في تطبيق للشورى والديمقراطية الداخلية...
د/ عصام العريان
في تطبيق للشورى والديمقراطية الداخلية: اختيار " أبو جرة السلطاني " رئيسًا لـ" حركة مجتمع السلم " في الجزائر
تم انتخاب القيادي البارز " أبو جرة سلطاني " لمنصب رئيس " حركة مجتمع السلْم " في الجزائر، بعد منافسة شديدة، واحتقان لم يدُم طويلاً، وهو من الجيل الثاني(54عامًا).
حصل "أبو جرة" على105 أصوات مقابل 95 لمنافِسِه السيد "عبد الرحمن سعيدي" النائب البرلماني الحالي، والذي كانت التوقعات تشير إلى حسْم المنصب لصالحه (راجع تقارير جريدة الحياة حتى يوم التصويت الجمعة 8/8/ 2003 م).
خلَف "أبو جرة" زعيمَ الحركة ومؤسسَها المرحوم "محفوظ نحناح"، الذي شغَل الموقع منذ تأسيس الحركة، وكان له نشاط واسع في الجزائر وخارجها.
حمل الاختيار أكثر من مفاجأة للمراقبين المهتمين بالشأن الإسلامي، خاصةً في ظل الاهتمام الواسع بالعملية الديمقراطية والمحاولات الجاهدة لإرساء الحريات العامة وتطبيق الديمقراطية، سواءً بالجهود التي تبذلها القوى الإسلامية والوطنية، أو عن طريق زرع الفوضى، ونشر الفتن، وإذكاء الحروب على الطريقة الأمريكية الصهيونية، التي تتبع سياسةً خرقاء، لن تؤدي إلاَّ إلى الكوارث.
معروفٌ أن " حركة مجتمع السلم " تنتمي إلى مدرسة " الإخوان المسلمين "، وهذه المدرسة تتميز باختيارات فقهيَّة تعتمد الشورى والديمقراطية في بنائها الداخلي، فهي تعتمد القانون الأساسي (الدستور)، الذي يبيَن غايات وأهداف وأقسام الحركة، وهي تتبنَّى طريق الانتخابات في اختيار المرشحين لمواقع المسئولية، عن طريق التنافس وِفْق اللوائح المنظمة لعمل الهيئات المكونة للحركة.
هذا الاختيار قائم منذ تأسيس " الإخوان "، والذين يشاركون بنشاط في الحياة العامة والانتخابات البرلمانية.
ومن المفاجأت أن جدلاً كبيرًا حدث في المؤتمر حول الإجراءات؛ مما يعني تنوعًا في الآراء والاجتهادات، وأن هناك انسحابًا أشارت إليه قناة "العربية"، والظاهر أنه محدود ولم يتم؛ لأننا استمعنا إلى تعليقات من أبرز وجوه الحركة، مثل المنافس الآخر "السعيدي" الذي أشار إلى روح الأخوَّة التي تجمع بينه وبين "سلطاني" الفائز، وأنه سيكون سندًا له ومعينًا.
كما تحدث الوزير السابق والنائب البرلماني وأحد أبرز وجوه الحركة الأخ "عبد المجيد المناصرة" عن الانتخابات وحيويتها، وثراء المناقشات، مبينًا تماسك الحركة، وأنها تستعد لمواجهة استحقاقات كبيرة تحتاج إلى كل الآراء، وأن تنوع الآراء يدلُّ على النضْج وقوَّة الحركة وليس الأفراد.
وأشار الفائز " أبو جرة السلطاني " أن الاختلاف يُزيد من قوة الحركة ولا يُضعفها، وأن عدم وجود وجهات نظر متعددة هو أحد مظاهر الضعف وليس القوة.
وهذه لغة جديدة على الحركات الإسلامية التي دائمًا يتَّهمها خصومها بأنها لا تعرف التعددية الداخلية ولا تعترف بالتعددية الخارجية.
وجدير بالذكر أن المرحلة التي تلي وفاة مؤسس أيّ حركة إسلامية أو سياسية أو مجتمعية هي مرحلة قلقة جدًا، وينبني على تجاوزها بسلام مستقبل الحركة، وهنا نذكّر بالخلاف الشديد الذي حدث بعد اغتيال الإمام الشهيد " حسن البنا " مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وأنه لحسْم الخلاف تمَّ الاتفاق على تولية المرحوم المستشار "حسن الهضيبي" مرشدًا عامًا ثانيًا، وهو لم يكن منتظمًا في صفوف الإخوان؛ بسبب وضْعه القضائي الذي يمنعه من ذلك، إلاَّ أن صلته القوية بالمؤسس، وإشارة "البنا" إليه كحكم عند الخلاف حسَم الأمر لصالحه.
في ظل التوجه العام في المنطقة العربية- وفي العالم كله- نحو الحريات العامة، وإقرار الديمقراطية كوسيلة إلى إدارة شئون الحكم وتحقيق مصالح البلاد والعباد- بما تعنيه في جوهرها من التداول على السلطة، وحسم الخلاف عبر صناديق الانتخابات، واحترام الأغلبية لوجود الأقلية، ورأيها في الاعتبار- فإن الحركات السياسية عمومًا والإسلامية خاصةً يجب عليها أن تتبنَّى الوسائل الديمقراطية في إدارة شئونها الداخلية؛ حتَّى تُثبت جَدارتها لتطبيق الديمقراطية في المجتمع، وحتَّى يثق بها كلُّ الأطراف المعنيَّة في أهليتها السياسية.
- عضو في جماعة الإخوان المسلمين وأمين مساعد نقابة الأطباء المصرية وعضو مجلس الشعب السابق
المصدر
- خبر:في تطبيق للشورى والديمقراطية الداخلية...إخوان أون لاين