وألاعيب مكشوفة أيضاً

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
وألاعيب مكشوفة أيضاً


بقلم : عبد العال الباقوري

أرجو ألا نضل ولا يضل غيرنا. أرجو ألا نحسب الشحم فيمن شحمه ورم.

أرجو ألا تخدعنا الكلمات مهما تكن معسولة.

أرجو ألا نرفع عيوننا ولا نبعدها عن الحقائق والوقائع وهي صارخة بأن وحدة العراق في أخطر مراحلها، منذ الغزو والاحتلال، وكل يوم يمر يحمل في ثناياه أخطاراً أكبر، إلا إذا..

إلا إذا استمسكنا بحبل من السياسة قوي ومتين، السياسة التي تعنى تصريف الأمور وإدارتها بحيث تتحقق الأهداف التي نريدها..

ونقطة البدء هنا: علينا ألا ننسى أو نتناسى، علينا ألا نهمل وألا نتجاهل قرار مجلس الشيوخ الأميركي بتقسيم العراق..

وعلينا ـ بالتالي ـ أن نفتح العيون كي ترى، وأن نشحذ العقول كي تستوعب، وأن تسمع آذاننا كل ما يجري حولنا، وبحيث لا يزيغ البصر، ولا تضل الرؤية، ولا نقف كثيراً عن الإدعاء بأن «القرار غير ملزم»، وأن «التقسيم» ليس وارداً، وأن «كوندوليزا رايس» وزيرة الخارجية الأميركية غير مؤيدة للقرار الذي رعاه وقدمه السناتور الديمقراطي جوزيف بايدن.

ثم يخرج هذا الأخير ومعه واضع القرار وصائغه لكي يعلنا أن هدفهما «الفيدرالية» وليس «التقسيم».

وهذه لعبة قديمة عانينا منها كثيراً وتجرعناها طويلاً، وما تجربة «وعد بلفور» واتفاق «سايكس ـ بيكو» عنا ببعيد.

إن الإدعاء بأن قرار مجلس الشيوخ الأميركي غير ملزم مقولة باطلة شكلاً ومضموناً، ولا يراد بها إلا باطل. وقبل أن نفتح دفاتر التاريخ ونستعيد دروسه، نرصد وقائع مما جرى، وهي تؤكد أن رد الفعل العربي الرسمي ـ بل والشعبي ـ لم يكن في مستوى الفعل ـ الجريمة ذات الطراز العصري «العولمي» الفريد.

وهنا، كان أهل مكة أدرى بشعابها، وكان شعب العراق وقواه الحية الأكثر وعياً بالخطر، والأكثر إدراكاً لما يدبر، ولذلك اتحدت قوى وتوحدت قوات، من المؤكد أنها إذا ناصرتها أمتها ـ ولابد أن تناصرها ـ ستستطيع دفع الخطر.

ولعل رد الفعل الشعبي العراقي المتصاعد هو الذي جعل من اتخذوا القرار ـ الجريمة ـ يطلقون أكاذيب لا يخفى عليهم هم أنفسهم أنها «أكاذيب مكشوفة ومفضوحة».

أما شعبنا العربي فقد شرب منذ قبل كأس أكاذيب مماثلة، ولا تزال في قلبه وصدره وفي قلبه وعقله وبقية جسده آثارها باقية لقد لدغنا من الجحر ذاته أكثر من مرة.

ولن ننسى، ولا يمكن أن ننسى الوعد الذي منحه من لا يملك إلى من لا يستحق، كما لا يمكن أن ننسى أن «الوعد» كما قيل عند كشفه وفضحه لا يتضمن أكثر من «وطن قومي» أو «ملجأ» لليهود.

فإذا به دولة اعتداء وعدوان ومنذ 1922 ـ حين وضع الوعد في صلب وثيقة انتداب بريطانيا على فلسطين ـ إلى 1947 كان الساسة البريطانيون لا يتحدثون إلا عن «وطن قومي»، كان هذا مجرد كلام، وعلى الأرض كان البريطانيون أنفسهم يقيمون القواعد ويضعون الأسس لقيام «دولة» صهيونية في فلسطين.

وبدأت هذه المسيرة ـ الجريمة على يدي «هربرت صموئيل» أول مندوب سام بريطاني في فلسطين(1).

وما أكثر الأشباه والنظائر بين وقائع أمس بالنسبة ل فلسطين ، ووقائع اليوم بالنسبة للعراق..

يكفي ـ مثلاً ـ أن نقارن هربرت صموئيل ذي الميول الصهيونية بنظيره الأميركي في العراق بول برايمر الموالي للمحافظين الجدد، وهواهم الصهيوني لا يخفونه ولا يخفى على أحد.

وقبل أن تنطلق شرارة الحرب العالمية الأولى، كانت خطة بريطانيا ل فلسطين محددة، وموضع مباحثات مع الصهاينة الذين كتب أحدهم وهو حاييم وايزمان في العاشر من تشرين الأول / أكتوبر 1914 ، وقبل أن تدخل تركيا الحرب:

«إن خططي تقوم على أساس افتراض أن الحلفاء سوف يكسبون الحرب، وهذا ما أوده مخلصاً، ولا شك أن فلسطين سوف تقع في نطاق نفوذ بريطانيا، فإن فلسطين امتداد طبيعي ل مصر »..

وإذا أتيحت لنا الفرصة فإننا نستطيع أن ننقل مليون يهودي إلى فلسطين خلال الخمسين أو الستين عاماً القادمة، وبذلك يتوفر لبريطانيا حاجز ويتوفر لنا وطن»(2).

إذن لم يكن وعد بلفور سوى صفقة متكاملة، ومؤامرة كاملة، ولا وجه هنا لمن ينكرون حديث «المؤامرة».

وحين فاحت رائحة المؤامرة، وتكشفت محتويات الصفقة، خرج الساسة البريطانيون يزعمون أنه لن يترتب على إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين إلحاق أي ضرر بأهل البلاد العرب!.

هل يردد المرء هنا ومضطراً كلمة لا يستسيغها، وهي: ما أشبه الليلة بالبارحة!!.

عبرة أمس يجب أن تكون حاضرة واضحة لدى العرب في مواجهة القرار الأميركي ضد العراق .

عليهم أجمعين (؟) أن يستعيدوا كامل التجربة مع بريطانيا في فلسطين، كي لا يقعوا اليوم في أخطاء بل خطايا أمس.

عليهم ـ بادئ ذي بدء ـ ألا يبدوا حسن النية في صديق اليوم أي الصديق الأميركي، كما أبدوها من قبل في فلسطين بالحليفة الكبرى بريطانيا، كما وصفها الشريف حسين بن علي حتى بعد أن علم باتفاقها مع فرنسا أي اتفاق «سايكس بيكو» الذي نقض وعود بريطانيا له باستقلال عربي ووحدة.

وقد علم الشريف بهذه المؤامرة قبل أن يمضي عام على توقيعها.

وحين علم لم يثر ولم يحتج، بل إنه نهى معتمده في مصر عن التحدث في الموضوع والاحتجاج. وطمأن الرجل نفسه بأن العرب سيصلون إلى غاياتهم في الوقت المناسب فلماذا التسرع.

ففي أيار (مايو) 1917 ، وصل «سايكس» البريطاني و«بيكو» الفرنسي إلى جدة ليشرحا للحسين اتفاقهما الذي زعما أنه لا يتعارض مع اتفاق «مكماهون» معه في الرسائل التي تبادلاها في عامي 1915 ـ1916 وكان «مكماهون» الذي يقدم تعهداته باسم بريطانيا، مندوباً سامياً في مصر.

وقد اقتنع الحسين بكلام «سايكس» و«بيكو» لدرجة أن ابنه فيصل الذي سيصبح ملكاً على العراق بعدئذ «دهش من تساهل والده وأخذ يبكي أمام ضيوفه الأجانب» (3).

وقبل هذا اللقاء، وحين استفسر الحسين من المسؤولين الإنكليز عن اتفاقهم مع الفرنسيين ردوا عليه بأن «الاتفاقية ليست معاهدة رسمية، بل هي مجرد تبادل وجهات النظر ومباحثات بين الحكومتين البريطانية والفرنسية».

وقد ظل الحسين حتى اللحظة الأخيرة من الحرب العالمية الأولى يفاخر «بولائه للإنجليز وبثقته فيهم». واليوم، وفي ظل قرار تقسيم العراق ، لا يزال قادة عرب يتحدثون عن تحالف استراتيجي مع الصديق الأميركي!! ولذلك لم يخرج ـ حتى كتابة هذه السطور ـ رئيس أو ملك أو سلطان عربي يرفض علناً هذا القرار ـ الجريمة، واكتفى البعض ببيانات هزيلة من مجالس نيابية كسيحة أو على لسان متحدث لا يجيد العربية، أو من اجتماع للمندوبين الدائمين لدى الجامعة العربية، وليس هكذا تواجه القرارات التي تحدد المصائر، ومنها هذا القرار الجائر..

ومن المؤكد أن رد الفعل العربي الضعيف والواهن على هذا القرار سيؤدي إلى تنفيذه وليس إلى وقفه خاصة وأن من أصدروا القرار حاولوا أن يكرروا تجربة أمس مع عرب الحرب العالمية الأولى. ففي يوم الثالث من تشرين الأول (أكتوبر ) الحالي، خرجت صحيفة «الواشنطن بوست» الأميركية الواسعة النفوذ والتأثير بمقال عنوانه «الفيدرالية ليست التقسيم».

وقد كتب المقال الاثنان اللذان دبرا القرار، وهما السيناتور جوزيف بايدن وحليفه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ليزي جيلب الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية ذي التاثير الواسع في دوائر صنع السياسية الخارجية الأميركية.

زعم السياسيان الأميركيان الكبيران إن خطتهما لا تعني تقسيم العراق ، وتحدثا عن الفيدرالية كوسيلة للحفاظ على وحدة العراق ، وقالا إن بعض مؤيديهم وبعض وسائل الإعلام هي التي أخطأت بتصوير الخطة على أنها تعني التقسيم..

ثم أضاف بايدن وجيليب عبارة تستحق أن تقرأ بعمق، إذ قالا: «إننا لا نحاول فرض خطتنا، إذا كان العراقيون لا يريدونها، فإنه يجدر بهم ألا يأخذونها وألا يطبقونها، كما جاء في تعديل مجلس الشيوخ بوضوح».

ولو كان الأمر كذلك فلماذا صدر القرار أصلاً، وبهذه الأغلبية الكبيرة، وهي 75 صوتاً ضد 26 فقط!!.

أليست هذه اللغة قريبة من تعبيرات البريطانيين من قبل عند حديثهم عن وعد بلفور بأن الوطن القومي اليهودي لن يلحق ضرراً بأهل البلاد العرب.

إنه كلام أشبه «بالضحك على الذقون»!.

وفي اليوم التالي، أي الرابع من تشرين الأول / أكتوبر الحالي، كتب المعلق الأميركي الشهير ديفيد اجفاتيوس في «الواشنطن بوست» نفسها مقالاً بعنوان: «تقسيم العراق لانقاذه» تحدث فيه عن عبارة من مخلفات الحرب الفيتنامية وهي «لقد كان ضرورياً تدمير المدينة من أجل إنقاذها»!!.

وقد اختتم مقاله بالعبارة التالية: «العراقيون وجيرانهم العرب سيكون لديهم وقت صعب كي يغفروا لأميركا المعاناة البشرية التي صاحبت تدمير نظام حسين.

لكن إذا انتهت القصة بتدمير الدولة العراقية فإنها ستفتح جرحاً قد لا يندمل قبل قرن من الآن.

وقد يرغب العراقيون في النهاية في نوع من التقسيم السهل، وإلى أن يفعلوا ذلك فإننا لن ننشغل في بتر دولة».

وإذا كان ذلك، فمن الذي يعمل ويقرر تقسيم العراق ؟.

وهل من جواب عربي على هذه الألاعيب والأكاذيب المكشوفة التي تفصح عن حقيقة النيات الأميركية.

هوامش:

1ـ سحر الهنيدي: التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي: فترة هربرت صامويل 1920 ـ 1925 مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 2003 .

2ـ لعل أهم كتابين يستجقان القراءة حالياً لفائدتهما في المقارنة بين أحداث أمس ووقائع اليوم هما:

أ ـ ج. م. ن. جفريز: فلسطين إليكم الحقيقة، 4 أجزاء، ترجمة أحمد خليل الحاج. الهيئة العددية العامة للكتاب القاهرة 1971 .

ب ـ محمود حسن صالح منسي تصريح بالفور دار الفكر العربي، القاهرة ، 1970 .

3ـ اعتمد هذا الجزء التاريخي على أستاذنا الدكتور أنيس صايغ في كتابه: « الهاشميون وقضية فلسطين »، منشورات جريدة المحرر والمكتبة العصرية، صيدا ـ بيروت، 1966.

المصدر