمر عن طريق قناة السويس وأنه أمكنها أن تثبت للعالم أجمع أنه يمكنها أن تكون أداة "فصل" كما يمكنها في الوقت نفسه أن تكون أداة "وصل" مهما قيل غير ذلك .

تقييم للسياسة الناصرية البحر أحمرية

لا شك أن عبد الناصر كان يتمتع بالقدرة على النظرة الشاملة للمسرح السياسي الذي تحرك عليه بمهارة ضمن ما يسمى "بالمخطط الكبير" وهذا هو أهم أسباب صموده أمام الظروف الصعبة الضاغطة التي عمل في ظلها كان يعلم من التاريخ أن الخطر يداهم مصر دائما من الشرق وأن قناة السويس كانت موقع جذب للطامعين,ولم ينس أبدا كيف استغلها البريطانيون عام 1882 في كسر قوات عرابي إذ خاضوا معه معركة خداعية في كفر الدوار ثم نزلوا في القناة رغما عن الاتفاقيات الموجودة ليضربوه من الخلف .

لم ينس عبد الناصر أبدا ذلك ولذلك فإننا نجد أن كل معاركه دارت حول قناة السويس معركة التحرير من عام 1952 -1954 ،معاهدة الجلاء ،تأميم القناة العدوان الثلاثي ،حرب 1967 ،حرب الصمود والاستنزاف ...

كان للرجل تطلعات كبيرة ضخمة ربما فاقت الإمكانيات المتاحة لدرجة أن البعض يقول إن عبد الناصر وجد في غير عصره ولكنه كان يتغلب دائما على قلة الإمكانيات بقدرته الفائقة على السرية والمفاجأة وسرعة توجيه الضربات في الوقت السليم

الاستخدام المتميز للرسائل العسكرية ممزوجة بالوسائل الدبلوماسية ثم الجرأة الهائلة عند مواجهة الأحداث ... لقد أخطأ في بعض حساباته أحيانا ولكن لا يجوز القطع بذلك إلا في إطار المناخ الذي اتخذ فيه قراراته .. فنزع الظروف السائدة عن نوعية القرار لا تجعل وزن الأمور يتم بطريقة سليمة أو موضوعية .

كانت الدائرة العربية هي إحدي دوائره الثلاث التي ملأت قلبه وفكره وكانت الدائرة الأفريقية تشحذ خياله وآماله وكانت الدائرة الإسلامية تعزز الجانب الروحي لأهدافه كانت الدائرة العربية تختلط دائما تحركاته بالدائرة الأفريقية ومن ينظر إلى الخريطة أداة الرجل السياسي يلاحظ بصماته عليها بوضوح.

فإذا كان "مانشين أوماتزيني" أكد في القرن 19 أن "مفتاح البحر المتوسط يقع في البحر الأحمر" فإنه فشل في تحقيق إذ لم يمكنه أن يصل بذراعه الطويلة الممتدة من مصوع إلى البحر المتوسط كذلك الحال مع " ببيتو موسوليني " فإن كان الرجل أنشأ قاعدته في الحبشة والصومال في الجنوب وأنشأ مستعمرته في ليبيا في الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط إلا أنه فشل في "بناء الذراع الطويلة الكاملة" إذ كان يحول بينه وبين ذلك وجود السودان .

وفشل الرجلين راجع إلى اعتماد كلاهما على حق الغزو والاستعمار واستخدام الوسيلة العسكرية كعامل وحيد لتنفيذ السياسة ولكن عبد الناصر نجح في ذلك تماما فكانت الذراع المحيطة بمصر تمر كلها في أراض صديقة نتيجة لسياسته الخلافة .. الصومال الذي وقف إلى جانبه حتى حصل على استقلاله الحبشة التي هادنها في أناة وصبر رغما عن استفزازات الإمبراطور العجوز السودان الصديق شعبا وحكومة ثم إلى ليبيا بعد قيام ثورتها عام 1969 وقضائها على القواعد الأجنبية هناك كانت الذراع الطويلة قد تحققت وظلت كذلك حتى وإسرائيل في الضفة الشرقية للقناة .

بل نجده في بناء الذراع الأخرى ناحية الشرق ... من اليمن الجمهوري الذي حارب معه في العملية 9000 إلى اليمن الجنوبي الذي كافح معه في العملية "صلاح الدين " إلى منطقة الخليج العربي ببغداد ثم الاتحاد السوفيتي الصديق ... فكان بذلك حتى وهو يواجه هزيمة بحرب لا تهدأ ومقاومة لا تنفد مسيطرا على الأمور في المنطقة وعلى البحر الأحمر في شماله إلى جنوبه وقد تم كل ذلك عن طريق خوض المعركة ممزوجة بالدبلوماسية الخلافة ولكن كيف ترك عبد الناصر الموقف بعد أن رحل إلى جوار ربه في 28/ 9/ 1970؟

كان الصراع ما زال محتدما مع إسرائيل في كل المجالات رغما عن إيقاف إطلاق النيران بموجب مبادرة روجرز والذي أوشك على أن تنتهي مدته الأولي وهي ثلاثة شهور ومن المعروف أن مبادرة روجرز كانت تقضي بإعادة سيناء إلى مصر مع إجراء تعديلات طفيفة مع حدود الدول العربية الأخرى لا تحمل معني الغزو إلا أنه رفض ذلك لأنه كان حلا فرديا .

وكانت القوات المسلحة المصرية قد استردت جزءا كبيرا من قدرتها القتالية على الضفة الغربية للقناة وتقوم بمناوراتها التدريبية على خطة العبور. وكان حائط الصواريخ المضاد للطائرات قد تحرك منذ أيام عبد الناصر إلى مسافة قريبة من غرب القناة تسمح بستر عملية العبور المنتظرة وقد تم ذلك بعد قبول مبادرة روجرز مباشرة مما أثار ما يعرف "بأزمة الصواريخ" وهذا الحائط هو الذي عبرت في حمايته قواتنا القناة في 6 أكتوبر 1973

وكانت قناة السويس ما زالت معطلة أمام الملاحة الدولية واتسع عمق مصر غربا بعد قيام ثورة ليبيا في أول سبتمبر 1969 والتي أمدت المقاومة العربية ولأول مرة بطائرات الميستير التي تصل إلى عمق إسرائيل كما اتسع العمق جنوبا في السودان الذي جعل من أرضه تكملة لمسرح العمليات فانتشرت فيه قواتنا البرية والجوية والبحرية كما سبق القول وكانت الدول الأفريقية قد قطعت علاقاتها مع إسرائيل ومصر ما زالت متمسكة بموقف عدم الانحياز وكل دول هذا المعسكر تقف إلى جانبها وفوق كل ذلك كان الاتحاد السوفيتي ما زال يدعم مصر في مواجهة الانحياز الكامل للولايات المتحدة وإسرائيل .

وكان العرب رغم اختلافاتهم المعتادة مجمعين على استعادة حقوقهم قائمين بالتزاماتهم تظللهم الجامعة العربية بالرغم من سلبياتها المعروفة مؤكدة أقل حد من الوفاق وكما سبق أن قلنا كانت الدول الأفريقية دون استثناء تؤكد الحق العربي تظللهم منظمة الوحدة الأفريقية التي لعب عبد الناصر دورا أساسيا في تكوينها وفوق كل ذلك كان التوازن في البحر الأحمر ما زال معقولا إذ كان تحرك إسرائيل في هذا الممر الضيق محفوفا بالمخاطر .

وفوق كل ذلك كان الشعب صامدا والجبهة الداخلية صلدة جامدة رغما عن التضحيات الكبرى التي قدمها لمدة طويلة كان توازن القوى من الناحية السياسية معقولا وكان توازن القوى من الناحية العسكرية يقترب من مرحلة التعادل بخطوات ثابتة وكانت العروض السياسية التي ألقيت في الساحة تتناسب إلى حد كبير مع التوازنات القائمة.

سياسة مصر البحر أحمرية بعد الفترة الناصرية

في ظل هذا التوازن المعقول ارتكبت السياسة المصرية بعد وفاة عبد الناصر خطأين استراتيجيين فادحين أخلا بالتوازن كله حتى قبل أن تبدأ المعركة إذا استبعدت ورقتا ضغط هامتين من مسرح الأحداث كان الخط أن الكبيران هما:

  1. الخطأ الأول ضرب "الناصرية" بطريقة غامضة في أول الأمر ثم بطريقة مكشوفة مركزة بعد ذلك كوسيلة لإرضاء "جبهة الثورة الإقليمية" ولإبعاد صفة "الثورة" عن النظام لمصري أى كان الهدف طمأنة "الثورة الإقليمية ومن وراءها " على حساب " الثورة الإقليمية" وقد يكون هذا جائزا في مجال السياسة والصراع ولكن ما هو المقابل لهذه الخطيئة الكبرى ؟ لا شئ .بل حدث العكس إذ خضعت الإدارة المصرية بعد هذه الخطوة وبعد أن غيرت ثوبها إلى ابتزاز سياسي تم خطوة في أول الأمر ثم بعد ذلك تحول الابتزاز إلى تغيير كامل للأهداف والنوايا.
  2. والخطأ الثاني كان طرد الخبراء الروس وبعد أن تم الطرد أخذ النظام في المطاردة وإعلان الحرب على الاتحاد السوفيتي بعد أن كان النظام قد أعلن عن مبادرة يتم بمقتضاها الانسحاب المحدود عام 1971 . ويزيد من جسامة هذا الخطأ أن الطرد تم بدون مقابل ثم تبعت عملية الطرد عملية المطاردة .

ومن المعروف أن السياسة الأمريكية تقوم على ثلاثية معروفة: المحافظة على بقاء إسرائيل كقوة إقليمية عظمي في المنطقة ألا يتم أى حل عن طريق أى نظام ثوري ألا يسمح بتغلب السلاح السوفيتي على السلاح الأمريكي .

وإذا كانت هذه هي سياسة الولايات المتحدة الأمريكية فإن التفريط في المبدأين الأخيرين من الثلاثية الموضوعية فيه تعزيز للمبدأ الأول وهو زيادة قوة إسرائيل.وقد أخطأت السياسة المصرية في ذلك دون ثمن لدرجة أن هنرى كسينجر لم يصدق وكالات الأنباء حينما نقلت خبر طرد الخبراء السوفيت ولما تأكد من ذلك قال " لو أن السادات طلب مني أى شئ في مقابل هذا الإجراء ما ترددت في تلبيبته".

وبذلك اختلت التوازنات كلها في الداخل وعلى الصعيد العربي ثم الصعيد العالمي ووسط ذلك قامت الحرب ولكن كيف يكون القتال في ظل عدم التوازن هذا؟ إلى أى مدى تصل قواتنا داخل سيناء؟ كيف تمزج المعركة بالدبلوماسية أى كيف يمكن مزج لهجة القتال مع لهجة الكلام؟ أسئلة لم تكن كما ظهر بعد الحرب قد وجدت لها جوابا في ذهن السياسة المصرية وهي تدير "الحرب المحدودة " التي بدأتها في6 أكتوبر 1973 رغما عن خطورة هذا الغموض ونتائجه .

إذ في "الصراعات الإقليمية" يمكن لأية دولة أن تبدأ الحرب في الوقت الذي تحدده وفي المكان الذي تختاره وبالصورة التي تحددها ولكن بعد إطلاق الطلقة الأولي تفقد الدولة لعوامل متعددة قدرتها على إيقاف الحرب والقتال في الوقت المرغوب ولا بالأوضاع التي تحددها ولا بالصورة التي تريدها وليس في نيتنا على الإطلاق أن ندخل في تفاصيل هذه الحرب فكل ما نريده هو توضيح نتائجها على السياسة المصرية البحر أحمرية .

فما هي نتيجة هذه الحرب على السياسة المصرية البحر أحمرية ؟لقد حققت هذه الحرب عملا إيجابيا هو "ترك" إسرائيل لسيناء وهو عمل إيجابي رغما عن الإرادة المصرية المنقوصة على هذا الجزء الغالي من الوطن ورغما عن تواجد القوات متعددة الأجناس التي تقترب بتواجدها هذا وبمحطات الإنذار القابعة في جبل أو خشيب من القاعدة الأجنبية ورغما عن القيود الموضوعة على تواجد قواتنا هناك . أقول رغما عن كل هذه القيود الثقيلة فإن مجرد ترك قوات إسرائيل لسيناء هو عمل إيجابي .

ولكن إلى جانب هذه الإيجابية اختل التوازن في السياسة المصرية كلها فمن ناحية السياسة العربية وجدت مصر نفسها تقف وحدها أمام إجماع عربي عدا عمان و[[الصومالوالسودان]] وسقطت زعامة مصر في العالم العربي ونقلت الجامعة العربية إلى تونس وقفلت السفارات العربية أبوابها في القاهرة وفتحت السفارة الإسرائيلية مبناها.

أما عن سياستنا البحر أحمرية فقد أصيبت بنكسة حقيقية فقد قطعت الدول البحر أحمرية عموما علاقاتها مع القاهرة فيما عدا الصومال والسودان ومن ناحية الذراع اليسرى لخطة عبد الناصر أو ذراع ما تزيني الطويلة نجد أنها قطعت وبترت إذ أنها أصبحت لا تمر بالحبشة التي أثارها وعود السادات لإسرائيل بمدها بمياه النيل رغما عن مخالفة ذلك لاتفاقية مياه النيل الموقعة من الدول المعنية؛

ولم تعد تصل هذه الذراع إلى ليبيا الصديقة والشقيقة في الساحل الشمالي لإفريقيا أو الساحل الجنوبي للبحر المتوسط أما عن الذراع اليمني لخطة ناصر فقد بترت نهائيا فبالرغم من أن اليمن الجنوبي شاركت معنا في قفل باب المندب في أثناء حرب أكتوبر 1973 وبالرغم من وقوف دول الخليج إلى جوارنا في الحرب وكذلك العراق إلا أنها جميعا قطعت علاقاتها معنا أما عن نهاية هذه الذراع فإنها أصبحت عاجزة عن الوصول إلى الاتحاد السوفيتي الذي عادته السياسة المصرية دون سبب .

وبعد أن وجدت مصر نفسها مجمدة في الجامعة العربية وفي مؤتمرات دول عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي وفي منظمة الوحدة الأفريقية تباعدت عن سياسة عدم الانحياز كطريق يمكن أن يخفف من عزلتها .

فنجدها وقد رحبت وبحماس أنتكون شريكا في توافق الاستراتيجيات مع الولايات المتحدة الأمريكية وبذلك أصبحت من الناحية الإستراتيجية في حلف واحد مع إسرائيل ثم اتبعت ذلك بوضع قواعدها الجوية في خدمة القوات الأمريكية وهي تقوم بعمليتها الفاشلة لفك الأسري الأمريكان في طهران ثم وجدت القوات المسلحة المصرية نفسها وهي تقوم بتدريبات مشتركة مع القوات الأمريكية الأمر الذي لم يحدث من قبل حتى مع إحدى القوات العربية .

ولكن الخطر الحقيقي على حياد البحر الأحمر وقع حينما وافقت مصر على إعطاء الولايات المتحدة تسهيلات في ميناء رأس بناس في البحر الأحمر وأخذت القوات الأمريكية تقيم المنشئات والمباني لعملي قاعدة حقيقية خصص لها الكونجرس الأمريكي الاعتمادات اللازمة .

وأصبح البحر الأحمر بعد ذلك مفتوحا للصراعات الدولية فاتخذت الولايات المتحدة قواعد لها في جزيرتي " سنتيان" و" دهلك" اللتين تقعان على بعد 6 أميال بحرية من باب المندب بعد أن استأجرتها من أثيوبيا لمدة 25 عاما تعزيزا لقواعدها في " ديجو جارسيا " و" مالا ديف " و" موريشيوس"

وفي نفس الوقت يقف الاتحاد السوفيتي في عدن بناء على "التسهيلات" التي أعطيت له هناك ليعزز من تسهيلات أعطيت له في " الأوجادين " الذي يتنازعه كل من الصومال والحبشة علاوة على تواجده في مواني أنجولا وموزمبيق. كما يتردد أن إسرائيل موجودة هي الأخرى في جزيرتي " حنش الكبرى " و" حنش الصغرى "

هذه النتائج المقلقة تشير إلى أن مصر في تلك الحقبة وحتى تولي الرئيس محمد حسني مبارك الحكم كان ينقصها "المخطط الكبير" فكانت تقرر فجأة أن تصل إلى " القمر " ولكنها لا تفكر أبدأ كيف تعود مرة أخرى إلى الأرض . فحينما اتخذ قرار الذهاب إلى القدس كان ذلك صعودا إلى القمر ولكن أن يظل الإنسان في القمر أمرا مستحيلا ولابد من عودته مرة ثانية إلى الأرض وإلا تعرض للفناء . فكيف العودة إلى الواقع ؟ إلى الأرض ؟ هذا هو السؤال الذي لم تعرف السياسة المصرية له جوابا وهي تتحرك على مسرح الأحداث

فنجد أنه بعد أن قام الرئيس السادات بإلقاء خطابه في الكنيست ظن أن إسرائيل ستلبي له كل طلباته إلا أن بيجن قال له " سيادة الرئيس. نحن الآن وصلنا إلى القمر وعلينا أن نهبط إلى الأرض حيث نعيش " وكان مناحم فولفو فتتش بيجن يقصد " دعنا من الحركات المسرحية وعد بنا إلى الواقع الذي لا نتعامل مع سواه ".

ثم كانت السياسة المصرية حريصة على استبدال مكاسب ضخمة يحصل عليها الطرف الآخر في مقابل مكاسب أمنية لدرجة أن جيمي كارتر قال في مذاكرته بعد الوصول إلى اتفاقية كامب دافيد " أمضيت طول الليل قلقا وأنا أتساءل " هل ذبحت السادات ؟" وكان الرجل وكأنه يقرأ المستقبل قبل حدوث عملية المنصة بعد ذلك بسنوات محدودة كانت الإستراتيجية المصرية في ذلك الوقت أميل للعطاء أكثر من ميلها للأخذ .

ثم الأخطر من ذلك أن السياسة المصرية في ذلك الوقت عجزت عن فهم سياسة الترابط فبينما هي تتحدث عن الحلول الشاملة نجدها تقبل حلولا جزئية لا تعالج القضية الشاملة من كل جوانبها وتقبل سياسة كيسنجر اللئيمة خطوة خطوة والتي كانت تعني قطعة كبيرة من السلام في مقابل قطعة صغيرة من الأرض .

وباختصار فبينما كانت القيادة السياسية تتحدث كثيرا عن "قدرتها الإستراتيجية" إلا أنها في واقع الحال كانت تتحرك في إطار تكتيكي وحتى ضمن هذا الإطار كان التحرك متعثرا يخضع للابتزاز وقد وصل الحد الذي كانت فيه الولايات المتحدة تهزأ من قدرة تحركنا الاستراتيجي أن وصل الأمر بكسنجر حينما كان يجلس مع السيد أنور السادات أن يقول له في جدية " سيادة الرئيس إنني أريد أن أتعلم منك كيفية التعامل مع الاتحاد السوفيتي "

بل وصل الأمر بالكسندر هيج وزير الخارجية في بداية عهد رونالد ريجان وهو تلميذ هنرى كيسنجر ومساعده في إدارة الأمن القومي أنه حينما وصل إلى القاهرة في أول زيارة له أن ذكر في تصريحه الصحفي في المطار وأمار عدسات السينما والتليفزيون وميكروفونات الإذاعة " أهم ما جئت من أجله هو تلقي بعض الدروس الإستراتيجية من السيد أنور السادات "!!!

ولم يكن غريبا بعد كل هذا التخبط وغياب الرؤية السليمة أن البحر الأحمر أصبح مجالا للصراعات الدولية ولم يكن غريبا بعد ذلك اختلال التوازن بالنسبة للسياسة المصرية من هذه البقعة من العالم والتي تؤثر على الأمن القومي المصري والعربي تأثيرا مباشرا . وأخيرا

لا شك أن الظروف قد تغيرت في السنوات التي انتقال عبد الناصر إلى حوار ربه والتي تلت مقتل السادات في حادثة المنصة أهم هذه المتغيرات يمكن حصرها في الآتي:

  1. فقد تركت إسرائيل سيناء ولكن يوجد هناك حاليا القوات متعددة الأجناس وهناك القيود الكثيرة على تواجد الإدارة المصرية بكاملها. سيناء منطقة مفرغة ليست مصر حرة في ملئها في الوقت الذي تريده وبالطريقة التي تختارها.
  2. وفتحت قناة السويس للملاحة العالمية وكذلك خليج العقبة وأصبحت إسرائيل حرة في استخدام هذه القنوات المائية بموجب المعاهدات والاتفاقيات الموجودة . ثم عاد السكان المهجرون إلى منطقة القناة وعاد الاتصال بين سكان الوادي وسكان سيناء .
  3. واختلفت العداوة والصداقة إختلافا جذريا مما يؤثر على الاتجاه الاستراتيجي فلا يمكن أن يقال أن إسرائيل ما زالت عدوة للقاهرة الرسمية كما أن الاتحاد السوفيتي الذي أمدنا بالسلاح ما زال يساعد القضية العربية ويقف في موقف العداوة الكاملة مع إسرائيل والولايات المتحدة فيما يخص قضيتنا انتقل من "خانة " الصداقة " إلى خانة " العداوة " أما الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت في "خانة " العداوة لمساعديها لإسرائيل وتحيزها لها تحيزا كاملا ضد المصالح العربية فقد انتقلت إلى خانة " الصداقة " رغما عن استمرارها في مسعدة إسرائيل وتحيزها لها تحيزا كاملا ضد المصالح العربية واضطربت العلاقات المصرية العربية اضطرابا خطيرا خاصة بالنسبة للبلاد العربية البحر أحمرية كما سبق القول .
  4. وأصبح للولايات المتحدة قاعدة أو تسهيلات في رأس بناس وجزر أخرى في البحر الأحمر وكذلك للإتحاد السوفيتي وربما لإسرائيل.
  5. وزادت أهمية البحر الأحمر نتيجة للخطط الطموحة للاستغناء عن مضيق هرمز كبوابة الخروج النفط إلى البحار الواسعة بعد أن مدت السعودية خط أنابيب سعة مليون وربع المليون برميل في اليوم من منابع البترول في الظهران إلى ميناء ينبع وبعد أن صممت بغداد على توصيل خط أنابيب من حقولها إلى الخط السعودي لينقل ولأول مرة عبر الأنابيب السعودي إلى ينبع لم يتم إلا بعد أن أرست الولايات المتحدة أقدامها في رأس بناس فهل ترى الأيام القادمة توصيل خط مباشر من ينبع إلى رأس بناس ؟ وهل ترى الأيام القادمة توصيل الخط السعودي بالخط المصري الذي يبدأ فيعين السخنة على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر وينتهي عند سيدى كرير على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط؟ نعني بذلك أن البحر الأحمر زادت قيمته استراتيجيا واقتصاديا وإذا كان الخليج العربي قد جذب الاهتمام بعد رحيل القوات البريطانية عن قاعدة قناة السويس فإن الأيام القادمة سوف ترى التركيز على البحر الأحمر كأنبوب رئيسي لنقل البترول من منابعه على الخليج متفاديا "ترويك المضايق" في هرمز وباب المندب وقناة السويس .
  6. ونحن نوافق على تصريح وزير الدفاع المصري في أخبار اليوم بتاريخ 13 / 2/ 1982 حينما قال
" نحن ننظر إلى البحر الأحمر بصفته إحدى المناطق الإستراتيجية الهامة المؤثرة على أمن مصر ولذلك فإننا نرى أن يكون البحر الأحمر آمنا لا نفوذ أو سيطرة فيه لأية قوة خارجية وإنما للدول التي لها شواطئ عليه والتي لها مصالح إستراتيجية مرتبطة بخطوط الملاحة التي تمر فيه خاصة وأن البحر الأحمر يؤثر على قناة السويس التي نعتبرها أحد المصادر الرئيسية القومية لاقتصادنا المصري ولذا فمن المهم جدا أن يظل البحر الأحمر نظيفا .
معظم سواحله عربية وبناء عليه فيجب أن تكون هناك إستراتيجية عربية متكاملة لتأمين البحر الأحمر تماما ولا نقصد بعروبة البحر الأحمر منع ملاحة الدول الأخرى وإنما المحافظة على سلامة المرور البرئ والحر لجميع خطوط المواصلات البحرية بمعني أن التجارة الدولية التي تمر بالبحر الأحمر نريدها دائما حرة ولا يتحكم فيها أحد فحوالي 50 % من تجارة البترول تمر في البحر الأحمر ونحن نؤمن بألا يكون هناك أية إعاقة للملاحة ولا خطورة على مرورها وهذا هو الغرض الرئيسي من الأمن الاستراتيجي للبحر الأحمر ".

والسياسة معقولة لا غبار عليها ... بقي الإجابة على السؤال الآتي :وكيف يتم هذا ؟ ثم أليس من الأفضل لمن يريد أن ينفذ سياسة ما أن يبدأ بنفسه ؟