محمد أسعد الحكيم
مقدمة
كثير من الشخصيات كانت لها بصمات فعالة داخل جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها غير أنها سرعان ما انقطع أثرها وتاريخها دون معرفة الأسباب أو الظروف التي أدت لذلك، وكالداء المستمر لم يحسن الإخوان منذ القدم التأريخ لأحداث وشخصيات الجماعة على مدار تاريخها مما قطع الصلة بكثير من الشخصيات مثل محمد أسعد الحكيم الذي كان يتبؤ مكانا عظيما في الجماعة منذ نشأتها حيث كان كاتم سرها أو أمين سرها.
البداية
لم نعرف تاريخ ميلاد الأستاذ محمد أسعد الحكيم إلا أن بعض المعلومات ذكرت أنه كان زميلا للأستاذ عبد الرحمن الساعاتي أخو الأستاذ حسن البنا، ولذا فمولدهما ربما يكون قريب من نفس العام حيث أن الأستاذ عبدالرحمن ولد عام 1908م، حيث كانا طالبين في مدرسة التجارة المتوسطة بشارع الفلكي، وحينما تخرجا عملا سويا موظفين في هندسة وابورات سكة الحديد، كما أنهما ارتبطا بصلة مصاهرة حيث تزوج عبد الرحمن البنا من اخت محمد أسعد الحكيم.
كان لتربية أسعد الحكيم الملتزمة بشرائع الدين سببا قويا في تعرفه على عبد الرحمن البنا، الذي نشأ هو أيضا في بيت علم حيث حرص والده الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا على حسن تربيته وتهذيب سلوكه، هذا غير تأثير أخوه الكبير حسن عليه.
كانت حماسة الشباب التي تحلا بها دافعا إلى النظر لواقع الأمة المرير فيقررا العمل من أجل الإسلام، حيث يقول الأستاذ البنا عنهما في مذكراته: "وتخرج الفتيان الطيبان وفي نفسهما للإسلام حب عميق وشعور بالتبعة، وميل إلى العمل، والكفاح في سبيل هذا الدين الحنيف، ومظهر العمل للإسلام حينذاك تكوين الجمعيات الإسلامية".
سعى محمد أسعد الحكيم إلى التعاون مع عبد الرحمن البنا أثناء دراستهما لتأسيس جمعية دينية في مدرسة التجارة المتوسطة بشارع الفلكي، هما وبعض زملائهما اتخذوا من مصلى المدرسة مقرًا لاجتماعاتهم.
وبعد أن تخرج استمر على نهجهما في تكوين جمعيات إسلامية تحض على مكارم الأخلاق، فأسسا جمعية الحضارة الإسلامية والتي وصفها الإمام حسن البنا في مذكراته
بقوله:
- "وهكذا نشأت "جمعية الحضارة الإسلامية" فشقت طريقها، واتخذت لها من حجرة في الدور الأول ذات فناء فسيح بحارة الروم مكاناً للنشاط، وميداناً للعمل، وانضم إليها اخوة فضلاء يلقون المحاضرات، يواظبون على الدروس للناس، ويدعون إلى الله بإحسان".
الانضمام للإخوان
في صيف عام 1929م الموافق 1348هـ دعت جمعية الحضارة الإسلامية الإمام الشهيد لإلقاء محاضرة لرواد الجمعية بعنوان "الإسلام أساس السعادة"، وبعدها اجتمع أعضاء جمعية الحضارة وقرروا الانضمام إلى جمعية الإخوان المسلمين في الإسماعيلية، وعرضوا ذلك على الإمام الشهيد فوافق على ذلك
وأشار عليهم أن يتخذوا دارًا جديدة غير هذه الدار، فتم اختيار دار جديدة هي منزل سليم باشا حجازي بسوق السلاح، وقد عمل الإخوان بأنفسهم حتى أصبحت الدار مقصدًا لكثير من الطلاب والشيوخ، وكان منهم الشيخ محمد فرغلي والشيخ أحمد حسن الباقوري والشيخ محمد أحمد شريت وأخواه حامد شريت وأحمد شريت
والشيخ عبد اللطيف الشعشاعي، والأستاذ محمد النبراوي، والشيخ جمال العقاد السوري الحلبي، وقد قامت الإسماعيلية بجهود مشكورة في إمداد فرع القاهرة الناشئ بالمعونات المادية حتى تصبح منبرًا لدعوة الإخوان في العاصمة المصرية.
وتم افتتاح فرع القاهرة وإعلان انضمام جمعية الحضارة الإسلامية للإخوان المسلمين، واعتبارها فرعًا لها بالقاهرة في حفل باهر حضره الكثير من العلماء ورجال الدين، بالإضافة لوفود من الأقاليم الأربعة التي فتحت فيها شعب للإخوان المسلمين، وهي الإسماعيلية والمحمودية وشبراخيت وبورسعيد وغيرهم. وقد أعد لكل شعبة علم انضوى تحت لوائه إخوان تلك الشعب، على أن الاعتماد الرسمي لتلك الشعبة كان بقرار من مجلس إدارة الإسماعيلية في محضر رقم (26) بتاريخ 15 من يوليو سنة 1931م.
وحينما انتقل الأستا حسن البنا من الإسماعيلية إلى القاهرة عام 1932م تشكل أول مجلس شورى للجماعة عام 1933م فكان الأستاذ محمد أسعد الحكيم واحد من أعضاء هذا المجلس، بل اختير ليكون من أوائل أعضاء أول مكتب إرشاد للإخوان المسلمين حيث تولى مهمة أول سكرتير عام لجماعة الإخوان المسلمين.
وحينما صدر التصريح لمجلة الإخوان المسلمون وبدأ الطبع، كان أول رئيس تحرير للمجلة هو الشيخ طنطاوي جوهري، وصدر العدد الأول بتاريخ الخميس 22 من صفر 1352هـ الموافق 15 من يونيو 1933م، وصدر حق الامتياز للمجلة باسم الإمام الشهيد حسن البنا، وقد شارك في إدارتها كل من الأستاذ محمد أسعد الحكيم والأستاذ عبد الرحمن الساعاتي والأستاذ محمد حلمي نور الدين وغيرهم من الإخوان، وكان الإخوان يقومون بتغليف المجلة وتوزيعها بأنفسهم على المساجد وعلى الناس.
وبعدما تقرر عقد مجلس شورى الإخوان العام الثاني في بورسعيد في اليوم الثاني من شهر شوال 1352هـ الموافق 18 يناير 1934م، حضره الأسنتذ محمد أسعد الحكيم ممثلا ضمن مجموعة مكتب الإرشاد، كما ظل سكرتيرا عاما للجماعة في التعديل الذي جرى على مكتب الإرشاد في نفس العام.
بل كان واحد من الموقعين على العريضة التي رفعها مجلس الشورى العام للملك فؤاد والتي طالبوا فيها التصدي لخطر التبشير الذي انتشر في أرجاء البلاد، وسحب الرخص من أي مستشفي أو مدرسة يثبت أنها تشتغل بالتبشير، وإبعاد كل من يثبت للحكومة أنه يعمل على إفساد العقائد وإخفاء البنين والبنات، والامتناع عن معونة هذه الجمعيات بتاتاً بالأرض أو المال.
وفي ديسمبر 1936م انعقدت الجمعية العمومية للإخوان المسلمين، وقررت فصل سكرتارية مكتب الإرشاد عن إدارة منطقة القاهرة، وقد أوردت جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية قرارات الجمعية العمومية تحت عنوان "جمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة" فقالت: انعقدت الجمعية العمومية للإخوان المسلمين برياسة فضيلة المرشد العام يوم الجمعة الموافق 26 من شعبان 1355هـ - 1936م
وقررت ما يأتي:
أولاً: فصل سكرتارية مكتب الإرشاد العام عن إدارة القاهرة، على أن يقوم بأعمال السكرتارية حضرات الإخوان: محمد حلمي أفندي نور الدين وعبد الرحمن أفندي الساعاتي ومحمد أفندي أسعد الحكيم.
وحينما أوفد الإخوان أول بعثة لهم إلى الشام مثلها الأستاذ عبد الرحمن الساعاتي والأستاذ محمد أسعد الحكيم وذلك في 5 من جمادى الأولى 1354هـ الموافق 5 أغسطس 1935م، وكان في صحبتهما الزعيم التونسي الأستاذ الثعالبي، كما اتصلا في هذه الزيارة أيضًا بسماحة مفتي فلسطين الشيخ أمين الحسيني الذي احتفى بهما ورحب بقدومهما، ثم سافرا إلى دمشق محملين برسائل لرؤساء الهيئات والجماعات في سوريا.
حتى أن الشيخ محمد أمين الحسيني أرسل برسالة إلى رئيس جمعية الهداية الإسلامية بدمشق يثني فيها على أخلاق الأستاذ الساعاتي وأسعد الحكيم حيث جاء فيها:
حضرة صاحب الفضيلة رئيس جمعية الهداية الإسلامية بدمشق..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،
فقد حظينا اليوم بزيارة حضرتي الأستاذين المهذبين عبد الرحمن أفندي الساعاتي ومحمد أفندي أسعد الحكيم مندوبي جمعية الإخوان في الديار المصرية، ولقد أعجبنا كثيرًا بثقافتهما الإسلامية وتمسكهما بآداب الدين الحنيف، وعملهما على نشر المبدأ الإسلامي القويم: (إنما المؤمنون أخوة)
ولقد علمنا برغبتهما في زيارة سوريا للتعرف على إخوانهم المسلمين العاملين فيها على رفع كلمة الإسلام، فرأينا أن نقوم بعقد صلة التعارف بين حضراتكم تحقيقًا لقصدهما ورغبتهما، ولا ريب في أنهما سيجدان من الحفاوة والإكرام في رحابكم الواسعة وفي دمشق الفيحاء ما يثبت في أذهانهما أحسن الذكريات عن هذه الزيارة الميمونة.
وختامًا تفضلوا بقبول وافر التحية والاحترام
إمضاء
رئيس المؤتمر الإسلامي العام
مكتب المؤتمر الإسلامي – بيت المقدس
في 17 من جمادى 1354هـ الموافق 17 أغسطس 1935م.
كما أسفر اتصال الأستاذين عبد الرحمن الساعاتي وأسعد الحكيم في رحلتهما إلى الأقطار الشقيقة واتصالهما بالهيئات الإسلامية هناك أن جمعية المقاصد الخيرية قد طلبت إلى المركز العام أن يوفد إليها أحد الإخوان ليقوم بتدريس التشريع والأدب.
تغير الخريطة
ظل محمد أسعد الحكيم عضوا بمكتب الإرشاد حتى دخول عبد الحكيم عابدين إلى مكتب الإرشاد، وتغير خريطة وأعضاء المكتب فلم يصبح أسعد الحكيم عضوا بالمكتب إلا أنه احتفظ بعضويته في مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين عام 1939م.
إلا أنه من الغريب أن تختفي أخبار الأستاذ محمد أسعد الحكيم منذ بداية الأربعينيات، فلم يذكر في أي عمل من أعمال الإخوان ولا ندري ماذا حدث له؟ وهل استمر في الإخوان أم لا؟ ومتى مات أو كيف؟ حيث يظل هو أيضا من الشخصيات التي انقطع أثرها فجأة.
المصادر
- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 2001م.
- مجلة الدعوة: الثلاثاء 16 جماد الأولى 1371هـ - مارس 1952م صـ 11.
- جريدة الإخوان المسلمين: السنة الأولى – العدد 3 – الخميس 6 ربيع أول 1352هـ - 29 يونيو 1933م.
- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006م.