دروس من الانتخابات الايرانية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
دروس من الانتخابات الايرانية
ايران علم خريطة.jpg

تجربة الانتخابات الرئاسية التي تابعناها عبر شاشات التلفزة طوال يوم امس، تستحق منا كعرب الكثير من التأمل لاستخلاص الدروس والعبر، ومعرفة الاسباب التي جعلت من ايران قوة اقليمية عظمى مرهوبة الجانب من الدول الكبرى، بينما نحن العرب نحتل مكانة متدنية في دوائر التأثير السياسي والعسكري في المعادلات الدولية.

اكثر من 70 بالمئة من اصل 46 مليون ناخب ايراني توجهوا الى صناديق الاقتراع لاختيار الرئيس المقبل، اصطفوا في طوابير بهدوء انتظارا لدورهم للادلاء بأصواتهم دون تسجيل اي مخالفة، او حادثة تعكر الاجواء الامنية.

اثناء الحملات الانتخابية شاهدنا المرشحين الاربعة يتواجهون امام عدسات التلفزة، يشرحون برامجهم الانتخابية، ويدافعون عن سياساتهم، ويتبادلون الاتهامات، ويردون على اسئلة المذيع المحرجة دون اي تردد، في سابقة لم نر لها مثيلا الا في الانتخابات الرئاسية الامريكية.

ندرك جيدا ان الانتخابات الايرانية تخضع لمعايير مختلفة عن معايير نظيراتها في العالم الغربي، وان اللجنة المختصة بالحفاظ على الدستور هي التي 'تغربل' المرشحين للرئاسة، وتختار عددا قليلا منهم يجب ان تتوفر فيهم صفات محددة مثل الانتماء الى المذهب الشيعي، والايمان بقيم الثورة الخمينية، وولاية الفقيه، والتمسك بنظام الملالي، ولكن علينا في الوقت نفسه، ان نتابع مدى تطور العملية الانتخابية في السنوات الاخيرة، واتساع دائرة المشاركة الشعبية فيها، وتعرض المرشحين للرئاسة للمرشد العام بالنقد وعدم الحياد ولسياسات الرئيس بالتفنيد بل واتهامه بالغوغائية، وتدمير سمعة البلاد وتعريضها للعزلة الدولية، واغراقها في ازمات اقتصادية طاحنة ادت الى زيادة نسبة التضخم الى اكثر من عشرين في المئة وتفاقم معدلات البطالة.

هذا النموذج الديمقراطي ورغم تحفظاتنا على بعض جوانبه، غير موجود في الغالبية الساحقة من دولنا العربية، والكبرى منها على وجه الخصوص، نقولها وفي قلوبنا حسرة على اوضاعنا المتدهورة، واموالنا المنهوبة، وحقوقنا الوطنية والانسانية المهدورة.

لا نستغرب، ولن نستبعد، ان نتعرض لحملة شرسة من قبل البعض المتأثر بعمليات 'الشيطنة' المكثفة التي تمارسها حاليا الاوساط الاعلامية التابعة لدول محور الاعتدال ضد ايران، واحلالها محل اسرائيل كعدو اول للأمة العربية، تحت مسميات طائفية، وقومية. وعدم استغرابنا هذا يعود الى تجربتنا السابقة مع الاوساط الاعلامية نفسها، عندما 'شيطنت' النظام العراقي السابق العربي القومي لاطالة امد الحصار على العراق، وتسهيل مهمة القوات الامريكية في احتلاله وقتل مليونين من ابنائه، نصفهم بسبب الحصار الذي سبق الغزو، واتهمت كل من يقف في خندق الدفاع عن هذا البلد العربي بالدكتاتورية ومساندة المقابر الجماعية، والان بات هؤلاء يتباكون على العراق بعد ان طُمست هويته العربية، والتوازن الاستراتيجي الذي حققه مع ايران ويشتكون مر الشكوى من تغلغل النفوذ الايراني فيه.

لسنا معجبين بايران ونظامها، كما اننا لسنا غافلين عن طموحاتها الاقليمية، ودورها في العراق حاليا، ولكننا نضرب بها مثلا لاظهار مدى تخلف امتنا العربية، وتراجع مكانتها بين الامم الاخرى، ونبين كيف ان ايران، التي خرجت مهزومة او غير منتصرة، من حرب استمرت ثماني سنوات، استطاعت، في اقل من عشرين عاما، تطوير قدرات عسكرية جبارة، ومكانة اقليمية ودولية متقدمة، وديمقراطية لا يشكك الا اصحاب الآراء المسبقة في نزاهتها.

نعم هناك تجارب عربية ديمقراطية، شاهدنا انصع صورها قبل ايام في لبنان وقبلها بشهر في الكويت، واخرى جرى اجهاضها في موريتانيا، ولكن جميع هذه التجارب تأخذ مكانها في الاطراف وليس في دول المركز الفاعلة المؤثرة، مثل مصر وسورية والمملكة العربية السعودية، محور الثقل الاقتصادي والاستراتيجي والبشري في الوطن العربي. وهنا بعض الامثلة:

اولا: السلطات المصرية عدلت الدستور بضغط من الحكومة الامريكية، وبما يسمح بالغاء الاستفتاء على تجديد انتخاب الرئيس، ومنافسة مرشحين من الشعب له في انتخابات من المفترض ان تكون حرة نزيهة. ما حدث ان الدكتور ايمن نور رئيس حزب الغد الذي تجرأ على منافسة الرئيس في الانتخابات، وفاز بالمرتبة الثانية، اقتيد الى السجن في تهم ملفقة، وخسر زوجته وصحته وحزبه، ولم يخرج الا مع وصول الديمقراطيين الى حكم البيت الابيض تحسبا.

اما المرشحون المحتملون في الانتخابات المقبلة فقد بدأت عمليات إبعادهم وحصارهم منذ زمن بعيد، فالسيد عمرو موسى جرى 'تصديره' الى جامعة الدول العربية مبكرا، في 'رشوة سياسية' محسوبة بعناية، ولا يمر يوم دون ان نقرأ تقارير اخبارية عن مضايقة الداعية عمرو خالد من قبل النظام ومنعه من القاء محاضرات دينية في بلده، لانه يمكن ان يشكل خطرا على مرشح المستقبل جمال مبارك بسبب شعبيته.

ثانيا: المملكة العربية السعودية التي تمثل الاقتصاد الاكبر عربيا، عرفت نصف انتخابات بلدية قبل اربعة اعوام. اي ان ينتخب الشعب من الرجال نصف المجالس البلدية، وتعين الحكومة النصف الثاني، وحتى هذا التطور الذي جاء بضغوط امريكية ايضا، تعرض لعملية اجهاض مؤخرا، فقد تأجلت الانتخابات البلدية التي كانت مقررة الشهر الماضي لثلاث سنوات تحت ذريعة اصلاح النظام.

ثالثا: اذا كانت مصر سمحت بتعديل الدستور بما يسمح بنزول مرشحين لمنافسة الرئيس، فإن الدستور السوري مقدس لا يمس وبالتالي فهو محصن من التعديل، فما زال الرئيس هو المرشح الوحيد في استفتاء بـ'نعم' او 'لا'. ومن الطبيعي ان يقول الشعب 'نعم'، ولا فرق مطلقا ان قالها او لم يقلها على أي حال.

ولا يمكن ان ننسى في هذه العجالة ان هناك دولا لم تسمع بانتخابات الرئاسة مثل ليبيا، او تعدّل الدستور للسماح لرئيس مريض (الجزائر) بالترشح للانتخابات مرة ثالثة ورابعة وخامسة، ولعل احد المرشحين للرئاسة في تونس قد بزّ الجميع عندما 'بدأ من الآخر' مثلما يقول المثل الشعبي، وتوجه الى صناديق الاقتراع مصوتا للرئيس، معلنا الولاء له امام عدسات التلفزة.

الاقبال الشعبي المكثف على صناديق الاقتراع (70') في اكثر من مئتي الف مقر انتخابي على طول البلاد وعرضها يؤكد ان العملية الانتخابية تحظى بالحد الادنى من القبول، وان الرئيس الجديد سيملك تفويضا من القاعدة الانتخابية لتطبيق برنامجه الانتخابي الذي اوصله الى الرئاسة.

القاسم المشترك للمرشحين الاربعة الابرز في الانتخابات الايرانية هو اتفاقهم على نهضة بلادهم، وتعزيز مكانتها، والدفاع عن مصالحها، وحقها في امتلاك برنامج نووي مستقل، بل وتطوير اسلحة نووية، وان اختلفوا فحول طرق الوصول الى هذه الاهداف. فايران هي الدولة الوحيدة المستقلة فعلا، ولا ترتهن في قرارها لاي جهة خارجية، ولا تمد يدها طلبا لتسول المساعدات.

مرة اخرى احب ان اؤكد اننا لسنا من انصار المشروع الايراني، بقدر ما نحن محبطون من غياب المشروع العربي، بسبب تفرغ دول محور الاعتدال لقتل هذا المشروع بتعليمات امريكية واضحة وصريحة، فقد اصبح دور هذا المحور هو التخريب وليس البناء، ومساندة حروب الآخرين، ولهذا تتعاظم المشاريع غير العربية في المنطقة، وليس صدفة ان كل القوى الاقليمية العظمى الديمقراطية في المنطقة (تركيا، ايران، اسرائيل) ليست عربية


المصدر : نافذة مصر