العيب والعلة والمأساة فينا وبسلوكنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العيب والعلة والمأساة فينا وبسلوكنا


بقلم : محمد خضر قرش/ القدس

اعتاد – وبالأدق استمرأ - الفلسطينيون على لوم وتحميل الغير ما حلّ بهم على امتداد العقود الماضية. وإذا كان في ذلك الكثير من العزاء لهم وخاصة في الفترة التي سبقت حربي حزيران 1967 وأيار 1948 ، إلا أنه بات في حكم الشماعة أو المشجب بعد عام 1967 ، حيث علق الفلسطينيون كافة أخطائهم وهي كثيرة على شماعة أو مشجب العرب والذين لم يكونوا في حال أفضل مما كان عليه وضعهم .

وقد صدق القول عليهما " شهاب الدين أسوأ من أخيه" .

ولأن وضع العرب لم يكن في أحسن حال فكان لا بد أن تنتقل العدوى إلى الفلسطينيين بالضرورة بحكم التأثير المباشر نظرا لتشتت ولجؤ الفلسطينيين إلى كافة أو معظم البلدان العربية وخاصة تلك المحيطة بفلسطين التاريخية .

لقد قاتل - وبالأدق استموت- الفلسطينيون في انتزاع تقرير مصيرهم من الغير بمن فيهم العربي ودفعوا ثمنه غاليا، ولكنهم للأسف لم يحافظوا على هذه المكاسب الوطنية- اذا جاز التعبير وصدق الوصف .

فكافة القرارات التي صدرت بعد حرب عام 1967 والتي تخص القضية الفلسطينية وحتى قبل الاعتراف الرسمي العربي في قمة الرباط عام 1974 بوحدانية تمثيل م.ت.ف للشعب الفلسطيني، كانت فلسطينية القرار بامتياز وفتحاوية بشكل خاص بحكم سيطرة واستئثار حركة فتح على منظمة التحرير واحتكارها لسلطة اتخاذ القرارات .

ورغم قيام بعض الدول العربية مثل سوريا والعراق[ وفي فترة مبكرة مصر قبل أن تتخلى وتنفض يدها كليا من تشكيل فصيل فلسطيني مع أنه كان بمقدورها الاستمرار في ذلك] بتشكيل فصائل موالية لها بشكل مباشر مثل منظمة الصاعقة الموالية ل سوريا وجبهة التحرير العربية الموالية للعراق، أو الفصائل التي تسيطر عليها بشكل غير مباشر لكونها جزءا من استراتيجيتها الفلسطينية – مثل القيادة العامة بالنسبة لسوريا إلا أن هذه الفصائل لم يكن لها أي تأثير ذا دلالة على الساحة الفلسطينية وخاصة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبدون إعطاء أمثلة كثيرة فإنه حين تم الاصطدام الكبير الخاطئ والمؤسف بين منظمة التحرير و سوريا عام 1976 ، تمت تصفية منظمة الصاعقة في لبنان خلال أقل من 12 ساعة وحل وحداتها والسيطرة و/أو مصادرة كافة أسلحتها ومعداتها ، وقد كان ذلك درسا للعراق بعدم تكرار تجربة التدخل المباشر في الشأن الفلسطيني عن طريق جبهة التحرير العربية، التي كانت أضعف عسكريا وتنظيميا وحزبيا من منظمة الصاعقة بحكم التأثير السوري على الوضع اللبناني.

( أين العلة؟) منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة( ودعنا نقول من باب الحصر وليس من باب المعنى الموصوف) عام 1965 وبشكل كبير وملموس بعد حرب حزيران 1967 ، لم تقف منظمة التحرير الفلسطينية وكافة الفصائل والجبهات المكونة لها يوما أمام نفسها في عملية تقييم ومراجعة للمرحلة النضالية للثورة.

فباستثناء حالة وحيدة لم تتكرر أبدا – مارستها الجبهة الديمقراطية بعد أيلول 1970 واتخذت إجراءات طالت أكثر من عضو من مكتبها السياسي ونحو عشرة من أعضاء لجنتها المركزية والعسكرية، فإن الوخم والأخطاء الكبيرة بقيت بدون تقييم أو مراجعة وخاصة في مرحلة العمل الجماهيري الواسع في لبنان والذي امتد لنحو 15 عاما قبل أن تجتاح القوات الإسرائيلية لبنان ويتم ترحيل المنظمة وفصائلها وجبهاتها إلى مناطق الشتات الجديدة ( اليمن والسودان والجزائر وتونس) .

لقد رافقت العيوب والعلل والأخطاء والتبريرات التي وقعت في الأردن قبل أيلول 1970 منظمة التحرير إلى لبنان الطائفي حتى العظم حيث تمت إضافتها الى العيوب والأخطاء الموجودة في المجتمع اللبناني أصلا ، مما ضاعف الثغرات والسلوكيات العديدة الخاطئة في صفوف منظمة التحرير وفصائلها وبتنا جزءا أصيلا من تلك الأخطاء والعلل.

ومع انتقال منظمة التحرير إلى مناطق الشتات الجديدة ( تونس وغيرها) حملنا كل أخطاء الأردن ولبنان إلى تلك الدول وباتت نسبة العيوب والممارسات الخاطئة في منظمة التحرير اكبر من أن يتم حصرها أو معالجتها أو الوقوف أمامها لأسباب عديدة لعل أهمها أنها كانت تعني عمليا تحميل كافة القيادات المكونة لمنظمة التحرير المسؤولية مما يتطلب اتخاذها إجراءات ضد نفسها وهذا هو المستحيل بعينه.

فصمتت الفصائل والجبهات اليسارية منها وغير اليسارية وجاءت الانتفاضة الباسلة الأولى في ديسمبر 1987 لتخفف من الضغط على القيادات المستأثرة بالسلطة وبصنع القرار في منظمة التحرير والجبهات والفصائل ، بل ربما جاء انطلاقة الانتفاضة المجيدة بمثابة حبل النجاة للقيادات الفلسطينية ، حيث تم تأجيل إسقاط رؤوس عديدة من قمة الهرم السلطوي .

ولأن الأخطاء السياسية والتنظيمية كانت كبيرة جدا والاختلاسات المالية وهدر المال العام الفلسطيني قد زكمت أنوف كل القيادات وباتت على كل لسان وانتشرت في كافة وسائل الإعلام ، فلم يكن من المناسب بالنسبة لها ( القيادات الفلسطينية كلها دون استثناء) الوقوف أمام هذه الأخطاء والعيوب والعلل بشكل جدي وحقيقي ، لأنها كانت تعني ببساطة انكشاف أمرها أمام شعبها .

لذلك فقد هربت إلى الأمام من جديد نحو اتفاقية اوسلو قبل أن يمتد تأثير الانتفاضة ويتسع بحيث تشكل تهديدا فعليا وحقيقيا للقيادات الفاشلة والفاسدة التي تربعت على أعلى سلطة الهرم السياسي الفلسطيني لأكثر من نحو 40 عقدا من الزمن.

وقد دفع ذلك بالقيادات الفلسطينية إلى الالتقاط المبكر لثمار الانتفاضة حتى قبل نضجها وينعها ، للحؤول دون قيام قيادات الداخل من سحب البساط من تحت أقدام القيادة المستأثرة والمحتكرة والتي لم تتعلم من كل ممارساتها وسلوكياتها الخاطئة في الأردن ولبنان وتونس وغيرها.

لتعود نفس القيادات والشخوص إلى قيادة السلطة الوطنية وكأن شيئا لم يكن ، وبالتالي وجدت باتفاقية اوسلو ضالتها وسلوتها المنشودة التي فقدتها بعد خروجها من بيروت عام 1982 .

وقد صورتها وكأنها تتويجا لكل المراحل النضالية السابقة في البلدان أنفة الذكر .

لقد جاء التوقيع المبكر لاتفاقية اوسلو بنظرها بمثابة التعويض عن كل الأخطاء والهزائم والسلبيات التي رافقت تجربة انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة .

لم يكن من الممكن لهذه القيادات أن تنجح في قيادة مرحلة السلطة الوطنية بعد أن فشلت بإدارة الصراع العسكري ضد إسرائيل مما أوقعها بنفس الأخطاء و الأساليب الفاشلة في إدارة الحكم الجديد في الضفة والقطاع.

لقد نقلت معها كل أخطاء وعيوب الخارج إلى الداخل الذي كان يئن هو الآخر من قمع الاحتلال وبطشه وما تولد عنه من ممارسات خاطئة وبذلك أضيفت كل أخطاء الخارج إلى أخطاء الداخل لتولد توليفة غير مهنية وغير إدارية سمحت بانتشار الفساد والإفساد والحكم السلطوي غير النظيف أدى إلى نتائج كارثية مازلنا نعيش تداعياتها حتى اللحظة.

[عدم الاعتراف بالأخطاء] لم تقف يوما فصائل منظمة التحرير وكذلك حركتي حماس والجهاد فيما بعد أمام نفسها وشعبها وجمهورها لتقول له لقد أخطانا هنا وهناك وفشلنا هنا أو هناك ، وتطلب الغفران من شعبها الذي منحها وأعطاها من التأييد ما لم يعطه شعب قط في التاريخ.

لقد انعدمت الصراحة والصدق والشفافية وقول الحقيقة أمام الشعب الفلسطيني .

وبات أسيرا للإشاعات وما تنقله وسائل الإعلام وخاصة الإسرائيلية منها عن أوضاع المفاوضات والفساد الإداري والمالي وسوء الحكم وكل ما يتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني .

فهل يعقل ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية أن لا تكون قيادة المنظمة والفصائل المكونة لها وقيادتي حماس والجهاد فيما بعد ، قد ارتكبت العديد من الأخطاء ؟

فما دام النضال متواصل والاحتلال والحصار والإغلاق قائما فلا شيء يضير المنظمة والفصائل المكونة لها وكذلك حماس والجهاد من أن تعترف لشعبها بالأخطاء والسلوكيات السلبية والعيوب التي رافقت ممارساتها للكفاح المسلح وبعده بما في ذلك قيام السلطة الوطنية حتى الآن.

من الأكيد أن الكثير من الأخطاء قد ارتكبت والعديد من السلبيات قد وقعت وبالتالي لا بد من الوقوف أمامها ومعالجتها. فتطهير الصفوف ليس فقط واجبا وإنما تقتضيه الظروف النضالية واحترام الشعب الذي تمثله .

لقد خاضت كل الفصائل والأحزاب تجربة الانتخابات التشريعية والمحلية وحصل انقلاب غزة ضد الشرعية، ورغم ذلك لم يجرؤ أي فصيل أو حزب أو حركة على القيام بمراجعة علنية لمواقفه وما اتخذه من إجراءات معالجة ، ونشر ذلك في الصحف المحلية أو في المواقع الالكترونية الخاصة بكل فصيل أو حزب أو حركة.

فهل من المعقول أن تعزف الفصائل والحركات والجبهات وخاصة تلك التي تنتهج الخط أو الفكر اليساري عن القيام بنشر أخطائها وممارساتها وسلوكياتها علنا، كخطوة أولى نحو المعالجة الفعلية.

إن قيام حركة فتح بإجراء التحقيقات مع الذين تخاذلوا وفشلوا في الدفاع عن السلطة ، لم تكن بالأساس لمراجعة السياسات الخاطئة التي كانت وراء النتائج الكارثية التي وصلنا إليها، مما أدى بالنتيجة إلى تبرئة المسؤولين السياسيين ، حيث تم إلصاق المسؤولية بعدد من الضباط والجنود وكأن القضية عسكرية بحتة لم تخرج عن رفضهم او مخالفتهم للأوامر وتقاعسهم عن التنفيذ.

وعلى جميع الأحوال فقد تمت إعادة الاعتبار لعدد لا بأس به ممن اتخذت ضدهم الإجراءات وكأن السلطة الرسمية وحركة فتح بالذات لم تهزم هزيمة منكرة في القطاع الحبيب، وما هي إلا فترة زمنية قليلة حتى بتنا نشاهد القيادات التشريعية والسياسية وحتى العسكرية والأمنية تتجول بحرية في شوارع وفنادق رام الله وتناقش علنا عبر وسائل الإعلام المختلفة بضرورة إجراء مراجعة لتجربة حركة فتح وكيفية وصول هؤلاء المسؤولين إلى عضوية اللجنة المركزية للحركة، وكأن شيئا لم يحدث في حزيران 2007 .

لقد بلغ الاستهتار بعقول وذاكرة شعبنا حدا لم يعد من الممكن التعامل معه عن طريق عفى الله عما مضى ودعونا نفتح صفحة جديدة .

إن هذا يعكس قلة احترام للشعب الفلسطيني الذي قدم الكثير من التضحيات عبر العقود الماضية.

لقد أوصلتنا سلوكياتنا وممارساتنا الخاطئة إلى وضع لم يعد من الممكن السكوت عليه خاصة أمام ما تفعله إسرائيل وما تقوم به من إجراءات أحادية الجانب لتهويد وحصار القدس وتقرير وضع المفاوضات النهائية.

أتمنى كما يتمنى غيري من أفراد الشعب الفلسطيني أن يرى ويشاهد بالعين المجردة المباشرة أمين عام جبهة أو رئيس مكتب سياسي حركة أو قادة أحزاب يقفوا أمام الكاميرات الفلسطينية ويعترفوا للشعب بالأخطاء التي ارتكبوها والتي كان بعضها مع سبق الإصرار والترصد والتصميم .

الأمناء العامون وأعضاء المكاتب السياسية وقادة الفصائل والحركات والأحزاب لم يخطئوا قط طيلة نضالهم الطويل فهم فوق الأخطاء ، لكونهم يمثلون رموز تاريخية لا يجب محاسبتهم.

فهم عملة نادرة يتوجب علينا المحافظة عليهم حيث لا يمكن تعويضهم في حال فقدانهم بالوفاة لا سمح الله أو الاستقالة أو للانكفاء لكتابة المذكرات.

لقد أفل نجم هذه القيادات ولم تعد محط احترام وتقدير شعب فلسطين فقد حان وقت مغادرتها المواقع القيادية

وشعب فلسطين عليه الان أن يعلنهاو بصوت قوي بأنه ملّ كلام هذه القيادات عن الوحدة الوطنية وتوحيد جبهات اليسار.

فلم يعد الكلام وحدة قابلا للتسويق لدى القطاعات الواسعة من شعب فلسطين .

فإذا كان اتفاق حركتي حماس وفتح سيتم في النهاية انطلاقا من المصالح المشتركة لهما وليس من باب الحرص على وحدة الوطن أو الموقف الفلسطيني، فإن جبهات اليسار ليس لها أي مبرر لعدم التوحد والتنسيق وتناسي المصالح الذاتية التي شكلت على الدوام العقبة الكأداء أمام توحيد صفوف اليسار.

ومن أجل هذا لا تحرز هذه الجبهات عبر مفاوضاتها واجتماعاتها الكثيرة جدا أية نتائج ذات دلالة على صعيد توحيد وتنسيق المواقف والسياسات، لقد تراجع وزنها وضعف تأثيرها وتقوقع دورها ولم تعد سوى شاهد زور على الأحداث لا تستطيع التأثير عليها أو تغيير مجراها أو حتى تعديلها.

لم تعد جبهات اليسار كلها تحظى باحترام الشارع الفلسطيني، لأنها لم تكن صادقة في طرح مواقفها وخاصة توحيد نفسها.

فأكثرت من القول وماطلت في الفعل والتنفيذ واستحقت بذلك عزوف أبناء الشعب الفلسطيني عن احترامها وتأييدها ، فوثيقة جبهة اليسار الأخيرة ليست عنا ببعيد مما يعني ان تكف هذه الجبهات عن الحديث النظري الذي لا يكلفهاشيئا.

لقد خسرت كثيرا ولم يعد بمقدورها النهوض والوقت لم يعد بعيدا لاطلاق رصاصة الرحمة عليها ولن تجد من يتاسف عليها.


المصدر