رشدي عفيفي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رشدي عفيفي ملك السجن


الداعية رشدي عفيفي

إخوان ويكي


مقدمة

تعرض المصلحون والعلماء والدعاة ومن قبلهم الأنبياء والمرسلين للاضطهاد والتنكيل من أصحاب الجاه والسلطان خشية أن يغيروا عقيدة الناس عقيدة زعمائهم وملوكهم وكبار قومهم.

فالابتلاء أصبح سنة لابد أن يتعرض لها الدعاة والمصلحون في كل زمان على اختلاف أنواعه، وعلى قدرة كل واحد منهم، فالابتلاء عظيم على الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، قال صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الناس على قدر دينهم، فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه، وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي في الناس ما عليه خطيئة" رواه أبو سعيد الخدري.

وفي العصر الحديث ومع ضعف الأمة المسلمة، تكالبت عليها الأعداء من كل صوب وحوب يحاولون إضعافها أكثر ونهب خيراتها التي حباها الله بها، فعمدوا – بمعاونة أتباع لهم من المسلمين أو العرب – إلى نشر الرذيلة، ومحاولة تغير الهوية الإسلامية أو طمسها، ومحو لغتها العربية، إلا أن الله يسخر من يزود عن هذا الدين في كل عصر ومصر، قال تعالى: "إ ِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ".

ورشدي عفيفي كان واحد ممن أحب دينه وانضموا إلى جماعة الإخوان المسلمين للعمل عن الزود عنه ونشره بالحسنى، إلا أن ذلك لم يعجب الاستعمار وأتباعه في البلاد فشنوا هجوما ضاريا على الإخوان وأنصارهم وكان سلاح الاضطهاد هو سلاحهم الوحيد حيث فشلوا في مجابهة فكر الإخوان بالحسنى، وعمدوا إلى إلصاق التهم بهم وتشويه سيرتهم وسمعتهم وتغيبهم في غياهب السجون.

بداية المشوار

في قرية كفر وهب، مركز قويسنا، محافظة المنوفية بمصر ولد رشدي عفيفي إبراهيم شوشة، في 5 مارس 1927م – وهو الشقيق الأكبر للمجاهد أبو الفتوح عفيفي الذي شارك في حرب فلسطين والقنال واعتقل عشرات السنين في سجون ناصر، ثم أصبح عضو للإخوان في برلمان 1987م

ثم عضو مجلس شورى الإخوان ومسئول المكتب الإداري في المنوفية قبل أن يتوفى في 20 أبريل 2010م – حيث نشأ في أسرة متدينة تحافظ على العبادات وشعائر الإسلام، فكان والده حافظًا للقرآن الكريم وعابدًا وكان شيخ البلد وفي نفس الوقت إمام لمسجد البلد، وكانت والدته ربة بيت، وتوفيت عام 1948م.

كان له شقيقا أخر غير أبو الفتوح عفيفي وهو عبدالعزيز وذلك غير شقيقة وحيدة كانت لهم، وحصل على التعليم منذ صغره، غير أنه لم يكمله والتحق بالعمل كغفير في القرية حتى صار شيخ غفر القرية، ثم تركها ليعمل في الزراعة بعد خروجه من السجن قبل أن يسافر فترة إلى السعودية للعمل بها مع صديقه الحاج فتحي الخولي ليعود لمصر ويظل بها حتى وفاته.

وسط الإخوان

كانت لزيارات الإمام البنا إلى القرى والنجوع تأثير كبير في نفوس الناس، وقد التحق بها الكثير تأثرا بما كان ينشر الشيخ البنا، هذا غير جوالة الإخوان المنظمة والمميزة والتي جذبت كثير من الشباب لهندامهم وحسن أناشيدهم وأخلاقهم، وكان رشدي عفيفي واحد ممن تأثر بجوالة الإخوان فقرر الالتحاق بهم بين عامي 1945م و1946م، وظل يعمل وسط الجماعة حتى تعرضت للمحنة الكبرى عام 1954م حيث تم القبض عليه مع أخيه

ويضف ذلك بقوله:

قبض علي عام 1954 وجلست في القلعة 11 تحت التعذيب البشع ثم السجن الحربي حيث حمزة البسيوني والذي حاول أن يجبرنا على توقيع لائحة اتهامات غير صحيحة فرفضنا ذلك، فلجأ إلى التعذيب الشديد، حتى أن ضابط أشفق عليهم وقال لهم إنكم ستحاكمون أمام محاكم عسكرية والأحكام مكتوبة سواء اعترفتم أم لا فارحموا أنفسكم من التعذيب، لكنهم رفضوا، وكنا نخرج للمحاكم محافظات محافظات، وبالفعل حكم علي بعشر سنوات.

ويقول أبو الفتوح عفيفي:

نسيت أن أقول أن دليلي إلى طريق الإخوان كان رفيقي خلف الأسوار، فأخي رشدي – رحمه الل - اعتقل معي بعد أحداث المنشية وحُكم عليه بعشر سنوات، ثم أفرج عنه وأعيد اعتقاله في قضية تنظيم 65 ولم يخرج إلا في عام 1971 ، والطريف أنه كان يلقب ب"ملك السجون" حيث تشعبت علاقاته مع حرس السجن، واستطاع بذلك التخفيف عن إخوانه وتذليل الكثير من العقبات التي كانت تقابلهم داخل المعتقل.

ويقول عبد الحليم خفاجي:

قبض عليه وقت أن كان فى أوساط العقد الثالث من عمره عندما حكم عليه بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة قضاها بين ليمان طره والواحات وسجن القناطر ولم يمض على الإفراج عنه عدة أشهر حتى أعيد اعتقاله لمدة ست سنوت قضاها بين معتقل أبى زعبل ومعتقل طره ...فبلغ مجموع ما قضاه السجن والاعتقال ستة عشر عاما قبل أن يفرج عنه 1971.

ويضيف:

مر رشدي عفيفي بعد القبض عليه عام 1954 بكل صور التعذيب بمبنى القلعة والسجن الحربى قبل أن يدخل ليمان طره لتنفيذ الحكم الذى صدر عليه من محكمة الشعب.. وقضى بالقلعة عشر أيام كان يظن فيها أن القيامة قامت من هول ما تعرض له من تعذيب ثم ترحل ضمن 150 أخا من المنوفية إلى السجن الحربى فأنساه السجن الحربى أهوال القيامة الصغرى عندما عاش هول القيامة الكبرى
فمكاتب التحقيق بالسجن الحربى يسميها رشدي مجموعة من الورش او محلات الجزارة لكثرة الآلات التي تستخدم في التعذيب وفى تعليق الآدميين كالذبائح من ايديهم وأرجلهم من خلاف، حتى أنه يصف بشاعة السجان الذي كان يتعامل مع الإخوان فحينما يأتي له بالطعام ويراه يأكل ينهال على ضربا قائلا:(هل لك نفس تأكل يا ابن الكلب)
وإذا امتنع عن الطعام ينهال ضربا قائلا: (ألا يعجبك الأكل يا ابن الكلب)... وإذا سأله هل أنت من الإخوان وقال: لا ،ينهال ضربا قائلا بتهكم: يعنى مظلوم يا ابن الكلب؟ وإن قال نعم منهم قال: وهو يضرب: هل لك عين تقول نعم يا ابن الكلب. وكان هذه النوعية التي تحكم مصر في ذلك الوقت.

و يقول عن نفسه:

" إنني أعتبر أن دخولي السجن هو نقطة تحول في حياتي فلو لم أدخل السجن مع الإخوان لدخلته في أنواع كثيرة من الجرائم... بحكم معرفتي الواسعة باللصوص وتجار المخدرات والقتلة".

وحينما صدر الحكم ورحل مع إخوانه كانوا يهتفون:

" الله أكبر في سبيل الله أدخلنا السجون الله أكبر وليكن بعد الحوادث ما يكون" ثم أشفعوا النشيد بالهتاف المعتاد لدى الإخوان " الله أكبر ولله الحمد،الله غايتنا ،والرسول قدوتنا ،والقرآن دستورنا،والجهاد سبيلنا والموت فى سبيل الله اسمى أمانينا" فاغتاظ حمزة البسيوني من ذلك برغم أنهم لم يصبحوا فى عهدته ما داموا قد خرجوا من بابا السجن الحربى إلا أن ذلك لم يمنعه من تجريده من حمله الحراس لضربهم ضربا مبرحا بالكرابيج حتى رجاه ضابط الرحلة ان يكف لأنهم سيتأخرون عن الوصول إلى الليمان.

كان – كما يصفه إخوانه - في السجن ملكا حيث وهبه الله ملكات ومواهب كثيرة استطاع أن يستغلها ليخفف عن إخوانه خاصة حينما منعت الزيارات وتم ابعادهم إلى سجن الواحات

يقول خفاجي:

ينفرد رشدى بملكات كثيرة نابعة من قيم الريف الأصيل مكنته من تيسير الحياة على الإخوان داخل السجون .. فقد حباه الله برجولة مبكرة واستعدادا فطريا في مواجهة المشكلات وروحا محبة للخير وقدرة على التداخل مع الحرس والسجان ومع كل موظفي السجن مما ممكنه من تهيئه جو معيشي للإخوان داخل كل سجن حل فيه وكان يتخير معاونيه من الإخوان الذين لهم نفس الخصائص ولكنهم جميعا لا يستطيعون العمل بدونه.... وقد عطل بذلك مفعول لائحة السجون وأحبط كيد الحاقدين.
وكان له العديد من المواقف في سجن ليمان طره حينما رفض مع بعض إخوانه الاستحمام عرايا أمام أحد حتى أجبروا إدارة السجن للموافقة على استحمامهم بالسروايل قبل عمل حائل على دورات المياه، كما استخدم ذكاءه في فك القيود عن إخوانه ليلا والتي كانت تترك في أرجلهم ليل نهار، وفى رفض قيام اثنين من المساجين بحلق عانة كل أخ
وتسلموا الماكينات لحلقها بأنفسهم رغم أن السيد الضابط اعتبر هذا التصرف نوع من الشذوذ.. كذلك نجح مع إخوانه فى طلاء جدران الزنزانات بالجير بدلا من اللون الأسود وفى إدخال لمبات كهرباء فيهاو لكن رشدي بدأ ينفرد بأعمال جديدة لا يقوى عليها غيره
فعندما رأى استغلال النزلاء لظروف الإخوان في بيع ضروريات الحياة اتصل على الفور بحسه الأصيل بالأخ حسن دوح المسئول عن الإخوان بالليمان فى ذلك الوقت وعرض عليه فكرته في تخفيف السعار وذلك بأن يطلب من جميع الإخوان أن يكفوا عن الشراء ويترك الفرصة له وحده للتفاهم مع نزلاء السجن وتصل جميع رغبات الإخوان من خلاله.
كما نجح في جعل بعض المساجين يقومون بكثير من العمل نيابة عن شباب الإخوان الذين كان معظمهم من الطلبة ويشق عليهم تنفيذ ما يطلب منهم وهو حمل متر مكعب من الأحجار في كل يوم وينزل حفرة أو يخرج الأحجار من حفرة عميقها عشرون مترا.. وبالعملة الوحيدة في السجن السجائر أمكن حل هذه المشكلة.
حضر المذبحة البشعة التي جرت في ليمان طره يوم 1 يونيو 1957م وراح ضحيتها ما يزيد عن الـ20 أخ غير المصابين، وبعد الحادث أخلت الحكومة ليمان طره من الإخوان ورحلوهم إلى سجن القناطر وذهب وراءهم ضابط العنبر عبد العال سلومة وأسندوا إليه مرة أخرى مسئولية دور الإخوان بسجن القناطر، وبعد سنة في القناطر تم ترحيله إلى الواحات.
كان سجن الواحات مسرح عمليات لرشدي عفيفي حيث ملك بذكائه لب المأمور والسجان والإخوان، فكان يقوم على خدمة إخوانه وتوفير كل ما يطلبونه من احتياجات. عاش الإخوان – وبينهم رشدي – حياة صعبة في سجن الواحات قبل أن يتعنت نظام عبد الناصر ويقوم بنقلهم إلى سجن في باطن الصحراء الغربية بعيد عن العمران وهو سجن المحاريق.
ومع ذلك ظل رشدي عفيفي بمهارته يعقد الصداقات مع السجانين الذين سهلوا له ادخال بعض احتياجات الإخوان داخل السجون. ولكن راحة الإخوان الكبرى كانت تأتى من تولى رشدي أمر فتح الزنازين وغلقها فإذا ما اشتم رائحة مرور أحد من ضباط السجن أوسع بتسليم المفتاح للسجان وعاد إلى مكانه على البرش داخل الزنزانة.
ظل رشدي عفيفي طوال فترة حبسه يعمل على التخفيف عن إخوانه بمهارته وصداقته مع الضباط والسجانين، حتى جاء كشف يوم 28 فبراير سنة 1961 الذى يوافق العاشر من رمضان فيه اسمه مع 70 من إخوانه بترحيلهم لسجن القناطر، وفيه وعلى ساحته وقعت كثير من المواقف التي كان فيها رشدي عفيفي فارسا لإخوانه في قضاء حوائجهم حتى أصعب المتطلبات مثل الجاز الذي كانوا يستخدمونه في إشعال النار لتسوية الطعام.

حتى يصفه كتاب ملك السجن بقوله:

"كان رشدي له مكانة بين المسجونين والسجانة عظيمة وكانت له مكانة أعظم بين إخوانه فهو الذى يسهر على راحتهم وهو بجانب ذلك المتواضع جدا المتفاني وظهر ذلك بوضوح عندما أتى يوم الإفراج عن رشدي من السجن كان يوما حافلا احتفل به المسجونون وودعه السجانة والضباط بحفاوة عند الباب
وظلوا يذكرونه بعد خروجه ويراسلونه ويتندرون على أيامه حتى ان أحد الصولات أرسل إليه يقول بهذا النص (لقد أنطش الولد طلعت في السجان وأمسك منه بصفيحة جاز) وطلعت هذا أحد الإخوة الشباب الذى كان يساعد رشدي وحاول أن ينوب عنه في تقديم الخدمات وكلمة الصول معناها: " فين أيامك يا رشدي لا يمكن أن يقوم مكانك أو مقامك أحد".

خرج رشدي عفيفي من السجن يوم 12 ديسمبر عام 1964م بعدما قضى مدة الـ10 سنوات كاملة، غير أنه لم يطل به المقام في الخارج إلا ثمانية أشهر حتى قبض عليه مرة أخرى في 15/ 8/1965م وتنقل بين معتقل طره والفيوم والسجن الحربى ومعتقل أبو زعبل في تنظيم لم يشترك فيه ولا يعرف عنه شيئا إلا أن قرار عبد الناصر كان اعتقال كل من سبق اعتقاله، هذا غير قراره بأن الذين لم تشملهم المحاكمات سيبقون بالمعتقلات إلى الأبد، وظل في السجن 6 سنوات حتى أفرج عنه عام 1971م.

بعدما خرج عمل في الزراعة قبل أن يسافر السعودية ثم ليعود ويعمل وسط إخوانه في الحقل الدعوي حتى توفاه الله عام 2000م.

المصادر

  1. أبو الفتوح عفيفي: رحلتي مع الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003م.
  2. عبد الحليم خفاجي، محمود محمد حامد: ملك السجن، دار الصحوة للنشر والتوزيع 1989م.