جمعة أمين عبدالعزيز .. رحلة عطاء
مقدمة
في خضم الأحداث وتسارعها، تبقى القلوب متعلقة بأصحاب البصمات الطيبة في نفوس الناس، كما تتعلق بمن وهب حياته من أجل رفعة هذا الدين واجتهد بقدر استطاعته في نصرته. وجمعة أمين عبدالعزيز واحد من ظل أمينا على دعوته، ناله من الاضطهاد من نال كثير من المصلحين والدعاة على مر العصور، فما رضى بما يفعله مستبد، أو يداهن من أجل عرض من أعراض الدنيا الفانية، وظل كذلك حتى رحل عن عمر شارف الثمانين.
حياته
في محافظة بني سويف بصعيد مصر ولد الأستاذ جمعة أمين عبدالعزيز، عام 1934م، وعلى الرغم ضعف الامكانيات التعليمية في الصعيد إلا أنه والده حرص على أن يلحقه بالتعليم، واستطاع أن يجتازها حتى حصل على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف عام 1961م، وعمل بعد تخرجه باحثًا بمحافظة الإسكندرية وهي المدينة التي اختارها ليستقر فيها بعدما انتقل من بني سويف، وتدرج المناصب حتى أصبح رئيسًا لقسم البحوث، ثم مديرًا لمباني المحافظة حتى سفره للخارج ثم خروجه على المعاش عام 1994م.
كان واحد من مؤسسي مدارس المدينة المنورة بالإسكندرية حيث بدأت نشاطها عام 1991م، وأصبح رئيس مجلس إداراتها، وفي ذلك يقول: حول التعليم والتربية "عليكم بالمدارس، فقد كانت هدفا لتخريب عقولنا، وغزونا حتى العقيدة في هذه المرحلة قد جمدوها".
وسط الإخوان
كانت النشأة التي نشأ فيها جمعة أمين لها تأثير إيجابي على حبه للالتزام والمحافظة على الصلوات، وقد تأثير بما سمع عن الشهيد حسن البنا والصرح الذي أنشأه متمثل في جماعة الإخوان المسلمين، غير أن البنا رحل قبل أن يقابله جمعة أمين، لكنه سمع عنه من بعض المدرسين، وتأثر بشدة حينما سمع عن ظروف استشهاده من أحد المدرسين الذين نعوا البنا بالمدرسة وعرّف التلاميذ به.
ولذا ما أن عادت الجماعة لشرعيتها بعد زوال قرار الحل الصادر عام 1948م من قبل النقراشي، حينما قضت المحكمة بأن قرار الحل باطل ولذا قامت بإلغائه، وبعدها شرع الإخوان في إعادة مركزهم وهيكلة الجماعة التي اختارت المستشار حسن الهضيبي مرشدا عاما للإخوان عام 1951م وهو العام الذي قرر جمعة أمين الالتحاق فيه بالجماعة، غير أن الرياح أحيانا تأتي بما لا تشتهي السفن، فبعد ثلاث سنوات وجه عبد الناصر ضربة قوية للإخوان باعتقال القيادات واعدام بعضهم عام 1954م وسجن الباقين لمدة مختلفة ومنهم الأستاذ عباس السيسي الذي قضى عامين وخرج أوائل 1957م ليعود للإسكندرية
حيث تلمس جمعة أمين الطريق وسط الخوف الذي زرعه عبد الناصر في قلوب الناس والذي لم يحول بين الناس والعمل الديني مرة أخرى، حيث نشطت مجموعة إلى لم شمل من خرج من السجون وإعادة العمل التربوي للجماعة مرة أخرى، فانضم جمعة أمين لهذا الركب وعمل معهم، قبل أن يكتشف ما سمى بتنظيم 1965م وتبدأ الحرب الضروس من أجهزة عبد الناصر الأمنية في سباق محموم على انتزاع الاعترافات تحت لهيب السياط، ووحشة الكلام المفترسة، وغلظة قلوب ضباط وصف ضابط نظام عبد الناصر.
قبض على جمعة امين وقدم للمحاكمة والتي قضت بحبسه 15 عاما، قضي منها 6 أعوام خلف الجدران ليخرج أواخر عام 1971م. منذ اللحظة الأولى التي خرج فيها سعى جمعة أمين مع بعض إخوان كعباس السيسي ومحمود شكري والشيخ محمد حسين وعبد اللطيف أدم ومحمد عبد المنعم إلى إعادة العمل الدعوي مرة أخرى في الإسكندرية، ومن ثم اهتموا بالشباب في جامعة الإسكندرية والذين أصبحوا بذرة انطلاق العمل مرة أخرى.
ويذكر الدكتور إبراهيم الزعفراني في ذلك الأمر:
- في إحدى الأيام تكلم الأستاذ محمد حسين إلي هذه المجموعة بان الإخوان يريدون منك تحديد موقفكم من العمل معهم فعليكم أن تجلسوا سويا تحددوا نقاط النقاش وبالفعل جلسنا واتفقنا على أن نتناقش مع الإخوان الكبار.
أدار النقاش الحاج عباس السيسي (رحمه الله) وحضره الحاج محمود شكري والأستاذ جمعة أمين وحضره من الشباب مهندس حامد الدفراوي مهندس خالد داود وإبراهيم الزعفراني. وبالفعل تحول عدد من الطلاب إلى فكر الإخوان المسلمين مثل محمد إبراهيم ومحمد أبو الناس وإبراهيم الزعفراني وخالد داود وحامد الدفراوي، والذين أخذوا على عاتقهم نشر فكر الإخوان وسط الطلبة.
انطلق العمل الدعوي بعد وفاة المستشار حسن الهضيبي وتولى الأستاذ عمر التلمساني منصب المرشد العام، حيث انطلقت الدعوة مرة أخرى خارج نطاق مصر، وتأسست الندوة العالمية للشباب الإسلامي واختير الأستاذ جمعة ليكون سكرتيرا عام لها عام 1981م وذلك قبل اعتقالات السادات للمفكرين والمصلحين والأدباء والعلماء ومنهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين حيث درج اسم جمعة أمين ضمن المطلوب اعتقالهم في أحداث سبتمبر 1981م.
سافر إلى السعودية حيث عمل كسكرتير للندوة العالمية للشباب الإسلامي بالسعودية وظل بها حتى عام 1985م. اختير عضوا في المكتب الإداري لإخوان الإسكندرية ثم نائبا لرئيس المكتب قبل أن يتم اختياره رئيسا لمكتب الإخوان بالإسكندرية، وظل به حينما اعتقل ضمن مجموعة سلسبيل في شهر فبراير من عام 1992م، غير أنه لم يمكث سوى شهور معدودة خرج بعدها ليكمل مشواره الفكري والتربوي داخل الجماعة.
حينما اجتمع مجلس الشورى العام يوم الخميس من شهر يناير عام 1995م ناقش العديد من قضايا الجماعة كما تم انتخاب أعضاء جدد لمكتب الإرشاد كان منهم الأستاذ جمعة أمين عبدالعزيز والحاج عباس السيسي قبل أن يعتذر عن الاستمرار في المكتب ويمثل الأستاذ جمعة أمين منطقة غرب الدلتا. وحينما جرت انتخابات لمكتب الإرشاد عام 2009م تم اختيار الأستاذ جمعة امين عضوا فيه قبل أن يتم اختياره نائبا للمرشد العام.
سَعِد جمعة أمين كثيرًا بثورة 25 يناير ودعم المواجهة المباشرة مع نظام مبارك بعد اشتعال الثورة، بل وكان شريكًا في مخطط تفريغ التعاطف الشعبي مع مبارك في خطابة الشهير في الأول من فبراير من مضمونه، وشارك في اجتماعات متتالية للحفاظ على زخم ميدان التحرير.
سافر للعلاج في لندن قبل عدة أسابيع من اشتعال أحداث الثلاثين من يونيو ثم الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013م وظل بها حتى وافته المنية عن عمر قارب الـ 81 عاما في 24 يناير 2015م الموافق 13 ربيع الثاني 1436هـ ودفن بلندن.
ونعى نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية، جمعة أمين ، حيث توجه في بيان له بالتعزية الحارة إلى الشعب المصري الشقيق وجماعة الإخوان المسلمين والمرشد العام بوفاة الأستاذ جمعة أمين.
مؤلفاته
قام بإعداد الكثير من المؤلفات الدعوية والتربوية الشارحة لفكرة الإخوان وأفكارهم ومناهجهم، من أهمها:
- في ظلال الأصول العشرين.
- الدعوة قواعد وأصول، تقديم مصطفى مشهور - دار الدعوة للنشر والتوزيع 1999م.
- فهم الإسلام في ظل الأصول العشرين - دار الدعوة للطباعة 1989م.
- الإخلاص "مفهومه - مجالاته - تطبيقاته" - دار الدعوة للطباعة 1998م.
- منهج القرآن في عرض عقيدة الإسلام.
- منهج التغيير عند الإمام البنا.
- الفريضة المفترى عليها "الجهاد" - دار الدعوة للطباعة 2000م.
- ظروف النشأة وشخصية الإمام المؤسس - دار التوزيع والنشر 2003م.
- التغيير على منهاج النبوة "إرادة العمل" - دار الدعوة للطباعة 1995م.
- أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين - دار التوزيع والنشر، 2003م.
- دور الإخوان المسلمين في المجتمع المصري 1938 - 1945م.دار التوزيع والنشر الإسلامية 2006م.
- المناسبات الإسلامية - دار الدعوة 2006م.
- التربية الإيمانية والدعوية للمرأة المسلمة - دار النشر للجامعات 2009م.
- منهج الإمام البنا بين الثوابت والمتغيرات - دار التوزيع والنشر الإسلامية 2000م.
- التضحية والفداء في الإسلام - دار الدعوة 2001.
أصدر الكثير من المؤلفات الدعوية والتربوية الشارحة لتصورات الإخوان وأفكارهم ومناهجهم وغير ذلك من المؤلفات الإسلامية.
ألبوم صور
جمعة أمين عبد العزيز
الأستاذ-محمد-ابو-النصر-المرشد-العام-وجمعة-أمين-عبد-العزيز-فى-مؤتمر-الطلبة-بباكستان