ما قبل "الإخوان المسلمين"الظروف السياسية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ما قبل "الإخوان المسلمين"الظروف السياسية


الحلقة الرابعة: الظروف السياسية

شهد المجتمع المصري في الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية مهمة أسهمت إلى حد كبير في بلورة، ورسم معالم الإطار السياسي، والاجتماعي العام الذي ساد الحياة المصرية- على الأقل حتى منتصف القرن العشرين- كما شكل هذا الواقع المخاض السياسي، والاجتماعي لنشأة، وتكوين الإخوان المسلمين، مع التأكيد على أن الجماعة لم تكن مجرد رد فعل للهجمة الصليبية على المجتمع المصري، بل هي إفراز طبيعي لتداعيات مرحلة استمرت عشرات السنين في تاريخ مصر المعاصر.

أهم تفاعلات الحياة السياسية قبل ظهور جماعة الإخوان المسلمين:


1- ثورة 1919م

ثورة 1919م

كانت أهم الأحداث السياسية التي سبقت تأسيس جماعة الإخوان المسلمين, فعلى وقع هذه الثورة بدأت مصر تشهد بعض معالم النظام الليبرالي، والذي كان له أثر كبير في جو الحرية النسبية التي تمتعت به الجماعة فيما بعد.


ورغم أن روح الجهاد الإسلامي كانت عاملاً أساسيًا، وسببًا أصيلاً من أسباب ثورة 1919م، إلا أنه يبدو أن افتقاد الساحة آنذاك لقيادة إسلامية حازمة، وقادرة على الإمساك بزمام الأمور قد جعل من اليسير أن تؤول قيادة الثورة إلى عناصر من جيل التغرب الثاني (يمكن القول إن جيل التغرب الأول تشكل من معم أعضاء البعثات التي ذهبن إلى أوربا بدءا من عهد محمد علي ، اما الجيل الثاني فقد تكون من أساسا من أعضاء حزب الأمة) ذوي العقليات والتوجهات العلمانية، وهم الذين تشكلت منهم أغلبية النخبة السياسية طوال العهد الليبرالي. (إبراهيم بيومي غانم ، الفكر السياسي للإمام حسن البنا، مرجع سابق ، ص 48) .


قامت هذه الثورة عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى(أفضل أن اسميها الغربية الأولى لكن يبدو أن الغرب قد نجح في أن تكون كل أحداثه عالمية وكل إذاعاته كذلك في مركز الكون وإن كان في أقصى الكرة الأرضية) الأولى ببضع شهور، وكانت تعبيرًا عن غضب الأمة المختزن منذ عهد الاحتلال، وكان الخزين الذي تفجر يحوي أشياء كثيرة تجمعت على مدى الزمن، فأدت إلى الاشتعال، كان فيها الغضب الطبيعي من العدو الغاصب الذي يحتل البلاد بعساكره، ويهين بوجوده كرامة البلاد.


وكان فيها الاستياء من فرض "الحماية العسكرية" – فضلاً عن الاستعمار- منذ قيام الحرب سنة 1914م، وقد كانت فترة الحماية تتميز بالمزيد من الشراسة في معاملة الشعب المهدر الكرامة، فقد أنشئت المحاكم العسكرية، وكانت تحكم على الناس بالإعدام؛ لأدنى شبهة، ولمجرد الإرهاب كما في حادثة دنشواي الشهيرة.


وكان فيها الاستياء من سلب الفلاحين دوابهم التي يعتمدون عليها في أرزاقهم مع سلبهم أقواتهم الضرورية من الغلال تحت ذريعة أن السلطة العسكرية في حاجة إليها لحماية البلاد.


ولكن أشد العوامل التي حفزت المصريين للثورة- إلى جانب ذلك كله- كان عزل مصر رسميًا عن دولة الخلافة منذ إعلان الحماية، وقطع صلتها بها نهائيًا، وجعلها تابعة لبريطانيا.


وكما يقول الأستاذ "محمد قطب": "كانت الثورة "إسلامية" في جوهرها يقوم بها الشعب المسلم في مصر تجاه الغاصبين الكفار، وكانت تنطلق من الأزهر مهد الإسلام بالضبط، كما انطلقت من قبل أيام نابليون .. ولكن تحولاً خطيرًا طرأ على الثورة كان عماده سعد زغلول". ( محمد قطب ، واقعنا المعاصر ، مرجع سابق ، ص 317).


ولقد نشرت صحيفة الأهرام في عام 1969م بعض وثائق المتحف البريطاني الخاصة بثورة 1919م باعتبار أنه قد مضى عليها خمسون عامًا، وكان مما جاء فيها أن "محمد محمود باشا" قابل "سعد زغلول"، وقال له: إن الشعب يغلي فقال له "سعد": وماذا نفعل، والحماية معلنة على البلاد، فقال له "محمد محمود باشا": إذا لم نفعل شيئًا، فسيفوتنا القطار، فشكل "سعد زغلول" وفدًا لمقابلة السيد "ونجيت" المندوب السامي البريطاني في ذلك الحين، وحدَّثه عن حالة الفوران التي تغلي في صدور الشعب فقال له السيد "ونجيت" كأنكم تريدون الاستقلال فقال له: "سعد": نعم، فقال له المندوب السامي: سنرفع الأمر إلى الحكومة البريطانية، واندلعت الثورة على إثر رفض مطلب الاستقلال، وكانت ثورة عارمة تخرج يوميًا من الأزهر فنفي "سعد" ووفده بحسبان أن نفي الزعماء سيقضي على الثورة، ويمكن الإنجليز من السيطرة على الموقف، ولكن الثورة ازدادت اشتعالاًُ فسحبت بريطانيا مندوبها السامي من مصر، وجاءت باللورد "اللنبي"- الذي تغلب على جيش الخلافة العثمانية- فمكث شهرًا كاملاً يدرس الأحوال في مصر- كما تقول وثائق المتحف البريطاني- ثم أرسل إلى حكومته تقريرًا مطولاً منشورًا بكامله في الوثيقة "أبرز ما فيه جملتان ذواتا دلالة عميقة، وأهمية بالغة وهما:

-أن الثورة تنبع من الأزهر، وهذا أمر له خطورته البالغة.

-أفرجوا عن "سعد زغلول"، وأعيدوه إلى القاهرة.( المرجع السابق ، ص 321)

فعاد سعد ورفع شعاره " الدين لله والوطن للجميع " شعارًا للثورة، معلنًا تحول وجهة الثورة على صعيدين:

الأول: تحول الثورة من مقاومة شاملة للاحتلال بهدف نيل الاستقلال إلى التفاوض مع الإنجليز.

الثاني: تحول الثورة من ثورة إسلامية تخرج من الأزهر إلى ثورة علمانية بحتة تشارك المستعمر رؤيته للإنسان، والكون، والحياة.


2- تصريح 28 فبراير 1922م

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تألف الوفد المصري للسفر إلى "بريطانيا" لمناقشة المسألة المصرية، وحيث إن مطالبه قد قوبلت بالتسويف، فلجأ إلى إثارة الرأي العام ضد "بريطانيا"، وقد أدى ذلك إلى إلقاء القبض على "سعد"، وزملائه الثلاثة مما فجر ثورة 1919م، وبعد أن هدأت الثورة أوفدت "انجلترا" لجنة "ملنر" التي قاطعها الوفد؛ نتيجة إصرار الحكومة البريطانية على عدم إلغاء الحماية إلا إذا اعترفت مصر رسميًا بكل ما تدعيه بريطانيا من مصالح لها في مصر، ونتيجة لعدم قبول الشعب المصري لهذا الشرط أعلنت "بريطانيا" من جانب واحد انتهاء الحماية، واستقلال "مصر" بمقتضى تصريح 28 فبراير، وقد نص هذا التصريح على انتهاء الحماية البريطانية على "مصر" وتكوين دولة مستقلة ذات سيادة إلا أن التحفظات الأربعة التي أعطت "إنجلترا" لنفسها حق توليها لم تغير كثيرًا من حقيقة الاحتلال. (أحمد ربيع عبد الحميد خلف الله، مرجع سابق، ص 26) الأمر الذي يجعل البند الأول، وهو إلغاء الحماية البريطانية على "مصر"، والاستقلال حبرًا على ورق.( زكريا سليمان بيومي ، مرجع سابق ص 40).


3- دستور 1923م

أخذت مصر- على إثر تصريح 28 فبراير 1922م- في ترتيب حياتها السياسية، ولقد كان من الضروري لاستكمال شكل النظام الجديد العمل على وضع الدستور الجديد؛ حتى تقوم الحياة النيابية في البلاد، فتشكلت لجنة الثلاثين؛ لوضع الدستور، وقد وجهت لهذه اللجنة الكثير من الانتقادات، فهي لم تكن تمثل الشعب تمثيلاً صحيحًا، وقد أطلق عليها "سعد زغلول" لجنة الأشقياء، وصدر الدستور في 19 أبريل عام 1923م، وقال "سعد زغلول" تعليقًا على هذا الدستور: "أنه أنشأ للبلاد حكومة مطلقة في الظاهر، ومقيدة في الحقيقة، وفتح للإنجليز بابًا واسعًا؛ للدخول منه في شئون البلاد، وإدارتها".


ولقد رسم دستور 1923م الإطار العام للحياة السياسية المصرية على الأقل من الناحية الرسمية بيد أن كان في حقيقة الأمر تعبيرًا عن القوى السياسية، والاجتماعية التي سعت دائمًا للسيطرة، والاحتفاظ بمكانتها بشتى الطرق.


وبهذا الدستور نجح الاحتلال في إقناع ساسة مصر بلعبة جديدة هي لعبة الانتخابات، والمجالس النيابية، والصراع على كراسي الحكم، ولكن الدستور في حد ذاته كان منسجمًا على الورق، أو كما قال أحد مشرعيه وهو "عبد العزيز فهمي" إنه "ثوب فضفاض" وذلك لكونه منقولاً في أغلبه عن الدساتير الغربية التي لا تلائم نصوصها حالة البلاد (المرجع السابق ، ص 42)، واستهلكت طاقات المصريين في غير موضعها.


لكن مع ذلك فإن المرحلة شبه الليبرالية التي أسس لها هذا الدستور هي التي أتاحت مساحة من الحركة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين على مدى ما يقرب من عقدين، برغم تسليمنا أنه لا يمكن لنظام ديمقراطي أن ينشأ في ظل الاحتلال، وتحت حراب المستعمر.


4- إسقاط الخلافة الإسلامية في "تركيا":

ألغيت الخلافة الإسلامية في 2 مارس 1924م - أي قبل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بأربع سنوات- ، وفي هذه السنوات الأربع كانت مصر تغلي كالمرجل، وكان كل ذلك من جراء إلغاء الخلافة الإسلامية، ولم تكن مصر في هذا وحدها، وإنما شاركها عدد غير قليل من بلدان العالم الإسلامي.


و كانت عملية إسقاط الخلافة الإسلامية في عاصمة الإسلام "إسطنبول" أهم عناصر الظروف السياسية التي أدت إلى نشأة ليس الإخوان وحدهم، بل كثير من العاملين للإسلام تكتلوا عقب إسقاط الخلافة؛ لتدارك الأمر، وكما يقول "دليب هيرو" في كتابه: "الأصولية الإسلامية في العصر الحديث" فإن قيام علمانية جمهورية في "تركيا"، وإلغاء الخلافة خلق أزمة في العالم الإسلامي (دليب هيرو ، الأصولية الإسلامية في العصر الحديث ، ترجمة عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب ( سلسلة تاريخ المصريين 107 ) 1997، ص 118)

فأصدر علماء الأزهر في 6 مارس 1924م بيانًا نشرته جريدة الأهرام بعنوان: "خلع الخليفة غير شرعي" موقعًا عليه من ستة عشر عالمًا، وكان ذلك في أعقاب إلغاء الخلافة بأربعة أيام أعلنوا فيه: بطلان عزل الخليفة "عبد الحميد" الذي انعقدت له البيعة من المسلمين جميعًا؛ لأن خلعه صادر من فئة قليلة، وفي نفس الوقت طالبوا بعقد مؤتمر في أسرع وقت؛ لمناقشة هذا الأمر الجليل، وحذروا المسلمين من التأخر، وأن الخلاف سيضعف الإسلام، ويوهنه، ونشطت الدعوات إلى عقد هذا المؤتمر، وتعددت؛ حتى غدا ذلك مطلب الأمة.


ثم عقد علماء الأزهر مؤتمرًا موسعًا في 25 مارس 1924م برئاسة شيخ الأزهر، وقرروا في مؤتمرهم دعوة المسلمين بعد عام لاختيار خليفة، وتكونت لجنة للإعداد للمؤتمر مكن لها القصر، وصحفه من الدعوة له في شتى أنحاء "مصر" كما صدرت مجلة باسم المؤتمر الإسلامي في أكتوبر 1924م أعلن فيها أن المؤتمر لن يقتصر على بحث مسألة الخلافة، بل سيتطرق إلى بحث أسس حكومة إسلامية، وكذلك منهج تعليمي إسلامي، وقد واجه المؤتمر عراقيل عدة لم تؤد إلى تأجيله إلى سنة 1926م فحسب، بل كانت سببًا في فشله أيضًا. (زكريا سليمان بيومي ، مرجع سابق ، ص 59)وإذا كان الإنجليز ممن عملوا على إفشال المؤتمر الإسلامي، كما يذكر بعض الكتاب (د. علي عبد الحليم محمود منهج التربية عند الإخوان المسلمين ، مرجع سابق ، جـ 1 ، ص 56) إلا أن أهم أسباب وعوامل الفشل كانت المسلمين أنفسهم كما يذكر كتاب آخرون (زكريا سليمان بيومي ، مرجع سابق ، ص 59) فلقد كثر الطامعون في الخلافة أمثال شريف مكة "الحسين بن علي"، والملك "فؤاد" في "مصر" الذي كان يدعو لنفسه خفية، وساعده في ذلك بعض علماء الأزهر، والملك "أمان الله خان" ملك الأفغان.


5- محاولات إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين

بالإضافة إلى العوامل والظروف السياسية السابقة كان هناك ظرف لا يمكن تجاهله، هو تزايد الخطر الصهيوني، وتطلع الصهاينة إلى اتخاذ فلسطين وطنًا قوميًا لهم، خاصةً بعد صدور وعد "بلفور" عام 1917م، وبدايات هجرة يهود العالم إلى فلسطين منذ عام 1923م، وقد استمر هذا الخطر في التزايد؛ حتى كانت نكبة العالم الإسلامي كله بقيام "دولة إسرائيل" في القلب منه لتمثل بؤرة جديدة من بؤر التوتر، واستمرار الصراع الذي لم يتوقف حتى الآن.


أهم عناصر القوى السياسية ذات التأثير في المجتمع المصري قبل ظهور جماعة الإخوان المسلمين: يمكن القول: إن القوى السياسية ذات الفاعلية، والتأثير في المجتمع المصري، والتي شكلت عناصر المعادلة السياسية في فترة ما قبل الإخوان- كما استمرت بعد هذه العناصر فترة طويلة بعد ظهور الإخوان- هي:


1- الاحتلال الإنجليزي

منذ أن احتل الإنجليز مصر في 14 سبتمبر 1882م عملوا على الهيمنة على كل نظم المجتمع، ومكنوا لأنفسهم عن طريق التواجد العسكري، والاحتلال الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، والتعليمي، وقامت ثورة 1919م للحصول على الاستقلال السياسي الكامل، وترتب عليها نتائج إيجابية محدودة مثل إعلان الحماية البريطانية على مصر، وأن تكون مصر دولة مستقلة ذات سيادة بمقتضى تصريح 28 فبراير 1922م، غير أن الإنجليز احتفظوا فيه لأنفسهم بتولي أربعة أمور بصورة مطلقة، وهي التحفظات التي بررت لهم التدخل في شؤون "مصر" الداخلية، وإبقاء جيشهم فيها مما جعل أمر الاستقلال أمرًا شكليًا (د. عثمان عبد المعز رسلان ، التربية السياسية عند الإخوان المسلمين، مرجع سابق ، ص 105) وكان وجود الاحتلال البريطاني، وما ترتب عليه من أوضاع سببًا كافيًا في حد ذاته لإثارة المشاعر الوطنية والدينية لدى المصريين. (زكريا سليمان بيومي، مرجع سابق ، ص 33)


ويذكر الإمام "البنا" أن وجود المعسكر الإنجليزي في الإسماعيلية- حيث نشأت جماعة الإخوان المسلمين- كان يبعث في نفس كل وطني غيور الأسى، ويدفعه إلى مراجعة الاحتلال، وأنت ترى أوضاع هذا الاحتلال، وأفعاله عملت عملها في نفسه، وأوحت له بكثير من المعاني التي كان لها أثر كبير في تكييف الدعوة والداعية. (مذكرات الدعوة والداعية ص 75 -76).


2- القصر "الاستبداد الملكي"

برغم دخول "مصر" ممارسة برلمانية- استنادًا إلى دستور 1923م- إلا أن كل من الملك "فؤاد" ثم "فاروق" قد مارسا استبدادًا شبه مطلق في "مصر" مستندين إلى عاملين:


العامل الأول: دستور 1923م الذي أعطى الملك حق حل مجلس النواب مطلقًا، وتأجيل انعقاده، وحق تعيين رئيس الوزراء، ومنع تعيين الوزير الذي لا يوافق عليه، وله أن يحول دون صدور القوانين التي يمتنع عن التوقيع عليها، وله أن يعين خمس أعضاء مجلس الشيوخ ... إلخ، فكان للملك صلاحيات واسعة، فقد كان يملك، ويحكم على عكس ما تقضي به تقاليد النظام البرلماني، بل إنه لم يكتف بذلك إذ لم يتورع عن انتهاك الدستور، والخروج بالكلية على قواعد الممارسة البرلمانية الديمقراطية، وليس أدل على ذلك من أن جميع البرلمانات خلال العهد الملكي قد حلت قبل أن يكمل أي منها مدته القانونية ( باستثناء برلمان 1945م) وقد أدى تمادي الملك في الإقدام على حل البرلمان إلى "إيجاد درجة عالية من عدم الاستقرار السياسي، وتعطيل الحياة النيابية إلى حد إلغاء الدستور ذاته، وإصدار دستور آخر عام 1930م. ( إبراهيم البيومي غانم ، مرجع سابق ، ص 56)


والعامل الثاني: وفي سبيل الاحتفاظ بأكبر قدر من السلطة، والمشاركة الفعلية في صنع القرار السياسي سعى الملك إلى تشجيع قيام بعض الأحزاب في إطار الشرعية القائمة؛ لتكون أداة طيعة في يديه؛ لتحقيق أهدافه، وقد سميت "بأحزاب القصر" أو "أحزاب الأقلية" أي التي اعتمدت- كاملاً- على الملك للوصول إلى السلطة، فاستعان بها لضرب الحياة النيابية، وتعطيل الدستور. (د. عثمان عبد المعز رسلان، التربية السياسية عند الإخوان المسلمين، مرجع سابق ، ص 108)


3- الأحزاب السياسية

كانت سياسة الإنجليز تهدف- كما يذكر كرومر- إلى ربط "مصر" بهم، وصبغها بالصبغة التي ترضى فيما بعد أن تكون البلاد جزءًا لا يتجزأ من الدولة البريطانية، دون عنف، ودون اتخاذ إجراءات قاسية، ولكن بهدوء، وصبر، وطول أناة، وتتحصل هذه السياسة في أن السيطرة البريطانية على "مصر" لا تعتمد على الحماية، أو التبعية المباشرة، ولكنها تعتمد على تنظيم "بريطانيا" لأوضاع الحكم، والإدارة المصرية، تنظيمًا يكفل لها السيطرة من خلال نظام يشغله المصريون أساسًا، وطبقًا لذلك صدر تصريح فبراير 1922م، ودستور 1923م، وأصبح من المقرر أن العملية التي تحل بها القضايا السياسية الداخلية تتركز في البرلمان، وأن العلاقات مع "بريطانيا"- بشأن التحفظات الأربعة- تحصر في المفاوضات السلمية، وطبقًا لذلك كله وضعت الديمقراطية الليبرالية موضع التطبيق، وبدأت ممارسات الأحزاب التي شكلت فترة البحث اتجاهات ثلاثة من حيث الحجم والاستناد: حزب الأغلبية الشعبية (الوفد)، والأحزاب المنشقة عنه، والمسماة بأحزاب الأقلية، وأحزاب القصر (الاتحاد- الشعب)، بجانب الحزب الوطني. ( يحسن الرجوع إلى تفاصيل هذه المرحلة إلى:


محمد محمد حسين، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ، مرجع سابق ، ج 2)وكان حزب الوفد هو من الأحزاب التي أنشئت بعد "الحرب العالمية الأولى" حيث رأى رجال السياسة ضرورة سفر وفد منهم إلى مؤتمر الصلح؛ للمطالبة بالاستقلال، وفضح أسلوبه في الكفاح منذ نشأته فمؤسسوه- وعلى رأسهم "سعد زغلول"- ينتمون إلى حزب الأمة أو "مدرسة الشيخ محمد عبده " تلك المدرسة التي عُرفت بما يُسمى "الاعتدال والواقعية والتدرج في الإصلاح الداخلي الذي يليه الجلاء (زكريا سليمان بيومي ، مرجع سابق ، ص 38) وبالتالي فقد هادنت الاحتلال – ومن ثم نالت تشجيعه– فضلاً عن أن أبناء هذه المدرسة عارضوا فكرة الجامعة الإسلامية.


بالإضافة إلى حزب الوفد كان هناك "الحزب الوطني" وهو من الأحزاب التي كانت قائمة قبل الحرب العالمية الأولى، إلا أنه كان في أضعف مراحله بسبب فقده الزعامة بعد موت "محمد فريد" سنة 1919م في "برلين" ووجود الشيخ "عبد العزيز جاويش" خارج مصر، وعدم تمكنه من العودة إلى مصر؛ حتى سنة 1923م، وبالرغم من هذا الضعف إلا أنه قدم أسلوبًا في الكفاح ميزه عن مجموع الأحزاب السياسية المصرية في تلك الفترة، وهو تمسكه بمبدأ " لا مفاوضة إلا بعد الجلاء".


وفي عام 1925م أنشئ "حزب الاتحاد"، وكان واضحًا منذ البداية تبعيته للسراي، ولم يخف أعضاء الحزب هذه التبعية، فجعل على رأس دعايته عند تأسيسه "الولاء للعرش" ولما كان من بين أهداف الحزب الاشتراك في الحكم، فقد عمل على تحسين علاقتهم بالإنجليز، فكان بذلك أول الأحزاب السياسية التي جمعت بين الولاء للقصر، والولاء للاحتلال. (- المرجع السابق، ص 43) وكانت هذه الأحزاب- ماعدا الوطني- تتسم بما يلي:


- سيطرة كبار الملاك، ورجال المال عليها، وهذا واضح في أحزاب الأقلية وفي حزب الوفد بعد عام 1936م حيث دخلته العائلات الإقطاعية، وبدأ هدفه ينحرف إلى مجرد الوصول إلى الحكم.


- انشغالها بلعبة السلطة، والانتخابات مما أدى إلى استهلاك طاقات المصريين في غير موضعها بدلاً من توحيد الجهود؛ لتحقيق الاستقلال.


- احتواء الاحتلال لهذه الأحزاب جميعًا- ماعدا الوطني- من حيث قبولها أن تكون خادمة للقانون الوضعي، والنظام الليبرالي القائم على الإعجاب بالمثل الغربي- العلماني، وأسلوبه في العيش بحيث يمكن القول: إنها جميعًا كانت تمثل تيار الفكر الوافد، وهو نفس فكر المحتل الأجنبي.


- قبلت جميعها المفاوضات مع المحتل، محولين الصراع معه من ثورة شعب ضد معتد غاصب إلى مفاوضات سياسيين مع قوة محتلة لا تناقض بينهما أيديولوجيًا.


- ولم يكن لأحزاب الأقلية أي مبرر لقيامها سوى السعي للحكم، فلم يكن بينها أي تخالف جوهري يدعو إلى تعددها، ولم يكن لها برامج عملية تعمل؛ لتطبيقها، ونتيجة لذلك عملت على تزييف الحياة النيابية بالتزوير في الانتخابات، وغير ذلك، وعلى إفساد الحياة السياسية المصرية إذ استعان بها الملك لعمل انقلابات دستورية، وضرب الحريات.


- اتسمت أساليب الممارسة الحزبية بالانتهازية، والصراع المرير في سبيل الوصول إلى السلطة باستخدام كافة الوسائل قانونية كانت أم غير قانونية إلى حد انتهاك الدستور، بل إلغائه.


ويمكن القول: إن الأحزاب- في مجملها- افتقدت إلى وجود تنظيم حزبي دقيق بالمعنى المتعارف عليه في النظم الحزبية الغربية، وكانت أحزاب- باستثناء الوفد- أقرب إلى "الشلل" التي نشأت من تجمع عدد من الشخصيات السياسية منها إلى التنظيمات الحزبية الحديثة، ومن ثم افتقدت إلى الديمقراطية داخلها، وبرزت ظاهرة الزعامة الفردية التي وصلت إلى درجة التقديس. ( إبراهيم البيومي غانم ، مرجع سابق ، ص 61) كما تميز التعدد الحزبي القائم- قبل ظهور جماعة الإخوان- بعدم التوازن بين حزب كبير- الوفد- تمتع بثقة شعبية كبيرة، وعدد من الأحزاب الصغيرة قليلة الشأن والعدد وصفت بأنها "أحزاب أقلية" مقابل وصف الوفد بأنه "حزب الأغلبية".


4- قوة الجماهير

وكان قوامها الطلاب، والعمال، والموظفين، وبرزت قوتها في ثورة 1919م، وما بعدها، وكانت على وعي بحقوقها، وحريصة على المطالبة بها في شكل مظاهرات، وإضرابات، ولكن لم تكن ممتلكة للتنظيم السياسي الشعبي ذي البرنامج المتفق مع هويتها، وأيديولوجيتها، وجاءت الأحزاب، فجعلت الكلمة للزعماء السياسيين، وليس للشعب، ولم يكن لأحزاب الأقلية أي توجه شعبي. (المرجع السابق ، ص 111) ويمكن القول: إن التطورات للأحداث السياسية التي شهدتها "مصر" خلال الفترة قبل ظهور الإخوان قد تداخلت، واختلطت إلى حد كبير بالقضايا الفكرية، والصراعات التي دارت حولها، فتارة كانت الأفكار تقود- ضمن عوامل أخرى- إلى التطورات السياسية، وتارة أخرى كانت الأحداث والتطورات السياسية ذاتها هي التي تفجر الجدل الفكري، والصراع بين الاتجاهات المختلفة. (إبراهيم البيومي غانم ، مرجع سابق ، ص 44).