الصيام داخل المعتقل أكثر روحانية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
السيد نزيلي : الصيام داخل المعتقل أكثر روحانية


حوار:ياسر هادى

شهر رمضان فرصة عظيمة لشحذ الهمم، ومناسبة سنوية لبداية جديدة من الطاعات التي تؤهل المسلم لأن يواصل حياته في ظلال الدين الوارفة.. بهذه الكلمات بدأ حوارنا الرمضاني مع الأستاذ سيد نزيلي- أحد قيادات الاخوان بالجيزة- والذي تحدث عن بداية صومه في سن السابعة، وأهمية الصيام المبكر للأطفال، مُستعرضًا مظاهر الاحتفال برمضان في قريته "كرداسة"، وكيف مرَّ عليه هذا الشهر داخل المعتقلات التي قضى بين جدرانها ثلاثة عشر عامًا والتعويض الإلهي له بالبقاء في المدينة المنورة لمدة 10 سنوات قضى خلالها أشهر رمضان بشكل مختلف، كما أوضح خلال الحوار بعض المظاهر التي يرفضها في رمضان ووصيته إلى الشباب خلال هذا الشهر.


* متى صمت للمرة الأولى؟

    • نشأت في بيئة ريفية في قرية كرداسة بالجيزة، وحين كنت صغيرًا كان رمضان يأتي في الحر الشديد، وصمته للمرة الأولى كاملًا وعمري 7 سنوات، وكان لديَّ اشتياق للصيام، وكنت حريصًا على أن اذهب إلى المسجد مع أعداد ضخمة من أقراني لانتظار مدفع الإمساك، وكنت أحمل (أباريق المياه) وندور على المصلين في المسجد، وكنَّا نوقظ الناس للسحور قبل الفجر، مما حببني في التمسك بالإسلام وشعائره، ولم يكن هناك توجيه من البيت بذلك بدليل أني صمت قبل أخي الأكبر، وكنت أحب التعرف على الزملاء المتدينين، وأنفر من الاطفال المتجاوزين في الكلام والأفعال أي أنني كنت أحب الالتزام بالفطرة، لدرجة كانت معروفة بالنسبة لأهلي وأصدقاء والدي الذين كانوا يحبون أن أجلس في مجالسهم في رمضان وغيره.


ونشأتُ على ذلك وتعلمت التدين من أخوالي الذين كانوا متدينين وأهل تصوف دون غلو، حيث كانوا حريصين على الصلاة في أوقاتها والذكر في الوقت الذي كان يوجد في الريف مجالس للمنكرات لدرجة أن بلدنا كانت توجد بها (خمَّارة) في الثلاثينيات والأربعينيات!! الامر الذي كان طبيعيًا في تلك الفترة، إلا أن بصمات الإخوان ونشاطهم في كرداسة كنموذج لقرى مصر ترك تأثيرًا إيجابيًا على الأخلاق والسلوكيات، حيث حاربوا المنكرات بالقدوة والحب والأسوة الحسنة، وبدأ الوجه الإسلامي في الظهور بعد أن كثر الإخوان وأنشطتهم في القرية.


والخير كان موجودًا وما زال، والأهم تفجير هذه الطاقات، الأمر الذي يحتاج من العاملين للإسلام أن ينشطوا وسط الناس ليكتشفوا أن التدين مازال موجودًا ويستطيع التغلب على الشياطين.


* إذن هل تنصح الآباء بتعويد أبنائهم على الصوم المبكر؟

    • هناك بعض النظريات تقول إن الصيام لا يجب على الطفل حتى يكبر، ولكني أرى أنه حتى قبل 10 سنوات يجب أن نعوِّد الطفل على الصيام ولا نخشى أن يؤثر على بنيانه الجسدي بالسلب، بل إن ذلك سيكون مساعدًا في تكوين النفس وإقبالها على الطاعات التي إن لم يعتد عليها الطفل في صغره فسيتعذر عليه ذلك في الكبر، فيجب أن يتم تعويد الأطفال على الصيام من سن 7 سنوات كالصلاة، ثم يضرب عليها عند 10 سنوات، ولا يجب أن تكون عاطفة الأم أو الأب حائلاً دون ذلك.


* متى تعرفت على الإخوان؟

    • عرفت الإخوان وعمري 13 سنة، وكنت قبلها أقرأ دلائل الخيرات، وأحضر مجالس القرآن، وكنت أنفر من الأمور التي فيها بدع وتجاوزات، فانضمامي للإخوان جاء امتدادًا طبيعيًا لذلك التدين.


* وماذا يمثل رمضان بالنسبة لك؟

    • رمضان بالنسبة لي كان بداية طريق الالتزام من الناحية العملية، وهو بالنسبة لأي مسلم يمثل معنى كبيرًا وموسمًا للخيرات، وفرصة لزيادة القرب من الله عز وجل، وشحن النفس بكثير من الطاقة الإيمانية التي تعينه على مواصلة الطاعة في أيام السنة، وهو إلى ذلك فرصة للدعاة للعمل بين الناس لجذبهم للمساجد، والصيام والتراويح.


وهو فرصة ذهبية تحتاج إلى قوة إرادة من العاملين وسط الشباب لجذبهم بوسائل متعددة إلى طريق الطاعة؛ كأن تُجرى مسابقات بجوائز محببة تشجع الأبناء على المداومة في المسجد مهما كانت عوامل الإفساد عن طريق وسائل الإعلام التي تحاول أن تغير الخير في رمضان إلى لهو وعبث ومسلسلات ومسابقات تافهة لصرف الناس عن الاستفادة من ثمرات الصيام، وبالرغم من ذلك مازال هناك قطاع كبير من الناس يعيشون على الفطرة، وعلى المصلحين جذب هذه الفئات إلى المساجد وتكثيف جرعة التثقيف والدعوة بوسائل مختلفة من التشجيع.


* وكيف كانت مظاهر هذا الشهر في قريتك؟

    • كان رمضان في البلد موسمًا عظيمًا ينتظره الناس بشغف شديد، حيث تشهد المساجد إقبالاً على صلاة التراويح، وأول مرة يعرفها الناس في كرداسة كان على يد الشيخ عثمان عبد الرحمن وهو من الإخوان المسلمين، الذي قام بأداء صلاة التراويح بجزء من القرآن لأول مرة، وكان صوته جميلاً يجذب الناس إلى مسجده الذي يمتلئ عن آخره رغم طول الصلاة، وكان الناس يأتون إليه من كل مكان حيث كان شخصية محبوبة، وهذا ما جذبنا أن نترك المساجد التي تصلي بقصار الآيات إلى هذا المسجد، مما أشاع في القرية روحًا جميلة في رمضان.


السيد نزيلى داخل المعتقل

* قضيت أكثر من 13 عامًا داخل جدران السجون فكيف كنت تقضي شهر رمضان فيها؟

    • قضيت في السجون فترتين، الأولى: كانت من 1965 حتى 1975، والثانية من 1995 إلى 1998، وعمومًا فإن رمضان كان له طعم آخر داخل السجن؛ حيث كنَّا نقضى معظم الوقت في العبادة، حفظ وتلاوة القرآن، وقيام الليل وصلاة الفجر، ومع ذلك كان رمضان له نشوة وشوق خاص؛ نستعد له من شعبان، وكان الورد القرآني يتضاعف في رمضان، وتزيد النوافل، وكنَّا نحاول صبغ حياتنا بالإسلام وتطبيق كل الخيرات، لا نتكلم ولا ننظر إلا إلى خير، وكنا نشعر أن رمضان له شكل آخر رغم انقطاعنا عن أعباء الحياة، وكان اللجوء إلى الله بصدق، حيث كنا مضطرين ومظلومين، وحيل بيننا وبين أبنائنا وأموالنا، وكان استشعار الظلم في رمضان دافعًا للدعاء على الظالمين.


  • وهل تذكر أول يوم صمته في المعتقل؟
  • نعم، فقد كان ذلك في السجن الحربي مع قسوة التعذيب وشدة الضنك والجوع المفروض علينا، إلا إننا تقبلناه وارتفعنا على جراحنا وأقبلنا على الله بتلاوة وحفظ القرآن، ورغم أنه حيل بيننا وبين صلاة التراويح والتهجد، إلا أن كل مجموعة في زنزانة واحدة كانت تصلي معًا، وشعرت حينها أن صيام السجن أكثر نقاءً؛ حيث كان الواحد فينا كثير البكاء لا ألمًا ولا ندمًا، وإنما رقة واستشعارًا للموقف، وإشهادًا لله على ظلم البشر، وكان يصلي بنا في الزنزانة المرحوم حسن عامر أبو طالب وكان صوته خاشعًا ومؤثرًا.


* وماذا عن الإفطار والسحور؟

  • كان التعذيب في أول عام من اعتقالنا يتمُّ بالحرمان من الأكل حتى البسيط الذي يأتي من السجن- الذي لا يصلح للآدميين- وكان ممنوعًا أن يدخل لنا طعام من الخارج، حيث كانوا يأخذون من طعام السجن اللحوم والفاكهة، ويبقى طعام لا يستطيع أحد أن يقترب منه، ولكن بعد 3 سنوات كانت الأمور أفضل؛ حيث يأتي لنا طعام جيد، كما تفننَّا في صناعة (المهلبية وقمر الدين)، كما تغلبنا على رداءة الطعام بإدخال (تحسينات) عليه.


* وكيف كان برنامجكم اليومي داخل السجن في رمضان؟

  • قضينا في السجن الحربي سنة ونصف ومثلها في طره، وكانت سنوات قاسية؛ حيث لم يكن هناك خروج من الزنازين، وفي أواخر 1968 ذهبنا إلى سجن قنا حيث كان يتم فتح السجون ليلاً، وكان يتم إحضار واعظ من الأوقاف وكان على علم بوضعنا، ويتكلم عن الصبر في المحن والشدائد وكان ذلك فرصة للخروج والترويح عن النفس.


كما كنا نقوم بعمل برامج جيدة للاستفادة من رمضان من ناحية الحفظ والقراءة والورد والاستغفار، كما كنا نقيم حفل سمر في العيد، يتضمن تمثيليات وأناشيد يكتبها سعد سرور ويلحنها أحمد حسين، حتى لا يشعر الإخوان بأن يوم العيد كان يوم غمٍّ أو كرب، وكانت تلك الحفلات تمتلئ دعابة ومرحًا، وتتضمن مسابقات رياضية وثقافية؛ حيث كنَّا نقضي أيام العيد بين ضحك ومودة وسرور تبعدنا عن التفكير في فراق الأهل.


الدعاء هو الحل

* ألم يؤثر فيك ذلك البعد عن أهلك في رمضان؟

  • كان ذلك أمرًا قاسيًا بالطبع، ولكنا كنا نتغلب عليه بالدعاء أن يقتص الله لنا من الظالمين، وبالفعل ما تعرض أحد لنا بأذى إلا واقتص الله لنا منه بأكثر مما كنا نرجو، فمنهم من قُتل أو مات أو ذهب سلطانه، وكنا نشعر ببركة الدعاء والابتهال إلى الله تعالى.


* ما أهم الدروس التي تعلمتها من فترة سجنك؟

  • تعلمت أن المحنة تصنع السلوك، فحين اعتقلت للمرة الثانية من 19951998 كان منَّا من سبق له الاعتقال مدركًا للبرنامج اليومي، وكنا نذكر الإخوان عن طريق الخواطر بعد الصلوات بأننا في محنة لا بد أن نخرج منها بمكاسب، فالخير أن يستفيد الإنسان بالوقت الذي يمر، فهذه الأوقات كانت محسوبة علينا وكنا نوصي إخواننا بالتزود من الحسنات والقرب من الله؛ لأن الذين اعتقلونا كانوا يهدفون إلى تدمير حياتنا بحيث لا يصلح كل منا لأهله ونفسه ودعوته، فإذا فوتنا عليهم ذلك بالمحافظة على النفس والقلب فهذا ما يزعجهم، وهذا ما حدث بالفعل؛ فالإخوان خرجوا من السجون أقوى صلة بدعوتهم ودينهم، لأنهم لا يدعون فرصة للشيطان فقلوبهم مع الله تعالى، كما أن السجن كان بالنسبة لنا إجازة إجبارية لإصلاح النفس وتهذيبها واستوائها على طريق الله.


* وماذا كان منهجك مع أبنائك في تعويدهم على الصيام؟

  • كنت أشجع أبنائي على الصيام دون فرض قبل عشر سنوات، ومن يبلغ سن العاشرة كان يصوم صومًا كاملاً، وأراها وسيلة للتهذيب مما كان له قيمة كبيرة بعد ذلك في أن يكون للابن نظام يحكم حياته، فالصيام وسيلة من وسائل التربية، لأنه تعبير عن حب الله ورسوله، ولا أكتفي بالصيام وحده بل كان هناك شرح للأحاديث والآيات والسلوكيات، فحين يصوم الفرد عن كل ما نهى الله عنه، يمنع نفسه من قول الزور والعمل به، ويجب أن نُلقن أبناءنا أن الصيام لا بد أن يصحبه إمساك للنفس عن كل ما حرم الله، وترغيبهم في كل ما يحب، وأن يكون ذلك منهجًا في كل الشهور بعد رمضان.


* قضيت رمضان في المدينة المنورة عشر مرات فهل كان هناك فرق بينها وبين باقي السنوات؟

    • قضيت الفترة من 1976 حتى 1986 في المدينة المنورة بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تلك الفترة لها إشراقات عجيبة وكانت فترة جميلة وتعويضًا عن المدة التي سُجنت فيها، وخلالها تعلقت نفسي بمسجد النبي والخير الذي جاء به إلى الناس، وكنت أستشعر في هذه الفترة أن خير البشر والصحابة دبَّوا على هذه الأرض، وكنت أعيش بدعوتي حيث كنت أشحن نفسي بهذه المعاني وأزداد التزامًا وتوثيقًا للصلة مع الدعوة.


* ما ملاحظاتك على الإخوان في رمضان؟

    • الإخوان يتفاوتون في الجدية في تعاملهم مع رمضان رغم أنه فرصة لأن نترك ما درجنا عليه من عادات إلى نمط آخر من المعيشة؛ بأن نبقى مع الصيام والدعاة وأرى بعض التفريط في ذلك حيث ننشغل بأمور قد نراها خيرًا ولكني لا أراها كذلك، حيث يجب أن يقل الاهتمام بالسياسة والمناقشات في هذا الشهر لأنه شهر العبادة وتطهير القلب.


* وما الأشياء التي لا تقبلها في رمضان؟

    • رمضان ليس فرصة لأكل كل ما تشتهيه النفس، بل إن الأصل فيه غير ذلك، وهو تعويدها على الصبر وتحمل المشاق، وأنا شخصيا أرفض التوسع في العادات والمباحات في حياتي الخاصة والعامة، فلا بد أن نعود أنفسنا ومن حولنا على فطم النفس على كل ما تشتهى لأن كثيرًا من عاداتنا غير مستحبة.


* وما الوصية التي ترغب في أن تهديها إلى أبنائك؟

    • أوصيهم بأن يزدادوا تجردًا لله في هذا الشهر، وألا يدعوا أي وقتٍ فيه يمر دون فائدة، سواء في أوله أو أوسطه أو آخره، ومن منَّا لا يحتاج إلى الرحمة والمغفرة والعتق من النار، فلتكن حياتنا في رمضان كله تأدية للصيام بالشكل الذي تعلمناه من الإسلام، ولا ندع للشيطان دقيقة واحدة.


المصدر : إخوان أون لاين