أمريكا والعدو الصهيوني هم الذين يصنعون الإرهاب في العالم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه،
يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)﴾ (الأنفال) صدق الله العظيم.
لا يختلف باحثان اليوم خارجَ أمريكا على فشل السياسات الأمريكية فيما سمَّته الحرب على الإرهاب، بل إن الرأي العام الأمريكي في غالبه اليوم يقف ضد سياسات الإدارة الأمريكية الخارجية، وبدأ أعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري (حزب الرئيس) في التخلِّي عنه قبيل بدء الحملات الانتخابية، وفَقَد أركانًا مهمةً ممن شجَّعوه وأيَّدوا حربه على العراق بذريعة الحرب على الإرهاب.
المنصفون يتفقون على أن سياسات أمريكا والعدو الصهيوني هي التي صنعت الإرهاب والعنف في العالم، وهي التي تغذيه حتى اليوم.
وغالبية العرب والمسلمين باتوا يتشكِّكون كثيرًا في أن هذا كله مصنوعٌ ومعدٌّ لتحقيق أغراضٍ متعددةٍ، منها تشويه صورة الإسلام نفسه، والخلط بين حركات المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الصهيوني والأمريكي وضد الهيمنة الاستعمارية السياسية والاقتصادية وبين حركات العنف العشوائي التي لا يعرف أحد مقاصدَها ولا مَن وراءَها، كما أنها باتت تعزل المسلمين كأمةٍ عن بقية أمم العالم، وتشوِّه صورة المسلم والعربي جميعًا بمَن فيهم المسيحيون؛ بحيث صاروا في أعين الناس همَجًا ووحوشًا وعدوانيين، بصناعة إعلامية متقنة، وإلحاح مستمر بكل الطرق، بما فيها الأفلام السينمائية والتقارير الإخبارية المغلوطة والقصص المختلقة.. إلخ.
كان من نتائج هذه الحرب على الإرهاب دعْم النظم الاستبدادية الديكتاتورية، وتسريع السياسات الاقتصادية الداعمة للفساد، ونهب الثروات الوطنية، وتجنيد النخب الثقافية السياسية المتغرِّبة، والتي تتلقَّى الدعم المالي الخارجي باستمرار، وقد عمَّقت هذه السياسات الإرهابية الأمريكية الشروخَ داخلَ المجتمعات العربية والإسلامية، ولعبت على كل عوامل التفرقة الإثنية، العرقية والدينية، والمذهبية والجهوية والطائفية.. تلك الفروق الطبيعية التي كانت طوال تاريخنا العريق عاملَ إثراءٍ يستفيد من التنوع الثقافي والفكري، فأصبحت عوامل للهدم والتفرقة.
لقد أطلق "بوش" حربه ضد الإرهاب في أعقاب أحداث 11 سبتمبر الدامية، التي حصدت أرواح حوالي ثلاثة آلاف أمريكي بريء، فكانت حربه على أفغانستان لطرد طالبان من الحكم، والقضاء على تنظيم القاعدة، الذي سارع باتهامها بالوقوف خلف الهجمات دون تحقيق ولا دليل، ولا محاكمة عادلة حتى الآن!! ومن العجيب أن يسارع قادة "القاعدة"- بمساعدة "بوش"- بتصريحاتهم التي لم تتوقف حتى الآن، فماذا كانت النتائج بعد 6 سنوات إلا قليلاً؟!
انتقلت الحرب من أفغانستان- التي تم تورُّط حلف الناتو فيها- إلى العراق، الذي أصبح مركزًا لصناعة وتصدير العنف الدامي إلى بقية أنحاء العالم مع إغفالٍ تامٍّ للمقاومة العراقية الوطنية الإسلامية ضد الاحتلال ومن ساندوا الاحتلال.
لقد أنفقت أمريكا حتى الآن 500 مليار دولار (12 مليار دولار شهريًّا) في حربَين لم ولن تنتهيا إلى أي نتيجة، وحصد العنف أرواح أكثر من 3500 أمريكي حسب سجلاَّت وزارة الدفاع، غير المرتزقة الذين لا يسأل عنهم أحد، وتم جرح وتشويه أجساد قرابة 50 ألفًا من الأمريكيين، فضلاً عن المرضى النفسيين.
ولم تتوقف آلة العنف عند حدود أمريكا، بل خرجت منها إلى عواصم العالم المعروفة تقريبًا في العالم العربي والإسلامي ثم أوروبا وإفريقيا.. فمن الرياض إلى مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة إلى الدار البيضاء والجزائر إلى نيروبي، ثم إذا بها تنتقل إلى مدريد وبعيدًا إلى بالي بإندونيسيا والفلبين وباكستان، ولم تضرب مرةً واحدةً، بل عادت إلى لندن في صورة عجيبة شملت اتهام أطباء عرب ومسلمين، وتتعالى الأصوات التي تطالب بمنع البعثات الدراسية لطلاب العرب والمسلمين واتهامات للجاليات الإسلامية والسائحين القادمين من البلاد العربية والإسلامية.. إلخ.
لقد سارت الحرب على الإرهاب على محورَين.. محور عسكري أغرق الناتو في مستنقع أفغانستان وأغرق الجيشين الأمريكي والبريطاني في أوحال بلاد الرافدين، ومحور سياسي وفكري وثقافي كان حرب الأفكار لكسب العقول والقلوب وتغيير نمط الحياة عند المسلمين، وصدق القائل: "رمتني بدائها وانسلَّت"، حينما يعلن بوش وبلير وأخيرًا براون أن الإرهابيين يريدون تغيير "نمط الحياة" الغربي، تقول الحقائق على الأرض إنهم هم الذين ينفقون المليارات ويرسمون الخطط المستمرة لتغيير الأفكار ونمط الحياة عند المسلمين، وتشنّ الحروب على العادات والتقاليد والعقائد والأفكار، حتى وصلت إلى عادة مستقرة منذ عهد الفراعنة في 26 بلدًا إفريقيًّا هي عادة الختان عند النساء، وخرجت الألفاظ من أفواههم تعلن حقيقة المواجهة، فيقول "بوش": إنها حرب صليبية، ويقول جنرال آخر: إن إلهنا أعظم وأرحم من إله المسلمين!!
ويرسم آخرون رسومًا كارتونية تُحقِّر من نبي المسلمين- صلى الله عليه وسلم- وتُكرِّم ملكةُ بريطانيا بإيعاز من حكومتها الجاهلَ الحقودَ "سلمان رشدي" فارسًا بعد أن أنفقت على حمايته ملايين الجنيهات الإسترلينية من أموال دافعي الضرائب الإنجليز، وأخيرًا يخرج علينا بابا الفاتيكان بتصريحاته المسيئةَ للإسلام التي تتهمه بأنه دينٌ لا يحترم العقل، ثم إذا به يُخرج بقية المسيحيين في العالم كله من حظيرة كنيسة المسيح، ومنهم مسيحيو الشرق الأرثوذكس والإنجيليون.
ومن كلمات المنصفين أنقل: "إن حرب بوش على الإرهاب لم تفعل شيئًا سوى أن جعلت الإرهابيين أكثر قوةً؛ لأن المشروع العراقي كله أصبح كارثةً ومناخًا لإرهاب أوسع وأدوم" (دانيال بنجامين، وستيفن بايمون).
ويقول ريتشارد كلارك- وكان مسئولاً عن مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي-: "إن الإدارة الحالية أصرَّت على ضرب العراق بعد هجوم سبتمبر مباشرةً، على الرغم من عدم وجود أي علاقة بين العراق والهجمات".
وقد كرر ذلك مستشار الأمن القومي السابق سكوكروفت: "... لقد قيل إن هذا جزءٌ من الحرب على الإرهاب، إلا أن العراق أصبح بيئةً واسعةً تغذى الإرهاب وتدعمه".
وتقول الكاتبة الأمريكية مورين داود: "يبدو أن ذلك هو ما نريده نحن الأمريكيين على وجه التحديد".
كما قال المحلل الأمريكي الشهير وليام فاف: "إن ازدياد العنف في العراق كان هو النتيجة التلقائية للخيار الخاطئ الذي وقعت فيه الإدارة الأمريكية عام 2001م، حين قرَّرت مواجهة الإرهاب باعتباره مشكلةً عسكريةً، وهو تبسيطٌ ساذجٌ ومخلّ".
وانتقل الشكّ في نوايا الإدارة الأمريكية إلى حلفائها في الحرب على الإرهاب، فنقلت مارجوري تومسون- الاستشارية الأمريكية في لندن-: "إن البريطانيين شعروا في البدء بصدمة 11/9، لكنهم يعتقدون الآن أن الولايات المتحدة تستغلُّ تلك الأحداث كمبررٍ لسياستها الخارجية، وقد تسبَّب هذا في التعليقات والمواقف المعادية لأمريكا".
ولم تعُد بريطانيا وحدَها هي التي تتشكَّك في نوايا أمريكا، بل أصبحت محلاًّ لدراسةٍ متعمقةٍ أعدت وثيقة كتبها نخبةٌ رفيعةٌ من الدبلوماسيين والعسكريين السابقين الكبار الأمريكيين، تقول الوثيقةُ: "لم تجد الولايات المتحدة في تاريخها كله الذي يمتد لأكثر من قرنين ونصف القرن لم تجد نفسها في عزلة بين الأمم كهذه العزلة التي تعيشها الآن، ولم يجدها العالم مصدر خوف وعدم ثقة مثلما يجدها الآن".
وجاءت اعترافات "جورج تينيت" الأخيرة في كتابه "عين العاصفة" لتبيِّن أن هناك إستراتيجياتٍ مرسومةً تحددها أيديولوجيةٌ متطرفةٌ وتعصب أعمى ضد العرب والمسلمين، وإهمال متعمَّد لخطر بعض التنظيمات التي أصبحت هدفًا للحرب على الإرهاب.
ولم يكن "تينيت" هو المسئول الوحيد السابق، بل كان "مليفين ليرد" وزير الدفاع الأمريكي الأسبق أكثر صراحةً، فقال: "إن مشكلتنا الكبرى وأزمتنا الأساسية هي أننا نريد أن نصبح قوةً عظمى من خلال القتل والاعتقال والتعذيب وإراقة الدماء، ولذلك سينظر العراقيون إلى الأمريكيين على أنهم السبب الرئيسي لآلامهم وتدمير بلادهم ونشر الفوضى في أنحائها".
يقول الكاتب والمفكر "زين العابدين الركابي" الذي نقل هذه الشهادات في مقاله بتاريخ 5/5/2007م في جريدة الشرق الأوسط) في خلاصة موجزة وهو محقٌّ فيها:
1- تستحيل مكافحة الإرهاب في المنطقة في ظل هذه السياسات التي تغذي الإرهاب وتطيل عمره.
2- يتوجب- دون تسويف أو حساب خاطئ- استقلال الخطوط الوطنية في مكافحة الإرهاب، واستقلال المعلومات والمفاهيم والإجراءات والمناخ العام.. لا بأس من التنسيق في قضية تتعدى الحدود الوطنية، بيْد أن المعول من قبل ومن بعد على الخطوط الوطنية المستقلة.
3- ليكن العقل والمروءة حاضرَين مع الباعث والأسلوب والهدف، ومن العقل والمروءة بذل النصيحة للولايات المتحدة؛ "كي لا تُخطئ أكثر، فتؤذي نفسها وتؤذينا معها".
واليوم وعندما يعلن بصراحة لا يُحسد عليها وزيرُ الدفاع الأسترالي أن سبب الحرب على العراق هو السيطرة على آبار النفط، ويؤكد ذلك رئيس الوزراء الذي أراد أن ينفي التصريح فإذا به يؤكده: "إن النفط سلعة إستراتيجية".
وعندما تصدق الوقائع على الأرض هذه الحقيقة، فشركات النفط هي التي تنفق على المرتزقة وجيوش الأمن التي استقدمتها لفرض الأمن في مواقع النفط، وتركت العراقيين الأبرياء للقتل والذبح!!
وعندما تصر الحكومة العراقية- المدعومة من الاحتلال- على إقرار قانون للنفط هو بمثابة نهب لثروة العراق وتبديد لموارده، وتصرُّ على ذلك بسرعة مريبة رغم رفْض معظم القوى الوطنية والإسلامية للقانون حتى تلك المتحالفة معها.. كل ذلك يوضح لنا السبب الرئيسي لما يسمَّى "الحرب على الإرهاب"، وأوهام "دعم الديمقراطية"، بينما السياسات الأمريكية تغذِّي الإرهاب وتساند الاستبداد.
إننا بكل وضوح وقوة استنكرنا كلَّ حوادث العنف منذ أكثر من ربع قرن، وكانت إدانتُنا واضحةً، وشرحَنا الأسباب الحقيقية التي تغذِّي العنف والإرهاب وتُسهم في اشتعال جذوته وانتشاره في بقاع كثيرة من فساد واستبداد وظلم واضطهاد وانحياز أعمى ضد حقوق العرب والمسلمين، وطالبنا بتعريف واضح محدد للإرهاب، وقلنا مرارًا: إن منهجنا السلمي المعتدل ملتزم بأحكام الشرع التي تحرِّم قتْلَ النفس إلا بالحق وملتزم بقول الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم:
﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: من الآية 32).
وأوضحنا أن إرساء مبادئ وقيم الإسلام العظيمة.. مثل: إقامة العدل في الأرض، وتحقيق الشورى، وتفعيل الحريات العامة، وبناء نظام ديمقراطي سليم يُعيد الحقوق إلى الشعوب العربية لتختار حكامها بحرية، وتنتخب مؤسساتها البرلمانية التي تخطط السياسات وتراقب التنفيذ وتحاسب المخطئين والمفسدين.. هو أقصر الطرق لمحاربة العنف والإرهاب، وحذَّرنا من زمن بعيد من خلط الأوراق بين الحق في المقاومة المشروعة وعمليات العنف الأعمى العشوائي.
ونبَّهنا إلى خطر تعميق الهوَّة بين المسلمين وغيرهم من أمم العالم؛ بسبب تحقير المسلمين، وتشويه صورة الإسلام في العالم، وقلنا بوضوح: إن المسلمين شركاء مع غيرهم في صنع الحضارة الإنسانية العامة التي تقوم على المساواة والعدل والإنصاف والحرية لكل البشر.
هناك أخطاء تقع من شباب مسلم، وهناك خطايا تقع فيها حكومات مستبدة فاسدة مفسدة، وهناك مؤامرات واضحة يقع في حبائلها الجميع، فهل من راشدين وناصحين حتى لا يتحوَّل العالم كله إلى بؤر للعنف والإرهاب؟!
اللهم بلغت؟! اللهم فاشهد..
وصلَّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.